- ThePlus Audio
ويلات ومحن الإمام علي بن موسى الرضا (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
محن الأئمة (عليهم السلام) في دار الدنيا
حديثنا حول إمامنا أبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع). إن أئمتنا جميعهم قضوا في هذه الدنيا ممتحنين ومبتلين، وعلى رأسهم النبي (ص) المصطفى (ص) الذي ما أوذي نبي مثلما أوذي. إن أمير المؤمنين (ع) ظلم بعدد الحجر والمدر قبل وفاة النبي (ص)، وحين الوفاة، وبعد الوفاة وحين حكومته، وقبيل استشهاده. ولا نبالغ إذا قلنا: أن حياة أمير المؤمنين (ع) كلها محن. وللإمام المجتبى (ع) محنته في منزله، وابتلاءه مع الفضل وابتلاءه مع أصحابه، وخذلان القوم له، وجبره على المصالحة، وإلى آخره، حتى إنه لم يسلم من هذه المحن بعد استشهاده، فكان شهيدا قد شكت بالسهام أكفانه.
اختلاف محن الأئمة (عليهم السلام)
وأما إمامنا الحسين (ع) فلا يوم كيومه. وسائر الأئمة ابتلوا بالشهادة أو فازوا بالشهادة. إن الحسين (ع) وأمير المؤمنين (ع) قتلا بالسيف وسائر الأئمة (ع) قد قتلوا بسم أعدائهم. ومع ذلك نلاحظ أن بعض الأئمة (ع) ابتلوا بمحنة مميزة؛ أعني بمحنة لا نظير لها عند آبائهم وأبنائهم ومثاله موسى بن جعفر (ع). إن سيد الشهداء لم يسجن هذا السجن وكذلك أمير المؤمنين (ع). ومن القلائل الذين عذبوا في سجون الظالمين هو إمامنا الذي نزوره في أرض بغداد. ونحن نقول: السلام على المعذب في قعر السجون وظلم المطامير. تارة يكون السجن على وجه الأرض وفيه إضاءة ما، وهناك سجن مطبق لا يعلم فيه الليل من النهار فضلا عن التعذيب. إن إمامنا أمضى هذه السنوات الطوال في سجون الظالمين وأخيراً كانت شهادته فيها، وهذه كانت محنة متميزه.
محنة الإمام الرضا (عليه السلام)
وكذلك هو الإمام الرضا (ع)حيث لم يبتلى إمام من أئمة أهل البيت (ع) بمحنة الرضا (ع)؛ أعني بسنخ محنته. أولا: هو غريب الغرباء بعيد المدى. إمامنا (ع) كان بين أهله في المدينة يرعى أيتام أبيه موسى بن جعفر، وفي المنزل إمامنا الجواد وفاطمة المعصومة (ع)، في المنزل أولاد موسى بن جعفر (ع) أكثر الأئمة نسلاً.
ترك المدينة قسرا
ثم يجبر الإمام (ع) على أن يترك أرض المدينة إلى أين؟ لا إلى الكوفة ولا إلى مكة وإنما إلى أقصى البلاد مشهد طوس. كانت فيما مضى تعتبر هذه المدينة في أقاصي الأرض؛ فبين المدينة وبين مشهد الرضا (ع) قرابة ألفي كيلومتر، وهذه المسافة ليست بالهينة. والإمام طواها في البراري وهو مخفور؛ أي قيد جبراً وقسراً لولاية ذلك العفريت المستكبر؛ أعني المأمون العباسي. وكم عانى في الطريق إلى أرض؟
أنقل حادثة من حوادث الإمام (ع) لتعلم شدة المعاناة، ولتعلم العلة التي من أجلها صار باباً من أبواب الحوائج، وأنيس النفوس. فمن كانت له حاجة يذهب إلى أرض خراسان. وقد رأيت – تقريبا – جل الزوار أو كلم متفقين على كلمة واحدة عندما يرجع من مشهد الرضا، وهي: لو بقينا فيه شهراً أو شهرين لا نمل. إن أرض طوس هي قطعة من رياض الجنة، ولقد روي عن الجواد (ع) أنه قال: (إِنَّ بَيْنَ جَبَلَيْ طُوسَ قَبْضَةً قُبِضَتْ مِنَ اَلْجَنَّةِ)[١]، وهذه الجائزة هي في مقابل هذه المحنة.
حوار الرضا (عليه السلام) مع مأمون العباسي حول ولاية العهد
عندما تذهبون إلى زيارة الرضا (ع)؛ هناك بقعة خارج مشهد الرضا بعنوان بقعة أبي الصلت. يبدو أنه كان خادماً للإمام (ع)، ويعلم حالاته، يقول أن المأمون قال للرضا (ع): (فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَعْزِلَ نَفْسِي عَنِ اَلْخِلاَفَةِ وَأَجْعَلَهَا لَكَ وَأُبَايِعَكَ فَقَالَ لَهُ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ اَلْخِلاَفَةُ لَكَ وَاَللَّهُ جَعَلَهَا لَكَ فَلاَ يَجُوزُ لَكَ أَنْ تَخْلَعَ لِبَاساً أَلْبَسَكَ اَللَّهُ وَتَجْعَلَهُ لِغَيْرِكَ وَإِنْ كَانَتِ اَلْخِلاَفَةُ لَيْسَتْ لَكَ فَلاَ يَجُوزُ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ لِي مَا لَيْسَ لَكَ)[٢]. وواضح هذا الكلام من المأمون ماذا يخفي خلفه من الغدر والمؤامرة. وقد أجابه الإمام بكلام منطقي مبرهن، وقد حاصره الإمام – كما يقال – بالكلام.
وعندما رأى المأمون أن الكلام لا جواب له قال: (فلابد فَقَالَ لَهُ اَلْمَأْمُونُ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ فَلاَ بُدَّ لَكَ مِنْ قَبُولِ هَذَا اَلْأَمْرِ فَقَالَ لَسْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ طَائِعاً أَبَداً). ثم قال إمامنا كلمة فضحه بها: (تُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَقُولَ اَلنَّاسُ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمْ يَزْهَدْ فِي اَلدُّنْيَا بَلْ زَهِدَتِ اَلدُّنْيَا فِيهِ أَ لاَ تَرَوْنَ كَيْفَ قَبِلَ وِلاَيَةَ اَلْعَهْدِ طَمَعاً فِي اَلْخِلاَفَةِ). أين الإمامة السماوية من أن يكون الإمام خليفة مكان المأمون؟
والإمام بكلمة قاطعة أدخل اليأس في قلب هذا المستكبر وعليه، تقول الرواية أن المأمون غضب وقال: (فغفَبِاللَّهِ أُقْسِمُ لَئِنْ قَبِلْتَ وِلاَيَةَ اَلْعَهْدِ وإِلاَّ أَجْبَرْتُكَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلْتَ وَإِلاَّ ضَرَبْتُ عُنُقَكَ). يعني أن موضوع الخلافة يبدو كان مزحة؛ فالخلافة لي ولكن أنت عليك قبول ولاية العهد.
الاستسلام لمشيئة الله
فلا يظن البعض أن الإمام جاء إلى أرض خراسان وقبل ولاية العهد رغبة واختياراً؛ فهذا النص يدل على أن الإمام أخرج من المدينة قسراً وسيق به في الطريق قسراً إلى أرض طوس، وأقام بها قسراً، وقبل ولاية العهد قسراً، وأكل من ذلك العنب أو الرمان المسموم قسراً. كل ذلك جبر في جبر وهذه سيرتهم (ع) في الاستسلام لما قدره الله عز وجل.
خلاصة المحاضرة
- إن الرضا (ع) لم يأت إلى أرض خراسان وقبل ولاية العهد رغبة واختياراً؛ إن الإمام أخرج من المدينة قسراً وسيق به في الطريق قسراً إلى أرض طوس، وأقام بها قسراً، وقبل ولاية العهد قسراً، وأكل من ذلك العنب أو الرمان المسموم قسراً. ولكنه كان مسلما لمشيئة الله في كل ذلك.