وفاء أصحاب الحسين (ع) يوم عاشوراء.. الهاشميون وآل البيت، هؤلاء كانوا من ذرية النبي (ص)، وكانوا من تربية الحسين مباشرة.. فليس من العجب أن نراهم بهذا التألق، ولكن الكلام في أصحابه.. البعض منهم التحق بركبه ليس من فترة طويلة، ولكن النظرة والتربية الحسينية، أو النظرة الولائية؛ جعلتهم يتحولون إلى فئة، عبر عنهم الإمام (فإني لا أعلم أصحاباً، أوفى ولا خيراً من أصحابي).. من هؤلاء أبو ثمامة الصيداوي، الذي كانت له أمنية في الحياة عندما خاطب الإمام: نفسي لنفسك الفداء!.. من يقول هذه الكلمة، يقولها من باب المجاملة.. أما من قالها يوم عاشوراء، ترجم هذه العبارة في مقام العمل بالدماء الزكية.
(فلم يزل يقتل من أصحاب الحسين الواحد والاثنان، فيبين ذلك فيهم لقلّتهم، ويُقتل من أصحاب عمر العشرة، فلا يبين فيهم ذلك لكثرتهم.. فلما رأى ذلك أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين (ع): يا أبا عبد الله!.. نفسي لنفسك الفداء، هؤلاء اقتربوا منك، ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك، وأحب أن ألقى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة).. أي نخشى أن نقتل قبل أن نصلي هذه الصلاة، وهم لو قتلوا قبل الصلاة؛ لكانوا في أعلى درجات العليين.. هؤلاء مقاتلون والوقت لا زال فيه متسع.
(فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال: ذكرتَ الصلاة!.. جعلك الله من المصلين، نعم هذا أول وقتها).. رفع الإمام رأسه إلى السماء: إما للدعاء، وإما للتأكد من زوال الشمس.. وقال: نعم هذا أول وقتها؛ أي لم يكن يتحمل أن يؤخر الصلاة في يوم عاشوراء عن أول وقتها.
(فقال الحسين (ع) لزهير بن القين، وسعيد بن عبد الله: تقدمّا أمامي حتى أصلي الظهر.. فتقدما أمامه في نحوٍ من نصف أصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف، ورُوي أن سعيد بن عبد الله الحنفي تقدم أما م الحسين (ع)، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل، كلما أخذ الحسين (ع) يمينا وشمالا قام بين يديه، فما زال يُرمى به حتى سقط إلى الأرض وهو يقول: اللهم!.. العنهم لعن عاد وثمود، اللهم أبلغ نبيك السلام عني!.. وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإني أردت بذلك نصرة ذرية نبيك.. ثم مات رضوان الله عليه، فوُجد به ثلاثة عشر سهماً، سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح).. وقف الحسين (ع) ليصلي مع أصحابه تلك الصلاة الأخيرة من حياتهم المباركة.. فوقف سعيد أمام الحسين (ع) مدافعا عنه، فكان يتمايل مع حركة الحسين؛ لئلا يصيبه سهم من سهام الأعداء.
هذا يبرر لنا إصرارنا في إقامة عزائه، ما ذنب الحسين حتى يقتل بهذه الكيفية؟.. ما جرى على سيد الشهداء، لم يصل إلينا بتمامه وكماله، البعض يظن أن هناك مبالغة، بل العكس ما نقل إلينا جاء من نصوص متناثرة هنا وهناك، وإلا ما جرى على الإمام هذا سر محفوظ عند ولده المهدي (عج).. بعض الفجائع يوم عاشوراء، علمناها من زيارة الناحية المنسوبة للإمام المهدي (عج).
وعليه، فإنه حري بنا في ظهر عاشوراء، وفي غيره من ساعات الزوال، أن نقف هذه الوقفة الحسينية.. وفي القرآن الكريم هناك تأكيد على الصلاة الوسطى، المفسرة بصلاة الظهر: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى}.. الذي يؤخر صلاة الظهر عن أول وقتها، لمبررات غير منطقية؛ ليتذكر يوم عاشوراء، وكيف أن الإمام أصر على أن يصلي في أول الوقت.. وليتذكر أبا ثمامة الذي ذكر الإمام بساعة الزوال في ذلك اليوم العصيب!..
وهنيئا لمن استن بسنة الحسين (ع) بالنسبة للصلاة في أول أوقاتها، وفي أحلك الظروف.. المؤمن قد يصلي في أول الوقت بشكل لا يزعجه، ولكن في السنة قد يصادفه موقف محرج: في غرفة العمليات مثلا، أو في سفر، أو في مكان يصعب عليه الصلاة في أول الوقت.. فليعلم أن هذا هو امتحانه: إذا نحج في الامتحان في ذلك اليوم الخاص، الذي تصعب فيه الصلاة في أول الوقت بيسر، هذا الإنسان ملحق بركب الحسين وأصحاب الحسين (ع).
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.