ليس الأمر بغريب أن يجدد الإنسان عهدهُ بذلك الإمام، الذي نعلم من بعض النصوص أن هناك علاقة بين أعمالنا وبينهُ صلوات اللهِ وسلامهُ عليه {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.. السياق الواحد يقتضي التجانس، من الذي يطلع على عملنا بجانب الله ورسوله؟.. من هو هذا المؤمن الذي لهُ الحق أن يرى أعمالنا؟.. من الواضح أن هؤلاء المؤمنين متناسبون مع رسول الله (ص) بنسبة العصمة والولاية.. فإذن، إن المؤمن يوم القيامة لهُ صلة بإمامهِ صلوات الله وسلامهُ عليه.
ومن وظائفنا في زمان الغيبة:
– الالتزام بدعاء العهد.. إن من الأمور التي تعمق صلتنا بهِ -صلوات اللهِ عليه- هذهِ الزيارات والأدعية المروية، التي تذكرنا بهِ وبدولتهِ الكريمة.. بعض هذهِ الأدعية لا نعلم لها سنداً واضحاً، ولكن نحنُ نعلم أنهُ في الأدعية والزيارات، لا نطالب بسندٍ قطعي، فلسنا في مقام الفتوى.. ولكن خصوص هذا الدعاء، مرويٌ عن الإمام الصادق (ع) والملفت حقاً أن النبي الأكرم (ص) وأولادهُ المعصومين جميعاً كانوا يلهجون أو يذكرون ولدهم المهدي -صلوات الله وسلامهُ عليه- وكذلك الأنبياء السلف.. والسرُ في ذلك أنه ليس هنالك من نبي حقق أمنيتهُ في هذهِ الحياة، من ينكر هذهِ الحقيقة؟.. نوح من أولي العزم، معنى ذلك أنهُ نبي متميز، لهُ همة عالية؛ ومع ذلك لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، ما آمن معهُ إلا قليل، وخاصة وأن أقرب الناس إليه وهو ابنهُ، قال كلمة سخيفة: {سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء}.
وعليه، فإن السبب في أن النبي وآل النبي يذكرونهُ؛ لأنهُ يحقق آمال الأنبياء، حتى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في بعض النصوص، لم يحقق آمالهُ في هذهِ الأمة، سئل الرضا (ع) عن قول النبي (ص): (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، وعن قوله (ص): (دعوا لي أصحابي)، فقال: (هذا صحيح، يريد مَن لم يغيّر بعده ولم يبدّل)، قيل: وكيف نعلم أنهم قد غيّروا وبدّلوا؟.. قال: لما يروونه من أنه (ص) قال: (ليذادنّ رجال من أصحابي يوم القيامة عن حوضي، كما تذاد (أي تُدفع) غرائب الإبل عن الماء، فأقول: يا ربّ!.. أصحابي أصحابي، فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول بُعداً لهم وسحقاً، أفترى هذا لمن لم يغيّر ولم يبدّل)؟..
فإذن، إن الإمام -عليه السلام- هو المحقق لآمال الأنبياء والأولياء.. وهذهِ الدولة الكريمة متصلة بيوم القيامة، رب العالمين بدأ الأرض باستخلاف آدم، وينهي هذهِ الأرض باستخلاف وليهِ المهدي صلوات اللهِ عليه.. هذا هو السبب في أن هؤلاء جميعاً كانوا يذكروننا بهذا الوجود الشريف.. فقد رُوي عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: (من دعا إلى الله أربعين صباحا بهذا العهد، كان من أنصار قائمنا.. فإن مات قبله، أخرجه الله -تعالى- من قبره، وأعطاه بكل كلمة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة).. لاحظوا كلمات أهل البيت -عليهم السلام- كلُّ كلمةٍ لها معنى.. لماذا لم يقل: “دعا الله عز وجل”، بل قال: (دعا إلى الله عز وجل)؟.. قد يفهم من هذهِ العبارة حالة التلهف، وحالة الالتجاء إلى الله عز وجل.. فالإنسان تارة يدعو دعاءً عابراً، وتارةً يدعو دعاء الغريق، المضطر، الملهوف.
إن الذي يريد أن يعلم صلتهُ بإمام زمانه، فلينظر إلى قلبه في مواطن الاستجابة.. قد يوفق الإنسان أن يكون تحت الحائر الحُسيني يوم الأربعين مثلاً، لينظر إلى قلبه عندما تجري دمعتهُ ما هي دعوته؟.. عندما يصل إلى الحطيم بعد اللتيا والتي والحجر الأسودِ مثلاً، ما هو الدعاء الطبيعي المنقدح بلا تكلف؟.. من تلقاء نفسه، يخجل أن يقدم حوائجهُ على حوائج إمامه.. ما هي حوائجنا؟.. إن حوائجنا الشخصية لا تتعدى خمسة أنواع من الحوائج لا أكثر: شفاء مريض، وأداء ديون، ورفع هم وغم، وحل مشكلة اجتماعية.. أما الفائدة من تقريب فرجِ ذلك الوجود الشريف؛ فهي العدالة المطبقة في كل الأرض.. الإمام ليست مهمتهُ محصورة في الشرق الأوسط، ولا في الحرمين الشريفين، وإنما يملأ الأرض قسطاً وعدلا، والأرض أي من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي؛ كُل هذهِ الأرض تعمها العدالة.. حتى أن الإنسان يريد أن يدفع زكاة مالهِ، فلا يجد مستحقاً على وجه الأرض.. فإذن، إن الدعاء لهُ بتلهف، وتراكم أدعية المؤمنين طوال التاريخ، من موجبات تعجيل الفرج ولو يوماً واحداً.. الله -عز وجل- عجل رفعَ البلاء عن آل فرعون ببركة أدعيتهم، كان البلاء ممتداً، ولكن عندما دعوا بتلهف، رب العالمين عجل لهم النجاة والفوز على فرعون.
بالنسبة إلى دعاء العهد: إن كلمة “العهد” تعني أن هنالك مبايعة، والتزاما.. في عالم الفقه الإنسان عندما يعاهد عهداً، أو ينذر نذراً، أو يقسم قسماً؛ هذا لهُ تبعات.. والكفارات مترتبةٌ على القسمِ والنذرِ والعهد؛ الأمر يختلف عن الوعد.. ولهذا بعض الفقهاء ولعل الكل يقول: من وعد مؤمنا أو غير مؤمن شيئاً، فلهُ أن يخلف الوعد.. إلا إذا كان بانياً على المخالفة من البداية، فيدخل في شبهة الكذب.. وإلا في الوعد، الإنسان ليس ملزماً بوعده.. ولكن عندما يعاهد عهداً، هذا العهد مُلزم فقهياً، ومُلزم أخلاقياً.
إن الإنسان في دعاء العهد يلتفت إلى المضامين، قد يقول قائل: وما لي والعهود؟!.. بالفعل بعض العلماء يقول: لا تلزم نفسكَ بشيء.. لماذا تنذر النذر، وأنت تخاف أن لا تفي بهذا النذر؟.. بعض العلماء لا يُرجح هذا المعنى، يقول: قل: يا رب!.. أنا سأقوم بهذا العمل، من دون التزام.. بشكل عام: خاصة النذور الثقيلة، حاول أن لا تلزم نفسكَ بنذرٍ ثقيل.. على كل حال، هذا العهد في دعاء العهد، ليس بعهدٍ شرعي، ولكنهُ عهدٌ أخلاقي.
قال الصادق (ع): (من دعا إلى الله أربعين صباحا بهذا العهد)؛ لماذا صباحا؟.. لماذا ليس في جوف الليل؛ ساعة الخلوة، ساعة الانقطاع، ساعة الهدوء؟.. نعم، لليل دعاءٌ، وللصباحِ دعاء.. المؤمن لهُ حالات مختلفة: المناسب للتوبة والإنابة والبكاء؛ جوف الليل مثل مناجاة الإمام زين العابدين، المسمى بدعاء أبي حمزة الثمالي -مع الأسف- البعضُ منا لا يقرأ هذا الدعاءِ إلا في أسحارِ شهرِ رمضان، والحال بأنها مضامين تناسب كل الليالي والأيام!.. وأما عندما يريد الإنسان أن يقدم بين يدي الله -عز وجل- عهداً استراتيجياً، في أن يكون في زمرة الناصرين لإمام زمانه، فإن المناسب لذلك هو أول الصباح.
قد يقول قائل: ما أسهل هذا العمل!.. ندعو بدعاء العهد أربعين صباحا، فنفوز بهذهِ الكرامة العظمى: (كان من أنصار قائمنا)، التعبير بالقائم، ومنسوب إلى أهل البيت، هذا لهُ معنى: أن الإمام منسوبٌ للأنبياء السلف، محققٌ لآمالهم، ومبرئٌ لآلامهم، وكذلك لأئمة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم.. يفهم من بعض ما نقل: أن أئمة أهل البيت، عندما كان البعض منهم يقع في أزمة أو في شدة، كان يذكر الإمام صلواتُ الله عليه.. وكما هو معلوم أن من أُولى مهام الإمام عند ظهورهِ، أن يأخذ بثأر جدهِ الحُسين (صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه).
وعليه، فإن الجائزة الأولى أن يكون من أنصاره.. معنى ذلك أن من يقرأ هذا الدعاء، ثمَّ يُشرّف بزمان الظهور، فهوَ من أنصاره.. قد يقول قائل: وهل هنالك مؤمن في زمان الظهور لا يُعد من أنصارهِ؟.. نعم، هنالك بعض المؤمنين يُفاجأ بزمان الظهور!.. إن خيارنا في زمان الغيبة، هم الأخيار في زمان الظهور.. ربُ العالمين عادل، لا يُعطي المقام جُزافاً، الذينَ يكونون من أنصارهِ وأعوانهِ والذابين عنه، هم الذين لهم تميز في زمان الغيبة.. فإن ماتَ قبل ذلك، ماذا يكون جزاؤهُ؟.. يقول: (أخرجه الله -تعالى- من قبره،)؛ هدية لا تقدر بثمن: أن يخرج الإنسان من قبرهِ، ليكون في زمرتهِ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه.. (أخرجه الله -تعالى- من قبره، وأعطاه بكل كلمة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة).. هذهِ غنيمة أن يخرج من قبرهِ يوم القيامة، وقد أعُطي هذا الامتياز العظيم.
فإذن، إن القدر المتيقن: من دعا بهذا الدعاء، وصادف أيام الظهور كان من أنصاره.. ومن دعا بهذا الدعاء، ومات قبل الظهور، أخرجه الله من قبرهِ وأعطي هذهِ الجزية.. البعض يقول: بأن هذا الأجر العظيم، أن يكون الإنسان من أنصارهِ، وإن مات بعد ذلك يخرج من قبرهِ بهذهِ الهدايا القيمة؛ هذا يحتاج إلى دورة تدريبية، وإلى سنوات من المجاهدة والتربية.. أما أربعون صباحاً يقرأ دعاء العهد، فيُعطى هذهِ المزية، كيف نوفق بين عظمة الجائزة وبينَ سهولة العمل؟..
أولاً: هذا لهُ نظير في القرآن الكريم، إذا كنت تشك في أي ثواب، لا تشكُ في هذا الثواب!.. {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.. هل تغير الزمان في ليلة القدر؟.. هل أنت تغيرت في ليلة القدر؟.. {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.. ألف شهر؛ أي حوالي أكثر من ثمانين سنة، تُعطى هدية مجانية في مقابل إحياء ليلة القدر.. (طبعاً ليس مجانية بكل معنى الكلمة).. أين ثواب إحياء ليلة، وبين أن تُعطى ثواب إحياء ثمانين سنة بلياليها وأيامها؟!.. وثمانون سنة عبادة مقبولة، وليس عبادة مشكوكة القبول.. إذن لهُ نظير بالقرآن الكريم؛ هذا أولاً..
ثانيا: رب العالمين كأنهُ يريد بذلك أن يدخل الناس الجنة بأدنى مبرر.. ربُ العالمين لهُ عطايا ولهُ جوائز، يريد أن يُعطيها بأدنى مبرر.. قل: لا إله إلا الله؛ وخذ هذهِ الجائزة!.. فإذن، الربُ كريم، ونحن قوم كُسالى في حياتنا لا نقوم بما يسد هذهِ الثغرات.. رب العالمين قال للمسلمين: لا بأس؛ على الأقل في ليلة القدر اعملوا خيراً؛ حتى أعطيكم ثواب ألف شهر.. واحتياطاً جعلها بين ثلاث ليال حتى نبالغ في الدعاء في هذهِ الليالي الثلاثة.. هذهِ الأيام الحج السريع، عبارة عن أربعة أيام، الإنسان يحج ويرجع، وقد خرج من الذنوب كيوم ولدتهُ أمه.. هل رأيت في الخبر أن من حج ماشياً أو ركب على دابةٍ فارهة، أعطي هذا الأجر؟.. الأجرُ هو الأجر!.. معنى ذلك أن البناء على التفضل وعلى الإعطاء بغير حساب.. وعليه، فإنه لا غرابة في الأمرِ أبداً.
إن البعض قد يقول: أن هناكَ قيودا مخفية، وبتعبير النحويين: أن هنالك ضميرا مستترا.. أي من قرأ هذا الدعاء أُعطي هذا الأجر، هُنالك شيء مقدر، ولكن إذا لم يكن هنالك مانع.. مثلا: عندما تقول: احضر لي ناراً، واطبخ الطعام.. إذا كانت هذهِ النار خفيفة، أو إذا كان بين النار والقدر مادة عازلة؛ فإنه لا يتحقق الطبخ.. إذن، بشرطها.. ولهذا الإمام الرضا -عليه السلام- عندما قال حديث السلسلة الذهبية: (كلمة لا إله إلاّ الله حصني، ومن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن عذابي)، عندما أراد أن يمشي، قال: (بشروطها وأنا من شروطها)، التوحيد بالإضافة إلى الولاية.. نحن نقول في دعاء كميل: (اللهم!.. اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء).. ودعاء العهد دعاءٌ؛ فإذا كان هنالك ما يحبس هذا الدعاء، لو قرأته ليس أربعينية، بل عشرات الأربعينيات؛ فإن النتيجة لا تحصل، ولا تكون من أنصار الإمام عليه السلام.
وبالتالي، فإن هذهِ الروايات وهذهِ الأدعية في مقام بيان المقتضي، وأما الموانع فلابد أن نبحث عنها.. ومن الموانع أن لا يكون الإنسان مرضياً عند إمامهِ، يقرأ دعاء العهد صباحاً، وأثناء النهارِ والليل يرتكب ما يدمي قلب إمام زمانه.. هل هذا يُعطى الأجر؟!..
وعليه، فإنه من الخسارة أن لا يوفق الإنسان في سنوات عمره، أو السنوات الماضية من العمر، لقراءة هذا الدعاء أربعينَ صباحاً.. ويقولون -الله العالم-: أن الذي ليس بأهل لا يوفق في أربعين صباحاً؛ قد يوفق تسعة وثلاثين يوما، وفي اليوم الأخير يُلقى عليهِ النعاس، كما في دعاء أبي حمزة (ألقيت علي نعاسا إذا أنا صليت وسلبتني).
الخلاصة:
١- إن المؤمن يوم القيامة له صلة بإمامه عليه السلام إذ أن هناك علاقة بين أعمالنا وبينه عليه السلام:( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)
٢- إن من الأمور التي تعمق من صلتنا به – صلوات الله وسلامه عليه- الالتزام بالأدعية المروية كدعاء العهد.
٣- إن الإمام عليه السلام هو محقق حلم الأنبياء والأولياء لذا نجد أن النبي الأكرم – صلوات الله عليه وآله- وأولاده المعصومين جميعا كانوا يلهجون بذكر ولدهم المهدي – صلوات الله وسلامه عليه- وكذلك الأنبياء السلف.
٤- إن الذي يريد أن يعلم صلته بإمام زمانه لينظر إلى الدعاء المنقدح في نفسه بدون تكلف في مواضع الإجابة، فإذا جرت دمعته مثلا لينظر إلى قلبه ما هي دعوته؟ فهل يخجل أن يقدم حوائجه على حوائج إمامه؟
٥- إن على المؤمن أن يلتفت إلى مضامين دعاء العهد، لأن كلمة العهد تعني أن هناك مبايعة والتزاما وعند الفقهاء عندما يعاهد الإنسان عهدا فإن هذا العهد يكون ملزما له فقهيا وأخلاقيا.
٦- إن هناك من المؤمنين من يتفاجأ بزمان الظهور، فرب العالمين عادل ولا يعطي المقام جزافا فخيارنا في زمان الغيبة هم الأخيار زمان الظهور.
٧- إن من الخسارة ألاّ يوفق الإنسان لقراءة دعاء العهد أربعين صباحا في سنوات عمره، لذا لابد أن نبحث عن موانع التوفيق لذلك، ومن الموانع أن لا يكون الإنسان مرضيا عند إمام زمانه، فمن يقرأ دعاء العهد صباحا ويفعل في خلال يومه ما يدمي قلب إمام زمانه..لا يعطى هذا الأجر.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.