- ThePlus Audio
وصايا الإمام موسى الكاظم (ع) لهشام بن الحكم 2
بسم الله الرحمن الرحيم
هشام بن الحكم صاحب الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)
لازال الحديث في وصايا إمامنا موسى بن جعفر (ع) لذلك العبد الصالح المسمى بأبي محمد هشام بن الحكم. ومن باب المعرفة الشخصية؛ تشير كتب الرجال إلى أن هذا الرجل قد قدح فيه البعض، ولكن كبار المحققين علق على عذا القدح قائلا: لعل هذا من باب الحسد، والحسد سارٍ في الجميع حتى كان بين أصحاب الأئمة (ع). وأما الروايات المادحة له فكثيرة؛ بل لعلها مستفيضة. إن هذا الغلام الذي دخل على الإمام الصادق (ع) وكان حوله شيوخ أصحابه فرفعه الإمام من بينهم وهو غلام وقال: (نَاصِرُنَا بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ)[١]. إنه وسام شرف علقه الإمام الصادق على صدر هشام، وأحدنا يتمنى من الله عز وجل أن يكون هكذا في قبال أئمة أهل البيت (ع). إن العبارة بليغة؛ هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده. الآن النصرة بالقلب أمر ميسور، ولا تحتاج إلى كلفة، والنصرة باليد في ميادين القتال مثلا أو المخاصمة مع أحد تنهاه عن المنكر، ولكن اللسان هذا ممكن. وإن زماننا هذا زمان تيسر فيه طلب العلم.
يقول عنه المحققون: كان ممن فتق الكلام في الإمامة، وكان من كبار من تكلم في الإمامة وهذب المذهب بالنظر. ثم بعد ذلك التقى بإمامين هما الصادق والكاظم (ع). فإذا كان قد أدرك الإمام الصادق (ع) وهو غلام؛ فمعنى ذلك أنه لما أدرك الإمام موسى بن جعفر (ع) كان على درجة من الرشد والنضج. ولعل الإمام لهذا خصه بهذه الفقرات الطويلة. ولا أدري – فدته نفوسنا – إمامنا موسى بن جعفر (ع) هل قالها في مجلس واحد أو في عدة مجالس؟ إن الجمل طويلة ننقل بعضاً منها.
دور العقل في مضاعفة الأجر على العبادة
في هذه الرواية وباعتبار أن هشام كان متكلماً يركز الإمام كثيرا على العقل. وعندما نقول متكلما؛ يعني مفكرا. فلقد كان يناظر مخالفي الإمامة، ومن الطبيعي أن ذلك لا يكون إلا من عقل راجح. وإن الإمام موسى بن جعفر (ع) في خطابه لهشام؛ يركز كثيرا على العقل. لو تبحث عن كلمة العقل والعقلاء في هذه الرواية الطويلة لرأيت العبارات المختلفة التي عنوانها العقلاء والعقل. ومما يذكره الإمام في هذه الكلمة: (مَا مِنْ شَيْءٍ عُبِدَ اَللَّهُ بِهِ أَفْضَلَ مِنَ اَلْعَقْلِ)[٢]. إن الذي يعبد الله بالعقل هو بحسب الظاهر صامت لا حركة له؛ بخلاف العابد الذي يركع ويسجد. فإذا كان العاقل جالسا في مكانه؛ فكيف يصفه إمامنا بأفضل العابدين؟ الجواب هو أن العقل إذا تم في الإنسان؛ ظهرت منه الآثار.
صحيح أن العقل بما هو عقل ليس شيئا يُرى وهو من المجردات كالملائكة والروح ولا موضع له؛ ولكن الجوارح تأتمر بأمر العقل إذا صار حاكماً. وإذا حكم العقل في الوجود وفي مملكة البدن أحدث انقلاباً عسكرياً، وأزاح الشهوة والغضب. إن المطلوب منا أن نجعل العقل أميرا ونجعل الشهوة والغضب في الحبس ونطلقهما متى ما شاء العقل. فيقول العقل للشهوة مع الزوجة اخرجي من مكانك؛ فهذه زوجتك وأما أمام الأجنبية لا شهوة للمؤمن، وكذلك هو الغضب.
التنمر في ذات الله
هناك باب في روايات أهل البيت (ع) أو عبارة أعجبتني من بعض كبار من جمع الروايات له باب التنمر في ذات الله. إن المؤمن ليس كالحلوى يؤكل دائما وإنما المؤمن يصبح كالنمر أو كالأسد إذا كان الموضع موضع غضب. والعقل يقول للغضب: اخرج من زنزانتك. فالشهوة والغضب بمثابة حيوانين محبوسين في داخل الوجود والعقل يقودهما حيث شاء.
علم الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)
لا ينبغي لنا نحن أن لا نبكي على مصائبهم فقط، ولا ينبغي أن يتبادر إلى أذهاننا عندما نقول الإمام الكاظم؛ السجن والتعذيب والنفي في أرض بغداد والحال أن إمامنا هذه أحاديثه مع هشام وغيره عندما كان في المدينة مطلق السراح، وكان يبث علم آبائه فيها. يقول (ع): (وَمَا تَمَّ عَقْلُ اِمْرِئٍ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خِصَالٌ شَتَّى). بإمكان الإمام أن يبين العقل بما هو عقل وإن كان الأمر صعباً، يقول سبحانه: (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)[٣]، ويلحق بالروح العقل؛ ولكن الإمام يبين الآثار. ما لك وماهية العقل؟ ما لك وماهية الكهرباء؟ المهم هو أن توقد مصباحاً في المنزل بهذه الكهرباء، وأما حقيقتها فلا يعلمها حتى المتخصصون.
من آثار العقل؛ الكفر والشر منه مأمونان
إن آثار العقل هو أن يكون: (اَلْكُفْرُ وَاَلشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونَانِ). والآن هل الكفر هنا هو الكفر الاعتقادي أو ما يعم كـ كفران النعمة؟ إنه ممكن. إن المؤمن إذا غاب عنك واطلع على سرك؛ نم قرير العين لأن هذا عيب مستور وإن اكتشفه مؤمن. وقد يكون عيباً ولو طُرح لتناقلته الصحف ولكنه اطلع عليه مؤمن لا تخاف منه، ولو عُذب في السجون أشد العذاب ما ذكر سرك.
من آثار العقل؛ الرشد والخير منه مأمولان
ثم يقول: (وَاَلرُّشْدُ وَاَلْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولاَنِ). فلا تستغرب إذا رأيت منه خيرا؛ بل هو متوقع منه. ولهذا عندما تطلب منه حاجة تتوقع الإجابة. ومن صفاته: (فَضْلُ مَالِهِ مَبْذُولٌ وفَضْلُ قَوْلِهِ مَكْفُوفٌ). من السهل أن تستخرج من جيبه ألف دينار ومن الصعب أن تستخرج من فمه كلمة زائدة. هذا لا يمكن. إنه يطلق ما بين كفيه ويحبس ما بين فكيه.
الزهد من آثار العقل
ومن صفاته: (نَصِيبُهُ مِنَ اَلدُّنْيَا اَلْقُوتُ)؛ أي يكتفي بالكفاف. لقد اطلعت على طعام بعض العلماء الزاهدين؛ لو جمعت طعامه في شهر لعله يساوي طعام مترف في يوم واحد. وهكذا كان أمير المؤمنين (ع) عندما أكل تمراً وماءاً وضرب على بطنه.
حب العلم
ومن صفاته: (لاَ يَشْبَعُ مِنَ اَلْعِلْمِ دَهْرَهُ). إنه يكتفي من الطعام بأقله، ولكنه في العلم لا يعرف الكفاف. سمعنا بعض كبار مراجعنا في اليوم الأخير من حياته ما عطل درس العلم. يقول: أدرس اليوم ثم أموت. ومن الأدلة الرواية المعروفة: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم الفسيلة فان استطاع أن لا تقوم الساعة حتى يغرسها فليغرسها)[٤]؛ مع أن القيامة تبيد الشجر فكيف بالعلم؟
الذل مع الله
ثم يقول (ع): (اَلذُّلُّ أَحَبُّ إِلَيْهِ مَعَ اَللَّهِ مِنَ اَلْعِزِّ مَعَ غَيْرِهِ). فإذا كان مثلا إيمانه يوجب له شيئا من الذلة في الوطن، وإذا تعرب إلى بلاد الكفر ينمو ماله ويصبح عزيزاً، يقول: إنني في بلاد المسلمين أصبر على الظلم ولا أذهب عزيزا في بلاد الكافرين، وهذا أحد مصاديقه. ويقول: (يَسْتَكْثِرُ قَلِيلَ اَلْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِهِ وَ يَسْتَقِلُّ كَثِيرَ اَلْمَعْرُوفِ مِنْ نَفْسِهِ). ولهذا المؤمن إن أعطيته شربة ماء في موسم الحج مثلا ورآك بعد عشرين سنة يقول: رحم الله أباك قبل عشرين سنة سقيتني ماءاً. أو تراه يبني مسجداً وهو على وجل يقول: لعل الله لا يقبله مني.
عدم الاعتداد بالنفس
ثم يقول: (وَيَرَى اَلنَّاسَ كُلَّهُمْ خَيْراً مِنْهُ وَأَنَّهُ شَرُّهُمْ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ تَمَامُ اَلْأَمْرِ). وهنا سؤال وجواب. قد يقول أحدهم: كيف أرى الفاسق خيراً مني وأنا مؤمن؟ الجواب: إن الأمور بخواتيمها. أنت هذه الليلة مؤمن وغداً لا يٌعلم وبعد سنة لا يٌعلم. وهذا الفاسق لعل حياته ختمت بالسعادة. إن شمر بن ذي الجوشن والحر كانا في زمن واحد أيام أمير المؤمنين (ع). فشمر كان يقاتل في ركاب أمير المؤمنين (ع) وتعرفون قصة الحر؛ ولكن انظروا للخاتمة. الحر بين يدي أبي عبدالله (ع)، والشمر على صدر الحسين (ع). لو أن شمراً قال في زمان الحر: إن حرا خير مني لكان الأمر في محله، وقد كشفت الأيام صدق ذلك. إن كل واحد منا من المحتمل أن تكون نهايته نهاية غير سعيدة ولهذا هو دائم الخوف والرجاء.
خلاصة المحاضرة
- قد يقول أحدهم: كيف أرى الفاسق خيراً مني وأنا مؤمن؟ الجواب: إن الأمور بخواتيمها. إن شمر بن ذي الجوشن والحر كانا في زمن واحد أيام أمير المؤمنين (ع). فشمر كان يقاتل في ركاب أمير المؤمنين (ع) وتعرفون قصة الحر؛ ولكن انظروا للخاتمة. الحر بين يدي أبي عبدالله (ع) والشمر على صدره.
- من صفات العاقل: (فَضْلُ مَالِهِ مَبْذُولٌ وفَضْلُ قَوْلِهِ مَكْفُوفٌ). من السهل أن تستخرج من جيبه ألف دينار ومن الصعب أن تستخرج من فمه كلمة زائدة. هذا لا يمكن. إنه يطلق ما بين كفيه ويحبس ما بين فكيه.