- ThePlus Audio
وجعل بينكم مودة ورحمة..!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم أيها الإخوة المؤمنون جميعاً ورحمة الله وبركاته.
لا زال الحديث في الأسس الأساسية في السعادة الزوجية، وموضوع هذه الحلقات هي الأسس التي تضمن السعادة الزوجية إن شاء الله، وقد قلنا إن هذا الحديث ينطبق على الجميع: على الذي لم يتزوج بعد أو الذى مضى من حياته حين من الدهر ولم يكن مستقيما في حياته الزوجية؛ إذ على الإنسان أن ينظر إلى سلوكه على الدوام ويحاول أن يصلح أمره قدر الإمكان.
وقد تناولنا في حديث سابق موضوع اللباسية، وذكرنا كيف يكون الرجل لباس للمرأة والعكس، وسأتناول في حديثي هذا مبدأ آخر من المبادئ القرآنية، وسيكون مصدر حديثنا هذا كتاب الله عز وجل والآيات التي نزلت في شأن الزوجين، وهو أصدق الحديث؛ إذ هو حديث من خلق هذا الوجود وهذه النفوس.
أهم الآيات القرآنية في موضوع الزواج
من الآيات المعروفة والمهمة في الحياة الزوجية؛ هي هذه الآية من سورة الروم: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ)[١]، ثم يقول بعد ذلك: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[٢]، وأنا لست في الواقع بصدد تفسير هذه الآيات الشريفة، وإنَّما في مقام الاستيحاء منها؛ لئلَّا نقع في مشكلة التفسير بالرأي؛ فلعل ما نقول ليس هو مراد الله عز وجل؛ بل فهمنا من الآيات الكريمة.
إن أول شيء يذكره القرآن الكريم؛ هو القضية التكوينية، وقد نسب الخلق إلى نفسه؛ ففاعل خلق هو الله عز وجل، والتعبير القرآني في قوله: (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)[٣] هو تعبير دقيق جدا؛ فما قال سبحانه: لتسكنوا بها أو لها أو فيها بل قال سبحانه إليها، والله العالم، قد يكون المراد من التعبير هذا؛ أن الزواج ضروري للطرفين فلا منة للرجل على المرأة ولا منة للمرأة على الرجل، وفي الواقع هناك انجذاب من الطرفين، وكل طرف منهما يكمل الآخر وهناك حركة تجاه بعضهما البعض.
وإنَّ الله عز وجل جعل الغريزة بين الجنسين لتكون متممة لهذه العملية التي فيها من المشاق ما فيها؛ من قبيل الإنفاق وتربية الأولاد وتكاليف الحياة وإن كانت المرأة أشد حياءً من الرجل؛ فقبول البنت هو سكوتها ولهذا تؤخذ الوكالة منها في عقد الزواج لأن الحياء يمنعها من المبادرة في الزواج وقد جعل الله عز وجل لحكمة ما تجاذب بين الزوجين، ولهذا أشار بعض المفسرون إلى أن صدر الآية قد تشير إلى التجاذب الموجود بين الزوجين.
وتنتقل الآية بعد ذلك إلى مسألة أخرى وهي مسألة: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[٤]، والخلق من دون هذا الجعل خلق عقيم؛ فالله سبحانه وتعالى لم يجعل مبدأ التزاوج ولم يخلق هذه الشهوات ولم يجعل هذه الجاذبية والسكون إلى الزوج؛ لأجل تهدئة فوران الشهوة الجنسية فقط؛ فالقضية أرقى من ذلك وأعمق، ولهذا قال القرآن الكريم: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[٥]، وهنا يجب الالتفات إلى عدة عناصر منها: أنَّ أرضية السكون والارتياح مهيئة، ومن لا يهنئ بزواجه ولا يتمتع به هو في الواقع يعيش عكس الحالة الطبيعية لعالم الوجود؛ فإن الله سبحانه قد جعل قابلية السكون في كلا الزوجين والمرء هو المقصر في التنغيص على نفسه وقلب الحياة الزوجية من حالة السكون إلى حالة الاضطراب، ولهذا تعبير الخلق هو تعبير قوي جداً؛ فهذه القابلية مخلوقة في وجود الإنسان.
ما هو الفرق بين المودة والرحمة؟
ولا نريد أن نحمل القرآن كما قلنا ما لا يحتمل ولكن نريد أن نستوحي من الآيات الكريمة، ويقال في الفرق بين المودة والمحبة ما يقال في الفرق بين الخضوع والخشوع، فما هو وجه الشبه بين العنصرين؟ ويقال أن الخضوع هو نتيجة الخشوع وهي حالة قلبية؛ فالإنسان باستطاعته أن يقف أمام الكعبة وإن لم يكن في صلاة ولا طواف ولا في حالة ذكر بل يغمض عينيه ويعيش حالة الخشوع مع الله عز وجل، وقد يبدو له أن يترجم حالة الخشوع الباطني بحركات خارجية كالطواف والصلاة والسعي وشيء من النسك فيسمى ذلك خضوعاً؛ وهو إبراز لما في النفس من الخشوع، ولهذا لما رأى النبي (ص) من يعبث ببدنه في صلاته قال: (إِنَّهُ لَوْ خَشَعَ قَلْبُهُ لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ)[٦]؛ أي أن هذه الحركة غير المؤدبة كاشفة عن عدم خشوع القلب.
وكذلك الأمر بالنسبة للمودة والمحبة؛ فالمودة رصيدها المحبة، والمحبة هي في قلب الإنسان وعندما يعيش المحبة تجاه الآخر فهو يتودد إليه، ولولا هذه المحبة لم يصد الود منه، وقد يتودد الإنسان تجاه الآخرين من دون رصيد من الحب، وذلك ما نسميه المجاملة؛ كأن تتظاهر بالحزن على مصيبة زميل في العمل أو شريك في التجارة في وفاة عزيز له، والحال أنك غير متأثر قلبياً وإنما تجامله فقط، والمودة والرحمة الصادقة تستلزم وتستبطن المحبة وإلا كانت هذه المودة غير طبيعية ومصطنعة.
والمطلوب في الحياة الزوجية عنصران: عنصر داخلي وهو المحبة وعنصر خارجي وهو المودة، ولهذا أمرنا بإظهار هذه المشاعر في الحياة الزوجية، وقد يفهم من ذلك التزلف؛ لو أظهرنا هذه المشاعر للصديق أو التاجر الغني أو الأمير، أو أننا نسعى لقضاء حاجة أو ما شابه، أما إبراز الود للمرأة ليس فيها نفاق ولا شيء آخر، ولذلك أئمتنا (ع) لم يتركوا صغيرة ولا كبيرة إلا وأشاروا إليها من طرف خفي، ففي الحديث: (قَوْلُ اَلرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ إِنِّي أُحِبُّكِ لاَ يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِهَا أَبَداً)[٧].
لا تحصر إبراز الحب في الشهور الأولى من الزواج
إن إبراز الود والمحبة الباطنية لا ينحصر في زمان الخطوبة ولا في شهر العسل ولا الزمان الذي يلي شهر العسل، وقد يكون الغالب على المحبة والمودة في زمان الخطوبة الجانب الغريزي وكلما تقدم الإنسان في حياته الزوجية غلب عليه الجانب الإنساني والإيماني، والمرأة قد قضت شطراً من حياتها معك، وهي تضحي في كل ولادة وفي كل شهر من شهور الحمل وفي سنوات الرضاعة لأجلك، ولأجل إنسان ينسب إليك ويحمل لقبك؛ فلا يقال فلان بن فلانة بل يقال فلان بن فلان وإن كان في التاريخ من نسب إلى أمه كمحمد بن الحنفية ابن أمير المؤمنين (ع)، إلا أن كانت لتلك التسمية أسبابها، ولا يستدل بها؛ فالإنسان ينسب إلى أبيه عادتاُ.
والبعض له من الأبناء سبعة أو حتى عشرة، والأم التي عملت على تربية هؤلاء والاهتمام بهم تستحق أن يبرز لها الحب والاحترام؛ لأن لها حق كبير على الإنسان خصوصاً عند كبر السن وعندما يرى هذه الذرية الصالحة تحيط به وتجلب له محمدة الناس؛ فليعلم أن هذه الأم هي التي كانت كما يقال تعمل خلف الكواليس من إرضاع وتربية وتغذية وما شابه ذلك.
احترام الإسلام للإنسان والحيوان
إن الإنسان لا بد وأن يعيش حالة المحبة والود مع زوجته فإن لم يكن ثمة حب و وود؛ عليه أن يعيش حالة الود المصطنعة أو على أقل التقادير حالة الرحمة والشفقة فهي بأي حال مؤمنة أو بشر، والإسلام يهتم حتى بالحيوانات وقد دخلت امرأة النار بسبب هرة حبستها فلم تطعمها ولم تسمح لها أن تأكل مما تنبت الأرض، وهناك رواية طريفة عن أحد الأئمة (ع) أنه كان في مكان وجاء ظبي عند الإمام (ع) وقد أخذ يأكل من فتات الطعام، وفي الأثناء رماه أحد الأصحاب بحصاة فنفرت وهربت، فتأذى الإمام (ع) أذى بليغاً وقال له أنه خفر ذمته؛ أي أن هذا الحيوان كان في ضيافتي وفي ذمتي كيف تنفره بفعلك هذا؟ ولم يتكلم الإمام (ع) مع هذا الإنسان بعدها.
احترام المؤمن وعدم التعرض له بالأذى
وهناك صنفان من البشر كما نعلم: (إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي اَلدِّينِ وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي اَلْخَلْقِ)[٨]، ومشكلتنا نحن المؤمنون؛ عندما نسمع الروايات حول إكرام المؤمن نرى أن العالم والوجيه والكبير والولي الصالح والجميع هو مصداق هذه الروايات ما عدى الزوج أو الزوجة فهم خارج هذه الدائرة، وكما تعلمون أن الأوامر التي تصدر من الشارع المقدس تخاطب الذكور؛ هي الواقع موجهة للجنس بلا فرق بين الرجل والمرأة إلا بالدليل، فقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)[٩] هو خطاب للرجل ولكن التكليف للجميع؛ إلا إذا كانت هناك ققرينة تدل على أن الخطاب للرجل خاصة، فكل ما ورد بشأن إيذاء المؤمن كـ: (مَنْ آذَى مُؤْمِناً فَقَدْ آذَانِي)[١٠] و(مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيّاً فَقَدْ أَرْصَدَ لِمُحَارَبَتِي)[١١]، وهذه الروات تنطبق على الجميع، فلماذا نحصرها في الكبار والعلماء والأولياء؟
ما هو سبب الكثير من المشاكل التي نعيشها؟
ولهذا نرى بأن سبب تعقد الحياة والابتلاءات التي يعيشها الإنسان في نفسه وفي جسمه؛ هو من جراء هذا الظلم الذي يعيشه، ففي الحديث: (إِيَّاكَ وَظُلْمَ مَنْ لاَ يَجِدُ عَلَيْكَ نَاصِراً إِلاَّ اَللَّهَ)[١٢]، والنساء خاصة هن من مصاديق هذا الحديث؛ إذ أنهن في الواقع يصبحن أسيرات بيد الرجال بعد الزواج، ومن الصعب على امراة خرجت من عالمها وأصبحت ثيبا أن تشق طريقها في الحياة بعد انفصالها من الرجل، ولهذا ترضخ في كثير من الحالات للرجل ولكنها في قرارة نفسها لا يوجد إلا إجبار البيئة والخوف من المستقبل والطريق المسدود، ويا لها من مصيبة أن تعيش المرأة في كنف الزوج إقامة إجبارية غير راغبة في الحياة أبدا.
ولهذا نلاحظ بعض النساء؛ تتمنى الرحيل من هذه الدنيا عندما يشتد عليها الأمر وعندما تتعرض للضغط، وقد سمعنا ورأينا ما يشبه الانتحار؛ حتى في بيئة تعتبر مؤمنة؛ أي أن إنسانة محبة لأهل البيت (ع) يصل بها الأمر إلى أن تقدم على الخروج الاجباري من دائرة الحياة.
من أسعد أيام الحياة..!
ولذلك يقول القرآن الكريم: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[١٣]، هذا هو الجعل الطبيعي الذي جعله الله عز وجل بين الزوجين، ولهذا نرى أن من أسعد أيام الحياة هي الأيام الأولى للزواج؛ لأنها تعكس هذا الجعل الإلهي، وقد يسترجع الإخوة بذاكرتهم إلى الوراء ويتذكرون الساعة الأولى بعد العقد واللقاء الأول، عندما تدخل المرأة على الزوج من دون حجاب وبزينتها، وفي الحقيقة يشعر الإنسان أنه كان مع هذه الإنسانة سنوات طويلة، والحال أنها كانت أجنبية عنه قبل ساعة، لا يجوز النظر إليها بشهوة ولا التلذذ بها؛ وإذا بالإنسان وكأنه يشعر بعشرة طويلة بعد هذا العقد المبارك، ويشعر بحالة المودة والألفة، ولهذا قد يشتكي بعض الأمهات والآباء من أن ولدهم قد نسيهم في فترة الخطوبة والأيام الأولى للزواج، وليس لهم إلا أن يكون مع زوجته وهذا صورة لهذه الآية: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[١٤].
بناء الزواج على المودة الطبيعة
والأمر في الزواج يشبه ما روي في شأن الأطفال: (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى اَلْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَ يُنَصِّرَانِهِ وَ يُمَجِّسَانِهِ)[١٥]، وكما أن الطفل مولود على الفطرة؛ فالزواج مبنيٌ على الفطرة السليمة وعلى المودة الطبيعية، ولهذا إن أولياء الله – وأقصد بأولياء الله كل إنسان مؤمن متعبد وليس صاحب الكرامات – يعيشون حالة واحدة في زواجهم من أول يوم ألى آخره لأنَّ الأمانة من الله عز وجل هي الأمانة ولم تختلف شيئا بمرور الأيام.
لا يكون الرجل رحيما بمجتمعه ما لم يكن رحيما بزوجته وعياله..!
والنقطة الأخرى التي نستفيدها من هذه الآية الكريمة، هي: أن الذي لا يكون واداً ورحيما ورئوفاً في حياته الأسرية؛ لا يمكنه أن يكون كذلك في المجتمع؛ فإن الذي يعيش القسوة والغلظة والفضاضة في بيته ولا يستطيع أن يكون رحيما بأولاده – فليس الإنسان جهاز حاسوب نضع فيه ملف الرحمة ثم بعدها نضع ملف القسوة بل هو جهاز واحد – لا يمكن أن يكون رحيما بأرحامه ومجتمعه، والإنسان الخشن والعابس والضيق الصدر لا مودة له لأزواجه وأولاده وأرحامه ومجتمعه.
وتكمن الخطورة في خروج الإنسان من سلامته النفسية إما بتقصير من الزوج أو بتقصيرهما جميعاً وهو الغالب، وأنا لا أميل لأحد من الزوجين ولا أعطي الحق المطلق لأحدهما في القضايا الزوجية لأن الأمر في ذلك نسبي؛ فقد يكون الزوج هو الأظلم أو الأقل ظلما، والإنسان الذي يعيش هذا الجو المشحون لا يمكن أن يكون إنسانا موفقا في تربية أولاده ولا في تعامله مع مجتمعه؛ لأنه إنسان منزوع الرحمة، وفي إحدى غزوات النبي (ص) وأظنها غزوة خيبر، مرر أصحاب النبي (ص) النساء على قتلاهن من المشركين من ذويهن، فتأثر النبي (ص) لذلك وقال: هل نزعت الرحمة من قلوبكم لتمرروا هذه النساء الموتورات على جثث قتلاهن؟ وهكذا النبي (ص) والأئمة (ع) يعلمونا الشفقة، وهناك دعوة صريحة في روايات أهل البيت (ع) في المسائل الحربية بحرمة التعذيب والتمثيل ولو بالكلب العقور.
ما هي أسباب ذهاب المودة والرحمة ؟
انتقل إلى النقاط العملية من هذا البحث، والسؤال هو ما هي أسباب ذهاب المودة والرحمة بعدما علمنا أن الحياة الزوجية مبنية عليهما؟ ولابد من معرفة الإجابة على مذيبات الرحمة والمودة حتى نكون ممن يعمل بهذه الآية الكريمة.
أولا: الشجار المتواصل، وقد قلنا في حديث سابق أن الرجل والمرأة ليسا نصفين من تفاحة ينطبقا تماما، أو طابوقتين من معمل واحد؛ بل لكل إنسان خصوصيته، وقد أثبت العلم الحديث أن هناك جينات وراثية وطبائع مختلفة، وحتى التوأمين الذين يتشابهان شكلا؛ يتنافران سلوكا وطباعاً، ومن الطبيعي أن تبرز الخلافات في وجهات النظر؛ فقد يرى الوالد تأديب الطفل ولا ترى الوالدة المصلحة في ذلك، أو يرى الزوج أن المصلحة في زيارة البيت الفلاني ولا ترى المرأة المصلحة في ذلك، أو قد يرى الرجل بقاء الزوجة عنده ضروري لوجود الضيوف وضرورة تهيئة المقدمات لهم؛ فترى الزوجة أن الأفضل لها الحضور في المسجد والصلاة جماعة أو في جمعة، أو يرى الرجل أن السفر غير راجح لظروف اقتصادية وترى هي العكس، وهناك نماذج كثيرة في الحياة الزوجية.
ولا ينبغي أن يتحول الاختلاف إلى التنافر والشجار، وقد يكون الشجار محتملا في اليوم الأول والثاني بل وحتى لو استمر طول فترة شهر العسل، وإن كان شهر العسل يتحول إلى شهر الحنظل؛ إذ أن الشجار يولد التنافر وأعوذ بالله منه، وقد يصل الزوجان إلى درجة لا يتحملان وجود بعضهما البعض ناهيك عن السلوك والأخلاق؛ فلو كانت مشكلة الزوج في شكل الزوجة وطبعها أو ثيابها أو ما شابه ذلك لهان الأمر، فكان بالإمكان أن يدخل بينهما رجل دين أو مصلح ليصلح الأمر، ولكن المشكلة تتفاقم فيما لو شعر كل من الرجل والمرأة أن وجود شريكه وجود ثقيل وكأنه شبح يدخل إلى المنزل، وبالطبع هناك مناشئ لهذا الإحساس؛ منها مناشئ طبيعية ومنها مناشئ شيطانية: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)[١٦]، والشيطان دأبه إيقاع العداوة بين الزوجين: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ)[١٧]، والخمر والميسر من عناصر إيقاع العداوة والبغضاء؛ وإلا فإن أفضل ما يوقع الشيطانه به العداوة هو إثارة الزوجين بعضهما على بعض.
ولذلك فإن المؤمن ينسحب من النقاش بكل هدوء عندما يرى الأجواء مكفهرة ومستعدة للشجار والهجوم، ومن ثم يطرح القضية في فترة مناسبة، وينبغي إن كان للزوجين ملاحظات على سلوك يعضهما البعض؛ أن يتحينوا الفرصة المناسبة لذلك، وقد كانت في زمان النبي (ص) امرأة قد مات ولدها، فلما جاء زوجها تزينت له وعرضت نفسها عليه ليخرج من جو الحزن والكآبة، وعندما أصبح الجو مناسباً وبمقدمات معينة قالت: لو أنَّ إنساناً أودعنا أمانة ثم أخذها هل تمانع؟ قال: بالطبع لا. ثم أخبرته بوفاة ولدها الذي كان وديعة الله عز وجل وقد استرجعت، وقد سر النبي (ص) بهذه المسلمة العاقلة التي تهيأت لزوجها ثم قدمت له المقدمات النفسية والعقلية المنطقية والمقعنة لتهدئته.
التقريع أمام الآخرين..!
ثانياً، من موجبات سلب المودة عدم الاحترام المتقابل، إذ أنَّ لكل إنسان ذات لا تنفك عنه وهو يحبها ويحب أن يقدر حتى في بيته، ولا يتمالك الإنسان نفسه في كثير من الأحايين التي تخدش فيها كرامته وتهان فيها شخصيته؛ خصوصا في حضور الآخرين، وأكثر أنواع المشاجرات والضرب والجرح والقتل يأتي حينما يضرب الإنسان في ذاته ويؤتى في كرامته، وقد يصبر المرء على زوجه ويتحمل؛ ولكنه قد ينفذ صبره بعض الأوقات عندما يرى تطاولا على ذاته.
وعندما أقول الرجل أو المرأة لا يثار من هنا وهناك أننا نركز على عنصر دون آخر، بل أعني بحديثي هذا كل من يدب على وجه الأرض، ولهذا هناك مسألة شرعية وهي أنه لا بد من احترام الجميع حتى الصبي ولو أهان صبيا في الثاني عشر أو الثالث عشر من عمره وإن لم يكن بالغاً فسيكون محاسباً على فعله هذا؛ فهو إنسان له كيانه واحترامه.
ولا ينبغي أن نقوم بتصرفات تستفز الآخرين خصوصا في الملأ، ولهذا تنص الروايات على أنه: (مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرّاً فَقَدْ زَانَهُ وَمَنْ وَعَظَ عَلاَنِيَةً فَقَدْ شَانَهُ)[١٨]، فمن أسوأ أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة؛ التقريع أمام الآخرين؛ كتقريع الزوجة أمام أهلها والزوج أمام أهله، فلا نصح في البين غير التقريع، ويكني الشخص عن أمور لا يهدف من وراءها إلا الانتقام والهجوم على الطرف المقابل، وهذه من الأمر الفاشلة التي تذهب المودة.
احترم خصوصيات الآخر..!
ومن موجبات ذهاب المودة التدخل في الشؤون الخاصة؛ فلكل إنسان مزاجه، وهناك أمر ليست المرأة مسئولة عنها وأمور ليس الزوج مسئول عنها، وعلى كل واحد منها أن يقدر الآخر في هذا الجانب، وللأسف عندما نذهب للغرب – على الرغم من سلبياتهم وانحرافهم في مختلف المجالات – هناك شيء من البروتوكول في أوروبا وأميركا؛ فالإنسان محترم في خصوصياته، وقد ذهب إلى هناك بعمامتي هذه فلم ألاحظ نظرة شزر أو تهكم، وقد يتجنب البعض النظر إليك حتى لا يحرجك وكأن الوضع طبيعي جداً، وللإنسان خصوصياته في هذه الحياة، وعلى الإنسان أن يغير المنكر إذا رآه فقط؛ وأما في خصوصيات الحياة لا يحق لكلا الطرفين التدخل، والمرأة ليست أمة بيد الرجل ولا الرجل عبد بيد الزوجة؛ فواجبات الزوجين معروفة.
وللأسف الشديد قد يرى الرجل أن المرأة كالعصفورة في اليد أو الأسيرة التي لا يحق لها أن تتنفس إلا بإذن الرجل، والحال أن الواجب فقط التمكين والخروج من المنزل، والأخير مختلف عليه بين العلماء بين الواجب الاحتياطي ووجود الفتوى، والمهم أن القضية محصورة في دائرة شرعية محددة، وهكذا الأمر بالنسبة للرجل؛ الواجبات والنفقة اللازمة، وعلينا أن نحترم خصوصيات ورغبات الطرف المقابل، فلا تمكين للرجل عندما يكون خارج المنزل؛ وللمرأة أن تبرمج لنفسها في المنزل إن كانت ترغب في المطالعة أو في أي أمر حتى وإن كان مخالفاً لمزاج الرجل، وليس للرجل أن يجبرها على أي برنامج أثناء وجودها في المنزل؛ فباستطاعتها أن تستيقظ متى ما تشاء وتتصل بمن تريد وتفعل ما تشاء إلا إذا رأى الرجل منكرا فعليه عندها أن يمنع ذلك ويتدخل لمنع وصولها إلى نقطة سلبية وهذا أمر جيد؛ أما أن يرى كل واحد منها أنه القيم على خصوصيات الآخر هذا في الواقع ما أنزل الله به من سلطان.
ومن موجبات إذهاب المودة هي الآثار الوضعية، ونحن نقرأ في القرآن الكريم آية بليغة جداً وهي: (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا)[١٩]؛ أي أن قلب أخيك كقلبك، فإذا ما أضمرت له الشر وأسأت به الظن ولم ترد له الخير؛ فلا تتوقع أن يحمل لك الود في قلبه، والزوج الذي لا يحترم زوجته، ولا يكن لها المودة في قلبه، ولا يريد لها الخير على كل حال، وهو معرض عنها قلبياً بلا سبب لا يمنحه الله عز وجل هذه المنحة، وكذلك نقرأ في موضوع الطلاق: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا)[٢٠]، كيف أسند الله سبحانه الإصلاح إلى نفسه.
وإنَّ الدعاء في ظهر الغيب من مصاديق جلب المودة، وقد نرى مع الأسف أنَّ المرأة تدعو في جوف الليل لجيرانها ولأهلها وذويها ولأساتذتها أو غيرهم وهي لا تدعو لزوجها الذي هو بجوارها ويشاركها الحياة، والحال أن الإنسان يحشر يوم القيامة مع ذريته وأزواجه، وفي بعض الروايات؛ أنَّ المرأة التي كان لها أكثر من زوج في الدنيا تعطى لأحسنهم أخلاقاً؛ فالحياة تستمر حتى بعد الممات في عالم البرزخ وفي القيامة وليست القضية يوم أو يومين وانتهى الأمر، وعلى الزوجين أن يدعوان لبعضهما البعض بالهداية والثبات والتكامل وهذا سيعود بالنفع عليهما.
ونقطة أخيرة في هذا الجانب وهي أن الزوج والزوجة لا يعيشان في كوكب المريخ؛ فهم في الأرض ولكليهما عشيرة وأهل وعلاقات، والإنسان بطبيعته يحن على أرحامه، وفي رواية عن الإمام الكاظم (ع) أنه دخل على هارون وكان مغضبا، فأخذ الإمام بيد هارون وعانقه وقال أنَّ رسول الله (ص) قال: (اَلرَّحِمُ إِذَا مَسَّتِ اَلرَّحِمَ تَحَرَّكَتْ وَاِضْطَرَبَتْ)[٢١]، وهذا ما حصل بالفعل فقد دمعت عينا هارون وسكن.
وقد تتحول السعادة إلى تعاسة إذا قامت المرأة بمشاكسة الرجل في أهله، أو قام الزوج بممارسات تغيض الزوجة بالنسبة إلى أرحامها، فقد يكون الزوجان متفاهمان؛ ولكن لأجل الحرب الكلامية والإعلامية بين العشيرتين وبين الأهل – ك بثينة وليلى – قد يقع بينهما الخلاف والشجار يوماً من الأيام، ويتحولان من زوجين سعيدين إلى زوجين مشاكسين.
احذر المعصية أن تهدم عليك عشك الزوجي..!
وأختمها بموجب أخير من موجبات ذهاب المودة بين الزوجين وهو المعصية؛ فالرجل في بعض الحالات عندما يريد أن يحسن إلى زوجته؛ يسيء إليها بأخذها إلى مواطن المعصية؛ كـ بعض المطاعم غير الشرعية ويطعمها بيده الحرام وبأمواله وبسابق إصرار، وماذا يتوقع الزوجان في اليوم الذي يتناولان فيه الطعام المحرم عامدين؟ ويحاول البعض أيضا أن يدخل السرور على زوجته من خلال الأفلام المحرمة أو شبه المحرمة، وبالتالي يفتح عينها على عالم الحرام ويؤكل من حيث لا يتوقع، وكما قال الشاعر:
أَلقاهُ في اليَمِّ مَكتوفاً وَقالَ لَهُ إِيّاكَ إِيّاكَ أَن تَبتَلَّ بِالماءِ[٢٢]
اكتشف بنفسك أسباب المودة..!
وأنا أدعو الجميع إلى التأمل والتفكر في الأسباب التي تذهب المودة، وهذه قواعد عامة ولكل إنسان ظروفه الخاصة، وقد لا ينتفع ببعضها وإن كانت أسباباً مهمة، وقد يكتشف البعض أسباباً أخرى لجلب المودة؛ كـ الهدية وما شابه ذلك، وعلى الجميع أن يكتشف بنفسه ومن خلال تجاربه الأسباب التي تذهب بالمودة والأسباب التي تجلب المودة؛ فيحاول أن يجتنب تلك ويحاول أن يطبق هذه في حياته.
[٢] سورة الروم: ٢١.
[٣] سورة الروم: ٢١.
[٤] سورة الروم: ٢١.
[٥] سورة الروم: ٢١.
[٦] إرشاد القلوب ج١ ص١١٥.
[٧] الکافي ج٥ ص٥٦٩.
[٨] نهج البلاغة ج١ ص٤٢٦.
[٩] سورة البقرة: ١٨٣.
[١٠] جامع الأخبار ج١ ص١٤٧.
[١١] الکافي ج٢ ص٣٥٢.
[١٢] عیون الحکم ج١ ص١٠٠.
[١٣] سورة الروم: ٢١.
[١٤] سورة الروم: ٢١.
[١٥] الأمالي (للمرتضی) ج٢ ص٨٢.
[١٦] سورة الحجرات: ٧.
[١٧] سورة المائدة: ٩١.
[١٨] تحف العقول ج١ ص٤٨٩.
[١٩] سورة مريم: ٩٦.
[٢٠] سورة النساء: ٣٥.
[٢١] تفسیر البرهان ج٢ ص٧١٦.
[٢٢] الحسين بن منصور الحلاج.
خلاصة المحاضرة
- إن المودة هي إظهار ما في القلب من الحب، كالخضوع الذي هو إظهار ما في القلب من حالات الخشوع؛ وقد جعل الله المودة والرحمة بين الزوجين بمجرد وقوع العقد بينهما.
- إن المطلوب في الحياة الزوجية عنصران: عنصر داخلي وهو المحبة وعنصر خارجي وهو المودة، ولهذا أمرنا بإظهار هذه المشاعر: (قَوْلُ اَلرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ إِنِّي أُحِبُّكِ لاَ يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِهَا أَبَداً).
- إن المرأة في أقل التقادير مؤمنة تستحق الاحترام والإكرام ولا ينبغي التعرض لها بالأذى لما ورد عن النبي (ص): (مَنْ آذَى مُؤْمِناً فَقَدْ آذَانِي)، وهي أسيرة بيد الرجل ويقبح الظلم إليها لقول أمير المؤمنين (ع): (إِيَّاكَ وَظُلْمَ مَنْ لاَ يَجِدُ عَلَيْكَ نَاصِراً إِلاَّ اَللَّهَ).
- لا يمكن التوقع من رجل لا يسعد أولاده وزوجته به ولا ينالهم من رحمة ولا شفقة أن يكون بارا ورحيما بأهله ومجتمعه..!
- إن الشجار المتواصل، وتقريع الشريك أمام الآخرين، وعدم احترام خصوصيات البعض، وعدم تمني الخير للآخر، وعدم الاحتراز من المعاصي في الحياة الزوجية، كلها من الاسباب التي تهذب المودة بين الشريكين.