- ThePlus Audio
هل يُمكن أن يكون المؤمن دائم الذكر؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الذكر الدائم في المناجاة الشعبانية
في آخر عبارات من مناجاة إمامنا أمير المؤمنين (ع) في شهر شعبان؛ يطلب إمامنا من الله عز وجل أن يعينه على أمر هو: (وَأَنْ تَجْعَلَنِي مِمَّنْ يُدِيمُ ذِكْرَكَ)[١]. أولا: يطلب الإمام (ع) من الله عز وجل أن يكون دائم الذكر، وهو معنى يتعذر ويتعسر لغير المعصوم. إنه لا يمكن للمؤمن أن يكون دائم الذكر إلا أنه إذا جعل طموحه وشعاره أن يكون هكذا؛ فعلى الأقل سيذكر الله عز وجل في أوقات كثيرة، ويترقى في ذكره إلى أن يصبح الذكر شغله في أغلب الأوقات وهذا هو المطلوب. ما المانع من أن تكون في معظم الأوقات ذاكراً لله عز وجل؟
كيف يُصبح ذكر الله حلو في ذائقتك؟
ومن هنا يعلم أحدنا مقام المعصوم. إن المعصوم هو ذلك الذي لا يغفل عن الله عز وجل طرفة عين. وهنا إشارة مهمة، وهي: إن البعض منا يعول كثيرا على طاقاته، ونشاطه، ويقول: إنني أريد أن أكون مراقباً ذاكراً إلى آخره، والحال أن أمير المؤمنين (ع) يقول: (أَنْ تَجْعَلَنِي). إنه يطلب من ربه أن يجعله وأن يرشحه هو لمقام الذكر الدائم، وأن يجعل ذكره حلوا في ذائقته، فكما نقرأ في الدعاء: (يَا مَنْ ذِكْرُهُ حُلْوٌ)[٢].
ولكن هذه الحلاوة لا يجدها كل أحد وإنما يجعل الله سبحانه في ذائقة أفراد معدودين. فإذا ما جعل سبحانه ذكره حلواً في ذائقتك، وأراك في قلبك ذلك الجمال؛ فمن الطبيعي أن تُصبح ذاكراً. إن الشاب عندما يقدم على فتاة يهواها؛ لا أقول أنه يديم ذكرها، ولكنه يُكثر ذكرها لساناً وقلباً، لأنه رأى جمالاً وإن كان فانياً. إن النسوة اللواتي رأين يوسف (ع)؛ قطعن أيديهن ذهولاً لمشاهدة جمال بشري؛ فكيف بمن رأى جمالاً إلهياً؟
ما هو العهد الإلهي؟
ثم يقول (ع): (وَلاَ يَنْقُضُ عَهْدَكَ)[٣]. والعهد هو أننا عابدين لله بفطرتنا، وهو قوله سبحانه: ( وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ)[٤]. هناك بحث مفصل حول عالم الذر أو عالم الوجدان أو عالم الضمير أو سمه ما شئت ولا نود الدخول فيه؛ إلا أننا نعلم أن هنالك عهد فطري. وأنت عندما تخالف ربك بالمعصية؛ كأنك لم تقبل ربوبية رب العالمين عليك.
ويقول (ع): (وَلاَ يَغْفُلُ عَنْ شُكْرِكَ)[٥]. حاول أن تكون لهجاً بالشكر؛ تأكل فتشكر، وتشرب فتشكر، وتركب فتشكر، وتستيقظ من المنام فتشكر. فكم هم الذين ناموا فلم يستيقظوا؟ وقد قال سبحانه: (ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا وَٱلَّتِي لَمۡ تَمُتۡ فِي مَنَامِهَا)[٦]. ولهذا عندما يستيقظ المؤمن الذاكر يقول: الحمدلله الذي أحياني بعد إذ أماتني وإليه النشور، والحمدلله الذي رد علي روحي لأحمده وأعبده.
الانحراف عما سوى الله سبحانه
ثم يذكر إمامنا (ع) الحوائج العظام في آخر المناجاة الشعبانية، فيقول: (وَأَتْحِفْنِي بِنُورِ عِزِّكَ اَلْأَبْهَجِ فَأَكُونَ لَكَ عَارِفاً وَعَنْ سِوَاكَ مُنْحَرِفاً). يسأل البعض عن كلمة العرفان والعارف، وهل وردت هذه المشتقات في الروايات؟ نعم، إنها وردت. ثم يذكر الإمام وجود ترابط بين العارف بالله وبين الانحراف عمن سواه. من الطبيعي أن يكون عن سواه منحرفا من كان له عارفا، وهذا أثر قهري. من تعرف على أجمل وجه في الوجود؛ لا يبالي بالذميمة القبيحة.
ويقول (ع): (وَمِنْكَ خَائِفاً مُتَرَقِّباً). لماذا لا نراقب الله عز وجل في حياتنا؟ لأننا لا نعرفه، وإنما نؤمن به تعبداً ومن باب قانون العلية الذي يورثنا معرفة وجدانية يجعل الواحد منا مراقباً. إن علماء الأخلاق والتربية والسير إلى الله عز وجل يجمعون على هذه الحقيقة: أن الوصول إلى الله عز وجل لا يمكن أن يكون من دون مراقبة، ويشبهون ذلك بالجندي الذي يرابط في المتراس. فإذا كان مستيقظاً طوال الوقت، ويده على الزناد نجا؛ ولكنه لو غفل لدقائق لانتهى أمره وهجم عليه العدو فقتله.
لا تقنع من الدين بالصلاة والصيام
إن الشيطان يتربص بك؛ فإذا غفلت في سوق أو في جمع من الغافلين أو كنت في بلاد الغرب أو الشرق، وخففت المراقبة والمحاسبة؛ فإن الشيطان سيقضي عليك. إن إمامنا (ع) في هذه المناجاة قد ذكر أعلى الدرجات القربية؛ فلا تقنع بالصوم والصلاة، وابحث عن هذه المقامات التي ذكرها أمير المؤمنين (ع).
خلاصة المحاضرة
- إن البعض منا يعول كثيرا على طاقاته، ونشاطه، ويقول: إنني أريد أن أكون مراقباً ذاكراً إلى آخره، والحال أن أمير المؤمنين (ع) يقول في مناجاته الشعبانية: (أَنْ تَجْعَلَنِي). إنه يطلب من ربه أن يجعله وأن يرشحه هو لمقام الذكر الدائم، وأن يجعل ذكره حلوا في ذائقته.