– لابد لنا في كل مناسبات الأئمة (ع) أن نذكّر أنفسنا، بضرورة الاطلاع على سيرتهم العطرة؛ للاقتداء بهم، وإتباع منهجهم القويم.. وإن بدا ذلك محالاً، غير أنه علينا أن نسلك الطريق الذي سلكوا قدر الإمكان.. وعلي (ع) يؤيد هذا، إذ يقول: (ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك؛ ولكن أعينوني بورع، واجتهاد، وعفة، وسداد).
– إن من يريد معرفة منزلته عند الله عز وجل، فلينظر ما لله عنده، فليقيّم نفسه بمراجعة سريعة لحياة الأئمة (ع)، إذا كان سائراً على طريق الهدى أم أنه من المنحرفين.. إذ ليس بخافٍ على الجميع، بأن دعاوى الحب كثيرة، بل قد يقع -أحياناً- اللبس عند البعض، فيخلط بينه وبين الهوى والميل.. والحال، بأن الحب الحقيقي مبني على قاعدة اعتقادية متينة، مدعمة بالإتباع الكامل، والعمل بمقتضى هذه المحبة.. يقول الله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}.
– ومن هنا وجب علينا تقوية علاقتنا بأئمتنا (ع)، بأن نعرف موقعهم في الأمة، إذ أنهم أجمل ما خلق الله تعالى في الوجود، فهم: أعلام الهداية، ومصابيح الدجى؛ بهم تتبين السبل، وتتبدد الظلمات.. أوجب الله تعالى علينا محبتهم، ومن المعلوم أن المحبة لا تكون إلا بالمعرفة، وأن كلاهما أي المعرفة والمحبة يوجب الإتباع المطلق، فالمحب لمن أحب مطيع.. ولكن نحن -مع الأسف- تستهوينا العلوم والمعارف في كل ما هب ودب.. فهل نحن على إلمام -ولو بشكل بسيط- بما هو متعلق بالقادة العظام، الذين ندعي محبتهم؟!..
– لا يختلف اثنان في مظلومية الحسن (ع)، فهو المظلوم في حياته وفي استشهاده، من قبل أعدائه ومن شيعته.. إن المعاناة التي تعرض لها الحسن (ع) تفوق معاناة الحسين (ع)؛ نظراً لتسلمه مقاليد الأمور، فهو كان خليفة معترفاً به من الجميع، ومع ذلك واجه ما واجه من التجاوزات والخذلان من المقربين وغيرهم، وكابد مرارة الصبر على هذه المكاره السنوات الطوال.. في حين أن الحسين (ع) كانت مأساته الحقيقية في كربلاء، وإن كان ما تعرض له (ع) كيفاً أعظم من أخيه الحسن (ع).. وهنا لنا وقفة مع هذا الإمام الصابر؛ لنرى مدى ما عاناه (ع) :
* لما بلغ الحسن (ع) دسائس معاوية، وتغريره بالقوم لقتله، كان لا يتقدم في الصلاة إلا وهو محترزاً بالدرع، فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه، فلما صار في (ساباط) ضربه أحدهم بخنجر مسموم، جعله يعالج المرض فترة.. وإذا بأحد المدّعين من شيعته، يقترح تسليمه لمعاوية، ما دام في هذه الحال!..
* أضف إلى خذلان قادة الجيش.. فهذا الكندي يترك الجيش ويهرب إلى معاوية، نظير خمسمائة ألف درهم.. ويتبعه صاحبه مقابل خمسة آلاف درهم!.
* ويدخل أحدهم على الحسن (ع)، فيسلم عليه بمذل المؤمنين، ثم يدّعي قائلاً أن ما جاء به إلا حبه للإمام!.. ومن هنا نؤكد، بأنه لا بد من استناد الحب إلى أساس عقائدي؛ ليؤتي ثماره الطيبة.
وعليه، فإنه يتضح أن سبب هذا الخذلان، هو التشكيكات الفكرية التي خلفها الخوارج من جهة، والركون إلى الدنيا من جهة أخرى.. فهلا انتبهنا إلى هذين المهلكين ؛ لنكون سالمين من هذه العاقبة السيئة؟!.
* فإذن، من الطبيعي أن يقبل الإمام (ع) اقتراح معاوية، ليبقي على البقية الباقية المخلصة من شيعته.. إذ يبدو هذا جلياً من بنود الصلح، غير أن معاوية لم يعمل بها.. فبعد أن استتب له الأمر، اشتد البلاء على الشيعة، فصاروا بين قتيل وشريد وطريد، وكانوا يقتلون عل التهمة والظنة والشبهة، حتى أن أحدهم إذا أراد أن يذكر منقبة لعلي (ع)، يأخذ الأيمان المغلظة على صاحبه وخادمه ليكتمن عليه.. فلما مات الحسن (ع) ازداد البلاء والفتنة، فلم يبق ولي إلا خائف على نفسه، أو مقتول، أو طريد، أو شريد.. ولهذا فإن الأمة كانت تحتاج إلى هزة قوية، توقظها من سبات عميق، فكان دم الحسين (ع) المكمل لدور أخيه الحسن (ع).
هذه كانت قبسات من حياة إمامنا المظلوم الحسن (ع).. فسلام عليه يوم ولد، ويوم يموت، ويوم يبعث حيا.
– إن استشعار أزمة هذه الأمة، من فقدان الحجة الظاهرة، والحبل المتصل بين الأرض والسماء ، حيث فقد النبي (ص)، وغيبة الوصي؛ من موجبات الشعور بالغربة، ودافع للدعاء بتعجيل الفرج، كما نقرأ في دعاء الافتتاح: (اللهم!.. إنا نشكو إليك فقد نبينا، وغيبة ولينا، وكثرة عدونا، وقلة عددنا، وتظاهر الزمان علينا).
– إن الرسول الأكرم (ص) بعدما خطب بالناس، وأشهدهم على نفسه، صار ينادي بالقصاص قائلاً: (إنّ ربي عزّ وجلّ حكم، وأقسم: أن لا يجوزه ظلم ظالم.. فناشدتكم بالله!.. أي رجل منكم، كانت له قِبَل محمد مظلمة، إلا قام فليقتصّ منه.. فالقصاص في دار الدنيا، أحبّ إليّ من القصاص في دار الآخرة، على رؤوس الملائكة والأنبياء)!.. وهو النبي المصطفى، المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، الموصوف بالخلق العظيم!.. فمن ذا الذي يعطي القصاص من نفسه قبل يوم القيامة؟..
– إن المتأمل في وداع الرسول (ص) لأهله وأصحابه، يجد فيه كماً هائلاً من الحزن والألم.. برغم أنه سيلاقي ربه الحبيب الأوحد، فلمَ يا ترى ذلك؟!.. أ لعلمه بما سيحل بوصيه، وفلذة كبده، وبريحانتاه: الحسن، والحسين من بعده؟.. أم غماً وكمداً، على أمة خالفت نبيها، وعملت ما يوجب لها النار، وهو نبي الرحمة، الحريص على هدايتهم، إذ حتى في ساعة لقائه بربه، كان يدعو: (ربي سلم أمتي من النار!.. ربي سلّم أمتي من النار)!.. فهل تستحق أمة لم تراعِ نبيها في أهل بيته شفقته!.. ثم هل فكرنا في هذا الأب الشفيق، وعرفنا حقه علينا؟!.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.