Search
Close this search box.
  • ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

هل فكرت في تعلم سورة التوحيد يوما؟

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة التوحيد البطاقة الشخصية

لكل واحد منا بطاقة شخصية فيها تاريخ ولادته واسمه وما شابه ذلك من المعلومات التي تختص به. إن الله سبحانه في سورة التوحيد يبين نعته ونسبته وينفي أن يكون سبحانه والدا أو مولدا في قوله: (لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَد). لقد قرأنا التوحيد عمراً ولم نتفقه معنى هذه السورة. إن الحديث عن هذه السورة وفهم معانيها ليس حديثا ترفيا وليس علماً زائداً؛ بل هو علم لابد منه. كيف تلهج بالتوحيد وأنت لا تعلم ما معنى قوله تعالى: (ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ) وكيف ترضى أن تلهج بها في المستقبل من دون أن تعرف ما هو معناها؟

التأدب عند ذكر الله عز وجل

يقول سبحانه في الآية: (قُلۡ هُوَٱللَّهُ أَحَدٌ). تبدأ الآية بهو ثم الله ثم الحد. انظروا إلى الترتيب؛ فأولا: (هو) إشارة إلى جهة مبهمة. عندما تقول: جائني فلان، بينت الذي جاء؛ ولكنك عندما تقول: جائني هو، فلا تُبين من الذي جاءك، وتكون قد أبهمت لغرض ما. إن كلمة (هو) هي عبارة مبهمة ثم يبدأ بالبيان شيئا فشيئا. هو من؟ هو الله. لقد ذكر الله سبحانه لفظ الجلالة في القرآن الكريم أكثر من ألفي وخمسمائة مرة. إنه هذا الاسم العظيم الدال على كل صفات الجلال والكمال.

ولذلك ينبغي أن لا تتلفظ بلفظ الجلالة إلا بأدب فتقول بعد ذلك: سبحانه، أو جل جلاله، أو عم نواله أم ما شابه ذلك. فبعض الناس يذكر لفظ الجلالة بلا زيادة؛ ولكنه عند ذكر النبي (ص) يصلي عليه، وعند ذكر الإمام يقول: عليه السلام. إن بعض المتأدبين عندما يريد أن يقول: قال الله عز وجل، يجلس جلسة مؤدبة، ولا يذكر لفظ الجلالة إلا وهو في هيئة حسنة، وهكذا يكون الأدب. ولعل البعض لا يذكر هذه اللفظة المباركة إلا وهو متوضأ. وكلما زدت أدباً، كلما زدت قرباً من مولاك.

الدعاء الذي علمه خضر أمير المؤمنين (ع) قبل ليلة من معركة بدر

وهذا ونلاحظ في بعض الأدعية لا يوجد فيها إلا كلمة هو، فهي تخلو من لفظ الجلالة. لقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (رَأَيْتُ اَلْخَضِرَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي اَلْمَنَامِ قَبْلَ بَدْرٍ بِلَيْلَةٍ فَقُلْتُ لَهُ عَلِّمْنِي شَيْئاً أُنْصَرُ بِهِ عَلَى اَلْأَعْدَاءِ فَقَالَ قُلْ يَا هُوَيَا مَنْ لاَ هُوَإِلاَّ هُوَفَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَقَالَ لِي يَا عَلِيُّ عُلِّمْتَ اَلاِسْمَ اَلْأَعْظَمَ وَكَانَ عَلَى لِسَانِي يَوْمَ بَدْرٍ)[١]. إن هذا النبي كان محظوظا من بين أولياء الله عز وجل؛ فموسى (ع) مع أنه من أولى العزم اتبعه ليعلمه مما آتاه الله عز وجل، وأمير المؤمنين (ع) في المنام يقول للخضر: علمني شيئا، ولا مانع في ذلك أبدا. ومنام أمير المؤمنين (ع) ليس كمنامنا. فلو رأيت عالماً أو ولياً في المنام وعلمك ذكراً؛ فلا يُمكنك الاعتماد على ذلك الذكر. فما دام المنام ليس بحجة؛ فكل شيء فيه ليس بحجة. إلا أن منام أمير المؤمنين (ع) هو من نوع آخر.

إن هذا الدعاء الشريف الذي علمه خضر عليا (ع) فيه إشارة إلى ذات العزة والجلال. كأن الواحد منا يقول: يا رب، إنني عاجز عن وصفك؛ فأي شيء أقول؟ فلا أقول: يا الله أو يا رحمن أو يا رحيم، ولذلك أقول: يا هو، لأشير إلى جهة مبهمة عندي؛ فمن أنا ومن أنت؟! أنا الجاهل فكيف أصفك؟

فيك يا أعجوبة الكون بدى الفكر كليلا
كلما أقدم فكري فيك شبراً فر ميلا

الإشارة المبهمة

وكأنك تقول أيضا: يا رب، لست في مقام ذكرك لا إسماً ولا وصفاً، وإنما أشير إليك مبهما، لأنني متحير وله فيك. إن المعاني هنا معان عميقة، ولهذا في سورة التوحيد (قل هو) تبتدأ بالضمير. ولكن هناك انتعاشة بعد هذا الإبهام؛ حيث يذكر سبحانه أنه (أحد) لا واحد. فهو ليس ممن يقاس بغيره ليقال هو واحد. عندما تقول جائني واحد في عالم الأعداد فقد فرضت له ثانياً، ولكنك تقول: هو الله أحد، لا ثاني له ولا ثالث (وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ)؛ أي لا يقاس به أحد.

تعرف على السيد المصمود

ثم بعد ذلك تقول: (ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ). لقد ذكرته بضمير مبهم وبينته بلفظ الجلالة ووصفته بالأحدية والآن تصفه بما يدل على الفعل. ولكن ما معنى الصمد؟ هناك معان دقيقة وعميقة في هذه الآية؛ فقد روي عن إمامنا الجواد (ع) في معنى الصمد أنه قال: (اَلسَّيِّدُ اَلْمَصْمُودُ إِلَيْهِ فِي اَلْقَلِيلِ وَ اَلْكَثِيرِ)[٢]؛ أي الذي نفزع إليه في الحوائج وفي الملمات. أي يا رب، مدحتك بالهوية، وبلفظ الجلالة، وذكرتك بالأحدية؛ وأنت ما دمت كذلك جدير بأن ألتجأ إليك. فمن عرف الله على حقيقته؛ لا يلجأ إلى غيره. ولهذا يقول علمائنا: يتفرع من التوحيد في الذات والأفعال والصفات؛ التوحيد في الحاكمية، فلا حاكم إلا هو.

ويتفرع منه التوحيد في الخالقية، فلا خالق إلا هو، والتوحيد في العبادة، فلا معبود إلا هو. ألسنا نقول في سورة الفاتحة: إياك نعبد؟ ونحن نجد سر إياك نعبد في سورة التوحيد؛ لأنه أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد. إن من توغل في أبحاث التوحيد وفهم صفات الجلال والكمال؛ أصبحت عبادته عبادة متميزة منحصرة به.

يعالج الناس في المستشفى ويؤلف كتبا في التوحيد…!

ليُحاول أحدنا كما يجعل في حياته الدنيا نصيبا لبطنه وزوجته وأولاده؛ فليجعل نصيبا من عمره لفهم معارف القرآن والتوحيد. لقد التقيت بأحدهم ذات يوم لم يكن في زي أهل العلم؛ ولكنه كان ممن قل نظيره في فهم أبحاث التوحيد وله مؤلفات في هذا المجال. قلت له: يا فلان، من أين وصلت؟ وما هذه المؤلفات الدقيقة العميقة؟ فقد كانت بعض مصنفاته إنصافا تضاهي مؤلفات كبار القوم. فقال لي: وصلت بجهدي وبتعبي. نعم، إنه إنسان يعالج الناس في المستشفيات؛ ولكنه يرجع إلى المنزل ةيتأمل في أبحاث التوحيد.

ما المانع من أن تجمع بين عملك وبين العلم؟ ما المانع من أن تكون في النهار كاداً على عيالك؛ وفي الليل أو في السحر حيث تكون أفضل أوقات طلب العلم؛ مشغولا بفهم القرآن والتأمل فيه والتدبر في آياته؟ فإذا نمت نومة مريحة، ولم تنشغل بالسوق وغيره؛ خذ تفسيرا ساعة السحر أو بين الطلوعين، واقرأ صفحة من القرآن مفسرةً، وستجد بعد سنة أنك أصبحت ملما بشيء من أسرار القرآن الكريم.

[١] بحار الأنوار  ج١٩ ص٣١٠.
[٢] الکافي  ج١  ص١٢٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • ما المانع من أن تكون في النهار كاداً على عيالك؛ وفي الليل أو في السحر حيث تكون أفضل أوقات طلب العلم؛ مشغولا بفهم القرآن والتأمل فيه والتدبر في آياته؟ فإذا نمت نومة مريحة، ولم تنشغل بالسوق وغيره؛ خذ تفسيرا ساعة السحر أو بين الطلوعين، واقرأ صفحة من القرآن مفسرة؟
  • ينبغي أن لا تتلفظ بلفظ الجلالة إلا بأدب فتقول بعد ذلك: سبحانه، أو جل جلاله. فبعض الناس يذكر لفظ الجلالة بلا زيادة؛ ولكنه عند ذكر النبي أو الإمام يقول: عليه السلام. إن بعض المتأدبين عندما يريد أن يقول: قال الله، يجلس جلسة مؤدبة، ولا يذكر لفظ الجلالة إلا وهو في هيئة حسنة.
  • لقد قرأنا التوحيد عمراً ولم نتفقه معنى هذه السورة. إن البحث عن معاني هذه السورة وفهم دقائقها ليس عملا ترفيا وليس علماً زائداً؛ بل هو علم لابد منه. كيف تلهج بالتوحيد وأنت لا تعلم ما معنى قوله تعالى: (ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ) وكيف ترضى أن تلهج بها في المستقبل من دون أن تعرف ما هو معناها؟
Layer-5.png