هل تعلم ما هي أرقى محطة في الصلاة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

كيف تُصبح الصلاة معراجا؟

من المفروض أن تكون الصلاة معراجاً للعبد في حركته إلى الله عز وجل. كم الإنسان بحاجة إلى هذه الوقفة التأملية في زحمة الحياة؟ إن أحدنا يأتي من العمل أو من المنزل إلى بيت من بيوت الله عز وجل ليطير في أجواء القدس الإلهي. ومن هنا سميت الصلاة بأنها معراج المؤمن، وهي قربان كل تقي وهي عمود الدين وهي الناهية عن الفحشاء والمنكر.

كيف أعرف أن صلاتي قُبلت؟

ولذلك نقول: لا تتحير كثيرا في قبول الصلاة من عدم قبولها؛ فمن انتهى من الصلاة ولم يشعر بحالة المعراجية، فهو لم يسافر أصلا. لو أن أحدا ذهب إلى المطار في كل يوم خمس مرات وركب الطائرة؛ ولكن الطائرة لك تطر أو مشت مسافة ثم توقفت؛ هل يُعد هذا الإنسان مسافرا؟ فكيف إذا ذهب إلى المطار ولم يركب الطائرة وإنما يدخل إلى قاعة المغادرين ثم يرجع ويفعل ذلك في كل يوم خمس مرات؟ إنه لم يحلق بل لم يركب الطائرة وإنما تشبه بالمسافرين. فترى من الناس من يذهب إلى المطار ويركب الطائرة وتحلق به ويصل إلى منتجع جميل ويستمتع بالمناظر الخلابة ثم يعود، والحال أن صاحبنا المسكين يذهب في كل يوم ويرجع من دون أن يستمتع بشيء.

نحن نتشبه بالمصلين…!

نحن في كل يوم نتشبه بالمصلين، وصلاتنا هي شبيهة بالصلاة المعراجية ليس إلا. إن المساجد هي بمثابة المطارات وصلواتنا بمثابة الطائرات؛ فمن جاء إلى المسجد ولو من مسافة بعيدة بل لو ذهب إلى المسجد الحرام الذي هو من أعظم المطارات معتمراً أو حاجاً؛ ولكنه لم يخشع في صلاته؛ فهو لم يسافر ولم يحلق في الأجواء العليا.

إن الله سبحانه يقول: (سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ)[١]. أما الآيات في الآفاق فهي معلومة وهي عجائب الخلقة مما في المجرات ومما في أعماق البحار وما شابه ذلك من المظاهر الآفاقية. وهي من الذرة إلى المجرة كما يعبر البعض عنها. ولكن في مقابل الذرة إلى المجرة؛ يوجد هذه النفس.

أتزعم أنك جرم صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر

حاول أن تجد هذا التجلي الأنفسي الذي محله الصلاة. من لم يتوجه ومن لم يحلق ومن لم يرى شيئا في الصلاة؛ لا يتوقع أن يرى شيئا خارج الصلاة، وينبغي أن ييأس من ذلك. ولهذا من لم يطور من صلاته ولم يرى هذه الآيات الأنفسية؛ فمن الطبيعي أن تكون الصلاة ثقيلة عليه كما قال سبحانه: (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ)[٢].

أرقى القطع الصلاتية…!

أما في الصلاة ذاتها قطعة هي من أرقى القطع الصلاتية إن صح التعبير وهي السجود. ولكن هناك قطعة أخرى رائعة قبل السجدتين وبعدهما يجدر بنا التوقف عندها قليلا. إنك قبل أن تسجد، تكبر ثم تسجد وتسبح وتحمد ثم تصلي على النبي وآله (ص) ثم ترفع رأسك من السجدة الأولى وتستغفر الله عز وجل ثم تكرر السجدة الثانية ثم ترفع رأسك من السجود. إن الله عز وجل هو أعلم بأسرار الصلاة ولكن لا بأس أن نحلل هذه الأذكار قليلا. يوجد في هذه القطعة الصغيرة السجدتين وما قبلهما وما بعدهما؛ ثلاثة أرباع التسبيحات الكبرى التي هي : سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر. أن أركان كعبة العرش هي هذه التسبيحات الأربع. فقد ورد في الرواية المعروفة؛ أنه في قبال كعبة الأرض؛ كعبة في السماء جدرانها الأربعة هي التسبيحات الأربع. وثلاثة أرباع أركان كعبة العرش موجودة في هذه الحركة القصيرة التي نقوم فيها في الصلاة.

فأنت تكبر وتسبح بحمده وأنت ساجد، وبعد ذلك تصلي على النبي وآله (ص) ثم ترفع رأسك وتستغفر. ما هي العناصر المشتركة بين هذه الحركات الخمس؟ التكبير والتسبيح والتحميد والاستغفار والصلاة على النبي وآله؟ يبدو لنا في بادئ النظر أن هذه الحركات الخمس هي إشارة إلى علاقات ثلاث. أولا: العلاقة مع رب العالمين، ثانيا: العلاقة مع النبي وآله (ص)، وثالثا: علاقتك مع نفسك. أما التكبير والتسبيح والتحميد فهي أذكارتُبين علاقة العبد مع الله عز وجل. إنها أذكار نُثني بها على الله ونمدحه بها. وكل واحد منا يريد أن يبين بهذه الأذكار الثلاثة؛ موقع علاقته بالله عز وجل. أما بالصلاة على النبي وآله (ص) فتبين علاقتك بالنبي وآله؛ فلولا حبك إياهم لم تطلب من الله عز وجل أن يصلي عليهم.

السجدة الثانية؛ هل تختلف عن الأولى؟

ويعتقد البعض من المتأملين؛ أن السجدة الثانية هي أرقى من الأولى. هب أنك سهوت في السجدة الأولى –  كما هي عادة المصلين –  ولكن تذكر أنك استغفرت بين السجدتين، وسجدتك الثانية تأتي بعد هذا الاستغفار. ومن المتوقع أو من المفروض أن تجعل السجدة الثانية أرقى من الأولى وخاصة لو استغفرت الله عز وجل استغفاراً بليغاً. لقد سألني ذات يوم أحد المصلين سؤالا غريبا، فقال لي: هل يحق لي أن أدعو ربي في أي موضع من الصلاة؟ قلت: نعم، وهل الصلاة إلا الدعاء؟ إلهج بالدعاء وبالاستغفار لا في القنوت فقط؛ بل في كل حركة من حركات الصلاة ركوعاً أو سجودا. حاول أن تجعل في كل ركعة من الصلاة؛ محطة استغفار بليغ.

ما أذن لك إلا لأنه يريد منك أن تُقبل عليه…!

لقد أذن لك رب العالمين بالاستغفار؛ ولولا إرادته أن يغفر لك ما أذن لك بالاستغفار. والمؤمن له في جوف الليل وقفة استغفارية؛ فهو يلهج بالعفو في صلاة وتره؛ ولكن لا يغفل عن ذلك في النهار أيضا، فله في كل ركعة من ركعات صلاته في الليل والنهار وقفة استغفارية مع رب العالمين.

وما المانع من أن تستغفر بفقرات من دعاء أبي حمزة أو بفقرات من دعاء كميل بين السجدتين؟ تفنن بالاستغفار وتذوقه وأطل فيه. إن البعض عندما يجلس مع أصدقائه على وجبة شهية؛ يأكل لقمة لقمة ويطيل في الأكل، لأنه يريد أن يستمتع في الأكل. هنيئا لمن ترك المسجد وقلبه معلق بذلك البيت. فهو عندما يرجع إلى المنزل يجلس مع الأهل والعيال ويأكل أشهى الطعام ولكن ما رآه في الصلاة المعراجية؛ لا توازيها نعمة في الوجود عنده. إن هذا الإنسان لا يحتاج إلى أن تقول له مثلا: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد؛ بل لو قيل له: إن صلاتك في البيت وفي المسجد على حد سواء؛ لاختار المسجد على البيت، لأن أنسه في المسجد.

لا تمنوا علي صلاتكم…!

أو تعلم أن كبار الأولياء لو جائهم الوحي من قبل جبرئيل، وقال لهم: من اليوم فصاعداً، لا أجر لك في صلاتك، لن يترك الصلاة وسيقيم الليل كما يفعل دائما. أنت عندما تزور أمك وأباك أو تزور الصديق الذي تُحبه؛ لا تنظر إلى الأجر وإنما تفعل ذلك حبا. هل رأيت ولداً باراً يأخذ أجرة من أبويه كلما زارهم؟ إن الإنسان يصل إلى درجة يرى أن الله عز وجل قد من عليه بأن أذن له بالصلاة بين يديه.