

- ThePlus Audio



هل تعلم ما هو أفضل عمل في ليلة القدر؟ – إحياء ليلة القدر الثالثة – الشيخ حبيب الكاظمي – ليلة ٢٣ رمضان الكريم ١٤٤٦
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا أفضل شيء تطلبه في ليلة القدر…!
إن ليلة القدر الأخيرة، هي ليلة مصيرية في حياة الإنسان، فهو لا يدري ماذا سيُكتب له من صحة أو مرض أو عافية أو ما شابه ذلك. فالذي يخاف من المقدرات والذي أصابه ما أصابه في العام الماضي، فليعتبر بذلك، فإن ما أصابه تقصير منه في الدعاء والاجتهاد في ليالي القدر من تلك السنة، فليعوض ذلك هذا العام، وليسأل الله العافية، وإن كان البلاء مكملا للإنسان. وذلك لما روي عن النبي الأكرم (ص): (خَيْرُ مَا يَسْأَلُ اَللَّهَ اَلْعَبْدُ اَلْعَافِيَةُ)[١]. إن البلاء يشغل بال الإنسان، والبال المشغول لا يقبل كثيرا في الدعاء والعبادة، ولذا لم يدع الله موسى (ع) وهو في الشمس وإنما تولى إلى الظل ثم دعا الله بما دعاه.
اللهم إني أسألك خير ما تُسئل…!
من الأمور التي يطلبها المؤمن في ليلة القدر، والتي يبدأ بها ليلته، أن يسأل الله عز وجل أن يجازيه بجزاء أفضل من عمل في تلك الليلة، وليقل: يا رب، إذا قبلت في هذه الليلة من المؤمنين أحد، فاجعل ثوابي كثواب أحسن عمل في جموع المؤمنين المحيين لهذه الليالي في مشارق الأرض ومغاربها. فإذا أمضى لك الله عز وجل هذا الطلب، كنت من الفائزين في تلك الليلة.
اغفر إن كنت تبحث عن المغفرة
وإذا أردت أن يغفر الله لك في ليلة القدر، فامتثل قول الله عز وجل: (وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِيمٌ)[٢]. فقد يكون من ظلمك معذبا الآن في قبره، فأبرئ ذمته – في غير المسائل المالية – لكيلا يبقى معذبا في القبر. وفي هذه الحالة إذا ذهبت من هذه الدنيا ولك تبعات كبرى، تخاطب ربك قائلا: يا رب، لقد أبرأت الذمم في الدنيا، على أمل أن يرئ ذمتي من له علي حق وله قبلي تبعة.
ومن أعمال هذه الليلة، طلب العلم، وأحسن العلم القرآن الكريم وأنسب سورة نتدارسها في هذه الليلة، سورة القدر التي تضمنت أسرارا مهمة. يقول عز وجل: (إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)[٣]. و(إنا) من التعابير الملكية الفخمة، وقد وردت في غير سورة في القرآن الكريم كقوله عز وجل: (إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحࣰا مُّبِينࣰا)[٤]، أو قوله عز من قائل: (إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ)[٥]. ولكنه عند المؤانسة والتلاطف يستعمل ضمير (إني) كحديثه مع موسى (ع): (إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ)[٦].
كيف علم النبي (صلى الله عليه وآله) حقيقة ليلة القدر؟
ثم يخاطب النبي الأعظم (ص) فيقول له: (وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ)[٧]؟ أي أن النبي (ص) بالرغم من مكانته وعلمه، لا يستطيع يعلم حقيقة ليلة القدر لولا التعليم الإلهي، وقد علمها وهو يشم رائحة ابنته فاطمة (س)…! إن تعبير ما أدراك يُستعمل عادة في القرآن الكريم، عند الحديث عن القيامة، فيقول عز وجل: (وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ)[٨]، وكأن هذه الليلة تضاهي يوم القيامة في العظمة والإبهام والرمزية وإلى آخر ذلك.
كيف تكون ليلة خيرا من ألف شهر؟
ثم يقول عز وجل: (لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرࣱ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرࣲ)[٩]. إن المشهور بين المؤمنين، أن العمل في هذه الليلة خير من ألف شهر، فإذا صليت في هذه الليلة مائة ركعة، فكأنك صليت مائة ركعة في أكثر من ألف شهر ومقبولة أيضا؛ فقد تصلي في غير هذه الليلة ولا يقبل الله لك تلك الصلاة. ولكن بالإضافة إلى مضاعفة الأعمال ونموها في هذه الليلة، فإن النفس تنمو في هذه الليلة أيضا، وقد قال عز من قائل: (إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةࣲ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ)[١٠]. وهذه البركة تشمل النفس الإنسانية كما تشمل ما يقوم به العبد من عمل فيها. وبعبارة أخرى: ذاتك تنمو في هذه الليلة، خيرا من نموها في ألف شهر. تخيل نبتة تنمو في ليلة بمقدار نموها في ألف شهر؟! كيف سيكون حجم هذه الشجرة الكبيرة؟
بإمكانك في هذه الليلة أن تبني هذه النفس وأن ترجعها إلى طريق ذكر الله عز وجل إن كنت ممن نسوا الله فأنساهم أنفسهم. أحدث انقلابا جوهريا في ذاتك في هذه الليلة، ولا تيأس من روح الله عز وجل. لو فتحت باب الاجتهاد في الرسالة العملية، لوجدت إلى جانب الكبائر والفواحش التي يذكرها الفقهاء، اليأس من روح الله. كيف تبكي بين يدي الله وفي ضيافته وتظن أن الله لا يغفر لك ذنوبك السالفة؟ لقد سمعت بأحدهم بينه وبين رجل دم، فصادف أن رآه في زيارة الأربعين، فقال له: لقد عفوت عنك، لأنك زائر الحسين (ع). هذا فعل بشر مؤمن فكيف بفعل الله عز وجل وهو القائل: (مَّا يَفۡعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمۡ إِن شَكَرۡتُمۡ وَءَامَنتُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمࣰا)[١١].
شرط طلب المغفرة في ليلة القدر
ولكن ثمة شرط لطلب المغفرة في هذه الليلة، وهو: ألا تعود إلى المعاصي التي تبت منها. إن التوبة النصوح هي التوبة التي تتغير فيها ذائقتك. إن الطفل يلعب بلعبة في صغره ويأنس بها، ولكنه يرميها في كبره في سلة المهملات، ويقول: لقد ترقيت، ولم تعد تناسبني هذه اللعبة. والمؤمن يصل إلى مرحلة يستقذر فيها الحرام الذي كان يستمرئه ذات يوم. إنه يفكر في هذه المشاهد المحرمة، ويقول في نفسه: أي عقل هذا الذي ينظر إلى صور محرمة، ثم ينطفأ الجهاز فلا يبقى منها شيء، إلا ما أبقت من التبعات والذنوب؟!
أي جائع يبحث في النت عن صور الطعام؟
أليس الحري بالشاب المؤمن، أن يذهب إلى فتاة مؤمنة ويخطبها من أهلها، بدل التسكع في الصحفات ومشاهدة الصور المحرمات التي لا تُسمن ولا تغني من جوع؟ هل رأيت جائعا يُشبع جوعته بالبحث عن صور الأطعمة والأشربة في الإنترنت؟ إن صورة الطعام الشهي لا تُشبعه؛ بل العكس تزيد من شهوته للطعام.
هل ضمنت المغفرة في هذا الشهر؟
ولا بد أن يراقب المؤمن نفسه في هذا الشهر عموما، وفي الليالي الأخيرة منه خصوصا، لينظر كيف أصبح وهل نال المغفرة الإلهية في هذا الشهر؟ فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (فَإِنَّ اَلشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اَللَّهِ فِي هَذَا اَلشَّهْرِ اَلْعَظِيمِ)[١٢]. فإذا لم يرق قلبك ولم تذرف دمعة ولم تزدد ندامة في هذا الشهر، فلا بد من أن تشك في نفسك. ولكن إذا رأيت نفسك متألما لفراق الشهر، ورأيت في عدم بلوغ الشهر ثلاثين يوما مصيبة إذ أنك خسرت يوما من الصيام والضيافة بين يدي الله عز وجل، فهذه علامة طيبة.
وقبل أن يُفكر المؤمن في كم الأعمال التي سيقوم بها في هذه الليلة، ينبغي أن يفكر في الكيف، إذ ليس للكم بلا كيف كثير قيمة، وللقليل من العمل مع الكيف كثير قيمة. فلا تصل صلاة ركعتين في هذه الليلة المذكورة في كتب الدعاء، في أي مكان وزمان، وقم بها ساعة السحر في خلوة ما. فإذا استغفرت ربك بعد هذه الصلاة ودموعك جارية على خديك، فاحمد الله عز وجل، لأنك أصبحت من الفائزين.
من أمهات الأعمال ليلة القدر
من أعمال هذه الليلة، زيارة الحسين (ع). وهي زيارة مختصرة قد وردت في كتاب مفاتيح الجنان. وكما ذرفت دمعة توحيدية في صلاتك؛ فأذرف دمعة ولائية في هذه الزيارة. واعلم أنك حتى لو سهوت وغفلت بعد هاتين الدمعتين، فقد أحرزت الجائزة، ولكن لا يمنعك ذلك من الزيادة. ومن الأعمال المهمة في هذه الليلة، رفع المصاحف والغسل، وهي بالإضافة إلى ما ذكرناه، من أمهات الأعمال في هذه الليلة.
هل أرجعت آبقا إلى مولاه؟
واعلم أن أفضل الأعمال أن ترجع آبقا إلى مولاه. لقد ذكر لي أحدهم أنه اصطحب ولده معه إلى مجالس الإحياء وكان تاركا للصلاة، فأصبح خيرا من أبيه في القيام بالأعمال والأوراد. من يستفيد من صلاتك في زاوية البيت؟ خذ بيد التائهين في الجامعة وفي غيرها وائت بهم إلى هذه المجالس، وكن من الدعاة إلى الله عز وجل بذلك.


خلاصة المحاضرة
- إن ليلة القدر الأخيرة، هي ليلة مصيرية في حياة الإنسان، فهو لا يدري ما ذا سيُكتب له من صحة أو مرض أو عافية أو ما شابه ذلك. فالذي يخاف من المقدرات والذي أصابه ما أصابه في العام الماضي، فليعتبر بذلك، فإن ما أصابه تقصير منه في الدعاء والاجتهاد في ليالي القدر من السنة الماضية.
- لو قمت في ليلة القدر بالصلاة ركعتين واستغفرت الله عز وجل بعد هذه الصلاة ودموعك جارية على خديك، ثم زرت الحسين (ع) وجرت دموعك على مصيبته، فقد أحرزت بهاتين الدمعتين؛ التوحيدية والولائية، الجائزة في هذه الليلة المباركة.
