• ThePlus Audio
Layer-5-1.png

هل تأملت في هذه المعاني من مناجاة الشاكين؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحكمة في ترتيب المناجيات الخمس عشرة

لا يُمكن القطع بأن الترتيب هو ترتيب الإمام زين العابدين (ع)، ولعله ترتيب من جمعها. ولكنه في الحالتين ترتيب منطقي ويوجد بين هذه الأدعية نسبة وترابط. أما التوبة فهي علة للشكوى أو أن الشكوى هي علة للتوبة. لماذا يتوب الإنسان؟ لأنه متبرم من أمر ما. ولم يشتكي؟ في المحاكم هناك مشتكى عليه ومشتكى عنده ومادة للشكوى وهي كلها مجتمعة في الإنسان في مناجاة الشاكين. فهو الذي يشتكي على نفسه الأمارة بالسوء في محضر الله عز وجل. فإذا أراد أن يناجي الإنسان ربه بمناجاة الشاكين؛ فلابد أن يعيش هذه الحالة من التبرم في نفسه.

إن التكامل خلاف طبيعة النفس

إن الإنسان يشكو في مناجاة الشاكين من هذه النفس التي وصفها سبحانه في قوله: (إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ)[١] وقال عز من قائل: (إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا)[٢]. أي أن طبيعة الإنسان طبيعة غير مهذبة. إن نفس الإنسان تُشبه جاذبية الأرض التي تجذب الأشياء إلى الأسفل وتُسقطها على الأرض. إن هذه النفس ميالة إلى التسافل بفعل الشهوات وإغواء الشياطين. فلو ترك الإنسان نفسه وشأنها لمالت إلى سفاسف الأمور. ولهذا فإن تهذيبها بحاجة إلى مجاهدة لأنها تريد أن تتعالى بخلاف طبيعتها. إن الصاروخ الذي يُطلق إلى الفضاء يريد أن يُخالف الجاذبية فلذا يزودونه بمحركات هائلة تستطيع أن ترقة به إلى جو السماء أو إلى كرة أخرى كالمريخ مثلا.

إن الإنسان الذي يريد أن يتخلص من جاذبية الهوى، فلابد وأن يمتلك هذا المحرك الباطني. ولذا قال سبحانه في آية تشير إلى جاذبية الأرض: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ)[٣].

ألقى الله على الملائكة الشهوة، فماذا صنعوا؟

ويجدر بنا الإشارة إلى أنه لو أراد رب العالمين وجوداً خالياً من المعصية ومنسجماً مع الطاعة لاكتفى بخلق الملائكة المجبورة والمفطورة على الطاعة؛ ولكن الله عز وجل يريد أن يصل الإنسان بسياسة الكدح إلى مبتغاه وهو قوله عز وجل: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحࣰا فَمُلَٰقِيهِ)[٤]. ولذا يُقال: أن الملائكة عندما اعترضت على الله سبحانه في خلقه لآدم (ع) وقالت كلمة يستشف منها حالة من الفخر على آدم الذي لم تطأ بعد رجلاه الأرض: (أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ)[٥]، يُفسد بالنظر إلى الشهوة ويسفك الدماء بالنظر إلى قوة الغضب، ألقى الله عليهم الشهوة الآدمية فضجت الملائكة إلى الله عز وجل؛ أي يا رب، ما هذا الابتلاء العظيم والشاغل الذي شغلنا عن التسبيح والتقديس؟

فلا يتوقع الإنسان أن يصل إلى المقامات العليا من دون هذه المجاهدة. ولهذا تأتينا رسائل من المؤمنين يشكون فيها سورة الغضب وإلحاح الشهوة حيث يشتكي البعض من البلوغ قبل سن البلوغ المتعارف، فأقول لهم: لا يكن ذلك ذريعة للتقاعس والتخلي عن المجاهدة؛ بل لابد وأن تزيدوا من الكدح والمجاهدة لنيل الكمال المطلوب والأجر على قدر المشقة.

قد تفقد السيطرة على نفسك في أي لحظة…!

إن كلمة الأمارة التي وردت في مناجاة الشاكين هي من صيغ المبالغة؛ أي كثيرة الأمر بالسوء وهي كلمة مؤنثة. وقد يشعر كل واحد منا بهذه النفس وبنفث الشياطين، وكأن في داخل كل إنسان إنسانُ آخر يأمره وينهاه. وقد روي: (لَمَّتَانِ لَمَّةٌ مِنَ اَلشَّيْطَانِ وَ لَمَّةٌ مِنَ اَلْمَلَكِ فَلَمَّةُ اَلْمَلَكِ اَلرِّقَّةُ وَ اَلْفَهْمُ وَ لَمَّةُ اَلشَّيْطَانِ اَلسَّهْوُ وَ اَلْقَسْوَةُ)[٦]

وتُسبب هذه الأوامر من النفس والشيطان حالة من الاندفاع نحو الحرام، فإذا أصغى إليها الإنسان ومال إلى هذه النفخات والوساوس تتحول إلى أوامر ملزمة. ولهذا يصل الأمر بالبعض من العصاة أن يقول: إنني أقوم بما أقوم به عن خير اختيارو كأنني ملزم بذلك. ولذا كثيرا ما نسمع في الأخيرا ونقرأ في وسائل التواصل عمن يقتل زوجته وولده ويرتكب ما لا يقوم به أي إنسان سوي.

اذهب فلا خير منك يُرجى…!

إنني أحيانا أتكلم مع بعض المؤمنين في المشاهد المشرفة وأوصيهم ببعض الوصايا فيقول لي البعض منهم: لا نستطيع أن نفعل مما توصينا به شيء، فليس الأمر بأيدينا، فأقول لهم: اذهبوا فلا خير فيمن لا يستطيع السيطرة على نفسه. إن هذا الإنسان بمثابة سيارة لا مقود لها ولا فرامل، فلا يُمكن السفر بها حتى إلى مكة المكرمة أو إلى كربلاء المقدسة. فمن فقد الفرامل الداخلية لا يستطيع أن يرتدع عن الحرام ولا أن يعمل بالواجبات إذا منعته من ذلك نفسه ولن يصل إلى المقامات العالية أبدا.

فمتى يشتكي الإنسان على نفسه؟

عندما يرى قبح ما هو فيه، ويرى حالته المزرية ويستيقظ على واقعه المزري؛ فهو كمن يمشي في طريق فيُغمى عليه على مزبلة، فإذا استفاق ورأى نفسه على تلك المزبلة وشم تلك الروائح الكريهة سارع إلى الفرار منها والابتعاد عنها.

[١] سورة يوسف: ٥٣.
[٢] المعارج: ١٩.
[٣] سورة التوبة: ٣٨.
[٤] الانشقاق: ٦.
[٥] سورة البقرة: ٣٠.
[٦] الکافي  ج٢ ص٣٣٠.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن نفس الإنسان تُشبه جاذبية الأرض التي تجذب الأشياء إلى الأسفل وتُسقطها على الأرض. إن هذه النفس ميالة إلى التسافل بفعل الشهوات وإغواء الشياطين. فلو ترك الإنسان نفسه وشأنها لمالت إلى سفاسف الأمور. ولهذا فإن تهذيبها بحاجة إلى مجاهدة لأنها تريد أن تتعالى بخلاف طبيعتها.
Layer-5.png