Search
Close this search box.
  • هل أنت ممن يُحب زيارة الحسين (عليه السلام)؟
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

هل أنت ممن يُحب زيارة الحسين (عليه السلام)؟

بسم الله الرحمن الرحيم

حب الحسين (عليه السلام) تصرف إلهي

إن ذكر الحسين (ع) ومحبته من الأمور التي يغرسها الله سبحانه في قلوب المؤمنين. إنني أعتقد – واعتقادي ليس بعيداً عن الواقع –أن الكثير من الحجاج الذين يأتون من أقاصي البلاد لا يأتون الحج إلا بتصرف إلهي في قلوبهم؛ فالحب هو الذي يحدوهم ويوشقهم لتحمل مشاق الحج. هذا وبعضهم ممن لا يصلي قبل الحج ولا يصوم وكذلك عندما يرجع إلى بلده، ولكنه يشعر برغبة تجاه الحج، وقد قال سبحانه في كتابه عن لسان نبيه إبراهيم (ع): (فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡ)[١]، وقد استجيب له ذلك. ولذلك نرى من يقول من شدة ما يعاني: هذه آخر حجة لي، ولكنه في الموسم التالي يكون أول الملبين لدعوة إبراهيم الخليل (ع).

وهذا التصرف موجود في قلوب المؤمنين المحبين لزيارة قبر الحسين (ع). لقد جعل سبحانه أفئدة من الناس تهوي إلى الحسين (ع) بشكل يذكرنا بزيارة البيت الحرام. لقد أراد رب العالمين أن يخلد ذكر حبيبه الحسين (ع) الذي بذل مهجته فيه؛ كما وعد نبيه بذلك عندما قال له: (وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ)[٢]، وقد وفى له بوعده ورفع ذكره مع كل أذان وإقامة، وفي كل تشهد وتسليم، وفي شهادة كل من يريد أن يعلن إسلامه. ومن ذهب إلى الحج والعمرة ولم يزر النبي (ص) فقد جفاه. ولكي يغري رب العالمين المؤمنين جعل بين قبر النبي ومنبره؛ روضة من رياض الجنة. فكل هذه محفزات لنا، ووتكريم لحبيبه (ص). وهناك الكثير من هذه المحفزات التي وردت في الروايات الشريفة حول زيارة الحسين (ع).

لا تنظر بمنظارك المادي إلى الحج والزيارة

إن البعض عندما ينظر بالعين المادية أو بعين طفولية؛ لا يستوعب حقيقة الزيارة، ولا يعطي الزيارة حقها. فيقول ما ذهابنا هذا مشياً أو بالطائرة أو بالدابة إلى المرقد ثم دخول والسلام على الإمام، والصلاة ثم الرجوع إلى أرض الوطن؟ ما فائدة هذه العملية، وما هو معناها؟ ونقول: إذا كنت تشكك في الزيارة؛ فأنت بالتأكيد لا تشكك في الحج، فإن شككت في الحج وأنكرته؛ فقد أنكرت ضرورياً من ضروريات الدين.

فما هو الحج؟

تلبية في الميقات، وطواف حول البيت، وركعتان خلف المقام، وسعي، ووقوف، ومبيت، وذبح، وتقصير وانتهى الأمر. وهذه الأفعال لا وزن لها في ميزان أهل الدنيا. فلو عرضت منظر الطواف والسعي والرمي على غير مسلم، لم يسمع بالحج لقال: ماذا تصنع هذه الملايين، وما هذه الحركات؟ إنها حركة غير مستوعبة. ولكن الحج ليس هذه الحركات فقط؛ إنه إظهار للعبودية.

الزيارة إظهار للولاء

إن الزيارة إظهار للولاء. فأن تكون محباً لله عز وجل ثم لا تصلي، ولا تحج، ولا تصوم؛ فهذه المحبة لا مصداقية لها. ولهذا قالوا في الفرق بين المحبة والمودة: أن المحبة في القلب، إن أبرزتها سميت مودة. وقد قال سبحانه: (قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ)[٣]. فإذا أنت من الموحدين ومن المسلمين الذين يدعون الحب لله عز وجل؛ فلابد أن تظهر حبك من خلال هذه الركيعات ومن خلال الكف عن الطعام والشراب في شهر رمضان المبارك، ومن خلال الذهاب إلى البيت العتيق. والكلام هو ذاته والمعادلة هي هي في الزيارة.

يا من تدعي حبهم…!

فإن كنت تدعي حب النبي (ص)، فلابد أن تسري محبتك هذه إلى ذريته (ع). فقد روي عنه (ص) أنه قال: (حُسَيْنٌّ مِنِّي وَ أَنَا مِنْ حُسَيْنِ أَحَبَّ اَللَّهَ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً)[٤]. ومن أحب النبي (ص) كذلك أحب علياً وفاطمة وذرية الحسين (ع). وهذه المحبة المدعاة؛ لابد أن تبرزها من خلال البكاء على مصائبهم، والفرح في مناسبات فرحهم كالولادات الشريفة والذهاب إلى مشاهدهم، وأن تنوي الحج والعمرة نيابة عنهم، وأن تدعو لفرج وليهم الأعظم، خاتم الأوصياء (عج).

فروح الحج التوحيد، وروح الزيارات الولاء مع التوحيد. فإننا ما أحبننا الحسين (ع) إلا لأن الله أحبه. إن النبي (ص) صار عبداً ثم رسولاً، ونحن نقرأ ذلك في تشهدنا كل يوم، حيث نقدم العبودية على الرسالة، ونقول: عبده ورسوله.

كم من الغواصين في الزيارة…!

ثم إن أجر الزيارة يتضاعف بعاملين؛ عامل المعرفة وعامل المشقة. فكلما زادت معرفتك بالمعصوم ازداد أجرك ونصيبك. هناك فرق بين إنسان يرد البحر ليسبح على الشاطئ، وبين من يسبح في منتصف البحر، وبين من يغوص ليستخرج اللآلئ والجواهر من أعماق البحر. فالمتفرج الجالس على البحر يقال أنه ذهب إلى البحر، ومن غمس رجليه في الماء قد ذهب إلى البحر، ومن سبح في أوله ذهب إلى البحر ومن غطس واستخرج الجواهر ذهب إلى البحر كذلك. إن زوار الأئمة (ع) هم هكذا في تفاوت أجورهم؛ ففرق بين من يذهب متفرجاً، وبين من يتبلل شيئا بسيطا، وبين من يسبح سباحة قريبة، وبين من يذهب ويرجع من الزيارة وقد تغير وجوده. كن في الزيارة كغواصي اللآلئ.

إن الحسين (ع) هو بحر الجود والكرم. فإن ذهبت إلى زيارته، قل: يا أبا عبدالله، لا أرجع من الزيارة إلا بجائزتين: جائزة الغفران، وجائزة الرضوان. قل: أريد أولا التجلية، ومن ثم أريد التحلية. وهكذا قد ورد في كتب الأخلاق؛ فلابد من تخلية الباطن قبل تحليته. قل: يا مولاي، أريد غفران الذنوب أولا، وثانيا: أريد أن أرجع وأنا إنسان ذاكر. وأقول: لو وجدت فرقا بين أول صلاة تصليها بعد الزيارة وبين الصلاة قبل الزيارة؛ فأنت زائر مثالي. فإن لم تجد فرقا فيها؛ فاعلم أن غضبك وشهوتك هما ذاتهما.

زيارة الحسين (عليه السلام) في المنزل

والمشقة هي مما تزيد من أجر الزيارة. بالتأكيد إن من يزور الإمام بأيسر الحالات؛ كأن يسافر من خلال طائرة تنزله إلى أقرب نقطة من الإمام (ع)، أو يزور الإمام (ع) من بعيد من خلال هاتفه مثلا؛ فهو زائر. وقد ورد في رواياتنا أن من اشتاق إلى الإمام (ع) فليصعد السطح فينظر يمنةً ويسرة ثم يتوجه إلى كربلاء، ويقول: السلام عليك يا أبا عبدالله، وانتهت الزيارة. وهذه زيارة معتبرة وإن كانت جملة واحدة قلتها من على سطح المنزل؛ فهي كفيلة بأن تجعلك من زوار الحسين (ع).

ولهذا نجد البعض من كسبة الآخرة من الذين عرفوا كيف يأخذون الجوائز؛ عندما يتحمم في المنزل في يوم الجمعة ينوي ذلك الغسل؛ غسل الجمعة، أما في غير الجمعة يأتي بالغسل برجاء المطلوبية. وعندما يغتسل غسلاً واجباً ينويه غسل الزيارة أيضا، ثم يقف تحت السماء، ويقول: السلام عليك يا أبا عبدالله. وهو بذلك قد اغتسل غسل الزيارة وزار الإمام بجملة واحدة. أفلا تحتمل يوم القيامة أن يٌقال لك: أنت زائر الحسين (ع)؟ فكيف إذا ختمتها بركعتي الزيارة؟

تحمل الأذى في سبيل زيارته

ولكن في المقابل من يهذب إلى زيارة الحسين (ع) مشيا على الأقدام في الحر والبرد ويعاني من الأمراض التي تبقى مع حتى بعد الزيارة، وهناك من قُتل في هذه الزيارة كما حدث ذلك في زمن الأمويين والعباسيين. وقد رأيت بعض المؤمنين أصابه حادث في الزيارة فبقي على فراش المرض أشهرا عديدة. وهؤلاء لم تحملوا هذا الأذى؛ فسيأتي أحدهم يوم القيامة عندما تتساوى حسناته مع سيئاته؛ بل عندما تغلب السيئات الحسنات، ويؤخذ به إلى النار، لتسعفه هذه الزيارة. إن الإمام (ع) هو سفينة النجاة لا في الدنيا والآخرة، وستُدركك هذه السفينة وأنت في غمرات القيامة إن شاء الله.

[١] سورة إبراهيم: ٣٧.
[٢] سورة الشرح: ٤.
[٣] سورة الشورى: ٢٣.
[٤] كشف الغمة  ج٢ ص٦١.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • قد ورد في رواياتنا أن من اشتاق إلى الإمام (ع) فليصعد السطح فينظر يمنةً ويسرة ثم يتوجه إلى كربلاء، ويقول: السلام عليك يا أبا عبدالله، وانتهت الزيارة. وهذه زيارة معتبرة وإن كانت جملة واحدة قلتها من على سطح المنزل؛ فهي كفيلة بأن تجعلك من زوار الحسين (ع).

 

Layer-5.png