- ThePlus Audio
هل أصبت بالعين أم أنني مسحورة؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
إنني مقيدة بقيود أجهلها…!
سألتني ذات يوم طالبة جامعية فقالت: إنني أشعر بتدهور في حالتي الدراسية بالرغم من قيامي بما يطلبه مني الأساتذة وإنني لأجهل سر هذا التدهور وهل هي عين أصابتني أم ماذا؟ وإنني أشعر أنني ضائعة ومقيدة بقيود لا أعرفها، لأنني عاجزة عن القيام بأي شيء، فماذا أفعل؟
أولا: إنني استغربت كثيرا، كيف لطالبة جامعية عاقلة مثقفة، تعيش في جو أكاديمي علمي، أن توعز الأسباب إلى أمور غير صحيحة. لنفترض جدلا وجود عوامل خارج المادة – ولا دليل عليها – فكيف نثبتها أو نتأكد من أن ما نعانيه يرجع إلى تلك الأمور؟ أليس سبحانه يقول: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)[١]؟ وهذه الآية تدل على قاعدة شرعية ينبغي أن يقف عندها المؤمن ويتأملها. فإن كنت مؤمنة بالقرآن؛ فالقرآن قد نهاك عن القول من دون دليل، وإن كنت عاقلة؛ فالعاقل لا يرتب الأثر على الموهوم، والمعلول بحاجة إلى علة دائما.
لا تبحث عن الدليل خلف كواليس الماوراء
بعبارة أخرى: إن هذه الحالة النفسية أو الإحساس بأن هنالك شيء ماوراء الكواليس، يحتاج إلى دليل. وكل إنسان إذا ما تعثر يوما في حياته اليومية وفي تجارته وفي حالته النفسية مع زوجته وأولاده، فليبحث عن الأسباب الموضوعية. هناك عبارة منتشرة بين الناس يظنها الكثير لقوتها، آية من القرآن الكريم: وجعلنا لكل شيء سببا. هذه ليست آية ولكنها حقيقة وقد ورد في الروايات ما يشبهها: (أَبَى اَللَّهُ أَنْ يُجْرِيَ اَلْأَشْيَاءَ إِلاَّ بِالْأَسْبَابِ فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَباً)[٢]. فالانتكاسة المادية على سبيل المثال لها سبب وهو سوء التدبير والتقدير.
وينبغي أن نعلم، أن قوانين عالم الوجود هي قوانين مطردة تجري على المؤمن وعلى غير المؤمن. فالإنسان الذي لا يدرس ليلاً وينشغل بصلاة الليل، سيرسب في الامتحان حتما. إذا أراد رب العالمين أن ينجحه لأنه أقام صلاة الليل، فهذا يحتاج إلى كرامة، ولماذا يجري رب العالمين هذه الكرامة؟ ليس البناء الإلهي على خرق الأسباب، فإن جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم (ع) وإن عبر بموسى (ع) البحر ولم يغرق، فذلك لغرض إلهي سام ولتحقيق هدف من أهداف الرسالة.
إننا لا ننكر دور العين والحسد
ولكننا مع ذلك لا ننكر دور الحسد وقد قال عز وجل: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)[٣]، وقال سبحانه: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ)[٤]. وقد حاول البعض من المفسرين توجيه الآية بتوجيهات مختلفة ولكن صاحب الميزان رحمه الله قال: ما المانع من القول: يزلقونك بأبصارهم؛ أي يصيبوك بالعين؟ لا مانع من قبول هذا التوجيه عقلاً؛ بل له شواهد خارجية.
إن الأساس في التحري عن أسباب ما نُبتلى به، الرجوع إلى الأمور الطبيعية، لا إرجاع الأسباب إلى أمور ما وراء الطبيعية في البداية، لكي لا يصيبنا اليأس. فإذا اعتقد أحدهم مثلا أن سبب ما يعاني طلسم مدفون في جمجمة ميت في مقبرة مجهولة، كيف يتخلص مما هو فيه؟
ابحث عن السبب في عالم الشهادة لا الغيب…!
إن قول السائلة: إنني مقيدة بقيود أجهلها، يعني أنها مصابة بانتكاسة روحية وإحباط شديد. فلا ينبغي أن أوعز الأمور في مثل هذه الحالة إلى الأمور الماورائية أو إلى فلانة المتهمة بالسحر. لا يجوز شرعاً اتهام أحد بممارسة السحر أو نسبة الضرر إليه، حتى وإن كان سيئا إن كان في ذلك هتك له.
فأول خطوة علاجية؛ أن أبحث في الخارج في عالم الشهود لا في عالم الغيب، ثم أصلح ما أفسدته أو أفسده غيري. وبعد ذلك أحتمل جود أمور خفية ماوراء الطبيعة ثم أعالجها بالطرق الشرعية والتي منها الاستعاذة بالله عز وجل وقراءة المعوذات أو القلاقل الأربعة أو قراءة آية الكرسي خمس مرات فإنها محصنة. وإن خاف من عين أحد فليقرأ عليه آية السد في سورة ياسين.
رقعة الجيب للإمام الرضا (عليه السلام)
وإن اردت أن تحصن نفسك برقية أو تعويذة فلا تتجاوز الشرع. ما لك والرجوع إلى مجهول المصدر كالكتابات الطلسمية التي لا يعرف من أية لغة هي أو بعض الرسومات والمربعات والمكعبات؟ ما لنا وهذه الأمور ونحن لدينا رقعة الجيب للإمام الرضا (ع) التي تحتوي على مضامين راقية وبإمكان كل واحد منا أن يقرأها أمام الناس، فليست سرا ولا طلسما ولا تتضمن غرائب العبارات التي يستحي الإنسان من ذكرها أمام الآخرين؟ هذا والبعض يشتري هذه الرقعة والأجدر به كتابتها على رقعة بنفسه وهي لا تتجاوز السطر الواحد. فخذ قلما وأنت متوضئ في جوف الليل بعد ركعتين وفي حالة من التوجه والإقبال أو عند جدار الكعبة واكتبها وضعها في جيبك. هل تنتظر أن يأتيك ملك من العرش يكتب لم هذا الدعاء؟ افعل ذلك بنفسك…!
أقوى الأدعية لدفع البلايا
ومن أقوى الأدعية لدفع البلايا ما روي عن أئمة أهل البيت (ع). لقد روي عنهم (ع) ما ينفع البلايا بكل صورها من الخوف من السلطان أو الضيق في الرزق أو المرض أو أي شدة من الشدائد يتعرض لها الإنسان في حياته. ولا أدعي أن العلاج القطعي يكمن في هذه الأدعية ولكنها من باب المقتضي. عندما يقال في مهج الدعوات – وتتكر كثيرا هذه العبارة هناك –أن من قرأ هذا الدعاء أعطي هذه الحاجة أو قضيت له هذه الحاجة، ثم يقرأ فلا يعطى، فليعلم أن ما وُعد به إنما هو على نحو المقتضي لا على نحو العلة التامة. فإذا قيل: أن الذي يقرأ هذا الدعاء يشفى من المرض الفلاني، فلا يعني ذلك حتمية الشفاء.
قد توقف دعائك في مكان ما…!
إننا نقرأ في دعاء كميل: اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء، فاالدعاء قد صدر ولكنه توقف. إنني أرسلت الرسالة من خلال البريد، وقد قبل البريد رسالتي ولكن الرسالة صودرت في دولة المقصد مثلا. فينبغي أن نلهج بالدعاء برجاء المطلوبية وإذا لم يستجب الله لنا، نعاود ولا نيأس. من هذه الأدعية دعاء: يا من تحل به عقد المكاره لإمامنا زين العابدين (ع). وإنني أوصي المؤمنين دائما وأقول لهم: إن دار الأمر بين قراءة هذا الدعاء الشريف عشر مرات لقلقة أو مرة واحدة بلا لقلقة؛ فإنني أفضل الأخير. لأن الدعاء إذا صار رتيباً وقرئ بصورة متكررة من دون إقبال وتوجه يكون على حساب الجودة. فإن دار الأمر بين الكم والكيف، فقدم الكيف. فقد تقرأ الدعاء في جوف الليل بحرقة مرة واحدة، فيستجيب الله لك وتقرأه عشرات المرات من دون إقبال فلا ترى للإجابة أثرا.
أقول لهذه الطالبة…!
ولهذه الطالبة وأمثالها نقول: علينا في البداية البحث عن الأسباب المادية من قصور في الدراسة أو الوقوع في عالم الغرام البشري الذي يسبب تشتت الذهن وعدم التركيز. وعادة ما يُتهم الإنسان بالارتباط بأحد إذا ما سرح في عالم أفكاره. فإذا كان هنالك علاقات مشوشة وارتباط بأحدهم، فمن الطبيعي أن يؤثر ذلك على الجانب الدراسي وعلى التركيز. فلا داعي لكي يصب الإنسان جام غضبه على العين والحسد والطلسم وما شابه ذلك. ولا يعني ذلك التوقف عن دراسة الأسباب دراسة موضوعية والالتجاء إلى المعوذات ودوافع البلاء المأثورة عن أئمة أهل البيت (ع).
خلاصة المحاضرة
- إن الأساس في التحري عن أسباب ما نُبتلى به، الرجوع إلى الأمور الطبيعية، لا إرجاع الأسباب إلى أمور ما وراء الطبيعية في البداية، لكي لا يصيبنا اليأس. فإذا اعتقد أحدهم مثلا أن سبب ما يعاني طلسم مدفون في جمجمة ميت في مقبرة مجهولة، كيف يتخلص مما هو فيه؟
- إننا نقرأ في دعاء كميل: اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء، فاالدعاء قد صدر ولكنه توقف. إنني أرسلت الرسالة من خلال البريد، وقد قبل البريد رسالتي ولكن الرسالة صودرت في دولة المقصد مثلا. فينبغي أن نلهج بالدعاء برجاء المطلوبية وإذا لم يستجب الله لنا، نعاود ولا نيأس.