- ThePlus Audio
هكذا تغلق الأبواب على النفس والشيطان
بسم الله الرحمن الرحيم
هل للشيطان على الإنسان سلطان؟
إذا أراد أحدنا أن يشتكي على أحد، فلابد أن تصحب ذلك حالة من التذمر والخوف والقلق. إن هذه الحالة هي الحالة التي ينبغي أن نشعر بها عندما نشتكي من وساوس الشيطان باعتباره العدو الذي أمرنا الله سبحانه بنصب العداء له في قوله: (إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمۡ عَدُوࣱّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ)[١].
ولابد أن نعلم أنه ليست للشيطان سلطة مادية على الإنسان حتى يستطيع توجهيه وتحركيه يمنة ويسرة ولو كان كذلك؛ لسقط التكليف عن الإنسان. ففي هذه الحالة يستطيع الشيطان أن يدفع الإنسان إلى داخل الحانة إن مر يوما من أمامها وأجبره على تناول كأس من الخمر وعندها لن يكون مأثوما إذ لم يكن مختارا وقد قال عز من قائل: (إِنَّمَا سُلۡطَٰنُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوۡنَهُۥ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِۦ مُشۡرِكُونَ)[٢].
لقد فتح الله للشيطان باب الوسوسة على مصراعيه؛ فهو يستطيع أن يوسوس في صدور الناس، وأن يأمرهم بمنكر أو ينهاهم عن خير كما يُمكن أن يفعل ذلك أي شرير على وجه هذه الأرض. لو أن أحدهم أمر آخرا بالقتل أو بشرب الخمر ثم امتثل الأخير، فلا يستطيع أن ينفي الاختيار عن نفسه؛ فهو الذي امتثل لهذه الوساوس وقد كان بإمكانه تجاهلها. فبإمكان الإنسان تجاهل الوساوس الشيطانية وما يُلقى في روعه منها. ولهذا أُمرنا بالاستجارة بالله سبحانه من هذه الوساوس.
هؤلاء لا يصل إليهم الشيطان
أما الذين ارتقوا في إيمانهم وبلغوا مراتب راقية من الكمال؛ فلن يستطيع الشيطان أن يُلقي الباطل في روعهم ولا أن يوسوس لهم في صدورهم. ومثال ذلك المضادات الجوية التي لا تستطيع أن تُصيب الهدف إلا على ارتفاع محدد، فإذا كان الصاروخ من الصواريخ التي تحمل الأقمار الصناعية وتُصبح على مسافة أربعمائة أو خمسمائة كيلومتر من الأرض لا تستطيع صواريخ هذه المضادات الوصول إليها. فالإنسان قد يصل في مرحلة من مراحل التحليق في الأجواء العليا؛ بحيث لا يصل إليه الشيطان أصلا، ولا يسمع وسوسته.
لا تيأس وإن استولت عليك الشياطين
ولو استطاع الشيطان بحال من الأحوال أن يستولي على الإنسان وتمكن من أن يُوسوس له، يجأر الإنسان إلى الله سبحانه وهذا ما أمر الله عز وجل به إذ قال: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغࣱ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[٣]. فالله سبحانه قادر على أنه يجعلك في درعه وحصنه؛ فلا يصل إليك الشيطان، فهو يتجرأ عليك ولا يتجرأ على رب العالمين. فإذا أراد رب العالمين أن يحميك ويحفظ من كيده، فلن يؤثر عليك الشيطان عندها أبدا.
ولذا ترى الشيطان يوم القيامة يريد أن يدافع عن نفسه عندما يقول: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِيۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُم)[٤]. لقد خلق الله العقل وبه يشخص الإنسان الصواب والخطأ ويختار بمحض إرادته طريق الخير أو الشر. فلو عرض الإنسان هذه الوساوس على العقل لعلم أنها وساوس باطلة لا تُفضي إلى خير. لقد أمر العقل آدم (ع) بألا يأكل من الشجرة المنهية ولكن طوعت له نفسه الأكل، فأخرجه الله من الجنة.
كيف يتم تزيين الشهوات؟
ولا ننكر أن الشيطان يُزين للإنسان مباهج هذه الدنيا الغرارة وهي أمور قريبة إلى مزاج الإنسان وشهوته. ولهذا قال عز وجل: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا)[٥].
فلو تأملنا في معنى كلمة زُين، لوجدنا أن في ما يُزينه الشيطان والنفس الأمارة بالسوء لنا شيء من الجاذبية الذاتية وهما إنما يزيدان ذلك جاذبية؛ كالمرأة التي تزداد جمالا ببعض هذه المساحيق المعروفة، فيرغب الناس فيها أكثر. ولو غسلت وجهها بالماء لزال ذلك الرونق والجمال المضاعف. إن المؤمن يعلم حقيقة الدنيا ومآلها، فهو لا يغتر بها ولا بجمالها ونعيمها الذي سرعان ما يزول. هل يغتر الإنسان بورد الربيع الذي ينبت في الصحاري وهو يعلم أنها لن تدوم إلى الصيف؟ وكما وصف ذلك سبحانه: (وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ فَأَصۡبَحَ هَشِيمࣰا تَذۡرُوهُ ٱلرِّيَٰحُۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءࣲ مُّقۡتَدِرًا)[٦]. لابد أن يمتلك الشاب نظرة ذلك الرجل الطاعن في السن الذي انتهت لديه مباهج الدنيا وشهواتها وأصبح لا يستمتع بشيء من متاعها، وألا يغتر بها وهو القادر على الاستمتاع بنعيمها متذكرا اليوم الذي يفارقه فيها.
ما سر قساوة القلب؟
والتعلق بهذه الدنيا والركون إلى وسوسة النفس والشيطان وارتكاب المعاصي تبعا لذلك مما يُقسي القلب. لقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (مَا جَفَّتِ اَلدُّمُوعُ إِلاَّ لِقَسْوَةِ اَلْقُلُوبِ وَ مَا قَسَتِ اَلْقُلُوبُ إِلاَّ لِكَثْرَةِ اَلذُّنُوبِ)[٧]. ودمعة العين لا تُطلب لنفسها وإنما المطلوب هو الخشوع؛ فقد يبكي قلب الإنسان ولا تجري عبرته. فما الدمعة إلا كيس ملحي في زاوية العين المتصلة بسلسلة من الأعصاب الداخلية، قد لا تُفرز الدمع بعض الأحيان. فلا ينبغي أن ييأس الإنسان عندما لا يرى في عينه دمعة ما دام القلب خاشعا رقيقا.
ماذا لو طالت فترة القسوة؟
ولكن لا ينبغي أن تطول فترة الجفاف هذه؛ فلا يُمكن السكوت عن هذه الحالة إن استمرت سنة كاملة لا يبكي فيها الإنسان من خشية الله عز وجل ولا في مصيبة أهل البيت (ع)، بينما يبكي في مصائبه وتجري دمعته. وهذه علامة سلبية حيث تدل على سلامة العين وأن التفاعل الباطني لم يصل إلى درجة إفراز الدمعة من العين. ولهذا من السبل التي يستدر بها الإنسان الدمعة؛ أن يشكو إلى الله عز وجل ما حل به من جفاف وقسوة. ولهذا نستعيذ بالله في تعقيبات الصلاة من عين لا تدمع. إن من لا تدمع عينه في شهر رمضان المبارك ويعاني من القسوة في ليالي هذا الشهر خاصة في ليالي القدر ولا يبكي على مصيبة أمير المؤمنين (ع)، لهو إنسان مريض.
جرب قلبك هل هو قلب قاس؟
جرب نفسك في بداية الشهر واقرأ مناجة أبي حمزة أو مناجاة التائبين وانظر إلى تفاعل قلبك وعينك. فإذا وجدت أعراض هذا المرض، اجأر إلى الله عز وجل والجأ إلى مناجاة الشاكين. إن مضامين هذه المناجاة تدور حول هذه الحقول الثلاثة؛ القلب والعين وشكوى على الشيطان والنفس. ألا يُلام المريض الذي يعاني من المرض وهو بباب المستشفى ثم لا يدخل على الطبيب ملتمسا العلاج؟
هذا وبإمكان من حُرم من الحضور في المشاهد المشرفة؛ أن يُغمض عينيه ويتصور نفسه طائفا حول البيت أو واقفا أمام روضة النبي (ص) أو جالسا تحت القبة الشريفة؛ فسل في تلك الحالة شفاء مرضك الباطني الذي لا يضاهيه في ضراوته مرض، فلن تُعدم الإجابة؟
لا نجاة لنا من وساوس الشيطان إلا بهذا
إن مما ورد في مناجاة الشاكين قوله (ع): (لاَ نَجَاةَ لِي مِنْ مَكَارِهِ اَلدُّنْيَا إِلاَّ بِعِصْمَتِكَ)[٨]، وقد قال عز من قائل: (وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدࣰا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُۗ)[٩]. لقد خُلق الإنسان ضعيفا أمام وساوس النفس والشيطان اللعين الرجيم وهو بحاجة إلى مدد إلهي متصل. ولهذا جرت العادة على طول التاريخ وفي جميع البلدان أن يستعيذوا بالله سبحانه عند تلاوة القرآن وهو قوله عز وجل: (فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ)[١٠]. فإذا ما هممت بتلاوة القرآن الكريم، ألقى الشيطان عليك النعاس ووسوس لك لصرفك عن التلاوة. والتلاوة عينة من كل أمر يُمكن أن يُقربك إلى الله عز وجل؛ فكل أمر تهم به فيه لله رضا، فإن الشيطان يوسوس لك لتنصرف عنه. ولهذا يقال: إذا أردت أن تدفع مالاً لفقير، بادر وعجل؛ لأن الشيطان يلقي في روعك ويثبطك عن هذه الهمة.
استعذ بالله بين الأذان والإقامة
إن المطلوب من الإنسان وخاصة عند كل عمل قربي أن يبادر إلى تنفيذه وألا يؤخره وأن يحترز من هذه الوساوس. فإذا أراد الإنسان أن يصلي، فلا يصلي من دون أذان وإقامة وليستعذ بالله بين الأذان والإقامة قائلا: (وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنۡ هَمَزَٰتِ ٱلشَّيَٰطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحۡضُرُونِ)[١١]. فالشيطان يحضر عند الصلاة وعند تلاوة القرآن؛ فسل الله بذلك إبعاده وإبطال كيده، واستعذ بالله كذلك قبل الحضور في مجالس أهل البيت (ع) وأنت على باب الحسينية أو المسجد، واطل منه تليين قلبك.
لا تتف بالدعاء والاستعاذة
تأمل في مناجاة الشاكين واكتب ما يشتكي منه الإمام (ع) في ورقة وحاول أن تتخلص منها. حاول أن تسد الثغرات التي منها ينفذ إليك الشيطان وتأتيك النفس الأمارة بالسوء. ولا تجلس وتكتفي بالدعاء فقط؛ إذ لابد من مجاهدة ومعاندة للشيطان والنفس، وفي الأثناء تطلب من الله عز وجل أن يدخلك في جملة المعتصمين به.
خلاصة المحاضرة
- ولابد أن نعلم أنه ليست للشيطان سلطة مادية على الإنسان حتى يستطيع توجهيه وتحركيه يمنة ويسرة ولو كان كذلك؛ لسقط التكليف عن الإنسان. ففي هذه الحالة يستطيع الشيطان أن يدفع الإنسان إلى داخل الحانة إن مر يوما من أمامها وأجبره على تناول كأس من الخمر وعندها لن يكون مأثوما.
- تأمل في مناجاة الشاكين واكتب ما يشتكي منه الإمام (ع) في ورقة وحاول أن تتخلص منها. حاول أن تسد الثغرات التي منها ينفذ إليك الشيطان وتأتيك النفس الأمارة بالسوء. ولا تجلس وتكتفي بالدعاء فقط؛ إذ لابد من مجاهدة ومعاندة للشيطان والنفس، وفي الأثناء تطلب من الله عز وجل أن يدخلك في جملة المعتصمين به.
- لقد فتح الله للشيطان باب الوسوسة على مصراعيه؛ فهو يستطيع أن يوسوس في صدور الناس كما يُمكن أن يفعل ذلك أي شرير على وجه هذه الأرض. لو أن أحدهم أمر آخرا بالقتل أو بشرب الخمر ثم امتثل الأخير، فلا يستطيع أن ينفي الاختيار عن نفسه؛ فهو الذي امتثل لهذه الوساوس وقد كان بإمكانه تجاهلها.