إن هناك سوراً نكررها في مناسبات كثيرة منها: سورة “الرحمن”، وسورة “الحشر”، وسورة “يس”.. ومنها أيضاً سورة “الواقعة” حيث أن هناك ارتباطاً بين قراءة سورة “الواقعة” ليلاً، وبين الرزق وتوسعته.. وهذا الأمر مجرب!.. فقد روي عن النبي (صلی الله عليه) أنه قال: (من قرأ الواقعة كل ليلة؛ لم تصبه فاقة أبداً)!..
بعض الملاحظات:
أولاً: إن بعض الناس حوّل القرآن إلى أداة للرقية، وشفاء للأمراض، وكأن القرآن أُنزل لشفاء أمراض الأبدان: كالصرع، والأوجاع، وغيرها.. وهذه حركة غير صحيحة؛ لأن القرآن الكريم كتاب هداية!.. أما أن نحوّله إلى رقية شرعية، حيث أن البعض لا يقرأ القرآن، إلا عندما يخاف من الأوجاع، أو من السحر والجن؛ فهذه معاملة تجارية مع القرآن الكريم، وأصحاب هذا التوجه لا ينتفعون بجوهره.
ثانياً: إن البعض يقرأ القرآن الكريم للخاصية؛ وهذا أمر خطير أيضاً!.. مثلاً: سمع هذه الرواية عن النبي (صلی الله عليه) بخصوص سورة “الواقعة”، فقرأها ولم يتوسع رزقه؛ بل ضُيّق عليه.. هنا قد يعيش الإنسان حالة من حالات النفور من القرآن الكريم، أو تخيب آماله، لذلك عليه أن يأخذ بالاعتبار ما يلي:
١. أن هذه الروايات بعضها روايات آحاد، وليست كل رواية وصلت إلينا -من كتب الفريقين- روايات صحيحة.. فدأب العلماء على عدم الدقة في هذه الروايات، لأن خواص السور، وخواص الآيات؛ لا تحتاج إلى تحقيق سندي كبير؛ فهي ليست مسألة حلال وحرام ملزمين.. والعلماء عادة يتسامحون في أدلة السنن، فهذه قاعدة معروفة في المستحبات.. وعليه، فإنه ليس كل ما ورد في مجمع البيان -مثلاً- حول خواص السور؛ صحيح!..
٢. يقال: كان هناك إنسان يضع خواص السور، يكذبها على رسول الله (صلی الله عليه)، فعندما عوتب وقيل له: لماذا تكذب على رسول الله (صلی الله عليه)، وتجعل أحاديث في فضائل السور؟.. قال: أنا ما كذبت على رسول الله (صلی الله عليه)، أنا كذبت لرسول الله (صلی الله عليه)، فأنا أدعو الناس إلى القرآن الكريم، وهذا كذب فيه مصلحة.. بعض الناس هكذا منطقهم: يجعل الرواية -مثلاً- جلباً للناس إلى قراءة القرآن الكريم.
٣. على فرض أن الرواية صحيحة، ولكن من قال: بأنها علة تامة؟.. مثلاً: لو وضع غصن شجرة رطب في النار، فإنه لن يحترق.. صحيح أن النار محرقة؛ ولكن بشرطها وشروطها، ومن هذه الشروط: عدم وجود رطوبة.. فمادام الشيء رطباً؛ فإنه لن يحترق؛ وهذا يسمونه بالمقتضي لا العلة التامة!.. فإذا وجد المقتضي، وارتفعت الموانع، وتحققت الشروط؛ عندئذ العلة تؤثر أثرها!.. وخواص السور أيضاً من هذا القبيل: فالإنسان الذي يعصي ربه نهاراً، ويقرأ “الواقعة” ليلاً، ويتوقع من رب العالمين أن يفتح له خزائن الأرض؛ هذا يستهزئ بنفسه.. وعليه، فإنه لابد من قراءة “الواقعة”، والمحافظة على باقي الأمور.. فرب العالمين لا يبارك في عمل مع عدم التقوى، ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾.
فإذن، هناك جو لابد أن يتحقق!.. والأفضل أن يقرأ الإنسان السور، دون أن يبحث عن الخواص؛ لئلا تشوب نيته بعض الشوائب الدنيوية.
﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ﴾.. إن القرآن الكريم في آيات كثيرة يذكر اليقين، ففي أول سورة “البقرة” يقول: ﴿وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾.. أي الذي له يقين بالآخرة؛ هذا الإنسان لا يمكنه أن يرتكب المعصية.. ومشكلتنا أنه عندنا اعتقاد، ولكنه لم يصل إلى أعماق القلب.. مثلاً: بعض سائقي السيارات، يتجاوز بعض الإشارات المرورية، ولا يتجاوز بعضها الآخر؛ وذلك لعلمه بوجود كاميرات؛ فيقينه بالعقوبة، يجعله يرتدع.. وفي الأماكن التي ليس فيها كاميرات، ليس له يقين بالعقوبة؛ فلا يرتدع!.. وبني آدم كذلك: إذا وصل إلى هذه الدرجة: أن يرى الكاميرا الإلهية مسلطة عليه صباحاً ومساءً ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾؛ هذا الإنسان يكفي أن تقول له: هذا حرام؛ فينتهي!.. فإذن، إذا وجد اليقين بالجزاء؛ فإن الإنسان يرتدع بأقل إشارة!..
وقياساً عليه، فإن البعض يسأل عن مواصفات الزوجة الصالحة!.. إن المواصفات تكمن في كلمتين: إذا أراد الإنسان أن يبحث عن زوجة له أو لولده، فهناك شرطان:
أولاً: بينها وبين الزوج: أن تكون امرأة حنونة على زوجها، وهذا مأخوذ من سورة “الواقعة”، حيث يقول تعالى: ﴿عُرُبًا أَتْرَابًا﴾.. فالحور العين أول وصف لهم: أنهم عرب؛ أي حانيات على الزوج، رغم أن الحوريات بالآلاف، هذا سوى زوجة الإنسان.
ثانياً: بينها وبين الله: إذا قيل لها: يا فلانة!.. هذا حرام؛ فإنها ترتدع ولا تحتاج إلى خمسين دليلاً، أو إلى ترغيب، أو إلى تقديم بعض الجوائز؛ كي تمتنع عن الاستماع إلى الغناء مثلاً!..
فإذن، مواصفات الزوجة الصالحة كما جاء في سورة “الواقعة”: أن تكون كالحوريات، لا من حيث المنظر، بل من حيث الحنان الزوجي.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.