إن الناس على أربعة أقسام:
١. المؤمنون: وهم الذين آمنوا بقلوبهم، وأظهروا إيمانهم في مقام العمل؛ أي قلوبهم مؤمنة وجوارحهم مطيعة.
٢. الفاسقون: وهم الذين آمنوا بقلوبهم، ولكن عملهم عمل غير المؤمنين.
٣. المنافقون: وهم الذين لم يؤمنوا بقلوبهم، ولكنهم أظهروا الإيمان بعملهم؛ أي قلوبهم لم تؤمن، ولكنهم يشاركون المؤمنين في أعمالهم.
٤. الكافرون: وهم الذين لم يؤمنوا بقلوبهم، ولم يتبعوا المسلمين في أفعالهم؛ أي غير مؤمنين لا قلباً ولا قالباً.
إن الإمام في صلاة الجمعة، حيث يكون هناك أكبر تجمع للمسلمين، يجهر بهاتين السورتين:
١. سورة “الجمعة”.. وفيها ذكر لليهود وتحذير منهم، فيقول تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.. وفي هذه السورة يشبههم بالحمار الذي يحمل أسفاراً ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
٢. سورة “المنافقون”.. وفيها تحذير من المنافقين، وقلما تخلو الآيات المدنية من التحذير من المنافقين، ففي سورة “التوبة” لعل هناك قرابة مائة آية تتناول المنافقين.. والمنافقون أخطر من الكافرين؛ لأن الكافر مكشوف الهوية.. وكلمة “المنافق” مأخوذة من النفق.. فبعض الحيوانات عندما يهجم عليها الإنسان؛ تختبئ في جحور وأنفاق.. والمنافق كذلك مثله كمثل هذه الحيوانات المختبئة، إن أردت أن تصيدها؛ تختفي عن الأنظار، وتتلون بلون الجماعة في بعض الحالات.. إذن، هذا هو التحذير الذي ينبغي أن نحذره من المنافقين.
ما هي صفات المنافقين في القرآن الكريم؟..
أولاً: الكذب.. يقول تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾؛ من صفات المنافق الكذب، إلى درجة أنه لا يترك ذلك حتى في يوم القيامة.. فنقضه للأيمان وللعهود؛ كأنه من ذاتيته ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ ما هذه الوقاحة؟!.. مع تلك الأهوال، والمنافق لازال كاذباً، ويحلف حلفاً باطلاً!.. وفي عالم السياسة يقولون: من القبيح أن يكون الإنسان صادقاً دائماً، بل عليه أن يكذب بحسب ما يجلب له المنفعة!.. وقديماً وحديثاً قالوا: اكذب اكذب حتى يصدقك الناس!.. وهذا ما يقوم به الإعلام المنحرف: يأتي بكذبة، ويروّج لها، إلى درجة أن الإنسان العاقل، يشك في نفسه، فيقول: هل يعقل أن يكون هذا الخبر كاذباً، بعد كل هذا الإجماع عليه؟..
ثانياً: لا هوية لهم.. يقول تعالى: ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾؛ أي لا في زمرة المؤمنين، ولا في زمرة الكافرين، يتلونون بحسب طبيعة الزمان!.. فمن صفات المنافقين أنهم لا هوية لهم، لذا تراهم في فترة من فترات حياتهم ينحازون إلى جهة معينة، وبعد ليالٍ أو في نفس الليلة ينقلبون إلى جهة معاكسة.
ثالثاً: بلا أرواح.. يقول تعالى: ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ﴾؛ أي هؤلاء أفكارهم جامدة، مهما تكلم الإنسان معهم، وأقام لهم البرهان على بطلان مقالتهم؛ فإنهم لا يعتقدون بذلك.. يقول صاحب تفسير الميزان: “كالخشب المسندة، أشباح بلا أرواح، لا خير فيها، ولا فائدة تعتريها، لكونهم لا يفقهون”.
رابعاً: الكسل.. يقول تعالى: ﴿وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى﴾؛ هؤلاء إن اضطروا لمجاراة المؤمنين، والصلاة بين يدي الله -عز وجل-؛ فإنهم يقومون للصلاة كسالى.. ولهذا يقال: من يصلي صلاته وهو في حال كسل، وإن كان مؤمناً، فهو متشبه بصفة من صفات المنافقين ﴿وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى﴾.
خامساً: الحدة.. يقول تعالى: ﴿سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾؛ هؤلاء ألسنتهم حادة، وكتاباتهم في الصحف كتابات لاذعة، فأقلامهم وألسنتهم بذيئة؛ لذا لا يتورعون عن كتابة أية مقالة.
سادساً: الحلف الكاذب.. يقول تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ هؤلاء عندهم الغاية تبرر الوسيلة، فهم على استعداد لأن يقسموا بأغلظ الأيمان؛ كي يخلصوا أنفسهم!..
سابعاً: عدم الاعتقاد بالنبي.. يقول تعالى: ﴿وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾؛ هؤلاء ليس لهم اعتقاد ولا إيمان، لا بالنبي (صلی الله عليه)، ولا بمن هم في ركاب النبي (صلی الله عليه)، فهم يتهمون النبي (صلی الله عليه) بأنه لا يعدل في صدقاته.
ثامناً: الصد عن السبيل.. يقول تعالى: ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾؛ هؤلاء هم الطابور الخامس في الأمة، إذا رأوا المؤمنين متجهين إلى الجهاد، فإنهم يثبطون الهمم.
تاسعاً: تنفيذ المؤامرات.. يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا﴾؛ هؤلاء لا يكتفون بالعمل الفردي، بل لهم مراكز مهمة لتنفيذ مؤامراتهم.. وأول مركز لهم أقيم في المدينة المنورة، عندما بنوا مسجداً في مقابل مسجد رسول الله، فهدم النبي (صلی الله عليه) المسجد، ويقال: أنه تحول إلى مكان لرمي النفايات!.. فالبنيان الذي يقام لغير الله -عز وجل- وإن كان على شكل قبة مسجد، هذا المسجد مسجد ضرار.
عاشراً: الاعتداد بالرأي.. يقول تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ﴾؛ هؤلاء يتهمون الغير بعدم الفهم، ويعتدّون بآرائهم في قبال المسلمين.
الحادي عشر: البخل.. يقول تعالى: ﴿وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾؛ المنافق قد ينفق المال في مشروع خيري، أو في مشروع إنساني؛ ولكن هذا الإنسان ليس من أهل الإنفاق قلباً؛ فهو ينفق لأغراض سياسية وغيرها؛ لأن العطاء ليس من سجيته.
الثاني عشر: الأمر بالمنكر.. يقول تعالى: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾؛ وما بعض القنوات، والصحف، ووسائل الإعلام التي تروّج للفساد؛ إلا مظهر من مظاهر هذه الحركة النفاقية في الأمة.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.