Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

نعمة من أعظم النعم يجهل الكثير منا قدرها…!

بسم الله الرحمن الرحيم

هل تعرف قدر هذه الزيارة؟

من آداب السير إلى الحسين (ع) في زيارة الأربعين؛ أن يعرف الزائر قدر هذه النعمة التي من الله عليه بها دون سائر المؤمنين ممن لم يستطع أن يسير مثله في مثل هذه الأيام. إن زيارة الحسين (ع) نعمة من النعم التي يتمناها حتى الملائكة والأنبياء في السماوات، فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (فَلَيْسَ مَلَكٌ وَلاَ نَبِيٌّ فِي اَلسَّمَاوَاتِ إِلاَّ وَهُمْ يَسْأَلُونَ اَللَّهَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَفَوْجٌ يَنْزِلُ وَفَوْجٌ يَعْرُجُ)[١]. هذا وأنت مسموح لك بالزيارة متى ما شئت وتأتي مجانا؛ حيث المواكب التي تمدك بالطعام والماء والخدمات كالتدليك وتأخذ الماء من هذه الدماميل في رجليك طلبا للشفاء، وكما قال الشاعر:

فإن النار ليس تمس جسماً
عليه غبار زوار الحسين (ع)

هل شكرت الله على هذه النعمة؟

لقد تعلمت من أحد الإخوة من عوام الناس لا من العلماء؛ أن أسجد لله فورا كلما سمعت خبرا مفرحا أو من الله علي بمنعمة ولو صغيرة. وهكذا كان ديدن إمامنا زين العابدين (ع) حتى سمي السجاد. فكان (ع) ينزل من دابته فيخر ساجدا، فيُسئل عن السبب فيقول: تذكرت نعمة من نعم الله فسجدت شكرا. وينبغي أن يعلم الزائر أن ليس نعمة أعظم من نعمة سيره في هذا الطريق، فيشكر الله سبحانه على طول المسير وعند الوصول إلى الحرم.

دخل إلى العراق من دون تأشيرة

وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال عند الوداع من الزيارة: (أَسْأَلُ اَللَّهَ اَلَّذِي نَقَلَنِي إِلَيْكَ مِنْ رَحْلِي وَأَهْلِي أَنْ يَجْعَلَهُ ذُخْراً لِي)[٢]؛ فالذي نفهمه من هذه الزيارة، أن سيرك إليه منة من الله عليك وليس أمر دبرته بنفسك. لقد اتصل بي أحد الإخوة ذات يوم في أيام كورونا وقال لي: إنني أريد أن أزور الحسين (ع) ولكن ليست لدي تأشيرة ولا تطعيم ولا أي شيء آخر. فقلت له: ما دامت القوانين لا تسمح لك بذلك، فعلى أي أمل تريد أن تأتي؟ ولكنني وجدته في مشهد أمير المؤمنين (ع) وقال لي: فُتح أمامي الطريق ودخلت من دون تأشيرة ولا تطعيم وكنت قد سرت ثلاثة أيام في الشمس، فقلت في نفسي: لا أظن أن إمامي سيردني. فقلت له: إن زيارتك هذه زيارة متميزة وهي تدل على قربك من هذه الذوات الطاهرة، فادع الله لي عندهم، وانصرفت.

الدمعة التي تُطفئ بحارا من الغضب

وليست الزيارة فحسب؛ بل حتى الدمعة الي تنهمر من جفونك هي منة من الله عليك، فقد ورد في هذا الوداع الصادقي: (أَسْأَلُ اَللَّهَ اَلَّذِي أَبْكَى عَلَيْكَ عَيْنِي أَنْ يَجْعَلَهُ سَنَداً لِي)[٣]. إن الدمعة لا تأتي بإرادتك؛ فلو صرخت من الصباح إلى الليل لا تنزل لك دمعة، فهي مرتبطة بالقلب، وإذا لم يخشع القلب لا تجري لك دمعة. ولذلك روي: (إِذَا اِقْشَعَرَّ جِلْدُكَ وَدَمَعَتْ عَيْنَاكَ وَوَجِلَ قَلْبُكَ فَدُونَكَ دُونَكَ فَقَدْ قُصِدَ قَصْدُكَ)[٤]. ولذلك نطلب في هذا الوداع أن تكون هذه الدمعة ذخرا لنا يوم القيامة، لأن الدمعة الواحدة تُطفئ بحارا من غضب الله عز وجل.

علاج جفاف الدمع عند الحسين (عليه السلام)

ويتسائل البعض: وماذا أفعل بقلبي القاسي الذي لا يميل إلى مواليّ كثيرا في مجالس العزاء، ولا أبكي عندما أدخل الحرم وأستأذن؟ وقد شكت لي أخت مؤمنة وقالت: إنني كنت أتوقع أن يُغمى علي في الحرم، فلم أر تلك الحرارة؟ أقول: ماذا تفعل لو أصبت بجلطة على باب المستشفى؟ إنك تدخل سريعا وتبحث عن الطبيب. أنت على باب طبيب الأرواح؛ فادخل حرم الحسين (ع)، فهو مشفى الحسين (ع)، وقل: يا أبا عبدالله، أترضى أن أدخل حرمك بهذه الحالة؟ وإذا بالرقة تأتيك، وتنفجر بالبكاء بعد أن كان قلبك قاسيا وجسمك منهكا من التعب.

كربلاء؛ دار السرور والفرح

وقد يقول قائل: نرى بعد مجالس الحسين الوجوه الفرحة إلى درجة يمزح البعض مع أصحابه، والحال أنه كان في حزن وبكاء قبل لحظات، ولم تجف دموعه بعد؟ إن هذا المزاح، وهو مزاح الفرح الذي يشعر به القلب بعد هذه المجالس والبرد الذي يستشعره المؤمن بعد كل بكاء. وكذلك يرجع زائر الحسين (ع) وهو في أعلى درجات السعادة. والسيبب في ذلك نجده في الروايات الشريفة، فقد روي عن الإمام الحسين (ع) أنه قال: (أَنَا قَتِيلُ اَلْعَبْرَةِ قُتِلْتُ مَكْرُوباً وَحَقِيقٌ عَلَيَّ أَنْ لاَ يَأْتِيَنِي مَكْرُوبٌ قَطُّ إِلاَّ رَدَّهُ اَللَّهُ وَأَقْلَبَهُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً)[٥].

لقد أصبحت كربلاء محط السعادة والارتياح لكل من زار تلك الأرض. وليهنأ أهل العراق ما هم فيه من جوار هؤلاء الطيبين. إنني أذهب إلى بلاد الغرب في سفرات متعددة، فأقول لهم: ما الذي جاء بكم إلى هذه الديار وحرمتم أنفسكم جوار هذه الذوات الطاهرة؟ بإمكان الرجل في العراق أن يصلي عند الأمير (ع) ظهراً، وعند العسكريين غروباً، وعند الجوادين ليلا ويرجع إلى كربلاء في زيارة لا تقدر بثمن ولا تضاهيها قارات العالم بما فيها.

مزية السكن في العراق

فقد روي أن الصادق (ع) جاء إلى قبر رسول الله (ص) فسلم عليه وقال: (قَدْ فُضِّلْنَا اَلنَّاسَ اَلْيَوْمَ بِسَلاَمِنَا عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)[٦]؛ أي أن سلامي من قرب مزية لي. فالتزم جوار المشاهد أو كن قريبا منها، وإن كنت محروما في هذه البلاد من بعض المزايا الدنيوية أو من بعض صور الأمن؛ فإن ما تقاسيه في هذه البلاد من الحر أو البرد لا يُقاس بنعمة العيش في جوار ستة من الأئمة (ع). فقل دائما: اللهم حبب إلي مشاهدهم، وكما روي: (مَنْ أَرَادَ اَللَّهُ بِهِ اَلْخَيْرَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ حُبَّ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَحُبَّ زِيَارَتِهِ وَمَنْ أَرَادَ اَللَّهُ بِهِ اَلسُّوءَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ بُغْضَ اَلْحُسَيْنِ وَبُغْضَ زِيَارَتِهِ)[٧].

علامة قبول زيارة الحسين (عليه السلام)

إن إبراهيم (ع) كان خليل الرحمن؛ أي صديقه لقوله سبحانه: (وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلࣰا)[٨]. ونحن نغبطه على مقامه وعلى أنه جد النبي (ص) والأئمة (ع) وجميع السادة الميامين إلى يوم القيامة وهم محارمه. ولكنه مع كل ذلك قال: (وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّ أَرِنِي كَيۡفَ تُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ قَالَ أَوَلَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطۡمَئِنَّ قَلۡبِيۖ)[٩]. فإذا زرت الحسين (ع) بعد المشي إليه من طريق طويل؛ فاطلب منه علامة الاستجابة وقبول الزيارة، وهو يعلم كيف يريك العلامة. فإذا وجدت في قلبك برد الإيمان، وخشوعا في صلاتك بعد الزيارة لم تعهدها من قبل، ورأيت إقبالاً من دون مجاهدة والخواطر بيدك كالطير في اليد؛ فاعلم أن الإمام عمل عمله، وجعل قلبك منجذباً إلى عالم الغيب.

أيسر الطرق للحصول على صلاة خاشعة

يبحث الكثير من الناس عن الصلاة الخاشعة وأسرارها في كتب ككتاب الملكي أسرار الصلاة، وغيرها ولكنني أعرف رجلا دخل على أبي عبدالله الحسين (ع) زائرا، فقال: أريد منك صلاة خاشعة، فاستجاب له الإمام (ع) وقال: وصلت إلى درجة لا أستطيع ألا أخشع في الصلاة ولا يُمكنني الالتفات إلى غير الله. إن هذا الذي نبحث عنه هنا وهناك؛ حصل عليه صاحبنا بنظرة ولائية من إمامه وهي نظرة ليست ببعيدة عنا.

[١] كامل الزيارات  ج١ ص٢٧٢.
[٢] كامل الزيارات  ج١ ص٢٥٣.
[٣] بحار الأنوار  ج٩٨  ص٢٠٣.
[٤] الخصال  ج١ ص٨١.
[٥] كامل الزيارات  ج١ ص١٠٩.
[٦] الکافي  ج٤ ص٥٥٧.
[٧] كامل الزيارات  ج١ ص١٤٢.
[٨] سورة النساء: ١٢٥.
[٩] سورة البقرة: ٢٦٠.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • يبحث الكثير من الناس عن الصلاة الخاشعة وأسرارها في كتب ككتاب الملكي أسرار الصلاة، وغيرها ولكنني أعرف رجلا دخل على أبي عبدالله الحسين (ع) زائرا، فقال: أريد منك صلاة خاشعة، فاستجاب له الإمام (ع) وقال: وصلت إلى درجة لا أستطيع ألا أخشع في الصلاة ولا يُمكنني الالتفات إلى غير الله.
  • وقد يقول قائل: نرى بعد مجالس الحسين الوجوه الفرحة إلى درجة يمزح البعض مع أصحابه، والحال أنه كان في حزن وبكاء قبل لحظات، ولم تجف دموعه بعد؟ إن هذا المزاح، وهو مزاح الفرح الذي يشعر به القلب بعد هذه المجالس والبرد الذي يستشعره المؤمن بعد كل بكاء.
Layer-5.png