- ThePlus Audio
نظرة الشريعة الإسلامية إلى المرأة، وطرق معالجة الخلافات الزوجية
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين
هل الاختلاف أمر طبيعي في الأسرة؟
لا تكاد تخلو أسرة أو عائلة من خلاف أو شقاق، كما لا تخلو شركة أو وزارة أو إدارة أو حتى المعامل الصغيرة ومحل البقالون من نوع من أنواع الخلاف، ولكن الأمر في خارج الأسرة سهل وبسيط؛ فبإمكان الإنسان أن يفسخ العقد مع الشركة أو يطرد العامل وانتهى الأمر، ولكن هل يمكن التفريط بالزوجة والأولاد؟ وينبغي أن لا يغلب اليأس على من يرى خلافاً أو مشكلة في عائلته ويندب حظه، ثم يعزو سبب تلك المشاكل إلى القضاء والقدر ويبحث في الأبراج وما شابه ذلك عن العلة؛ بدلاً من المبادرة للحل.
الاحتكام إلى الشارع المقدس والتسليم له
وينبغي للإنسان أن يكون واقعياً في تعامله مع الأسرة، ولابد من الالتفات إلى أن الحقوق المتبادلة بين العامل ورب العمل أو الشريك وشريكه أو الحاكم والمحكوم أو الزوج والزوجة قد ترضي طرفاً وتسخط آخر، ولا يجدر بالمؤمن إلا الاستسلام لإرادة رب العالمين وما سنه من قوانين، والقرآن الكريم واضح في قوله: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[١]، ولا فرق في ذلك أن يكون الخلاف بين الأوس والخزرج أو بين العامل ورب العمل أو بين الزوج والزوجة، وإنما ينبغي الاحتكام إلى الشرع في كل شيء.
وقد يثقل على مسامع البعض من النساء قوله سبحانه: (وَاضْرِبُوهُنَّ)[٢]، والحال أنها آية قرآنية وأمرنا أن نحكم القرآن فيما شجر بيننا، وقد ذكرت الآية قوامة الرجل على المرأة، وهذه القوامة إنما تكون بالقسط والعدل ولا تعني أنَّ الرجل حاكم دكتاتوري يفعل ما يحلو له، بل على الزوجين أن يحتكما إلى رسول الله (ص) ومن بعده الأئمة (ع) ومن بعدهم المراجع المتمثلة أحكامهم في الرسائل العملية.
يضرب زوجته وهو بالضرب أولى منها..!
ولقد أمر القرآن الكريم الرجل أن يستعمل أسلوب الوعظ والإرشاد ومن ثم الهجر في المضاجع قبل أن يبادر إلى الضرب، وعليه أن يعلم أن الضرب له قوانينه وأحكامه ويعلم أيضاً أنَّ الضرب هو ليس بالأسلوب المثالي ولا النموذجي وإنما هو أسلوب سيّئ يتعالى عنه المؤمن علواً كبيرا، ولقد ورد في روايات أهل البيت (ع) عن النبي الأكرم (ص): (إِنِّي أَتَعَجَّبُ مِمَّنْ يَضْرِبُ اِمْرَأَتَهُ وَهُوَ بِالضَّرْبِ أَوْلَى مِنْهَا)[٣]؛ وبالطبع يعني النبي (ص) ذلك الضرب الذي لا مسوغ له.
ولقد رأيت رواية عاطفية ذكرها صاحب الميزان في تفسيره وهي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (أيضرب أحدكم المرأة ثم يظل معانقها)[٤]، ولا أظن أن يبقى صفاء ومودة بعد الضرب ولا يكون هذه المعانقة إلا معانقة تكلفية وكذلك عطفه عليها بعد ذلك، وهل علينا أن نستر معنى الآية ونحن نقرأها في شهر رمضان ولا نعلم معناها؟ أيجدر بنا ذلك بداعي عدم استثارة مشاعر النساء اللاتي قد يتحسسن من آية الضرب؟ وليس في الآية أمر مطلق بالضرب نعوذ بالله عز وجل، ولكن للضرب مواقع معينة في الشريعة كما ذكر ذلك القرآن الكريم.
نظرة الشريعة الإسلامية إلى المرأة والروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)
إنَّ دأب الشريعة والسياسة العامة للإسلام العطف على النساء وإظهار المودة لهن ومعاملتهن معاملة الريحانة لا القهرمانة كما ورد ذلك في الروايات الشريفة: (فَإِنَّ اَلْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ وَلَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ)[٥]؛ أي لا تعاملها بالعنف ولا تصارعها فهي ليست مصارعة ولا في مقام التحدي لك، ويقول سبحانه عن النساء: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)[٦]، وإنك لترى المرأة سرعان ما تنهار عند عجزها أمام القاضي، أو عند حدوث العطل في سيارتها أو ما شابه ذلك، وطبيعتها أن تكون عاطفية رقيقة وأن لا تكون بتلك الفطنة التي تجادل بها الآخرين وتواجهم.
العلاقة الزوجية لا تنقطع حتى بعد الموت..!
وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنَّه قال: (إِنَّمَا اَلْمَرْأَةُ قِلاَدَةٌ فَانْظُرْ مَا تَتَقَلَّدُ)[٧]، ولا يجوز للرجل أن يتقلد الذهب فهو حرام بلا ريب ولكن المرأة هي قلادتك الذهبية الخالدة إن أحسنت الاختيار؛ إذ أنَّ العلاقة الزوجية لا تنقطع حتى في الجنة، يقول سبحانه: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ)[٨]، وهل يفرق الله بين الرجل وزوجه وقد عاشا في الدنيا ستين عاماً؟ ما هكذا الظن بالعطف والمحبة الإلهية، بل نقرأ في بعض الروايات أن المرأة التي كانت قد تزوجت في الدنيا بأكثر من رجل تعطى لأحسنهم أخلاقا.
وسوف لن تبقى هذه الزوجة على سلبياتها في الجنة؛ بل إنَّ الله عز وجل سيذهب ما في قلبها من الغل ومن الصفات السلبية، وستكون أجمل نساء الرجل في الجنة وستكون الحور وصيفات وخادمات لها وليس ثمة مجال للغيرة كذلك.
آية تطبع على بطاقات الزواج قل من يفكر فيها..!
وهناك آية تطبع على بطاقات الزواج وتقرأ في الخطب من دون أن يمعن الإنسان في التفكير في فحواها ومدلولها وهي قوله سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[٩]، وينبغي أن نعلم بدقة أن الرجل بحاجة إلى السكن كما أنَّ المرأة بحاجة إلى سكن.
وقد قلنا مراراً أنَّ الرفق بالمرأة والإحسان إليها من مبادئ الإسلام الثابتة، وقد روي عن النبي الأكرم (ص): (إِنَّ اَللَّهَ وَرَسُولَهُ بَرِيئَانِ مِمَّنْ أَضَرَّ بِامْرَأَةٍ حَتَّى تَخْتَلِعَ مِنْهُ)[١٠]، وطلاق الخلع هو الذي تبذل فيه المرأة مهرها لتنفصل عن زوجها وكأنها تقول له خذ من المال ما شئت وأرحني منك، والله ورسوله بريئان ممن يضطر امرأته إلى أن تفضل الطلاق على العيش معه.
المرأة أولى بحنانك ومحبتك من زملائك وأصدقائك..!
ومن الروايات التي تؤكد على الرفق بالنساء قول أمير المؤمنين (ع): (وَلاَ يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى اَلْخَلْقِ بِكَ)[١١]، وللأسف الشديد هنالك من هو أحسن الناس أخلاقاً مع الأصدقاء وفي الشركة وفي المسجد وحتى لا يصدق أنَّه سيئ الخلق مع أهله، والجميع يستفيدون من مواعظه وعاطفته وحنان وحتى أمواله إلا الزوجة المسكينة فهي أشقى الخلق به، وآخر من يسعد به، ولابد من الالتفات إلى هذه الروايات وجعلها إلى جانب آية الضرب؛ لأن الإسلام دين متكامل كما يوصي بالضرب في نطاق ضيق ومحدود يوصي من خلال عشرات الروايات بالرفق والإحسان إلى المرأة.
زوجها من رجل تقي..!
إنَّ أول ما يجب أن يُلتفت إليه في العلاقات الزوجية هو مراقبة الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة، ولذلك أكدت الروايات على تزويج المؤمن، فقد أوصى الإمام الحسن المجتبى (ع) من استشاره في تزويج ابنته: (فَقَالَ زَوِّجْهَا مِنْ رَجُلٍ تَقِيٍّ فَإِنَّهُ إِنْ أَحَبَّهَا أَكْرَمَهَا وَإِنْ أَبْغَضَهَا لَمْ يَظْلِمْهَا)[١٢]، وحال المؤمن في ذلك قوله سبحانه: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)[١٣]، ولا يشمله قوله سبحانه: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا)[١٤].
قصة معبرة في سورة المجادلة حول الخلاف الزوجي
وفي سورة المجادلة قصة معبرة وعاطفية في قوله سبحانه: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا)[١٥]، ينبغي للرجل أن يستفرد بزوجته ظناً منه أنَّه لا يراه أحد في تلك الغرفة المغلقة ولا رقيب عليه ولا حسيب، وبعض الأزواج يحرصون على أن لا يعلم بالخلاف بينهما أهلهما، وقد يصل الأمر إلى الضرب المتبادل إلا أنهما يفضلان أن الأمر يبقى سراً بينهما، ولا ريب في أن كتمان الخلافات عن الأهل أمر جيد – إلا في الحكم الشرعي – ما لم يتحول الخلاف إلى قنبلة موقوتة تنفجر على حين غفلة من الأهل والمجتمع، وإذا بهم يتفاجئون بطلاق هذين الزوجين، وينبغي للزوجين أن يبادرا إلى الصلاح عند أول بادرة خلاف، وقد نرى للأسف الشديد أنَّ الخلاف يظهر بين الزوجين في الصغير والكبير بعد أسابيع من الخطبة والعقد وقبل أن يدخل بها أو يعاشرها.
ويروي لنا الإمام الباقر عليه السلام تفاصيل ما حدث في شأن نزول سورة المجادلة عن جده أمير المؤمنين (ع) فيقول: (إِنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: إِنَّ اِمْرَأَةً مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ أَتَتْ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَقَالَتْ يَا رَسُولُ إِنَّ فُلاَناً زَوْجِي قَدْ نَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي)[١٦]، ويبدو أنَّ هذه المرأة من بليغات العرب، وهي تشكو إلى النبي (ص) أنها قد أنجب له من الأولاد ما شاءالله، (وَأَعَنْتُهُ عَلَى دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ فَلَمْ يَرَ مِنِّي مَكْرُوهاً)[١٧]، وهذا الكلام يجري أمام النبي (ص) ولو علم أنها كاذبة أو أن قولها يجانب الحقيقة لكان اعترض عليها، ثم شكت له مسألة الظهار وهي أن يقول الرجل لزوجته أنت علي كظهر أمي فلا يقاربها بعدها، فقال لها النبي (ص): (مَا أَنْزَلَ اَللَّهُ عَلَيَّ كِتَاباً أَقْضِي بِهِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ زَوْجِكِ وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ مِنَ اَلْمُتَكَلِّفِينَ)[١٨]؛ أي إنني أنتظر الوحي في أمرك، (فَجَعَلَتْ تَبْكِي وَتَشْتَكِي مَا بِهَا إِلَى اَللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَاِنْصَرَفَتْ فَسَمِعَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَاوَرَتَهَا لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآلِهِ فِي زَوْجِهَا وَمَا شَكَتْ إِلَيْهِ فَأَنْزَلَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ قُرْآناً «بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ `قَدْ سَمِعَ اَللّٰهُ قَوْلَ اَلَّتِي تُجٰادِلُكَ فِي زَوْجِهٰا وَتَشْتَكِي إِلَى اَللّٰهِ وَاَللّٰهُ يَسْمَعُ تَحٰاوُرَكُمٰا»)[١٩]، وقد نزل القرآن ببيان حكم الظهار.
كفى بالله رقيبا عليك..!
والإنسان إذا شعر بالرقابة الإلهية؛ سيختلف منطقه كثيراً ويتغير تعامله مع زوجته، وقد بدرت من هذه المرأة كلمة جميلة عند قولها: (نثرت له بطني)؛ إذ أنَّ الرجل يقضي منها شهوته في مدة لا تتجاوز الساعة، لتتحمل المرأة بعدها من العناء تسعة أشهر تبعات هذه الشهوة، وتحمل هذا الطفل وكأنه حجر مشدود على بطنها تسعة أشهر، ويقول القرآن الكريم في ذلك: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا)[٢٠]، وقوله سبحانه: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ)[٢١]، هذا يالإضافة إلى سنوات التربية المزعجة والتبديل والتنظيف وما شابه ذلك، وبعد أن يبلغ الولد مبلغ الشباب أو البنت سن البلوغ وإذا بالرجل يهم بالطلاق ليفصل الوالدة عن ولدها؛ فأي مرارة تعيشها هذه الأم وأي ضمير هذا يسمح للرجل أن يفعل ذلك؟
ليكن الطلاق آخر سلاح تلجأ إليه..!
قد يكون من الأولياء أو العلماء أو المؤمنين من طلق زوجته، ولكن على الإنسان أن لا يلجأ إلى هذا السلاح إلا بعد استفراغ الوسع واستنفاد جميع الوسائل الممكنة، وبعض الرجال قد ينفعل من كلمة واحدة وإذا به ينطق بكلمة الطلاق وكما يقول عز من قائل: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)[٢٢]، خاصة إذا وقع الطلاق في سن متقدم، وقد نسمع عن طلاق نساء كبيرات في السن بلغن الأربعين والخمسين من العمر، ولا أدري ما هو المبرر الشرعي لهذا الطلاق، وكما ذكرنا أنَّه لا يجدر بالمرأة التي نثرت بطنها للرجل أن ينتهي بها المطاف مطلقة بعد معاشرة طويلة، وينبغي الموازنة بين الحقوق المترتبة على الزوج والحقوق المترتبة على الزوجة.
ابدأ جلسات الحوار حول المسائل الزوجية بهذه الكلمات الجميلة..!
وكم من الجميل أن يتخذ الزوجان هذا الشعار على رأس الجلسات التي يقيمونها للتحاور حول الخلافات العائلية؛ وهو أن يقول الرجل يا فلانة: صلى الله على نبيك وآله، بسم الله الرحمن الرحيم إنَّ الله يسمع تحاورنا فلا أتكلم إلا بما يرضي الله عز وجل ولا تتكلمي إلا بما يرضيه.
حسن التبعل
ومن الأمور المهمة في العلاقات الزوجية ما ورد في شأن حسن تبعل الزوجة، وهو أن تجعل الزوجة زوجها من اهتماماتها الرئيسية ولا تجعل في آخر القائمة بعد الجيرة والأهل والأقارب ودراسة وما شابه ذلك، ولا يقال لذلك حسن التبعل بحال من الأحوال.
هل تؤجر المرأة على ما تقوم به من الأعمال المنزلية؟
إنَّ الرجل في عصرنا هذا يحتاج من المرأة أن تباشر خدمته بنفسه، وكثير من الرجال لا يحبذون طعام الخادمات؛ بل يفضل الرجل أن تقوم الزوجة بإعداد الطعام وغسل الثياب وسائر الأمور المشابهة محبة منها ورغبة إلى زوجها، وقد أجاب النبي (ص) عن سؤال أم سلمة حول فضل النساء في خدمة الأزواج فقال: (مَا مِنِ اِمْرَأَةٍ رَفَعَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا شَيْئاً مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ تُرِيدُ بِهِ صَلاَحاً إِلاَّ نَظَرَ اَللَّهُ إِلَيْهَا، وَمَنْ نَظَرَ اَللَّهُ إِلَيْهِ لَمْ يُعَذِّبْهُ)[٢٣]، من قبيل قَمِّ البيت وتغييرالمزهرية أو نقل الأثاث من مكان إلى مكان من باب التجميل وإدخال السرور على الزوج، فليس الأجر فقط في صيام الأشهر الثلاثة وحضور المآتم وإن كانت هي أمور حسنة في ذاتها مقربة إلى الله عز وجل، وإن كانت المرأة تؤجر في الشيء ترفعه من موضع إلى موضع فكيف أجرها على الهفوة تتحملها من الزوج أو الظلم يتعرض لها به.
ويقول النبي (ص): (أَيُّمَا اِمْرَأَةٍ خَدَمَتْ زَوْجَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ أَغْلَقَ اَللَّهُ عَنْهَا سَبْعَةَ أَبْوَابِ اَلنَّارِ وَفَتَحَ لَهَا ثَمَانِيَةَ أَبْوَابِ اَلْجَنَّةِ تَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَتْ)[٢٤]، وعنه (ص): (مَا مِنِ اِمْرَأَةٍ تَسْقِي زَوْجَهَا شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ إِلاَّ كَانَ خَيْراً لَهَا مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ)، وقد يطلب الرجل كأس من الماء أو العصير أو الشاي فتسارع المرأة إلى الخادمة تأمرها بذلك بدل أن تباشر الأمر بنفسها فتكسب عبادة سنة، ولو أنَّ الإنسان أطفأ عطش إنسان مسلم مجهول لا يعرفه كم كان له من الأجر باعتباره أخوه الديني، وكم هو أجر المرأة التي تروي عطش زوجها أو تعصر له الفواكه بيدها وتقدمها إليه، وقد تزول جبال من الغضب عن الزوجة بذلك بدل الجدال والصراخ وما شابه ذلك وهذه حركة إيجابية يؤثر في نفس المؤمن الذي بنى علاقته على التفاهم والأنس وكما يقول سبحانه: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)[٢٥].
لا تغفل عن هذه الكلمة السحرية..!
وهناك رواية أخرى عن النبي الأكرم (ص) هي في قمة الرقة والعاطفة، يقول (ص): (قَوْلُ اَلرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ إِنِّي أُحِبُّكِ لاَ يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِهَا أَبَداً)[٢٦]، ولا بأس بذلك إن صدرت هذه الكلمة مجاملة من الرجل، وما أجملها من كلمة يكسب بها الرجل الأجر بدل أن يقول من الكلمات ما يكتسب بها الوزر.
لا غنى للمرأة عن هذه الخصال
وهناك رواية أخرى عن أهل البيت (ع) – ولقد فوجئت عند قرائتي لهذه الرواية وتأكد لي أنهم الكتاب المبين الذي لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها – تقول: (لاَ غِنَى بِالزَّوْجَةِ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا اَلْمُوَافِقِ لَهَا عَنْ ثَلاَثِ خِصَالٍ وَهُنَّ صِيَانَةُ نَفْسِهَا)[٢٧] إلى آخر هذه الرواية الشريفة وكذلك (وَإِظْهَارُ اَلْعِشْقِ لَهُ بِالْخِلاَبَةِ وَاَلْهَيْئَةِ اَلْحَسَنَةِ)[٢٨]؛ أي تظهر له العشق بالخديعة باللسان والقول الطيب وترقق له القول، وما المانع من أن يقول الرجل لزوجته أحبكي وهي تظهر له العشق بالخلابة والهيئة الحسنة؟
وصية جبرئيل (عليه السلام) بالنساء
ولقد ورد في الحديث عن النبي (ص): (مَا زَالَ جَبْرَئِيلُ يُوصِي بِالْمَرْأَةِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي طَلاَقُهَا إِلاَّ مِنْ فَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)[٢٩]، فكيف بالمرأة المؤمنة الصالحة القانتة، فهل يوجب التعدي عليها عند صدور الزلل في العمل والهفوة في القول؟
الجلوس مع المرأة ساعة، خير من اعتكافٍ في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وينبغي للرجل أن يبذل من وقته شيئاً لزوجته، وقد ترى البعض يقضي في العمل ثمان ساعات وعدة ساعات للاستراحة والنوم والكل، ثم ساعة أو ساعتين لحضور المآتم والمساجد وزيارة الإخوان والأصدقاء حتى تأتي الساعة الثانية عشر ليلاً وليس به رمق فيلقي بنفسه على الفراش، والزوجة لا نصيب لها من كل ذلك، فلا يكلمها ولا يتحسس آلامها ولايسأل عن آمالها، والحال أنَّه قد روي عن النبي الأكرم (ص): (جُلُوسُ اَلْمَرْءِ عِنْدَ عِيَالِهِ أَحَبُّ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى مِنِ اِعْتِكَافٍ فِي مَسْجِدِي هَذَا)[٣٠]، أن تجلس مع المرأة المسكينة تتحدث إليها تسمع همومها وشكواها خير من الاعتكاف في مسجد النبي (ص).
من أعظم القربات إلى الله عز وجل
ولا ينبغي للمرء أن يتعامل مع الدين بحسب مزاجه؛ بل عليه أن يعلم تكليفه ويعمل به، فقد يكون وظيفة المؤمن في ليلة من الليالي هو أن يخرج زوجته من ضيق نفسي أو كآبة تمر بها أو حزن طارئ عليها وذلك من أعظم القربات إلى الله سبحانه وهو من باب إدخال السرور على المؤمن، وقد يظن البعض أنَّ إدخال السرور على المؤمنين يشمل الجميع ما عدى الزوج وقد تظن بعض النساء أنَّ الخطاب موجه للرجال لا لهن، والحال أنَّ الروايات دأبها في صيغة الرجل دأب الآيات القرآنية التي تبين الحكم بصيغة الرجل كالأمر بالصيام وما شابه ذلك ولا يعني أنَّ الحكم يختص بالرجل بل المراد من الروايات والآيات عموم الرجال والنساء.
حقوق الزوجين وما يجب عليهما في الروايات الشريفة
ومن الروايات العاطفية قول النبي (ص): (إنَّ الرَّجُلَ لَيُؤجَرُ في رَفعِ اللُّقمَةِ إلى فِي امرَأتِهِ)[٣١]، ولا نقول أن يعفل ذلك كل يوم فقد يصبح الأمر مبتذلاُ ولكن بصورة عامة إنَّ الرجل يتقرب إلى الله عز وجل في رفع اللقمة إلى فم الزوجة، وما المانع من يدل الرجل على زوجته أو أن تدل المرأة على زوجها؟
وقد روي كذلك عن الإمام الصادق (ع): (مَلْعُونَةٌ مَلْعُونَةٌ اِمْرَأَةٌ تُؤْذِي زَوْجَهَا وَتَغُمُّهُ)[٣٢]، وقد يدخل الرجل المنزل وهو يشعر بالراحة النفسية وإذا به يواجه المشكلة تلو الأخرى، فهو في نكد تلو نكد، فإذا كانت المرأة مقصرة في هذا المجال فلتحذر من هذه الرواية ومن اللعنة الإلهية، وعن المصطفى (ص): (مَنْ كَانَتْ لَهُ اِمْرَأَةٌ تُؤْذِيهِ، لَمْ يَقْبَلِ اَللَّهُ صَلاَتَهَا وَلاَ حَسَنَةً مِنْ عَمَلِهَا حَتَّى تُطِيعَهُ وَتُرْضِيَهُ)[٣٣].
أول كلمة قالها أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد استشهاد السيدة الزهراء (سلام الله عليها)
وصلى الله على أبي الحسن (ع) الذي قال عند استشهاد السيدة الزهراء (س) وهي من أوائل الكلمات التي قالها: (اَللَّهُمَّ إِنِّي رَاضٍ عَنِ اِبْنَةِ نَبِيِّكَ)[٣٤]، وهذا أكبر وسام شرف للسيدة الزهراء (س)، ولذا قد ورد في روايات أهل البيت (ع): (لاَ شَفِيعَ لِلْمَرْأَةِ أَنْجَحُ عِنْدَ رَبِّهَا مِنْ رِضَا زَوْجِهَا)[٣٥]، وإنَّ رضى الزوج في الحقيقة من أعظم القربات عند الله عز وجل، فما الداعي لصيام المرأة المستحب إذا كان يؤذي الزوج ويقعدها عن الأعمال المنزلية ويجعلها سيئة الخلق في ذلك اليوم؟ إنَّ رضى الزوج أهم بكثير من الأعمال المستحبة، وأقول للواتي يحضرن صلاة الجمعة، أن يكون حضورهن بعد التنسيق مع الزوج، ولا توازي صلاتها هذه نهي الزوج لها، وعليها أن تقنع الزوج وتتبع معه أسلوباً مؤدبا، لا أن تقول: أنَّ هذا عمل بيني وبين ربي ولا شأن لك في ذلك.
تزين الرجل للمرأة والمرأة للرجل
ومن الأمور التي يجب مراعاتها بين الزوجين هو الظهور بالمظهر الحسن وتزين الزوجين لبعضهما البعض، ومع الأسف نرى من النساء من لا تتزين إلا في الأعراس أو عند استقبال النساء في منزلها؛ فهي تتزين في المنزل للنساء ولا تتزين للرجل الذي هو أولى من غيره بهذه الزينة والزي، ولا تكاد ترى في المنزل إلا بأثواب الطبخ والثياب التي قد تكون في بعض الأحيان منفرة حتى، والعكس صحيح أيضاً، وقد أثنى المعصوم على رجل خضب شيبته بالسواد وبارك له عمله وقال إنه أمر جيد. إنَّ ظهور الرجل بالمنظر الحسن من موجبات عفة المرأة، وقد أكدت الروايات على خضاب الرجل تأكيداً شديداً واعتبرت ذلك من موجبات إدخال السرور على النساء.
زينة الرجل يزيد في عفة المرأة..!
ولا ينبغي للمرأة أن تخرج من منزلها متزينة كما نرى للأسف الشديد بعض الصالحات يخرجن بشيء من الكحل والزينة وهو بلا ريب أمر محرم، وينبغي للرجل أن لا يقصر في التزين للمرأة؛ إذ أننا نرى التقصير في جانب الرجال أكثر منه فيجانب النساء، وقد نرى في الطواف الرجل يطوف بأثواب النوم متذرعاً بالحر، والحال أن على الرجل الحفاظ على وقاره سواء كان في صلاة أو في طواف حول البيت أو في المسجد وقد قال جل جلاله: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)[٣٦]، فليس من الإنصاف أن يلبس الثياب الفاخرة أمام الناس ويأتي للمسجد بكل ما هب ودب.
[٢] سورة النساء: ٣٤.
[٣] بحار الأنوار ج١٠٠ ص٢٤٩.
[٤] تفسير الميزان ج ٤ ص ٣٥٠ – ٣٥١.
[٥] من لا یحضره الفقیه ج٣ ص٥٥٦.
[٦] سورة الزخرف: ١٨.
[٧] وسائل الشیعة ج٢٠ ص٣٣.
[٨] سورة الرعد: ٢٣.
[٩] سورة الروم: ٢١.
[١٠] وسائل الشیعة ج٢٢ ص٢٨٢.
[١١] نهج البلاغة ج١ ص٤٠٢.
[١٢] مکارم الأخلاق ج١ ص٢٠٤.
[١٣] سورة البقرة: ٢٢٩.
[١٤] سورة البقرة: ٢٣١.
[١٥] سورة المجادلة: ١.
[١٦] الکافي ج٦ ص١٥٢.
[١٧] الکافي ج٦ ص١٥٢.
[١٨] الکافي ج٦ ص١٥٢.
[١٩] الکافي ج٦ ص١٥٢.
[٢٠] سورة الأحقاف: ١٥.
[٢١] سورة البقرة: ٢٣٣.
[٢٢] سورة النور: ١٥.
[٢٣] الأمالي (للطوسي) ج١ ص٦١٨.
[٢٤] وسائل الشیعة ج٢٠ ص١٧٢.
[٢٥] سورة فصلت: ٣٤.
[٢٦] الکافي ج٥ ص٥٦٩.
[٢٧] تحف العقول ج١ ص٣١٥.
[٢٨] تحف العقول ج١ ص٣١٥.
[٢٩] الکافي ج٥ ص٥١٢.
[٣٠] مجموعة ورّام ج٢ ص١١٩.
[٣١] ميزان الحكمة ج٢ ص١١٨٦.
[٣٢] بحار الأنوار ج٧٣ ص٣٥٤.
[٣٣] الفصول المهمة ج٢ ص٣٣٢.
[٣٤] مستدرك الوسائل ج٢ ص٣٤١.
[٣٥] بحار الأنوار ج٧٨ ص٣٤٥.
[٣٦] سورة الأعراف: ٣١.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
• لا تكاد تخلو أسرة أو عائلة من خلاف أو شقاق، كما لا تخلو شركة أو وزارة أو إدارة أو حتى المعامل الصغيرة ومحل البقالون من نوع من أنواع الخلاف، ولكن الأمر في خارج الأسرة بسيط؛ فبإمكان الإنسان أن يفسخ العقد مع الشركة أو يطرد العامل وانتهى الأمر، ولكن هل يمكن التفريط بالزوجة والأولاد؟
• قد يثقل على مسامع البعض من النساء قوله سبحانه: (وَاضْرِبُوهُنَّ)، والحال أنها آية قرآنية وأمرنا أن نحكم القرآن فيما شجر بيننا، وقد ذكرت الآية قوامة الرجل على المرأة، وهذه القوامة إنما تكون بالقسط والعدل ولا تعني أنَّ الرجل حاكم دكتاتوري يفعل ما يحلو له.
• إن الرفق بالمرأة من مبادئ الإسلام الثابتة، وقد روي عن النبي الأكرم (ص): (إِنَّ اَلله وَرَسولَه بَرِيئَان ممن أَضَرّ بِامرأَة حتى تختلع مِنْهُ) ، وطلاق الخلع هو الذي تبذل فيه المرأة مهرها لتنفصل عن زوجها وكأنها تقول له خذ من المال ما شئت وأرحني منك.
• إنَّ أول ما يجب أن يُلتفت إليه في العلاقات الزوجية هو مراقبة الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة، وقد أكدت الروايات على تزويج المؤمن، فقد أوصى الإمام المجتبى (ع) من استشاره في تزويج ابنته: (فقال زوجْها من رَجل تقيٍّ فإِنه إِنْ أَحَبَّهَا أَكْرَمَهَا وَإِنْ أَبْغَضهَا لَم يَظْلمهَا).
• وكم من الجميل أن يتخذ الزوجان هذا الشعار على رأس الجلسات التي يقيمونها للتحاور حول الخلافات العائلية؛ وهو أن يقول الرجل يا فلانة: صلى الله على نبيك وآله، بسم الله الرحمن الرحيم إنَّ الله يسمع تحاورنا فلا أتكلم إلا بما يرضي الله عز وجل ولا تتكلمي إلا بما يرضيه.
• لقد ورد في الحديث عن النبي (ص): (مَا زَالَ جَبْرَئِيلُ يُوصِي بِالْمَرْأَةِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي طَلاَقُهَا إِلاَّ مِنْ فَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)، فكيف بالمرأة المؤمنة الصالحة القانتة، فهل يوجب التعدي عليها عند صدور الزلل في العمل والهفوة في القول؟