- ThePlus Audio
نظرة الإسلام إلى العشق
بسم الله الرحمن الرحيم
كما أن كثيراً من الطاعات تبدأ من الحركة القلبية – التي هي في رتبة أشرف من رتبة العمل – كالجهاد الذي يبدأ من حب الإيثار في سبيل المبدأ، والخشوع في الصلاة، الذي يبدأ من حب اللقاء الإلهي، فكذلك هي كثير من المحرمات العملية، تبدأ من ميل القلب إلى الحرام، فما نراه من صور الانحراف الأخلاقي منشأه هو العشق المحرم.
إن العشق المذموم هو الانجذاب القلبي الشديد نحو شخصٍ ما، مع الميل للوصول إليه بأي شكل كان، ولو على حساب العقل والعرف والشرع. ومن هنا عدّه الحكماء مرضا وأطلقوا عليه اسم الملنخوليا أو السوداوية وهو اختلال سلوكي، يتولد من الطمع، وينقطع بالوصل، ومن هنا قالوا بأن الوصل مدفن العشق. وبعبارة أخرى منشأه حب الشمائل، وبهجة الشمائل تزول بتكرار النظر.
إن السبب الأساسي للعشق الباطل هو: الفراغ القلبي والبطالة. والقلب بطبيعته يحتاج في كل حال إلى ما يتعلق به، فإذا لم يملأ فراغه بالحق، فلا بد من أن يملأه الباطل. وخير ما يصف هذه الحالة من الخواء الباطني الذي يؤول إلى عشق الفانيات، هو قول الصادق (ع) في وصف العشق: (قُلُوبٌ خَلَتْ مِنْ ذِكْرِ اَللَّهِ فَأَذَاقَهَا اَللَّهُ حُبَّ غَيْرِهِ)[١].
إن علينا أن نراقب سلوك المراهقين، ففي هذا العمر، يبحث كل من الجنسين عن أنيس يسد فراغه العاطفي ويشبع نهمه الجنسي، والذي يتقدم لملئ هذا الفراغ لا يريد – غالبا – إلا الإنس الجسدي الذي لا يزيد الروح إلا تحقيراً وازدراء، والذي يسلم جسده لصاحب الهوى مرة، يعتاد على التسليم في كل مرة، وإن ادعى المحبة البريئة، والدليل على ذلك قصر العلاقة بينهما، فسرعان ما يتبخر الغرام المزعوم عند أول خصام .
إن من الغريب حقا تفريغ الفؤاد – الذي خلق ليكون حرما لله تعالى – لكل من ادعى المحبة، وذلك بمجرد الحديث وتبادل الصور عبر وسائل التواصل. فأين المحك الحقيقي الذي على أساسه، يربط الإنسان عروة فؤاده بمن يستحق ذلك من ذوي الكفاءة والأمانة؟ إن البحث عن شريك العمر من خلال مواقع التواصل سراب لا يمكن الركون إليه، فالذي يعرض نفسه بصورة علنية، مريب أمره ودليل على عدم سلامة باطنه، فأين نهي القرآن عن الخضوع في القول، وخاصة في زمان كثر من في قلبه مرض..!
إن من عشق شيئاً أو شخصا، ليسأل نفسه عن المبررات الموضوعية لذلك العشق من دون أن يخادع نفسه، ويسأل عن إمكانية الوصول له بحسب مقتضيات الواقع، وليسأل نفسه عن السبب في الإصرار على شيء لا يقطع جزما بصوابه، وليبحث أخيرا عن البدائل الأخرى، مع عدم اليقين الحقيقي بانحصار تحقيق الهدف فيما عشقه، وفيمن عشقه، فإن الإصرار فرع اليقين دائماً .
إن القرآن الكريم يهدد بوضوح في قوله تعالى: (فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ)[٢]، الذين يقدمون حب الآباء والأبناء والإخوان والعشيرة والأموال والمساكن والتجارة على حب الله ورسوله. أولا يكفي هذا التهديد لأن نراجع زوايا قلوبنا لنرى الحب المتسلل الذي دخل غير مملكته، ولنعلم أن حب خالق الحب، يبدأ تكلفا ليتحول إلى ولهٍ وشغفٍ، يجعل الإنسان يحتقر كل شيء يصده عن ربه، أولم يقل الصديق يوسف: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)[٣]، فالخلوة مع الحبيب أحب إليه من الخلوة مع الفاني، ولو كانت أميرة في قصرها.