ان من المسائل التي تقلق التائبين فى حركتهم الصعودية الى الله تعالى هو : إحساسهم باليأس لما يرونه من خيانة قوة المقاومة لديهم ، عندما يواجهون المنكر الذي تركوه ، بعد إحساسهم بالندامة مباشرة بعد ارتكاب ذلك المنكر . وبذلك تمر عليهم فترة من ربيع العمر الذي يتم فيه زرع الآخرة ، وهم يتارجحون بين المعصية و التوبة . ومن الواضح ان هذا الأمر لا يستقيم الى الأبد .. فاما : إدمان المنكر، او التوبة النصوح !!
لا بد من دراسة مناشئ هذه الظاهرة الخطيرة .. فمن ذلك ضعف النفس الإنسانية أمام مثيرات الشهوة . فيكون مثل النفس كمثل مركبة فضائية اقتربت من دائرة الجاذبية الأرضية ، مما جعلها تفقد توازنها ، متجهة الى الأسفل ، مرتطمة بالأرض .. والحال ان طريق السلامة يتمثل فى الحركة ضمن دائرة الامان ، و ذلك بعدم الاقتراب من المواضع التى يفقد الإنسان فيها سيطرته على نفسه .. و الملاحظ فى هذا المجال ان القرآن الكريم نهى عن الاقتراب من الزنا ، ليشمل النهي بذلك ، عن المقدمات البعيدة لها ايضا من : النظر ، والخلوة وما شابه ذلك .
نظرا الى ان الإنسان بطبيعته متأثر بالجو الاجتماعي الذي يحيط به – وخاصة الأسرة – فانه لا يمكن انكار تأثير سلوكيات الأطراف المحيطة بالإنسان .. فلطالما وردتنا الشكاوى من الذين يريدون تحسين علاقتهم بالله تعالى ، وإذا بالزوج او الزوجة أو الأبوين او الأرحام ، يشكلون عنصر إحباط ، بل منع في كثير من الأحيان .. ولا يمكن للفرد من ناحية قطع العلاقة بمن حوله ، ومن ناحية اخرى لا يمكنه التفريط بحالة اليقظة الروحية التى يعيشها ، اذ لعل هذه الحالة لا تعود اليه ثانية !.. فيرجع الى الوراء ليكون اسوأ مما كان عليه سابقا ، اذ ان الادبار بعد الاقبال خطير جدا .
ان الذي يريد تشجيعا من الآخرين في تغيير مسيرة حياته الى الأفضل – بحسب ما يملى عليه العقل والشرع – من الممكن ان يصاب بخيبة أمل كبرى في هذا المجال . فمتى كانت الغالبية طوال حياة البشر من ذوى التعقل والبصيرة ؟!.. فالله تعالى يصف الغالبية – وهو العليم بأسرار النفس الإنسانية – بأوصاف سلبية من : عدم التعقل ، و عدم الشكر ، و عدم الاستقامة في سلوك طريق الهدى .. وكم رائع هذا الحديث المروى عن على (ع) عندما قال : أيها الناس !..لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله ، فإنّ الناس اجتمعوا على مائدة : شبعها قصير ، وجوعها طويل !!
ان الحل الجامع لتخطى كل العوائق السالفة هو: ان يخطط الانسان لنفسه طريقا مستقلا فى الحياة ، فلا يحاول ربط مصيره بالاخرين – ولو كانوا من اقرب الناس اليه – فان العلاقات البشرية تتقطع فى اول لحظات الانتقال من هذه الدنيا . كما ينبغي ان لا يجعل الانسان طبيعة البلد الذى يعيش فيه – بمن عليه من العصاة والكفرة – ذريعة للانهماك في المعاصي ، فان الثابتين على طريق الهدى فى ذلك البلد ، يؤتى بهم يوم القيامة ، ليسجل الله تعالى بهم نقطة ادانة للجميع ، ممن تذرع بجبر البيئة والزمان .
ومن النقاط الاساسية للنجاح فى مجال احداث ثورة فى نمط الحياة التعيسة التى نعيشها ، هى ضرورة اخذ القرار الحاسم قبل فوات الاوان ، فان المتردد فى سلوك الطريق ، لا يمكنه ان يصل الى الهدف ابدا .. ونحن عندما نطرح هذه المفاهيم ، لا نريد المستحيل من اخواننا ، وانما جوهر الكلام لدينا هو : ان الانسان خلق لغاية معينة ( وهى السعادة الابدية ) ، ولا يمكنه تحقيق تلك الغاية الا من خلال هذه السنوات القليلة فى هذه الدنيا !. ومن المعلوم انه كلما تقدم العمر بالانسان ، كلما ضعفت قواه ، وسلبت منه القدرة على اخذ القرار المصيرى .. ومن هنا راينا الثورات الناجحة على النفس – وتغيير وجهة الحياة بذلك – شائعة في حياة الطبقة الحيوية من المجتمع الا وهم الشباب !!
ان من الامور التى لا بد ان يلتفت اليها من لا يملك عزما راسخا فى مجال مواجهة المنكر هو : ان لا يستسلم لليأس من رحمة الله تعالى ، فانها من كبائر الذنوب . فان الله تعالى – لعلمه بضعف النفس الانسانية – سريع الرضا ، ومن الممكن ان يطفئ الانسان بحارا من غضب الله تعالى ، بقطرات من دموع الندامة بين يديه .. ومن حسن الحظ ان أغلب معاصي شبابنا اليوم ، يمكن تداركها بلحظات من الندامة ، والعزم على عدم العود ، لانها من الحقوق بينهم وبين الله تعالى .. ومن المعروف فى هذا المجال : ان التائب الحقيقى يشتد سيره فى حركته التكاملية ، لرغبته فى تعويض ايام الغفلة السابقة ، فتراه يقفز قفزا بدلا من السير البطيء !!
ان منهجنا العام للذين يريدون العودة الى ربهم – سواء من الذنوب ، او الغفلات التى لا يخلو منها احد – هو ربط هذه البداية الحسنة بحركة عبادية محسوسة ، يبدى فيها العبد حسن نيته فى هذا المجال ، وذلك يتمثل فى غسل التوبة ، ثم ركعتين فى جوف الليل بخشوع ، ثم السجود مستغفرا سبعين مرة بتضرع .. فليجرب العاصون هذا المعجون الجامع ، ليعيشوا حقيقة هبوط طاقة كبيرة من مصدر غيبى ، ليروا الحياة فى نهار ذلك اليوم بشكل جديد .. ولنتذكر دائما : ان عدونا ، على خبرته العريقة في إغواء بنى آدم ، يصفه القران الكريم قائلا : { ان كيد الشيطان كان ضعيفا }.. أو ليست هذه بشارة للجميع ؟!!.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.