- ThePlus Audio
موقف الشيعة تجاه تحريف القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
تحريف القرآن الكريم بين الزيادة والنقصان
إن من الأبحاث العقائدية المهمة؛ معرفة الموقف الصحيح تجاه مسألة تحريف القرآن، فقد كثر الكلام حول هذه المسألة. منه ما لا يصح بأي حال من الأحوال لعدم استناده إلى المنطق والعقل، ومنه ما يستند إلى ما هو صحيح من الأحاديث. ولهذا نحاول أن نبحث بهدوء مسألة تحريف القرآن. والقول بالتحريف على قسمين: قسم يقول بالزيادة في القرآن الكريم، وقسم يقول بالنقصان.
فأما بالنسبة إلى الزيادة؛ فهناك من يعتقد بأن بعض الآيات والسور القرآنية ليست من القرآن الكريم؛ كالذي ينسب إلى ابن عباس بأن المعوذتين ليستا من القرآن الكريم وهو قول شاذ ونادر. وأما بالنسبة إلى النقصان؛ فهناك من يعتقد أن بعض الآيات والسور القرآنية قد حذفت من القرآن الكريم.
هل انفردت طائفة من المسلمين بالقول بالنقصان؟
لا بد من تسجيل ملاحظة مهمة وهي: أن الاعتقاد بالنقصان لا ينفرد به مذهب من المذاهب؛ بل كما يعتقد البعض من العامة بالنقصان فهناك من الخاصة من يعتقد بذلك. فلا ينبغي لمذهب من المذاهب أن يعير المذاهب الأخرى وأن يشنع عليه اعتقاده هذا؛ بل لا بد من الأخذ بالاعتبار نظرة جميع علماء ذلك المذهب بالنسبة إلى التحريف. وأما ما ورد في نقصان القرآن الكريم في كتب العامة؛ فقد روي في الإتقان/ الجزء الثالث/ ص٨٢، والقرطبي/ الجزء الرابع عشر/ ص١١٣، والدر المنثور، ومحاضرات الراغب، ومناهل العرفان، ومصادر أخرى لا يسعها البحث؛ أن عائشة قالت: (كانت سورة الأحزاب تقرأ زمن النبي (ص) مائتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن).
اعتقاد عائشة بتحريف القرآن الكريم
وقد نقلت هذه الرواية في عدة مصادر؛ أن أم المؤمنين كانت تعتقد بالنقصان فكانت ترى بأن سورة الأحزاب قد فقد منها الكثير؛ أي أن هنالك آيات لم تصل إلينا. بل أكثر من ذلك، فهنالك من كتب العامة مؤلفات في مجال تحريف القرآن الكريم، منها: كتاب الفرقان، لابن الخطيب، وكتاب المصاحف، لابن أبي داود السجستاني. ونحن لا ننكر في كلا المذهبين وجود من يعتقد بهذا المعنى فما هو القول الفصل في هذا المجال؟
ينبغي أن نعلم أولا؛ موقف علماء الإمامية رضوان الله تعالى عليهم وهم كبار القوم، وعندما نقول: كبار القوم، نعني بهم: الطوسي رحمه الله، والسيد المرتضى، وكذلك الشيخ المفيد. وهؤلاء هم أعلام الطائفة وأعيانها وعلى رأسهم من أرسى قواعد المذهب، وهو شيخ الطائفة الشيخ الطوسي؛ فإن له كلاما جامعا وواضحا جداً. ففي الجزء الأول من التبيان يقول: (وأما الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به ايضا، لان الزيادة فيه مجمع على بطلانها والنقصان منه، فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه، وهو الاليق بالصحيح من مذهبنا وهو الذي نصره المرتضى (ره)، وهو الظاهر في الروايات غير أنه رويت روايات كثيرة، من جهة الخاصة والعامة، بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شئ منه من موضع إلى موضع، طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا، والاولى الاعراض عنها، وترك التشاغل بها، لانه يمكن تأويلها ولو صحت لما كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين الدفتين، فإن ذلك معلوم صحته، لا يعترضه احد من الامة ولا يدفعه)[١].
وأما قول الشيخ: أن طريقه الآحاد؛ أي أن روايات التحريف روايات غير متواترة وغير قطعية. ولو تأملنا كلام الشيخ لرأينا كيف كان بعيد النظر في النهي عن التشاغل بمسألة التحريف هذا والإثبات موجود في كتاب الله المجيد.
فماذا نصنع بما نقل في كتب الخاصة عن روايات التحريف؟
أولا: إن بعض هذه الروايات قابلة للتأويل؛ أي أن العلماء يقولون: أن ما يُفهم منه الزيادة في القرآن الكريم، إنما ذكر على نحو التفسير من قِبَل المعصوم. فمثلا لو جاءت رواية وقالت: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ[٢] – في علي (ع))، فمن الواضح أن مراد القائل من كلمة (في علي (ع)) أنه من باب تفسير هذه العبارة. ففي زماننا هذا توجد علامات من قبيل المعكوفتين، والقوسين وتستعمل هذه العلامات لأجل بيان تمايز للكلمة عن النص. أما الكُتاب سابقاً فكانوا في الغالب يتبعون ما يسمى بالشرح المزجي؛ أي يكتبون المتن ويُدخلون الحاشية أو الشرح من دون وضع علامة مائزة: إما باللون، وإما بالحركات. وبالتالي، كان يتداخل المتن والحاشية وكان يصعب تمييزهما عن بعضهما البعض.
ولو قلنا: أن كلمة (حَافِظُونَ) في القرآن تدل على المصحف الذي عند الإمام المهدي عليه السلام – لا مصحف المسلمين – فأي حفظٍ هذا؟ وإنما تدل هذه الآية الشريفة على حفظ القرآن في حياتنا. إن موقف أئمتنا عليهم السلام طوال التاريخ، كان على إثبات قدسية هذا الكتاب بجميع ما فيه، من دون أي دعوى بالزيادة والنقصان.
ثانيا: وأما بعض الروايات الواردة في هذا الباب، والتي تحتمل التأويل: فهي إما ضعيفة السند، أو إذا كانت قوية السند، ولا تقبل التأويل، وصريحة في أنها ليست بتفسير، وفي أنها جزء من الآية؛ فعندها نتعامل معها كما ورد في حديث النبي (ص) الذي قال فيه: (إِنَّهُ سَيُكْذَبُ عَلَيَّ كَمَا كُذِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلِي فَمَا جَاءَكُمْ عَنِّي مِنْ حَدِيثٍ وَافَقَ كِتَابَ اَللَّهِ فَهُوَ حَدِيثِي وَأَمَّا مَا خَالَفَ كِتَابَ اَللَّهِ فَلَيْسَ مِنْ حَدِيثِي)[٣]. فإذن، إذا وردت رواية تدل على خلاف القول بالتفسير، وتخالف إجماع المسلمين، وتعارض: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[٤]؛ لا يؤخذ بها.
الزيادة في آية الكرسي
إن هنالك بعض الروايات الدالة على زيادة في آية الكرسي، والروايات منقولة في ثلاثة مصادر، وهي: الكافي، وتفسير القمي، وكتاب العروس. أما كتاب القمي: ففي سند الرواية الموجودة، الحسين بن خالد، وهو غير موثق، ومادام في سلسلة الرواية شخص واحد غير موثق؛ فلا يمكن الأخذ بهذه الرواية. وأما في رواية الكافي: ففي سندها محمد بن سنان، وهو أيضاً غير ثقة، لم يوثق. وأخيرا كتاب العروس، للشيخ جعفر القمي؛ لم يثبت له سند.
الكتب الصحيحة عند الشيعة
وعلمائنا طوال التأريخ صرحوا بما لا لبس فيه: أنه ليس هنالك كتاب صحيح إلا القرآن الكريم. فكل كلمة واردة في النهج، أو في الصحيفة، أو في الكافي، أو في الخصال، أو في التهذيب، أو في الفقيه؛ لابد من إخضاعه للبحث السندي، والدلالي، والمعارضات، وما شابه ذلك. فإذن، لا يوجد لدينا كتاب نقطع بصحته وصوابه. وكيف نصف كتابا أُلّف بعد قرون من حياة النبي (ص) بالصحيح؟ فحتى بالاستقراء المنطقي والبحث الرياضي، لا يمكن القطع بصحة كل ما في هذه الأجزاء الكثيرة وبين المؤلف وبين النبي (ص) قرون متمادية. وخاصة مع عدم وجود وسائل التوثيق والتسجيل وما شابه ذلك. فمن الطبيعي أن تدخل فيها روايات غريبة في المتون تروى عن النبي وأهل بيته (ع).
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- ذهب بعض العلماء من مختلف طوائف المسلمين إلى وجود تحريف في القرآن الكريم إما زيادة وإما نقصا. ولكنها أقوال شاذة لا يعتقد بها كبار علماء تلك الطوائف ولعلماء الشيعة موقف واضح لا لبس فيه تجاه تحريف القرآن الكريم؛ حيث يعتقدون بسلامة القرآن من التحريف زيادة أو نقصانا.