- ThePlus Audio
موجبات محبة الله ومحبة أوليائه
بسم الله الرحمن الرحيم
الجمع بين حب الله عز وجل وحب أوليائه
حديثنا هذا عن موجبات المحبة لله عز وجل ولأوليائه وللحسين (ع). لا ينبغي لنا أن نجعل لله عز وجل حسابا مستقلا عن الحسين (ع) حيث لا توجد ندية هناك أبدا. فمن أراد أن يتقرب إلى الحسين (ع) عليه التقرب إلى الله عز وجل. فلا يخففن أحد صلاته ولا يقللن من طاعته اتكالا على لبس السواد واللطم والبكاء. كل هذه الأعمال من موجبات المغفرة والترقي ولكن لا ينبغي أن ننسى قوله سبحانه: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي)[١]؛ بل ينبغي أن نجعلها نصب أعيننا فكتاب الله عز وجل هو كلمة الفصل والحسين (ع) كان يتلو القرآن على القناة فكان القرآن شعاره.
إن المصلي الخاشع هو المحب لله عز وجل ومن أحب الله أحب نبيه المصطفى (ص)، وذلك قوله تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)[٢]، ومن أحب المصطفى (ص) أحب بضعته وأحب من كان منه: (حُسَيْنٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنِ)[٣]؛ فهكذا بدأنا بالله وختمنا بالحسين (ع). فلا اثنينية بين الله ورسوله: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)[٤]، ولا اثنينية بين الله عز وجل وبين أوليائه: (مَنْ أَرَادَ اَللَّهَ بَدَأَ بِكُمْ)[٥]؛ فليجمع أحدنا بين التوحيد والولاية وبين الصلاة الخاشعة وبين ذرف الدموع السخية على سيد الشهداء (ع)، ولقد كان لأصحاب الحسين (ع) في ليلة العاشر دوي كدوي النحل من الصلاة بين يدي الله عز وجل؛ فهم في عالم القرب الربوبي ليلة شهادة الحسين (ع).
ولكن ما هي موجبات المحبة؟
إولا: المعرفة. فكيف نحب من لا نعرف؟ وكمثال من عالم العشق المجازي – وهو يقرب لنا العش الواقعي – أنك لو خُطبت لك فتاة وجعلوها خلف الأستار وقيل لك: هذه أفضل امرأة على وجه الأرضؤ قلبا وقالبا ولكن إياك أن تكشف الستار عنها؛ فلا تحدثها ولا تحدثك. ألست كنت تقول: ما لي وللزواج بامرأة لا أراها ولا تراني ولا أحدثها ولا تحدثني؟ وهذه هي علاقتنا بعالم الغيب؛ نحن الذين لم نطلع على المقامات الربوبية ولم ينكشف لنا شيء من جمال ذلك العالم.
أو هل تشك أن موسى الكليم (ع) كان محبا لله عز وجل؟ لقد قال سبحانه: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)[٦]؛ لا عبر جبرئيل بل من خلال خلق الكلام عند تلك الشجرة. ولكن عند إدراك الدرجات العلى ماذا حل بموسى (ع)؟ لقد قال سبحانه: (تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا)[٧]. إن موسى (ع) رأى ما رأى ولمن في طور سينا ازداد الرب له تجليا وكما يقال في عرف الأطباء: أن الجرعة زادت ولذلك أغمي عليه. ولذلك ينبغي أن لا نقنع نحن كذلك بدرجة من الدرجات وإن كنا قاصرين عن بلوغ التجلي الإلهي الذي تم لموسى (ع) ولكن لنقل: يا رب، اكشف لنا شيئا من ذلك الغطاء.
طلب المقامات العليا
إن المنجاة الشعبانية هي من معالم شهر وفيها يقول أمير المؤمنين (ع): (إِلَهِي هَبْ لِي كَمَالَ اَلاِنْقِطَاعِ إِلَيْكَ وَأَنِرْ أَبْصَارَ قُلُوبِنَا بِضِيَاءِ نَظَرِهَا إِلَيْكَ حَتَّى تَخِرَقَ أَبْصَارُ اَلْقُلُوبِ حُجُبَ اَلنُّورِ فَتَصِلَ إِلَى مَعْدِنِ اَلْعَظَمَةِ)[٨]؛ فهو يعلمنا أن بلوغ هذه الدرجات ممكن. وقد يسأل سائل فيقول: كيف أتعرف على هذه المقامات؟ إن قسما من هذه المقامات حصولي بإمكان المؤمن من خلال الدرس والبحث والحوزوي وقراءة الكتب وما شابه ذلك أن يطلع عليها، ولكن مع ذلك ينبغي أن يسأل الله عز وجل أن يفتح له الأبواب؛ فقد ينفتح ذهنك ويتعذر فتح القلب. والقلوب بيده وهو القائل: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)[٩].
سهولة الوصول إلى المقامات العليا
وهنا أبشر المؤمنين ببشارة وهي: أن الإنسان في عالم المادة إذا أراد أن يكون ثريا من الأثرياء أو ناجحا فلا بد أن يعمل لعشرين أو ثلاثين سنة حتى يصبح طبيا حاذقا أو مهندسا أو مجتهدا مقلدا ولكن الأمر في عالم القرب الربوبي لا يحتاج إلا لدقيقة واحدة والتي بإمكانها أن تنقل الإنسان من أسفل السافلين إلى أعلى عليين. فكم استغرق وقت عودة الحر إلى خط الحسين (ع)؟ ولا أعتقد أن الحسين (ع) يفرق يوم القيامة بين ولده علي (ع) وبين الحر؛ فيجعل الأول عنده ويقول للأخير: اذهب بعيدا عنا فأنت قد جئت في الأخير، حاشاه..! بل إننا نزورهم جميعا بخطاب واحد حيث لا نفرق بين علي الأكبر (ع) وبين علي الأكبر فنقول لهم جميعا: (بأبي أنتم وأمي). وهذا التغيير يحتاج إلى ترشيح من عالم الغيب؛ فقل قبل أن تموت: يا رب، أريد حالة الحر أو حالة بشر الحافي هؤلاء الذين انقلبوا في لحظة من لحظات حياتهم. فسل الله عز وجل؛ أن يكشف لك الغطاء قبل أن يأخذ عزرائيل (ع) أمانته.
لا تنغر بما أنت عليه من التوفيق..!
ولذلك لا ينبغي للشاب المتألق أن يغتر وينغش بتوفيقاته؛ فالأمور بخواتيهما؛ فطالما ختمت الخاتمة بأسوء ما يمكن للبعض. ولذلك ينبغي تقديم شيء من القربان بعد المعرفة. إن البعض يقبل على المسجد ويقيم الليل بعد انقطاع ويذهب إلى الحج والعمرة والزيارة فيصيبه أثناء الطريق أذى أو يرجع من الحج ويقع في مصيبة أو بلية أو يصاب بانتكاسة بعد شهر رمضان، فيقول: يا رب، لقد كنت أتوقع الجوائز، فما هذا البلاء بعد مواسم الطاعة؟ وكأن الله عز وجل يريد أن يختبرك فكن صادقا في ادعائك ولا تكن كمن قال عنه الشاعر:
وكل يدعى وصلا بليلى
وليلى لا تقر لهم بذاكا
إننا نقرأ في دعاء كميل جملة هي تعجبني كثيرا وهو قولنا: (يا حبيب قلوب الصادقين)؛ فلا نقول: يا حبيب قلوب المدعين أو المناجين أو البكائين؛ فقدم قربانا لله باختيارك وبرضاك؛ فإذا وقعت عليك البلية في جسمك أو في نفسك أو في ذريتك لا تتبرم وقل كما قال الحسين (ع) في يوم عاشوراء: (رضا بقضائك وتسليما لأمرك)[١٠].
قدم القربان للتقرب..!
وكشاهد قرآني على ما ذكرنا ولنزداد يقينا ما جرى لموسى (ع). إن موسى (ع) قارع فرعون الذي كان يقتل أبناء بني اسرائيل ويستحيي نسائهم وتحمل ما تحمل من قومه وخرج من مدينته خائفا يتقرب وكان متهما بالقتل ولا مأوى له يأوي إليه حتى وصل إلى ابنتين يذودان في مدين فسقالهما وهناك نزلت عليه الرحمة. يقول سبحانه: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)[١١]؛ فصار عند ذلك خوفا أمنا وجوعه شبعا ووحدته أنسا حين تزوج بابنة شعيت وتيسرت بعد ذلك كل أموره؛ أي بعد هذا الفعل الذي تقرب إلى الله عز وجل به.
فينبغي إذا أن نقدم القرابين في سبيل الله عز وجل وهذا ما فعله الحسين (ع) في ذلك اليوم العصيب حيث قدم القربان تلو القربان وكان له دوي كدوي النحل. ولا أظن أن صلاة الحسين (ع) يوم العاشر كانت تختلف عن صلاته في يوم التاسع ولا في يوم الأول من محرم وإنما صلاة الحسين (ع) هي الصلاة ذاتها في كل وقت ولكن بفارق أنه صلى صلاته الأخيرة وكان جسمه ينزف دما؛ فبعض السهام لعلها قد أصابته قبل الصلاة أو حين الصلاة. وما أعجب هذه الصلاة؟!
[٢] سورة النور: ٥٤.
[٣] كشف الغمة ج٢ ص٦١.
[٤] سورة النساء: ٨٠.
[٥] من لا یحضره الفقیه ج٢ ص٦٠٩.
[٦] سورة النساء: ١٦٤.
[٧] سورة الأعراف: ١٤٣.
[٨] زاد المعاد ج١ ص٤٧.
[٩] سورة الأنفال: ٢٤.
[١٠] موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٧ ص ٢٤٨.
[١١] سورة القصص: ٢٣-٢٤.
خلاصة المحاضرة
- إننا نقرأ في دعاء كميل: (يا حبيب قلوب الصادقين)؛ فلا نقول: يا حبيب قلوب المدعين أو البكائين؛ فقدم قربانا لله باختيارك وبرضاك؛ فإذا وقعت عليك البلية في جسمك أو في نفسك أو في ذريتك لا تتبرم وقل كما قال الحسين (ع) في يوم عاشوراء: (رضا بقضائك وتسليما لأمرك).
- إن الإنسان في عالم المادة إذا أراد أن يكون ثريا أو ناجحا فلا بد أن يعمل لعشرين سنة حتى يصبح طبيا حاذقا أو مهندسا أو مجتهدا ولكن الأمر في عالم القرب الربوبي لا يحتاج إلا لدقيقة واحدة بإمكانها أن تنقل الإنسان من أسفل السافلين إلى أعلى عليين فكم استغرق وقت عودة الحر إلى خط الحسين؟