- ThePlus Audio
موانع الهجرة إلى الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
الاهتمام بالأدعية البالغة في ساعات وأماكن الاستجابة
قبل أن نكمل حديثنا الذي بدأناه حول موانع السفر والهجرة إلى الله عز وجل أريد أن أنبه إلى نقطة مهمة في الدعاء. هناك بعض الأدعية المعنوية التي ينبغي لك ألا تنساها في مواطن الاستجابة. فإذا رق القلب وجرت دمعتك فدونك دونك. إن المؤمن يشعر في بعض الساعات وفي بعض الأماكن أن أبواب السماء قد فتحت. كشهر رمضان وليالي القدر زمانا وكالمشاهد المشرفة مكانا. فكيف إذا اجتمع الإقبال الشديد مع ليلة القدر والكون تحت القبة أو في المطاف أو في الروضة. إذ في هذه الحالة لا شك أن يكون الكلام مسموعا. فلا تفوت الفرصة ولا تذهل عن الأدعية المهمة.
إن البعض قد يدعو في مثل هذه الحالات بالأدعية المتعارفة كطلب سلامة البدن، وحفظ العيال والمال وما اشابه ذلك. إن هذه الأدعية جيدة ولكن لا تنسى ما هو الأهم. من الأدعية المهم أن تطلب من الله سبحانه ألا يسلبك عطش القرب إليه، (إِلَهِي وَأَلْهِمْنِي وَلَهاً بِذِكْرِكَ إلى ذِكْرِكَ)[١]. فمن أجل المقامات المعنوية أن يصل الإنسان إلى درجة لا تشبعه الدنيا؛ فلا ليلة الزفاف ولا شراء منزل ولا الحصول على الأموال ولا ما شابه ذلك من الأماني هي أمور تروي عطشه، وإنما هو يبحث عما يصل إلى شغاف قلبه.
جميع متع الدنيا هي ذبذبات عصبية
لبعض العلماء كلمة جميلة حول متع الدنيا. إنهم يرون أن متع الدنيا – تقريبا – لا تتجاوز هذا البدن. إن الناس يحاولون شراء أغلى العطور والعطر عبارة عن رائحة تدخل الأنف وذبذبات تصل إلى المخ من قبل خلايا الشم. يقول لك المخ: إن أمامك الآن رائحة المسك، وهي ذبذبة وحركة عصبية لا واقع لها. والأمر كذلك عندما تأكل قطعة من الحلوى التي قد تتمنى الذهاب من أجل تذوقها إلى مكان بعيد. إن هذه الحلوى تذوب في الفم وتقوم حليمات التذوق بإخبار المخ أن في فمك حلوى.
وكذلك الأمر عندما يلمس أحدنا الحرير حيث تصدر ذبذبات من الجلد إلى المخ أنك لمست الحرير مثلا. وأما الأذن فهي تستقبل ذبذبات في الطبلة لتوصلها إلى المخ بدورها. فكل لذائذ الدنيا هي ذبذبات في عالم الأعصاب. والأمر نفسه يحدث في لذة الفرج. وهنا أتسائل – وعالم الخيال عالم واسع وينفعنا كثيرا – لو أننا اكتشفنا أبرة أو جهازا تصدر منه ذبذبات عصبية فيها لذة وجعلناها في المخ؛ ثم نقل لنا هذا الجهاز الذبذبات العصبية اللذيذة من دون حلوى ومن دون عطر ومن دون حرير، ألم تكن النتيجة واحدة ولكن مع الفرق أنك لست بحاجة بعد ذلك إلى أن تشتري طيباً أو حلوى أو أن تأكل طعاما للمتعة.
المتع الحقيقية
إننا نريد أن نصل إلى حقيقة مذهلة، وهي أن المؤمن بإمكانه أن يصل إلى درجة من التجرد والشفافية والتعالي والتي يمكنه من خلالها أن يغمض عينه فيسيح في عالم آخر ترد كل هذه اللذائذ على قلبه أو مخه أو ما شئت فعبر. وهكذا هم أهل الآخرة. فهل رأيتم وليا من أولياء الله يشتكي من ضعف الأعصاب أو من القلق والكآبة والاضطراب؟ اعمل جرداً بأسماء المراجع الذين هم من أولياء الله، وسترى أن أعمارهم بين التسعين والقرن ولكنهم مع ذلك وإلى ساعة الوفاة تصدر منهم الفتاوى والأوامر بالجهاد وما شابه ذلك. إن أحدنا قد يصبح خرفاً وينسى كل شيء إذا بلغ من العمر ما بلغوا ولكنهم كلما ازدادت أعمارهم المباركة ازدادوا تألقاً. هذا ومعظمهم يقلَّدون بين السبعين والمئة؛ أي أن أوج نشاطهم يكون في السبعين وما بعد السبعين عادة. وهؤلاء هم أصحاب اللذائذ حقا.
كلمة سر عالم المعنى
إن الأجهزة المحمولة هذه الأيام تحتاج إلى كلمة سر، وكذلك بريدك الإلكتروني لا تصل إلا محتواه إلا من خلال كلمة السر. إن لتعرف كلمة السر للوصول إلى هذا العالم، ولكنك بحاجة إلى عمل وإلى قيام الليل وإقامة الظهرين والمغربين والعشاءين، والفجر. ولكن هناك مقام خاص بقيام الليل، وهو قوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)[٢] ولا يمكن الوصول إليه إلا بالصبر وطول البال، بالإضافة إلى مراقبة السلوك نهاراً.
عصيانا في النهار وقيام في الليل..!
إنك عندما تعصي الله في النهار ثم تقوم الليل تكون كمن يربح بالموجب ويخسر بالسالب فتكون النتيجة صفرا. إننا نجد هذا المعنى في روايات أهل البيت (ع) حيث يشبهون ذلك بمن يبني منزلا أو حائطا وعندما يرتفع مترا يرفسه آخر الليل فيبني ثانية. وهذا الإنسان بالطبع سوف لن يرتفع له بناء. وشبيه ذلك المثل القرآني عن حمقاء الجاهلية التي كانت تغزل نهارا وتنقض ما غزلت نهارا، وهو قوله سبحانه: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا)[٣].
أليس أمير المؤمنين (ع) يصف المتقين بأنهم في الليل صافون أقدامهم يرتلون القرآن ترتيلا وأنهم في النهار علماء حلماء؟ فمن أراد أن يصل إلى هذه المرحلة عليه أن يزيل الموانع والعقبات من أمامه. لقد ذكرنا في الخطبة السابقة الغضب كأحد أهم الموانع. وسنأتي على ذكر المزيد منها. إن أحد كبار الأولياء كانت له تجربة جميلة. إنه كان يقول: إن الإنسان الغضوب لا يصل إلى مقام أبداً وعليه أن ييأس، لأنه يحلم شهرا أو شهرين وفي موقف غضبي يتفوه بكلام يسقطه من عين الله عز وجل ومن عين الخلق.
ونصيحة لوجه الله: إن أردت أن تغضب على الزوجة أو أرادت الزوجة أن تغضب على الزوج فلا يفعلا ذلك أمام الذرية. إن من أسباب العقوق أن يرفع الأب صوته على أمه أو العكس فيقول الولد: لا أدري أيهما أطيع ومن منهما أبر؟ فلا شك في أن أحدهما ظالم. وقد يتسبب ذلك في أن يقوم الولد بما يوجب القطيعة لأحدهما.
مانع الوهم والخيال وما يمكن أن يفعله بالإنسان
من موانع السفر والهجرة إلى الله عز وجل هو مانع الوهم والخيال. إن الإنسان كثيرا ما يكون أسير الوهم والخيال. ومن هذه التوهمات الخوف من الفقر وهو ما ذكره سبحانه: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ)[٤]. لقد تكلمت ذات يوم مع رجل كانت تجمعه بكبار التجار علاقة وطيدة. إنه كان يقول لي: إن أكثر هؤلاء التجار له من الثروة ما يكفيه والأجيال من بعده حتى وإن أغلق محله وتجارته. فقلت له: فلماذا هذا الإصرار على الجمع والتفاني من أجله؟ قال: الحرص. إن ابن آدم حريص فإذا أراد أن يدفع مبلغا زهيدا وعده الشيطان الفقر.
إن الوهم والخيال هما من الأمور التي تنغص عيش الإنسان. إنه ليس للشيطان سلطان على بدنك. فهل رأيت شاربا للخمر – مثلا – يقول: إن الشيطان أدخلني الحانة وسكب الكأس ووضعه في فمي فشربته مرغما؟ ولو قال لنا ذلك لكذبناه، وقلنا: هذا وهم وخيال. إن الشيطان كذلك لا يجعل مدية في يدك ويقول: اطعن بها فلانا. ولكن الله عز وجل قد فتح له باباً من أوسع الأبواب، فقال: (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ)[٥]. قد تكون جالسا في زاوية هادئ البال مطمئنا وإذا في لحظات تهجم عليك الأوهام والخيالات وتحزن بلا سبب وجيه على ماض مؤلم أو مستقبل مقلق. كأن تكون خسرت تجارة قبل عشرين سنة فتحزن عليها بعد مرور تلك الأعوام والحال أن الأمر قد انتهى.
وقد يصل الوهم بالبعض هذه الأيام أن يخزن الطعام في المنزل خوفا من الحرب العالمية الثالثة. وقد لا ينام الليل خوفا من أن تكون الحرب قد أصبحت على الأبواب، ولا يفارقه كابوس الحرب النووية. إن الوسواسيين هؤلاء هم أسراء الوهم والخيال. إن كنت من أهل التفسير فأنت تعلم أن فعل: (يوسوس) هو فعل مضارع؛ أي أنك بمجرد أن تستيقظ من الفراش تأتيك الأفكار الشيطانية إلى أن تنام، ولهذا أنت بحاجة إلى استعاذة مستمرة.
الدعاء على الشياطين
لا شك في أهمية الاستعاذة، والقلاقل الأربعة وهي سور الكافرون والتوحيد والناس والفلق، أو أهمية آية الكرسي خمس مرات، والتي من قرأها خمس مرات كان الله له حافظا؛ إلا أن من الأمور النافعة لدفع الشيطان عن نفسك عندما يأتيك في أي موضوع وتهجم عليك الوساوس الشهوية أو الخوفية أو الحزنية، (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[٦]؛ عليك بأمرين؛ أولا: أن تدعو عليه بكل وجودك، وقل: أعوذ بالله – وأنت تنظر إلى السقف – اللهم سود وجهه واقصم ظهره. إن هذا الشيطان هو عدو لك فاتخذه عدواً. إنك عندما تدعوا على عدوك وتقول: اللهم عذب فلانا، اللهم عذب فلانا وتظل تكررها بالسبحة أو تدعوا عليه مرة واحدة ولكن بقلب منكسر، تقول: إن هذا عدوي قد آذاني، وسلبني مالي أو آذاني في أهلي فإن هذا الدعاء يقضي عليه.
إليك طريقة تخدع فيها الشيطان
فادع على الشيطان دعاء العدو على عدوه وهو قوله سبحانه: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)[٧] وثانيا: اجعل هجوم الشيطان عليك مقدمة لذكر الله عز وجل. فاخدع الشيطان وقل له: يا أبا مرة – وهذه كنيته – إنك إذا لم تأتني فإنني أبقى غافلا عن الله عز وجل، وبمجرد أن تؤذيني بوسوستك فسألتزم – مثلا – بالصلاة على النبي وآله (ع) مائة مرة. وهنا يقول الشيطان: يا له من متمرد يزيد من ذكر الله عز وجل كلما وسوسنا له. فماذا ستكون النتيجة؟ بالطبع أنه لا ييأس مرة ومرتين. ولكنه إن رأى بعد عشر أو عشرين أو مئة مرة أن صاحبنا كلما وسوس له، وكلما هم بالحرام، وكلما آذاه في عالم الخيال؛ تحول إلى ذاكر سيتركه.
قد يسأل سائل فيقول: من أين لك هذا الكلام؟ هل هو كلام شعري أو نثري أو ماذا؟ وأقول: إنه من القرآن الكريم ألم يقل سبحانه في الآية السابقة: (مسهم – مبصرون)؟ ولهذا إذا أتتك صورة شهوية لا تقل: إنني قد أصبحت فاسقا أو أتت أفكار إلحادية استعذ بالله واستغفره والعن الشيطان.
من ضحايا مانع الوهم والخيال
إن الذي لا يهتم لرفع هذا المانع فإن أقل ضحية من ضحاياه ستكون صلاته. إن طائر الخيال ليس بيد الإنسان، فمن الطبيعي عندما يقول: الله اكبر أن يدخل السوق، وعندما يقلو: السلام عليكم يخرج منه وقد باع واشترى. والبعض في الصلاة يضرب الأعداد بعضها ببعض، ويريد أن يصرف مالا من عملة إلى عملة أثناء الصلاة.
أهمية ضبط الخواطر والسيطرة عليها
قد يقول لنا قائل: أن حديثنا هذا حديث ترفيٌ، فما لنا وضبط الخواطر؟ يكفي ألا نرتكب الحرام في حياتنا. ليعلم هذا القائل أن على صلاته إذاً ألف تحية وسلام. يقول بعض المؤمنين: عند الضريح أو عند سيد الشهداء (ع) تأتيني هواجس غير جيدة أو في الطواف يرى امرأة قد انكشف حجابها قليلا أو يرى امرأة جميلة فيذهب إلى عالم آخر. إن الذي لا يسيطر على خياله سوف لن يهنأ بصلاة ولا بزيارة ولا بحج ولا بعمرة.
قد تقول: أن الأمر ليس بالهين. إنني سمعت من أحد العلماء أنه قال: قال لي من عامة الناس رجل أنه ذهب إلى الحسين (ع) وقال تحت القبة: يا أبا عبدالله إنني أريد منك صلاة خاشعة، لا مالا ولا ولدا؛ أي مكني من نفسي ومن خواطري. فقال: بعد أن رجعت إلى منزلي أريد أن افكر في غير الله عز وجل فلا يمكننني ذلك، هذا وأنا وأنت نبحث عن كتب في أسرار الصلاة الخاشعة لنقرأها.
إن حبيب بن مظاهر كان شيخ الأنصار وقد كتب إليه الحسين (ع) كتابا نعته فيه بالفقيه. وقال: إذا لم يرق قلبك عند الحسين والأكبر (ع) فاذهب إلى قبره. لقد رأيت على قبره كسوة مرصعة مكتوب عليها ما ورد بشأنه وهو أنه كان يختم القرآن في ليلة. ما الذي كان يجعل حبيب بن مظاهر يختم القرآن في ليلة؟ أليست المتعة واللذة؟ ولذلك روي عن النبي (ص) أنه قال: (حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ اَلنِّسَاءُ وَاَلطِّيبُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي اَلصَّلاَةِ)[٨].
لقد رأيت رواية نادرة في الصلاة عن الرضا (ع) أنه قال: (هِيَ أَحْسَنُ صُورَةٍ خَلَقَهَا اَلله)[٩]. والحال أن أحدنا يستحي من صلاته. لا تكن معجبا بنفسك أنك تصلي في المسجد جماعة أو تصلي فجرا في المسجد، فهذه كلها قالب ولكن أين هو القلب؟ هب أنك مدمن الصلاة في المساجد ولكن ما هو المضمون؟
دعوني أكشف لكم سرا عن سر حب البعض لصلاة الجماعة. إنه يقول: إنني معفي من القراءة في الركعتين الأولى. ثم إنني أسبح في الصلاة في عالمي؛ فأبيع واشتري لأن الركعات مضبوطة يحفظها الإمام لي. والشيطان يسول له ويقول: بوركت..! أنت من أهل الجماعة والجمعة. إياك أن تنخدع بالعمل بل أخلص العمل ليكفيك القليل منه.
آثار الوهم والخيال المخربة على الإنسان
لقد علمنا أن الوهم والخيال يؤثران على حياة الإنسان. إنني رأيت أستاذ جامعيا أصابه الوهم والخيال، فكان يهلوس ويخاف من المجهول. لقد قال لي أحد الأطباء النفسيين في بلاد الغرب: إن أمراضنا النفسية نحن المسلمون هي وهم الطهارة والنجاسة، وأما الغربيون يعيشون وهم الجراثيم. إن أحدهم يمسك شيئا فيقول: لقد انتقلت الجراثيم إلى قلبي. إن الوهم والخيال يحولان الإنسان إلى نصف مجنون ويجعلانه يفكر تفكيراً سوداوياً.
مانع الشهوة
من الموانع في طريق القرب والذي يبتلى به الشباب وخاصة بعد البلوغ؛ مسألة الشهوة الجنسية. إن الله سبحانه عندما خلق آدم قالت الملائكة كلاما غير مناسب: (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ)[١٠] حيث كان في كلامهم هذا شبهة الفخر والمباهات والطعن على بني آدم. إن آدم كان بين الماء والطين فمن أين علمتم أنه يسفك الدماء ويفسد في الأرض؟ دعوا آدم يتكاثر ويتناسل ثم قولوا قولتكم هذه.
بالطبع إن الملائكة أحست أن في وجود آدم الشهوة ولهذا قالوا: يفسد فيها والغضب فقالوا: ويسفك الدماء. إن الإنسان إذا غضب يسفك الدم وإذا اشتهى يفسد ويزني إلى آخره. ولكن الله أدبهم وقال لهم: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ). هناك رواية جميلة تذكر أن رب العالمين ألقى عليهم الشهوة – والملك لا شهوة له وقوته التسبيح والتهليل – فضجوا إلى الله عز وجل، وقالوا: يا رب ما هذا الابتلاء؟ أي أن هذه الشهوة مزعجة مثلا. ولو رأى الملك في تلك المرحلة امرأة لعله كان يشتهيها.
سر تميز يوسف (على نبينا وآله وعليه السلام)
إن الفخر كل الفخر في تهذيب النفس ومجاهدتها. إن يوسف الصديق (ع) لو كان مريضا في بدنه، ولا شهوة له لما أعطي مقام الصديقين. لقد قال سبحانه: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا)[١١] وقد كان يوسف (ع) في منتهى الشهوة فقد غلقت امراة العزيز الأبواب وقالت له: هيت لك ومع ذلك قاومها. قد يقول قائل: إن لي أصدقاء قد ابتلوا بما ابتلي به يوسف (ع) وزيادة وذلك أن المرأة كانت تعطيهم المال بالإضافة إلى ما أرادت منهم ولكنهم قاوموا كذلك. فهذا ليس بأمر نادر.
أولا: إن نصف الجمال وزع على البشرية والنصف الآخر كان ليوسف (ع). وثانيا: الفخر كل الفخر في ما قاله لاحقاً: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)[١٢]؛ أي يا رب إنني أحب السجن لأن فيه خلاصي من زليخا، ولو قال: السجن أفضل لي لما كان يؤسف يوسف عليه السلام. أي يا رب في السجن خلوة معك، وفي قصر العزيز خلوة مع زليخا. فأين زليخا وأين رب الأرباب؟ ولهذا عندما أودع إمامنا موسى بن جعفر (ع) السجن شكر الله على نعمة الخلوة. حاول أن تصل إلى مرحلة تسيطر فيها على الشهوة لا أن تسيطر هي عليك.
فتنة النساء
إن رب العالمين قد خلق النساء على شكل واحد ما عدا الوجه والشعر. وبالطبع إن الشعر أحد الجمالين. إن كل جمال بني آدم في رأسه؛ فالشعر من خلفه والوجه من أمامه. ولهذا عندما تذهب النساء لخطبة فتاة ينظرون إلى شعرها ووجهها، وأما الجسم فهو واحج.
فهل يقع المؤمن في الحرام لأنه رأى وجها مميزا وملفتا؟ لقد ذكر لي شاب طبيعة عمله مع النساء وله الكثير من المراجعات أنه في مرة من المرات، مرت أمامي امرأة لها من الجمال ما يذهل – بحسب تعبيره – وهي ما كانت بشرا وإنما كانت ملك كريم. يقول: يا فلان، لو نظرت إليها نظرة ثانية لوقعت في الحرام وقد ستر علي رب العالمين. إن النظرة الأولى لك والثانية عليك.
ثم قال: قلت لها اخرجي من المكان، وطبيعة العمل يستلزم كتابة رقم الهاتف فمسحت رقم هاتفها. وفي هذه القصة عبرة لنا جميعا. لا تقل: إنني رجل قوي أو متزوج أو في الستين من العمر. لا تركن إلى نفسك فلعلك تبتلى مثل هذا الأخ في موقف من المواقف بهكذا منظر.
جمال الوجوه
إن كل جمال الوجوه على وجه الأرض من ملكة جمال العالم ومن شابهها في ملامح هذا الوجه. وإذا رفعت هذه الجلدة عن الوجه لا يبقى من هذا الجمال شيء. جلد أبعاده شبر في شبر هل يجعلك تفقد وجودك وتبيع دينك ورضى ربك؟ قل: يا رب، إنني لست أسيرا لهذه القشرة وإنما أنا أسير حبك وهو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لله)[١٣]. فترفع عن النظر إلى هذا القشر وهذه الجلدة وانظر إلى ما وراء ذلك. إنني أقول للأمهات: إذا أردت أن تخطبي لابنك في المجلس لا تكتفي بالشعر والوجه؛ بل سل الله عز وجل أن يكشف لك عن باطنها، ومن الممكن أن يلهمك الله شيئا فينصرف قلبك عنها. صلي لله ركعتين أيتها الأم قبل أن تذهبين لخطبتها وقولي: يا رب إن كان فيها خيرا فأتممه وإلا فافسخها.
خلاصة المحاضرة
- إذا فتح الله لك أبواب الاستجابة لا تدع بالأدعية المتعارفة كطلب سلامة البدن، وحفظ العيال والمال فحسب؛ بل ادع الله سبحانه بالأدعية المهمة وهي أن تطلب من الله سبحانه ألا يسلبك عطش القرب إليه، (إِلَهِي وَأَلْهِمْنِي وَلَهاً بِذِكْرِكَ إلى ذِكْرِكَ).
- إنك عندما تعصي الله في النهار ثم تقوم الليل تكون كمن يربح بالموجب ويخسر بالسالب فتكون النتيجة صفرا. إننا نجد هذا المعنى في روايات أهل البيت (ع) حيث يشبهون ذلك بمن يبني منزلا أو حائطا وعندما يرتفع مترا يرفسه آخر الليل فيبني ثانية. وهذا الإنسان بالطبع سوف لن يرتفع له بناء.
- إن أردت أن تغضب على الزوجة أو أرادت الزوجة أن تغضب على الزوج فلا يفعلا ذلك أمام الذرية. إن من أسباب العقوق أن يرفع الأب صوته على أمه أو العكس فيقول الولد: لا أدري أيهما أطيع ومن منهما أبر؟ فلا شك في أن أحدهما ظالم. وقد يتسبب ذلك في أن يقوم الولد بما يوجب القطيعة لأحدهما.
- اجعل هجوم الشيطان عليك مقدمة لذكر الله. فاخدع الشيطان وقل: يا أبا مرة إنك إذا لم تأتني فإنني أبقى غافلا عن الله عز وجل، وبمجرد أن تؤذيني بوسوستك فسألتزم – مثلا – بالصلاة على النبي وآله (ع) مائة مرة. وهنا يقول الشيطان: يا له من متمرد يزيد من ذكر الله عز وجل كلما وسوسنا له فيتركه.