همّ المؤمن..
إن المؤمن المنتظر يشعر بالغربة، لفقد النبي (صلی الله علیه) وغيبة الوصي، ألا نقول في دُعاء الإفتتاحِ: (اَللّـهُمَّ!.. اِنّا نَشْكُو اِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنا صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَغَيْبَةَ وَلِيِّنا، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا، وَ قِلَّةَ عَدَدِنا..الخ)؟!.. هذهِ الشكوى لا تأتي إلا من قلبِ إنسانٍ مُصاب بمُصيبة، يحملُ هَمَّ إمام زمانه.
توقيعات الإمام (عليه السلام)..
يستحب للمؤمن أن يقرأ كتاباً حَولَ كلمات الإمام (عليه السلام) وهو ما يُسمى بـ: “التوقيعات”؛ لأن الإمام في زمان الغيبة الصُغرى، كانَ بين الغيبة والظهور: كانَ غائباً؛ لأنّهُ جَعل السُفراء الأربعة هُم الوسائط بينهُ وبينَ شيعته.. وكانَ ظاهراً؛ بمعنى أنَ الرسالة كانت تذهب للإمام، ويأتي الجواب على يَد السَفير، كما نفعل نحن هذه الأيام عندما نستفتي الفقيه؛ فيأتي الجواب من الفقيه.. أما أولئك -فهنيئاً لهم- لقد كانوا يُراسلون إمامهم!.. وهذهِ حكمة اللهِ عزَ وجل: فالغيبة الصغرى هي حالة برزخية، فكما أن البرزخ هو الفترة الزمنية بينَ الدُنيا والآخرة؛ الغيبة الصُغرى كذلك هي برزخٌ بينَ الظهور وبين غيبة الإمام الغيبة الكُبرى، وكأنّهُ تَمرين وتعويد للمؤمنين على تحمل وظائف زمان الغيبة.. لقد كان الإمام (عليه السلام) في فترة الغيبة الصغرى وثيق الصلة بقواعده الشعبية، ولكن عن طريق السفراء الذين كانوا يتصدون لنقل توقيعاته (عليه السلام) تلك التوقيعات التي فيها نَفَس القيادة، ومن أهم توقيعاته:
۱. التوقيع الأول: التقليد..
(وأما الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله عليكم)..
– (وأما الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا): إن آيات القُرآن الكريم المُتعلقة بالأحكام، قد تكون حوالي خمسمائة آية فقط.. والسُنّة النبوية المُطهرة، وكلماتُ أهل البيت (عليهم السلام) أيضاً كلمات محدودة.. وفي زماننا هذا هناك مسائل كثيرة مستحدثة: كالاستنساخ البشري، والتلقيح الصناعي، والصلاةِ في القمر، والصلاةِ في القطبين، ونَقل الأعضاء، والتأمين، والبنوك، وغيرها من الأمور.. وهذه المسائل المستحدثة؛ ليس لها جواب من كتاب الله عز وجل، ولا من سُنّةِ النبي وآله؛ لذا لابدَ من وجود طبقة من العُلماء.. وهؤلاء العلماء هم الذين عبّر عنهم الإمام بـ: “رواة الحَديث”!.. ولكن لا يُراد هُنا براوي الحَديث الراوي المُجرد؛ لأن الراوي البسيط لا يعلم المعارضات، ولا يَعلمُ سَند الحَديث، ولا يعلم القُرآن ليعرض الحديث على القرآن؛ إنما المراد بـ”الراوي” هُنا “المجتهد”!.. ولكن لماذا لم يَقل الإمام: فارجعوا فيها إلى مجتهديكم مثلاً؟.. لعلَ في هذهِ العبارة إشارة إلى أنَ المُجتهد في زمان الغيبة، هو ذلكَ الإنسان الذي يستنبط الحكم، لا على قاعدة: القياس، أو الاستحسان، أو المصالح المُرسلة، أو الموهومات، ولا العقليات المُجردة؛ بل أساسهُ الكتاب والسُنّة.
– (فإنهم حجتي عليكم): راوي الحَديث العادي، هذا ليسَ بحُجة؛ إنما الحُجةُ بقولٍ مُطلق، هو الراوي الذي يكون في أعلى درجات التخصص العلمي.
– (وأنا حجة الله عليهم): إن القائد -في النظام العسكري- عندما يُمضي حُكمَ ضابطٍ من الضباط، وذلك الضابط يُمضي بدوره أمرَ شرطي تحت يدهِ؛ فإن مخالفة هذا الشرطي هي مخالفةٌ للقائد العام؛ لأن هُنالكَ ترتبية في المسألة.. كذلك الأمر بالنسبة للمجتهد: فهذا الفقيه قد يُخطئ في استنباط الأحكام، ولكن بعدَ أن يشخص الإنسان أعلميته وتقواه وعدالته؛ عليه باتباع كلامه.. فلو قال الفقيه: هذا واجب، ولم يعمل المقلِّد بقوله؛ فإنه يوم القيامة يُعاقب، وإن كانَ كلام المرجع باطلاً؛ لأنهم حُجج اللهِ على الخَلق، والإمام (عليه السلام) حُجةٌ عليهم.
فإذن، إن الخطوة الأولى للارتباطِ بالإمام (عليهِ السلام) أن نَدخلَ عليهِ من الباب الذي أمرَ به، وهو اتباع القواعد الشرعية في التقليد.. فمثلاً: لو دعاكَ إنسان إلى منزله، فدَخلتَ عليهِ من النافذة، وجئتَ له بأعظم الهدايا؛ فإنه سيطردك من منزله؛ لأنك متسلل، ألا يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾، وباب الإمام في زمان الغيبة هو مرجع التقليد.. أما البعض ممن ينتحل المعرفة والعرفان وغيرهِ، وهو لا يَعلمُ أحكام الشريعة، وقد تكون قراءتهُ خاطئة، أو تقليده باطلاً، وقد لا يُقلد أحداً؛ هذا الإنسان لا قيمة لعمله، ولو جرى الشفاء على يده.. فمادامَ هذا الإنسان لم يستند في عملهِ إلى أحد الطرق الثلاثة التي هي: التقليد، والاحتياط، والاجتهاد؛ هذا الإنسان خارجٌ عن دائرة ولايتهم.
۲. التوقيع الثاني: الطاعة..
(قلوبنا أوعيةٌ لمشيئة الله، فإذا شاءَ شئنا)..
إن الإمام (عليه السلام) كآبائهِ الكرام؛ هؤلاءِ بَشر وليسوا ببشر: هم بشرٌ مثلنا، ولكن جَدهم يُوحَى إليه، وأوصياء جَده يلهمونَ ويسددون.. فمثلاً: عندما يذهب المريض لزيارة الإمام الحُسينِ (عليهِ السلام) في الحائر، ويُشفى ببركة الإمام، فما ذلك إلا لأن رَب العالمين شاءَ الشفاء، فالإمام شاء الشفاء.. ولا غرابة في البين، فمادامت مشيئة المعصوم متحدة مع مشيئة اللهِ عزَ وجل، فلتصدر منهم أعظمُ الكرامات!..
فإذن، إن المؤمن المُطيع إذا صارت جوارحهُ مُطيعةً لأمرِ اللهِ عزَ وجل: فالرِّجل لا تمشي إلا في مكان أمرَ الله به أو رضيَ عنه، واليد لا تمتدُ إلى حيثُ لا يرضى الله عزَ وجل، والعين والأذن كذلك لا ترى ولا تسمع إلا ما يرضي الله.. فهذهِ الأعضاء والجوارح إذا جعلتَ أوعيةً لأحكام الشريعة؛ فإن الله تعالى يجعل قلب ذلك العبد وعاءً لمشيئته، كما ورد في الحديث القُدسي: (عبدي!.. أطعني تكن مثلي: أقول للشيء: كن!.. فيكون، وتقول للشيء: كن!.. فيكون).. إن هذه الرواية منطبقة على المؤمن في الآخرة، ألا يقول تعالى: ﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ﴾؛ فالمؤمن في الجنة له إرادةٌ خَلاقة، يقول: يا رب، أُريدُ فاكهةً واحدة فيها طعم ألف فاكهة؛ وإذا به يحصل على ما يريد!.. فما المانع أن تُعطى هذه المزية للمؤمن المثالي المُميز في الدُنيا؟!.. ولهذا يقال: كان هنالك حمَّال في بلدة يقال لها “تبريز”، رأى طفلاً يسقط من السطح فمد يده إليه، فسقط هذا الطفل على الأرض سليماً.. فاجتمع الناس حوله متعجبين قائلين له: هل أنت ولي؟!.. فقال لهم: لماذا هذا التعجب؟!..أنا أطعت ربي عمراً فأطاعني!.. أي سألته أن ينقذ هذا الطفل فأجابني، وهذا ليس بأمر غريب!.. فإذن، إن الإمام قلبهُ وعاء لمشيئة الله تعالى، والمؤمن إذا جعل جوارحه وعاءً لمشيئته، تصبح لَهُ إرادةٌ خَلاقة، ولو موجبة جزئية، فيُعطى هذا الامتياز ولو في بعض الأوقات.
۳. التوقيع الثالث: العمل..
(فليعمل كل امرء منكم، بما يقرب به من محبتنا، ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا)..
إن هؤلاء ليست لهم مدرسة سوى مدرسة النبي (صلی الله علیه)، ومدرسة النبي (صلی الله علیه) ليست سوى مدرسة رَب العالمين.. فالنبيُ (صلی الله علیه) شعارهُ: (قولوا: لا إلهَ إلا الله؛ تُفلحوا)!.. والأئمة شعارهم التوحيد والعبودية؛ لذا فمن يُريد أن يَصل إلى شفاعتهم، عليه باتباع سبيلهم، والتأسي بهم في سلوكهم وأفعالهم.. وليس كما يفعل البعض، تراه مقصرًا في الدنيا، بدعوى التعويل على الشفاعة!.. بينما تقول الرواية: (دخلت على أم حميد أُعزّيها بأبي عبد الله (عليه السلام) فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: يا أبا محمد!.. لو رأيت الصادق (عليه السلام) عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينيه ثم قال: اجمعوا لي كل من بيني وبينه قرابة، قالت: فلم نترك أحداً إلا جمعناه، قالت: فنظر إليهم، ثم قال: إن شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة)!.. وعليه، فإن الإنسان يجب أن يقوم بواجباته، وبعد ذلك إن خانته العين في يومٍ من الأيام، وتفاجأ في عالم البرزخ بمظالم العباد؛ عندها يشفع له الإمام، باعتبار أنه إنسان حاول وفَشل.. ولكن هذا الكلام لا ينطبقُ على إنسان لم يحاول أصلاً!..
– (فليعمل كل امرء منكم، بما يقرب به من محبتنا).. إن الموالي عنده مَحبة لأوليائه، ولكن هذهِ المَحبة لا تأتي بالشعر؛ أي لا يكفي أن يصبح الإنسان مُنشداً يلهج بذكرهم، بل عليه أن يجد ويجتهد كي يصل إلى هدفه الذي هو محبتهم (عليهم السلام).. فهذا الهدف ليس سبيله التبني، والتغزل، والشعر، ولا حتى زيارة مشاهدهم في السنة مرة أو مرتين؛ بل الطريق إلى محتبهم هو العَمل، وبمقدار ما يكون العمل تكون محبتهم.. وهناك شاهد على ذلك من القرآن الكريم، حيث يقول تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾.. فالمُدّعي لمحبتهم من غَير عَمل؛ هذا إنسان متوهم.
– (ويتجنبُ ما يُدنيهِ من كراهتنا وسخطِنا).. كيف يمكن لإنسان يدّعي الولاء لهم، وهو في كُلِّ يوم يعصي ربَ العالمين: بنظره، وبلسانه، وبسمعه؛ هذا الإنسان تنطبق عليه الأبيات التالية:
تعصي الإله وأنت تظهر حبـــــــه *** هذا محال في الفعال بديع
لو كنت صادقاً لأطعتـــــــــــــــــه *** إن المحب للحبيب مطيع
فإذن، إن المحبة وحدها لا تكفي، بل لابد من العمل، وإطاعة أمرهم.. فالمحب لمن يُحبُ مطيعُ.
٤. التوقيع الرابع: الوحدة بين المسلمين..
(صِلُوا عَشَائِرَكُمْ، وَاشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ، وَعُودُوا مَرْضَاهُمْ، وَأَدُّوا حُقُوقَهُمْ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِهِ، وَصَدَقَ الْحَدِيثَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَحَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ النَّاسِ، قِيلَ هَذَا جَعْفَرِيٌّ، فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ وَيَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْهُ السُّرُورُ، وَقِيلَ هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ)..
إن من مهامِ إمامِ الزمان (عليه السلام) في زمان الظهور؛ العمل على الوحدة بين المسلمين.. وعلى فتاوى جميع علمائنا قديماً وجديداً، يقولون: أن علامة الإسلام التي يُحقن بها الدَم، هي عبارة عن كلمتين لا ثالثَ لهما: شهادةُ أن لا إلهَ إلا الله، وأنَ محمداً رسول الله.. بعض مراجعنا العِظام لَهُ كَلِمة جميلة مدونة يقول فيها: (لا تقولوا: أخواننا أهل السنة، بل قولوا: هم أنفسنا)!.. هكذا علمنا خريجو مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).
٥. التوقيع الخامس: رفع الاستضعاف..
(ولو أن أشياعنا -وفقهم الله لطاعته- على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم بالسعادة بمشاهدتنا)..
إن الأئمة (عليهم السلام) يحثون المؤمن على الشفقةِ ببني آدم!.. فهذا أمير المؤمنين (عليه السلام) يكتب في عهده لمالك الأشتر لما ولاّه مصر: (.. فإنهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق).. ولو وجد المؤمن إنساناً كافراً في صحراء وهو عطشان؛ عليه أن يتقرب إلى اللهِ عزَ وجل بسقيه شَربةً من الماء، يقول الراوي: “كنت في محمل الإمام الصادق (عليه السّلام) في طريق مكّة، فرأيت رجلاً مطروحاً تحت ظل شجرة «أمّ الغِيلان» فقال الإمام: (ائتهِ!.. فلعلّه قد وقع من العطش).. يقول: فترجّلت، ومضيت إليه، ثمّ عدتُ وقلت للإمام: يا ابن رسول الله!.. هذا رجل نصرانيّ قد وقع من العطش، قال: (اسقهِ ماء)، ثمّ قال (عليه السّلام): (لكلّ كبِدٍ حرّى أجر).. وهذا النبي (صلی الله علیه) يدعو للبرِ بالحيوان أيضاً كما ورد في مضمون بعض الروايات: “كان النبيّ (صلی الله علیه) يتوضأ يوماً، فمرّت به قطّة ونظرت إلى الماء، فقال (صلی الله علیه): لابدّ أنّها عطشى!.. عندها ترك وضوءه، وقرّب الماء من القطّة، فشربت، ثمّ أتمّ وضوءه بما فضل من شراب القطّة”.. فإذن، نحنُ أمرنا بمواساةِ بني آدم.. فمن مهام الإمام (عليه السلام) في زمان الظهور رفع الاستضعاف عن كل مستضعف.. وبالتالي، فإن الإنسان الذي تجمعه مع إنسان آخر علاقة الإسلام، وعلاقة الولاية -هو إنسان يحمل في قلبهِ حب أمير المؤمنين وأولاده؛ يبكي في مصائبهم، ويفرحُ لفرحهم، ويذهبُ لمشاهدهم، ويتصدقُ عنهم- عندما يختلف معهُ في مسألة أو مسألتين؛ كيفَ يطرده من الساحة؟!.. فهل هذا يُرضي إمام العصر والزمان؟!.. ولهذا فإنه يُعاتب شيعته قائلاً:
– (ولو أن أشياعنا -وفقهم الله لطاعته-).. يدعو لهم أولاً.
– (على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم؛ لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا).. إن الإمام في زمان الغيبة يتألمُ من اختلاف شيعته، لأن اختلاف الموالين فيما بينهم هو سَببٌ لتأخير الفرج!.. فلو أن الإمام (عليهِ السلام) أرادَ أن يَخرجَ بقوةِ مددِ عالم الغيب؛ لظهرَ بعدَ وفاة الإمام العسكري (عليهِ السلام).. لكنه في زمان الغيبة الكُبرى، كم يتجرع من الغُصص لما يرى من المآسي على أملِ أن يأتي يَوم الفَرج!.. هذا اليوم منوطٌ باجتماعنا نحنُ على ولايته.
– (ولتعجّلت لهم بالسعادة بمشاهدتنا).. لو أنَ أحدنا قامَ بعمل -على حَسبِ هذهِ الرواية- وكان هذا العمل سَبباً لتأخير فَرج الإمام سَنة واحدة؛ فإن جميع المفاسد والظُلامات وكُل التبعات في هذهِ السنة هي على عاتقه؛ لأنه هو الذي كان سَبباً في تأخير الفرج.. فكما أن عمل الصالحات وكثرة الدعاء يوجبان التعجيل؛ فإن عكس ذلكَ يوجب التأخير.
٦. التوقيع السادس: فضل الإمام..
(إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم؛ ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء، واصطلمكم الأعداء، فاتّقوا الله جلّ جلاله،..)..
– (إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم).. علينا أن نكونَ شاكرينَ لإمامنا (عليه السلام) دائماً، بينما البعضُ منا يذكرهُ: مكاناً في سامراء، وزماناً في منتصفِ شهرِ شعبان فقط؛ ولكن حَق الإمام كبير جداً: فحياة الموالين وسلامتهم وبقاؤهم هي بفضل الإمام (عليه السلام).. إذ أن الجميع كان يعمل على إبادة مُحبيه، كالقاسطين والناكثين والمارقين في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم قتلة الإمام الحسين (عليه السلام)، وقتلة الأئمة (عليهم السلام).. ولكن كُل يَومٍ يَمر علينا -وخاصة في هذا العَصر- يزدادُ الحَقُ وضوحاً وتعالياً: حيث الزحف المليوني لهذهِ المشاهد، وانتشار ثقافتهم، فالكُتب المعبرة عنهم ملأت الآفاق، ولعله -هذهِ الأيام- ما بقيَ إنسان يَعرف القراءة والكتابة، إلا وهو يَعلم من هم الشيعة؛ وكل ذلك ببركة الإمام (عليه السلام).
– (ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء).. ينقل لنا التأريخ أن الانحسار في مُحبي أهل البيت بلغ مداه في زمان الإمام زين العابدين (عليهِ السلام)، ولكن هذا المنعطف أخذَ بالتصاعد مَرةً أخرى في زمان الصادقينِ والباقرين (عليهما السلام)، كل ذلك ببركة الإمام -الذي (بيُمنه رُزق الورى، وبوجوده ثبتت الأرض والسماء)- كما ورد في الحديث الشريف: (لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها)؛ فهذه الأرض العاصية، كم يبلغ عدد المسلمين عليها؟.. وكم عدد المتقين؟.. وكم عدد الطائعين؟.. يقول تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾، هذا الفساد كان قبلَ أربعة عَشر قَرناً، أما الآن فإن الفضاء ملوث أيضاً بكُلِ صور التلوث.. والذي يجعل رَب العالمين لا يمسك لطفهُ؛ رغم انتشار الفساد في الفضاء والبَر والبحر؛ هو وجود الإمام (عليه السلام).
۷. التوقيع السابع: ظلم الإمام..
(فمَن ظَلَمَنا كان في جُملة الظّالمين لنا، وكانت لَعنةُ اللهِ عليه، لِقولِه عزّ وجلّ: ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾)..
إن ظلم الإمام (عليه السلام) يكون بمنعِ حقوقه: فالذي يجعلُ في جيبه أو في رصيده أموال الإمام؛ يُعَد ظالماً لَه!.. والذي يظلم الإمام في محبيه؛ هو ظالم له!.. فالإمام (عليه السلام) يفتخر بأنه على نَهجِ جَدتهِ فاطمة (عليها السلام) حيث يقول: (وفي ابنة رسول الله (صلی الله علیه) لي أسوةٌ حَسنة): فالزهراءُ صَبرت؛ والإمامُ صَبَر.. الزهراء تَحملت؛ والإمام يتَحمل.. الزهراء بكت صباحاً ومساءً؛ والإمام كذلك يبكي صباحاً ومساءً؛ أليس هو القائل مخاطباً جده الحسين (عليه السلام): (لأندبنك صباحاً ومساءً، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً)؟!..
۸. التوقيع الثامن: المشاهدة..
(سيأتي إلى شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة؛ فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)..
إن الإنسان عندما يتعرض لعملية تزوير، فإنه يستطيع أن يأخذ حقه في المحاكم، أما الإمام في زمان الغَيبة فإنه لا يمكنهُ التصريح، ولا إظهار رأيه عندما يدّعي أحد أنه رآه سواء في المنام أو في الحقيقة.. هناك الكثيرون ممن يدعون كذباً رؤية الإمام (عليه السلام)؛ ولكن أيضاً ينقل لنا التأريخ صوراً من تشرف عُلماء كبار بلقاء الإمام (عليه السلام) أمثال: السيد مهدي بحر العلوم، والمُقَدس الأردبيلي، والسيد ابن طاووس.. فكيف نجمع بين توقيع الإمام، وبين مشاهدة هؤلاء العلماء للإمام؟.. يقول العلماء: إن كلمة “المُشاهدة” التي وردت في توقيع الإمام هي بمعنى “السفارة”.. أما المشاهدة التي تكون في العُمرِ مَرة، فهي صحيحة!.. فهذا علي بن مهزيار الأهوازي يَذهب إلى الحَج أكثر من عَشر مرات على أملِ أن يَحظى بنظرة؛ ألا نقرأ في دُعاءِ العَهد (اللهم!.. أرني الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة)؟!.. فإذن، إن اللقاء الذي يتم من دون علم الإنسان، وبعد غياب الإمام يعلم أنه هذا هو الإمام؛ هكذا لقاء يمكن أن نقبلَ به، ولكن المرفوض قطعاً هو اللقاء الذي يكون على نحو النيابةِ والمشاهدة المستمرة.
وظائفنا في زمان الغيبة..
۱. الدعاء بالفرج.. إن بعض المؤمنين يلتزم في قنوته بدعاء الفرج، (اللهم!.. كن لوليك الحجة بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كل ساعة، ولياً وحافظاً، وقائداً وناصراً، ودليلاً وعيناً، حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتعه فيها طويلاً، برحمتك يا أرحم الرحمين)؛ لأنهُ لو لم نربط العبادات بمحطات زمانية ومكانية من الممكن أن ننسى.. وكذلك من المناسب الدعاء له بالفرج عند الأذان؛ لأن أبواب السماء تُفتح في ذلك الوقت.. وفي قنوت صلاة الليل، وفي المشاهد، وعندَ الحَطيم والميزاب والحائر، وعند رقة القلب.
۲. الصدقاتُ والصالحات: إن المؤمنين في زمان النبي (صلی الله علیه) أُمروا بتقديمِ صَدقة إذا أرادوا أن يناجوا الرسول (صلی الله علیه)، يقول تعالى:﴿فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾.. وفي زمان الغيبة بإمكان المؤمن أن يضع هذا المبلغ في صندوق الصدقات، ويقول: اللهمَ!.. ادفع البلاءَ عن إمامَ زماني، وعن شيعتهِ ومحبيه.. فينطبق ذلك على زوجته وأولاده.
۳. قضاء حوائج محبيه: إن المؤمن يبحث عن موارد قضاء الحوائج، فإن كان هناك إنسان مريض يحتاجُ إلى علاج، أو مبتلى بدين؛ فإن وظيفة المؤمن أن يقوم بقضاء حاجة أخيه المؤمن نيابة عن الإمام، ولا ينتظر أن يأتي هو إليه.
٤. الالتزام بالأدعية والزيارات: إن من الأمور التي تعمق صلتنا بهِ (عليه السلام) هي هذهِ الزيارات والأدعية المروية، التي تذكرنا بهِ وبدولتهِ الكريمة كـ: دعاء العهد، ودُعاء النُدبة، وزيارة آل ياسين، ودُعاء يوم الجُمعة، ودُعاء زمان الغيبة.. هذهِ زيارات مُهمة وعلى رأسها زيارة آلِ ياسين؛ لأنَ بعدَ هذهِ الزيارة هناك دُعاءٌ بليغ، هذا الدُعاء لو استجيبَ بحق قارئه لكان من أكثر الفائزين!..
٥. التألم لمصائبه: إن المؤمن يشارك إمامه (عليه السلام) أحزانه، ففي مواسم استشهاد آبائه (عليهم السلام) يعقد مجلس عزاء في منزله؛ مواساة لإمام زمانه.. فهل يهمل الإمام إنساناً يلتزم بإقامة مجالس العزاء ولو في السنة مرة أو مرتين؟..
٦. تَعلمِ علومِ آبائهِ.. إن المؤمن المنتظر عليه بتعلم العلوم النافعة والمفيدة، وخاصة علوم الأئمة (عليهم السلام) لأنها تفيد الإنسان للدنيا والآخرة.
۷. طلب الاستغفار.. يقول النبي (صلی الله علیه): (أنا وعلي أبوا هذهِ الأُمة)، وبما أن الأئمة (عليهم السلام) هم خط واحد، فلا بأس بمخاطبة إمامَ الزمان بلفظ الأبوة، والطلب منه أن يستغفر لنا ذنوبنا، كما فعل أبناء إبراهيم (عليه السلام) عندما قالوا: ﴿يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ﴾.
۸. الدعاء لتليين القلب.. إنه لمن المناسب جداً الوقوف أمام هذه الفقرة من دعاء زمان الغيبة: (اللهم!.. لين قلوبنا لولي أمرك..) وتكرارها في صلاة الليل وفي المشاهد.. فالذي لا يمكنه أن يصل إلى مرجع أو عارف أو موجه؛ فليتوجه إلى إمامه، والإمام -بفضل الله تعالى- له أساليبه في هذا المجال.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.