- ThePlus Audio
موارد هدر العمر وطرق التصحيح
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما ينظر الإنسان إلى حياته الماضية يرى بأن أرخص شيء في وجوده هو العمر والحال بأن العمر أغلى شيء في الوجود، إذا اشترى بضاعة ثم تبين له أنّه قد غُلب بعشرة دراهم مثلاً يتألم ويتأسف لماذا دفع هذه الدراهم زيادة عن الحق والحال بأنّ أحدنا في حياته اليومية يُنفق أو يصرف أضعاف ذلك مما لا يقدر بثمن في كل ما هب ودب، بعض السدود العظيمة التي تغذي عاصمة من العواصم، تلاحظ بأنّ السد الممتلئ بالماء عندما تمشي بمحاذاته وإذا بك تنتهي إلى منطقة شبه يابسة هنالك بعض العروق الخفيفة الروافد من الجبال تجتمع وإذا بك ترى بأن هذا السد حصيلة هذه الروافد البسيطة فروع بسيطة من المياه تجتمع على مدار السنين وإذا بهذا السد العظيم يغذي المدن الكبيرة، ولطالما رأينا الأنهار الكبيرة كنهري دجلة والفرات تصبان في مياه الخليج من دون فائدة تُذكر، حياتنا بمثابة هذه القطرات المائية لو جمعنا هذه الساعات لخرجنا بفائدة كبيرة، قبل مدة قصيرة رأيت شاباً قد فتح اللهُ (عزّ وجل) عليه باباً من أبواب المعرفة-فالمرء مخبوء تحت طي لسانه[١]، لا في طيلسانه، في طي لسانه، عندما يتكلم الإنسان بكلمة تعلم ما ورائه من المعاني تعلم أنّ هنالك مخزوناً ثقافياً، مخزوناً علمياً شعورياً، يُغذي اللسان ولهذا أحدنا عندما يُعجب بشخصية ظاهرية يستنطقه ويسأله سؤالاً وإذا في اللقاء الأول يقيّمه تقيماً واضحاً-هذا الشاب المؤمن علمت بأنه موظف، وظيفته متوسطة لا هي عالية ولا هي دانية جداً وظيفة ولكن طبيعة عمله تسمح له بشيء من الوقت، في بعض الموظفين يُنجز مقداراً من واجبه الوظيفي وله من الوقت المتسع الكثير هذا الشاب الذي هو في مثل البيئة التي يعيشها، كثيرٌ منّا فكّر في أنّه يلتزم بما ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) وهذا الأمر مجرب من أراد فليجرب، من أراد مالاً وفيراً أو علماً كثيراً، ورد هكذا أن نلتزم بهذه الصيغة من الاستغفار فالقرآن الكريم ربط بين الاستغفار وبين إرسال السماء مدراراً[٢]، استغفروا ربكم من آثار الاستغفار اجتماع السحب وتلاقح السحب ونزول الأمطار، فالذي خلق السحاب جعل من علل الإمطار استغفار الناس، أستغفر الله في شهرين متتابعين، تقرأ هذه الصيغة من الاستغفار أربعمائة مرة في كل يوم: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم الرحمن الرحيم بديع السماوات والأرض من كل ظلمي وجرمي وإسرافي على نفسي وأتوب إليه[٣]. أو ما يقرب باختلاف بسيط هذا الشاب يقول: أنا استغليت هذه الفرصة لم اكتفي بشهرين وإنما بسنتين التزمت بهذا الاستغفار اليومي تنقية يومية إنابة يومية إلى الله (عزّ وجل) يذكر الله بوصف البديعية والخالقية يقول بعد ذلك رأيت بأن الله (عزّ وجل) فتح عليّ باب العلم أقرأ القرآن فأفهم شيئاً جديداً وأخذَ بالفعل يكتب ما تأتيه من الخواطر النافعة أصبحت له قرابة ألف مشاركة في إحدى المنتديات، انظروا إلى مسألة استغلال العمر هذا موظف جالس على الطاولة بدل أن يقلب الجريدة عشرة مرات يقرأ الصفحة الأولى إلى الأخيرة مرة مرتين يأخذ صحيفة مشابهة للأولى يتحدث مع صاحبه زميله في العمل في كل ما هب ودب يتبرم يأخذ جهازه المحمول يتكلم هنا وهناك، وهذا من مصاديق الإسراف فالبعض يتكلم بما هو سيحاسب عليه يوم القيامة أنت تبذل مالاً في مقابل هذا الاتصال لماذا الكلام اللغو الزائد الذي لا قيمة له لا تنفعك دنيا ولا آخرة، فعلينا أن نجمع هذه القطرات المائية لنجمع أكبر قدر ممكن من الثواب، فيوم القيامة العبد ينظر إلى صحيفة أعماله يندى جبينه عرقاً عندما يقال له: فيما أنفقت شبابك، الشيب أخذ يغزو لحية أحدنا ينظر في المرآة وإذا بشيبة شيبتين بعد شهرين ثلاثة أكثر من ذلك بعد فترة اشتعل الرأس شيباً ينظر إلى ما في جعبته إلى ما في حوزته إلى ما في حسابه يرى نفسه صفراً، يتألم أنا أجلس مع بعض الأخوة الذين جاءوا من بلادهم إلى هذه البلاد لأجل رزقهم وكسب لقمة الخبز أقول له: أنت عندما ترجع إلى بلادك ما هو رصيدك بقيت في الغربة ثلاثين، أربعين سنة، الآن عندما ترجع هل بيدك شيء، يقول بـ آه عميق وبحسرة طويلة: أكلت وشربت ولم أدّخر شيئاً، فعندما يُسأل إذن لم الغُربة؟! لم الهجرة؟! لم البُعد عن الوطن؟! لم مفارقة الأهل والزوجة والأولاد والوالدين؟!… عندها ينكس رأسه، ويقول: خسارة في عمري… إذن إذا كان في حياتنا الدنيوية هكذا أحدنا يحسب حساباته المادية أوَ لا يحق له في عالم التعامل مع رب العالمين أن يحسب هذا الحساب؟!…، من أعظم صور العذاب يوم القيامة أن يعيش الإنسان هذه الندامة، أنا أعتقد أنّ الله (عز وجلّ) بلطفه وبرحمته كما ينزع الغلّ من قلوب المؤمنين (وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ)[٤]، كذلك ينزع ما في صدورنا وفي عقولنا من الأفكار لو دخلنا الجنة بهذه الحسرة وزرنا صاحبنا، جارنا، زميلنا في العمل، وهو في رتبة النبي وأهل البيت (عليهم السلام)، من كفل لي يتيماً كان مع النبي في الجنة كهاتين، هو في جوار النبي المصطفى، وأنا في أسفل طبقات الجنة، الإنسان سيعيش حالة من حالات الحسرة القاتلة، فماذا نعمل؟! الخطوة الأولى أنْ نجعل سداً لا بد أنْ نبني سداً من أنواع الاسمنت المسلح حتى نجمع هذه القطرات المائية فالذين يبنون السدود يجعلون هذا الحائل بين الجبلين الصخريين وبعد ذلك يجلبون الماكينات لتوليد الطاقة الخطوة الأولى أنْ نبني السدّ ونجمع قطرات العمر ما هي هذه القطرات قطرات العمر كثيرة منها ساعات النوم، الإنسان الذي بإمكانه أنْ ينام ساعات محدودة يتقوى بها على طاعة الله، لماذا الزيادة من النوم، وكذلك ساعات البطالة في العمل، بعض الموظفين أو حتى بعض التجار يجلس في متجره ينظر الأبواب والشبابيك متى يأتي المشتري في هذا اليوم ما جاءك المشتري إلا في مرة أو مرتين هذه الساعات التي وقفت فيها في هذا السجن، حقيقة بعض المحلات التجارية بمثابة السجن، غرفة صغيرة اسمه محل تجاري، هذه الساعات أليست تلك القطرات المائية التي تُبنى بها السدود، وكذلك ساعات الجلوس مع الآخرين هذه الأيام زيارة بسيطة تستغرق من العمر ساعة أو ساعتين وخاصة في بعض البلاد المزدحمة بالسير تأخذ أربع ساعات ذهاباً وإياباً وجلوساً هذه من القطرات التي يمكن أنْ نجمعها ساعات الانتظار والسياقة الذين أعمالهم في أماكن بعيدة فوق المسافة الشرعية أو ما يقرب من ذلك هذه الساعات ذهاباً وإياباً في اليوم كم تأخذ من أعمارهم في معاملاتنا الحكومية في الدوائر في صفوف الانتظار وغير ذلك في ساعات الصيف، بعض التدريسيين يأخذون إجازة سنوية ثلاثة أشهر يأتي الصيف وينتهي وإذا به هو المفلس لم يعمل لا لدنياه ولا لآخرته هذه أيضاً من ساعات العمر التي تذهب هدراً، ولو فتّش كل واحد منا لرأى أضعاف ما أقول من ساعات البطالة والضياع في الحياة، وحقيقة أنا لا أدري لماذا أنا هكذا أنا أرى بأنه العمل الجاد في الحياة تربية النفس والفكر والعواطف الجوارح والجوانح كأن هذه وظيفة العلماء والمراجع وطلاب الحوزات العلمية النخبة في الأمة، وكأنَّ الجنّة خلقت للنخبة وعامة الناس هم في قسم الأعراف لا جنة ولا نار، يقول الله تعالى: (وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ)[٥]، الأعراف هم طبقة لا تقاس بأهل الجنة ولا بأهل النار، إذ تساوت حسناتهم مع السيئات، هذه الطبقة نادرة جداً، وإلا فالإنسان يوم القيامة إما في جنان الخلد وإما في النيران، وكما ورد: إذا مات ابن آدم قامت قيامته[٦]. فالقبر إمّا حُفرةٌ من حفر النيران أو روضة من رياض الجنة[٧]، الذي يعتقد بهذا المصير ألا يحق له أنْ يفكر فيما أقول بشكل جدي؟! ماذا نعمل إذا أردنا الآن أن ننصب جهاز توليد الطاقة؟! فلا بد من بناء السدّ وعلمنا كيف نجمع مياه السد، الآن نريد أنْ نحول هذه المياه إلى طاقة، وإلا فهذا السدّ لا قيمة له، إذا كانت المياه جامدة وغير جارية، فمن الممكن بعد فترة ينفجر هذا السد لضغط المياه، ماذا نعمل هنالك أربعة محطات لتوليد الطاقة، أربعة ماكينات نركبها على هذا السد المثالي لنعلم ماذا نعمل، أنا أقترح أربعة حلول أو أربعة قنوات للتصريف والإنسان في كل يوم ينوع بين جهاز وآخر:
جهاز الطاقة العبادي
عندما أقول الجانب العبادي لا يتبادر إلى الذهن خصوص الصلاة والصوم والأوراد والزيارات، فالجانب العبادي يعني الالتفات إلى عالم الغيب، الإنسان بإمكانه أن يغمض عينه ويجلس في مكانه لا يتحرك لا ركوعاً ولا سجوداً ولا حركة في اللسان ولكن يعيش عالماً من عوالم القرب من الله (عزّ وجل)، رأيتم من هم في أيام الزفاف؛ بعض الأوقات العريس يجلس إلى جانب العروس لا حديث ولا كلام مجرد أن يسترخي يضع رأسه على صدرها مثلاً في سكوت مطبق ولعل الأمر إذا كان على شاطئ البحر يستغرق ساعة ساعتين هذا هو الأنس، الارتياح، العيش، عيش المعية الصحبة، هذا في جانب الشهوات البعض قد لا يعجبه هذا المثال، نذكر مثالاً آخر في جانب الأمومة، أرأيتم الأم وخاصة البنت التي رزقت الولد الأول ولد صبيح الوجه ذو بشاشة، الأُم تضع ولدها على صدرها بعد أن أطعمته وغسلته وأرضعته، تضع الطفل على صدرها تنظر إليه يميناً شمالاً تحدق في عينيه في وجهه في خده في أنفه تقلبه يميناً شمالاً تلعب به، وهي في الواقع حركة مشكورة ومحترمة هذا هو الأنس، وفي بعض الأوقات هي تتحدث مع الصبي الرضيع وكأنه رجل كبير تتكهن مستقبله، تتكلم معه هذا ليس من مصاديق الجنون هذا من مصاديق الأنس، هي تتكلم مع أنها لا تسمع جواباً والطرف الآخر لا يعقل ما تقول، نعم هذا هو الأنس، الإنسان بإمكانه أنْ يعيش شيئاً من هذا الجو، ذكرت لكم مثال الأمومة ومثال العريس والعروس وخذ منهما ما شئت، فالإنسان بإمكانه أنْ يصل إلى درجة يعيش عالما لا يُقاس بالأمومة ولا بالعروسة ولا بما شابه ذلك، كما كان يعيشه أولياء الله الصالحين فما الذي جعل موسى بن جعفر (عليه السلام) يشكر ربه على نعمة السجن؟! وما الذي جعل موسى (عليه السلام) يخر صعقاً عندما دخل ذلك الوادي المقدس؟! ما الذي جعل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يذهب إلى غار حراء؟!، حيثُ لا تكييف وفي شمس مكة الحارقة في هذا المكان المرتفع ما الذي جعله يأنس بغار حراء؟!، ما الذي جعل علي (عليه السلام) يقول ما مضمونه أنّ بقائي في المسجد أحبُ إليّ من البقاء في الجنة لأن المسجد فيه رضا ربي والجنة فيه رضا نفسي[٨]، ما الذي يجعل أهل الجنة كما في بعض الروايات ينظرون إلى بعض صور المتاع المعنوي واللذات المعنوية فيقال لهم بهذا المضمون بهذا الجو: هلموا إلى الحور والقصور وهم في شغل لا يلتفتون إلى حور ولا قصور مشغولين بالنظر إلى جلال الله وجماله، فهذا رافد من روافد الأنس بعالم ما وراء الطبيعة وطبعاً إذا وجد هذا العالم يكون الذكر قهرياً والسجود تلذذياً كما أنّ صلاة الليل مرغوبة، هذه الأمور محلولة لا تحتاج إلى توصيات مضاعفة، ولا يحتاج إلى أن يُقال: صلِ صلاة أول الوقت لأنّ هذه المسألة من بديهيات الحياة، أنْ يُسارع الإنسان إلى ما هو قرة عين النبي (صلى الله عليه وآله) أرحنا يا بلال[٩]، إلى غير ذلك مما نعلمه والإنسان إذا وصل إلى اللب فإنّه يصل إلى هذه الظواهر بطريق أولى.
المحطّة الفكريّة
من محطات التوليد المحطة الفكرية فالإنسان المؤمن يمتلك طاقة بناءه طاقة مفكرة إذا تكلم في بعض الروايات بذّ القائلين ترى الرجل صموتاً لا يُعتنى بشأنه ولكن إذا جاء دوره في الكلام استحوذ على المجلس لماذا لأن هنالك مدد فكري، له فكر له أيدلوجية له رؤية للأمور المؤمن ينظر بعين الله اتقوا فراسة المؤمن، إذن الجانب الفكري التأملي المطالعة القراءة من ألذ ساعات العمر، فمن يأخذ سياحة في قصة نبي الله سليمان (عليه السلام) يجد العجب، حيث سُخّرت لسليمان (عليه السلام) الطير والنمل والهدهد وغير ذلك، (عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)[١٠]، وكذلك قصته مع ذلك العفريت آصف بن برخيا وغيره[١١]، عالم من عوالم العظمة الإلهية، من ألذ ساعات العمر أنْ يقرأ الإنسان قصص الأنبياء وما جرى عليهم، فالذي يعلم بأن جنود السماوات والأرض مسخّرة لسليمان-الرياح مسخرة له الجن مسخر له-لا يخاف من قوى هذه الأرض قوى الطاغوت لأنّه يعلم أنّ إمامنا المهدي (عجل الله فرجه الشريف) هو وارث هذا الملك العظيم فإذا كان سليمان تُسخّر له الرياح فبطريق أولى لصاحب الأمر والزمان (عجل الله فرجه الشريف)، فسيُسخّر له الجن والرياح، كما سيكون له علم منطق الطير وسيلين له الحديد، فعندئذ تتصاغر في عينه القوى الكبرى والأسلحة الفتّاكة، وستبدو القنابل الذرية والعنقودية والنافال والهيدروجينية وما شابه ذلك في ذهنه وقلبه كالدمى والألعاب، إذا كان صاحب القوة العظمى في الوجود وهو رب العالمين يريد أن ينصر وليه، ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين يعيش حالة من الهدوء والسكينة هذه من بركات المطالعة والتأمل والحركة الفكرية الدائبة.
الجانب الخدماتي
إمامنا الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء كما ينقل إمامنا زين العابدين (عليه السلام) وهو الذي دفنه وكان في ساعاته الأخيرة المصاحب لأبيه، حيث يقول: إنّ بدنه الشريف فيه آثار السنان والرماح والسيوف وإلى جانب ذلك آثار الجراب التي كان يحملها في المدينة للفقراء والمساكين، نعم، الحسين (عليه السلام) تحمّل الطعنات من جانب وتحمّل آثار حمل الزاد للفقراء في أيام السلم، فالمؤمن له هذا الجانب وهو الجانب الخدماتي، إذا رأى ملهوفاً إذا سمع بمكروب إذا سمع بمضطر بمريض بمديون بمبتلى وما شابه ذلك يكون معطاءً، هذه الأيام لا تكاد تجد قلباً مرتاحاً، فأنت تراه مستبشراً ضاحكاً مبتسماً ولكن عندما تجلس معه في جلسة استنطاق واسترخاء وإذا به يشكو الدهر والزمن والزمان والسماء والأرض هذا المؤمن مبتلى بإمكانك نصحه وتوجيه بحديث حتى بمزاح ودعابة أن تخرجه من جوه وتريحه من منغصات حياته.
الاستجمام المُحَلل
من قال أن السفر للترويح عن النفس حرام قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)[١٢]، فهذه الزينة محللة، وعليك أن تُعطي لنفسك حظه وهذه البلاد البحرية الجميلة تغري برياضة محلله مندوبة ألا وهي السباحة مثلاً طبعاً في أجواء شرعية.
إذن هنالك الجانب العبادي والفكري والخدماتي والاستجمامي، فالمؤمن يتقلب بين هذه الأمور وفي ذلك يخرج من صفة الغفلة واللهو في هذه الحياة.
جولة في روايات أهل البيت (عليهم السلام)
علينا أن نذهب في جولة سريعة لما ورد في تراث أهل البيت (عليهم السلام) لنكتشف كم كانوا جديين في هذه الحياة، كم كانوا جديين في سلوكهم اليومي، أحد الأصحاب يقول: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صاحب هذا الأمر-صاحب هذا الأمر اعتقد بأنه الإمام بصورة عامة ولا يعني به الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف)-قال(عليه السلام): صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب من صفات الإمام أنه لا يلهو ولا يلعب[١٣]. لكن مع الأسف بعض الأوقات في زماننا تُنشأ مدن ويكتبون عليها مدينة الملاهي هذا اللهو الذي ذمه القرآن في سورة الجمعة وفي آيات أخرى، (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ)[١٤]، وإذا بالبعض يصطحب عائلته في مثل هذه الأجواء المريبة، فما هو الرجحان الشرعي في أن يدخل الإنسان عائلته في جو صاخب بأنواع الموسيقى والرقص والمتهتكات من النساء والفتيان بدعوى الاستجمام، لذلك يقول الإمام (عليه السلام) صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب، وهناك رواية أخرى هو أنّه أقبل أبو الحسن إمامنا موسى بن جعفر (عليه السلام)وهو صغير ودخل المجلس ومعه بهمة عناق مكية أي عنزة أو غنمة صغيرة يقال لما دون الحول هذا التعبير يعني أخذ الإمام (عليه السلام) وهو صبي صغير ومعه معزة صغيرة، انظروا إلى هدفية الإمام في كل حركاته وسكناته ويقول لها اسجدي لربك عوضاً من ملاعبة هذه الغنمة مثلاً بلا هدف، يقول لها: اسجدي لربك، أخذه أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) وضمه إليه وقال: بأبي أنت وأمي من لا يلهو ولا يلعب، درس عملي، إمامنا الصادق(عليه السلام) أراد أن يبين أنّ الإمام المعصوم لا يلهو، نحن طبعاً غير مطالبين بما فعله الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، ولكن الهدفية مطلوبة في الحياة، فقد روي أن الصبيان قالوا ليحيى (عليه السلام) اذهب بنا لنلعب، فقال: ما للعب خلقنا، فأنزل الله فيه (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)[١٥]، لما قام به من كلام بليغ، بعض الأوقات الجيران يشتكون من اللاعبين بالحمام، بعض الناس حقيقة لا أدري ما هذا العقل الذي في رؤوسهم، شاب في قوة شبابه، في عنفوان نشاطه، يذهب إلى سطوح المنازل في الشمس الحارقة ينتقل من سطح إلى سطح يقلب طرفه في السماء، (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ)[١٦]، صاحبنا يقلب طرفه في السماء وينظر إلى حركة الحمام في الجو، رأيت هذه الرواية تارة يرويها علي بن أبي طالب عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، في مستدرك الوسائل والرواية نفسها في سنن أبي داوود ينقلها أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، الرواية يعني مروية عن النبي تارة عن علي (عليه السلام) في المستدرك، وتارة عن أبي هريرة في سنن أبي داوود، النبي رأى رجلاً يرسل طيراً فقال شيطان يتبع شيطاناً[١٧]. بتعبيرنا اليومي يعني؛ إنسان مشاغب، إنسان لا هدف له، شيطان يتبع شيطاناً، إذا كانت الحركة لاغية، إنسان هذا يطير الحمام، وأنا أجلس على كرسي وأخذ الجهاز الذي يحرك التلفاز من بعد وأحركه من قناة إلى قناة هذا نوع من تطيير الحمام كأنه كذلك، ذاك ينظر إلى الفضاء، للحمام منظر محلل، وأنا أنظر إلى منظر محرم، أمري أسوأ من ذلك، أولا ينطبق علي شيطان يتبع شيطان يتبع قناة فضائية محرمة، طبيعي الملاك هو الملاك، فعلى الإنسان المؤمن أن يعيش هذا الجوّ من الهدفية وإلاّ سيضل في ذلك الحال، سمعت من بعضهم عن بعض العلماء والمراجع يقول: رؤيا أحدهم في حال الاحتضار مات وإصبعه في فمه، الإنسان عندما يريد أنْ يبين ندمه يعض على أصابعه كما في القرآن الكريم هذا المسكين مات قبل القيامة وهو يعض على يديه من الندامة[١٨]، لما ينظر لما خلفه من واحة من صحراء مقفرة لا خير فيها أبداً.
[٢] سورة نوح ١١-١٠ (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴿١٠﴾ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴿١١﴾).
[٣] مصباح الكفعمي ص٦٣.
[٤] سورة حجر ٤٧.
[٥] سورة الأعراف ٤٦.
[٦] كنز العمال ٤٢١٢٣.
[٧] الأمالي للطوسی ج١ ص٢٤
[٨] وسائل الشيعة ج٥ ص١٩٩.
[٩] بحار الأنوار ج٧٩ ص١٩٣ (قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي اَلصَّلاَةِ وَ كَانَ يَقُولُ أَرِحْنَا يَا بِلاَلُ).
[١٠] سورة النمل ١٦.
[١١] سورة النمل ٤٠.
[١٢] سورة الأعراف ٣٢.
[١٣] الكافي ج١ ص٣١١.
[١٤] سورة الحديد ٢٠.
[١٥] سورة مریم ١٢.
[١٦] سورة البقرة ١٤٤.
[١٧] مستدرك الوسائل ج١٤ ص٨٤.
[١٨] سورة الفرقان ٢٧ (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا).
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- الإنسان عندما ينظر إلى حياته الماضية يرى بأن أرخص شيء في وجوده مع شديد الأسف هو العمر والحال بأن العمر أغلى شيء في الوجود، ربما تجد أحدنا في حياته اليومية ينفق مما لا يقدر بثمن من ساعات عمره في كل ما هب ودب.
- من الممكن أن نمثل في إستثمار الوقت بسدود المياه فحياتنا بمثابة القطرات المائية التي يمكن أن تجتمع في السد فلو جمعنا هذه الساعات لخرجنا بفائدة كبيرة.
- لكي نستثمر الوقت علينا أن نستفيد من بعض الأمور:
- أولاً: ساعات النوم.
- ثانياً: ساعات البطالة في العمل.
- ثالثاً: الساعات التي يمكن أن تذهب في بعض الزيارات والأمور المرتبطة بها.
- رابعاً: ساعات الانتظار والسياقة.
- خامساً: المعاملات الحكومية في الدوائر.
- سادساً: ساعات العطل الصيفية.
- إذا فتش كل واحد منا لرأى أضعاف ما أقول من ساعات البطالة والضياع في الحياة وحقيقة.
- إذا علمنا كيف نجمع مياه السد لابد أن نحول هذه المياه إلى طاقة، وهنالك أربعة محطات لتوليد الطاقة وهي: (جهاز الطاقة العبادية، المحطة الفكرية، الجانب الخدماتي، الاستجمام المحلل، الهدفية والخروج من صفة الغفلة واللهو.)