- ThePlus Audio
من وحي سورة لقمان
بسم الله الرحمن الرحیم
من وحي سورة لقمان
لم يكن لقمان الحكيم نبيا؛ ومع ذلك فإن القرآن الكريم تناول جانبا من حكم هذا الرجل الحكيم بسورة من سوره. فهنالك سور باسم الأنبياء مثل: يونس، وباسم النبي الخاتم (ص)، ويوسف، وإبراهيم (ع). ويلاحظ بالإضافة إلى ذلك سورة باسم هذا العبد الصالح الذي أوتي الحكمة.
من هو لقمان الحكيم؟
إن هذا الرجل لم يدخل دورة تربوية، ولم يتتلمذ على يد أستاذ، وإنما كان إنساناً عاديا، ولعله كان عبداً من العبيد في زمانه؛ ولكن الله عز وجل أراد أن يكرمه بالحكمة. والحكمة ضـالة المؤمن، فالبعض منا يتقاعس عن البحث عن الحكمة، وعن أسباب التقرب إلى الله عز وجل بالعلم والعمل؛ بدعـوى أن البيئة لا تساعده، وأن ليس هناك من يرشـده إلى الطريق. فهو يحتاج إلى مربي وإلى مرشد وأستاذ ودليل كالسلف الصالح، فعندها يركن إلى الحياة الدنيا. والحال أن لقمان لم يتهيئ له كل ذلك؛ ومع ذلك كان يثير عجب نبي من الأنبياء، وذلك عندما دخل على سيدنا داوود (ع) وكان يصنع الدرع؛ فلم يسأله عن علة صنعه لهذا اللبوس؛ فهو يرى أن سؤاله في غير محله، فانتظر إلى أن رأى الحكمة من صنع هذا الدرع. وقد أكبر سيدنا داوود (ع) هذا الصمت والتأمل، وعدم المبادرة إلى السؤال من هذا العبد الصالح.
آية عظيمة في سورة لقمان
وقد ورد في هذه السورة التي سميت بسورة لقمان آية تحمل من المعاني والعبر الكثير. فقد قال سبحانه في ختامها: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[١]. وقد أمر القرآن تارة باتقاء غضب الله وتارة باتقاء عذابه. وأما في هذه السورة نرى أن الله سبحانه يأمر بدرجة أعلى من التقوى وهو تقوى الله عز وجل؛ فهناك فرق بين أن يخشى الإنسان عذاب ربه أو يخشى ربه. فالعوام يخشون العذاب والخواص يخشون الله عز وجل دون النظر إلى جنة أو نار.
الخوف من الله أم الخوف من عذابه؟!
وقد عبر القرآن عن ذلك في سورة أخرى بقوله: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ)[٢]؛ فالخشية من المقام الإلهي درجة عالية من درجات العرفان والصلاح في المؤمن؛ لأن المؤمن لا ينظر إلى العذاب وليس دافعه إلى العمل خوفه من العذاب؛ بل يرى المؤمن موقعه في الوجود ويرى أنه كان في بادئ الأمر نطفة قذرة ومصيره إلى جيفة نتنة ثم يرى ربه وأنه مالك الملك وأن الأمر كله بيده؛ فيرى أن طاعة هذا الرب هو في صميم العقل والوجدان. ولذلك أشار أمير المؤمنين (ع) في خطبته المشهورة: (عَظُمَ اَلْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ)[٣]؛ ولهذا لا يعاني المؤمن كثيرا في ترك الشهوات لأنها صغيرة في عينه.
العلاقات الأسرية يوم القيامة
ثم تشير الآية إلى عدم جدوى الأنساب في يوم القيامة؛ فلا الوالد يغني عن ولده ولا المولود يغني عن والده شيئا. وهذه هي الحياة الدنيا؛ يتزوج الإنسان وينجب أطفالا يقضي في تربيتهم وتنشئتهم زهرة شبابه ليس باعتبارهم أمانة إلهية بل باعتبارهم المادي وباعتبارهم امتداد الطبيعي في الحياة. وتأتي هذه الآيات لتنبه الإنسان ولتقول له: يا أيها الإنسان! لقد أخذ هذا الولد منك جل وقتك وبنيت عليه صروح آمالك؛ ولكن اعلم أن العلاقات تتفسخ في ذلك اليوم ولا تبقى بينك وبينه رابطة نسب وذلك قوله: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ)[٤]؛ فقد يؤخذ الوالد إلى النار وهو ينتظر من ولده أن يستنقذه بحسنة من حسناته ولكن أنى يكون له ذلك وهو محتاج بنفسه إليها ولا يستطيع ذلك لانقطاع السبب بينه وبين والده.
مسئوليتنا تجاه أبنائنا
ولا يعني ذلك أن نهمل أمر الأولاد؛ بل هم أمانـة في أعناقنا. ولكن يجـب أن يكون الاهتمام بهم وفق هذه المعايير:
أولاً: أن نعطيهم مقدار ما أمر الله تعالى به، فقد ورد في الأحاديث الشريفة: (لاَ تَجْعَلَنَّ أَكْثَرَ شُغُلِكَ بِأَهْلِكَ وَ وَلَدِكَ فَإِنْ يَكُنْ أَهْلُكَ وَ وَلَدُكَ أَوْلِيَاءَ اَللَّهِ فَإِنَّ اَللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَوْلِيَاءَهُ وَ إِنْ يَكُونُوا أَعْدَاءَ اَللَّهِ فَمَا هَمُّكَ وَ شُغُلُكَ بِأَعْدَاءِ اَللَّهِ؟!.)[٥].
ثانياً: أن تكون تربيتنا لهم بدوافع إلــهية؛ وإلا فلا يأمن الخسران. إن الذي لا يربي أولاده قربة إلى الله، ولا على أساس أنهم أمانة في عنقه من قبل الله عز وجل؛ فهو إنسان مفـلس يوم القيامة. وهذا ليس كلامــاً عرفانياً مسطور في بطون كـتب العرفاء؛ بل هو كلام الله عز وجل: (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)، فالدنيا غرارة، وهي دار غرور؛ لأنها تزين للإنسان أعماله وتمنيه العاجل من حطامها. وسر الغرور في الحياة الدنيا أنها جميلة، وتغري الإنسان وذلك قوله سبحانه: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[٦].
النظرة الصحيحة إلى الجنة ونعيمها والنار وجحيمها
وينظر المتثاقل الذي قد ركن إلى الدنيا إلى نعيم الآخرة على أنه نعيم مؤجل لا يوجد إلا في القرآن الكريم وكلام الأولياء والحال أن من صفات المتقين كما ورد عن لسان أمير المؤمنين (ع): (فَهُمْ وَاَلْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ)[٧] ويقول في موضع آخر من هذه الخطبة: (وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَ شَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ)[٨].
فليعاهد الإنسان ربه أن يعـيد تـقـييم الحياة من جديد، وينظر إلى الدنيا بزخـرفها وبأزواجها وأولادها ومساكنها، على أنه متاع مؤقت؛ فإذا ربطه بالله عز وجل اكتسب الخلود (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)[٩].
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- ينظر المتثاقل الذي قد ركن إلى الدنيا إلى نعيم الآخرة على أنه نعيم مؤجل لا يوجد إلا في القرآن الكريم وكلام الأولياء والحال أن من صفات المتقين كما ورد عن لسان أمير المؤمنين (ع): (فَهُمْ وَاَلْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ).