- ThePlus Audio
من وحي سورة المنافقون
بسم الله الرحمن الرحيم
استحباب قراءة سورة المنافقون وسورة الجمعة في صلاة الجمعة
يستحب للمؤمن في صلاة الجمعة قراءة سورة الجمعة في الركعة الأولى والمنافقون في الركعة الثانية منها ويجدر بالمؤمن المواظبة على هذا المستحب. ومن الممكن أن سبب الحث على قراءة هاتين السورتين هو: أن هاتين السورتين تكملان بعضهما البعض؛ حيث تتناول السورتان فئتين مهمتين من أعداء الدين؛ اليهود والمنافقون. ثم تجد في نهاية كل من هاتين السورتين ذكر لصفات المؤمنين الأخلاقية وما عليهم من الواجبات من الناحية الفقهية.
أعداء الدين وأقسامهم
وأعداء الدين على قسمين: القسم الأول: هم الأعداء الظاهرون من أهل الكتاب والكفار، والذين يرفعون لواء محاربة الدين بشكل سافر ويشنون على المؤمنين حروبا لا هوادة فيها. ومما لا ريب فيه أن اليهود هم أسوأ خلق الله عز وجل من حيث ممارساتهم الباطلة وإصرارهم على محاربة الإسلام وأهله وإفسادهم في الأرض وإمعانهم في البغي ورفعهم شعار: من النيل إلى الفرات في محاولة لإقامة دولتهم الخبيثة وطمعهم في المسلمين وثرواتهم. وقد بين القرآن الكريم هذه العداوة بقوله: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)[١]. وهؤلاء مكشوفين للجميع ويسهل الاحتراز منهم ولذلك أصر بعض الفقهاء على نجاسة أهل الكتاب لإيجاد حاجز بينهم وبين المسلمين للاحتراز منهم وعدم الاسترسال والارتياح إليهم ومعاملتهم معاملة المسلمين.
وأما القسم الثاني: فهم المنافقون الذين يرفعون شعار الإسلام وينطقون بالشهادتين؛ ولكنهم يحيكون المؤامرات في الخفاء للقضاء عليه. ولذلك استطاعوا أن يتغلغلوا في صفوف المسلمين ويبثوا الفرقة والشقاق فيما بينهم ويبغونهم الفتنة. بخلاف اليهود الذين أجلاهم رسول الله (ص) وأخرجهم من المدينة بعد حرب معهم. وقد بين القرآن الكريم في كثير من الآيات صفاتهم ودورهم التخريبي وبثهم الفتنة وقد خصصت سورة في القرآن الكريم باسم المنافقين.
علامات المنافقين وصفاتهم في سورة المنافقون
ومن المناسب أن نقف على هذه السورة ونتدبرها جيدا علنا نتعرف على صفات المنافقين وعلاماتهم. يقول سبحانه عن المنافقين: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[٢]. والأيمان: جمع يمين بمعنى القسم، والجنة: كُلّ ما ستر أو وقي من سلاح. فالمنافقون استخدموا طريقة إبليس في غواية آدم (ع)، لما قاسمهما للأكل من الشجرة المنهية، مستغلين إيمان المؤمنين، فجعلوا أيمانهم ستاراً للتغلغل في صفوف المسلمين لتحقيق أهدافهم الدنيئة. ولذلك يؤكد القرآن على ضرورة الانتباه إلى ما وراء الستر الذي يستتر به المنافقون والحذر منهم؛ إذ لا ينبغي للمؤمن أن يكون ساذجا.
أسباب النفاق
ثم يكشف الله سبحانه حقيقة المنافقين في قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ)[٣]؛ أي أن إيمانهم لم يكن إلا إيمانا ظاهريا لم يتجاوز أفواههم – وهم كافرون في قلوبهم – ليحقنوا بذلك دمائهم وأموالهم وتتاح بذلك لهم الفرصة لحياكة المؤامرات ضد المسلمين. وقد أشار سبحانه في آية أخرى إلى أن الإسلام شيء والإيمان شيء آخر فقال: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)[٤]. فما قيمة الإيمان إذا لم يستقر في القلب؟ ألا يكون هذا القلب أجوفا كقلوب اليهود والنصارى والمنافقين والكفار التي طبع الله عليها؟
لا تنخدع بهذه الصفات..!
ثم يذكر سبحانه بعض الصفات التي قد ينخدع بها المؤمنين، فيقول: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)[٥]. فقد يكون لهم جمال في الأجساد وحلاوة في ما يقولون وما يكتبون في الكتب والصحف والإعلام؛ إلا أنهم كالخشب المسندة الجوفاء التي لا نفع يرجى منها. فهم وإن حسنت مظاهرهم وأثرت أقوالهم إلا أنهم يعيشون الخواء الباطني والقلق والاضطراب؛ لأنهم يخافون أن يكشف الله سترهم ويفضحهم ولكنه سبحانه ستار العيوب يؤخرهم ليوم تبلى فيه السرائر وإن كان سبحانه قد بين صفاتهم ووصف حالهم ويمكن الوقوف على من تتجلى فيهم هذه الصفات.
نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن الاستغفار للمنافقين
ثم يصل بهم الحال أن يستنكفوا عن استغفار النبي (ص) لهم فيقول سبحانه: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ)[٦]. وفي هذه الآية دلالة على جواز التوسل بالنبي وأهل بيته (ع) لحثها على التوجه إلى رسول الله (ص) لطلب المغفرة لهم. وقد ذكر سبحانه آية أكثر صراحة في قوله: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)[٧]. والآية تصرح بأن رضا الله ومغفرته مقرون برضا الرسول (ص). والذين خالفوا أمر الرسول (ص) وآذوه في أهل بيته هم بعيدون كل البعد عن رضاه. وهل سيستغفر النبي (ص) للذين خالفوا أمره في أهل بيته (ع) وهو الذي قد طلب المودة في القربى أجرا على رسالته؟
إن استغفار النبي (ص) لهم يكشف عن استحقاق لهذا الاستغفار ورضا النبي (ص) عنهم والذي هو امتداد لرضا الله سبحانه. ولكن قد يصل الإنسان إلى درجة ينهى الله سبحانه نبيه عن الاستغفار له أو عدم قبول استغفاره له وهو قوله تعالى: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)[٨]. وهؤلاء لا يستحقون شفقة رسول الله (ص) وهم لم يدخلوا في الدين إلا لهدمه وتخريبه.
الأحقاد الدفينة في قلوب المنافقين
ثم يذكر سبحانه ما في قلوبهم من الحقد على المسلمين في قوله تعالى: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ)[٩]. ويبين سبحانه أنه لا راد لفضله وهو الذي بيده خزائن السماوات والأرض وبيده الرزق المادي والمعنوي من علم أو وجاهة أو سعادة أو عزة.
ثم يذكر سبحانه نظرتهم للنبي (ص) وللمؤمنين: (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[١٠] ولكن الله يدافع عن الذين آمنوا ويرد على هؤلاء المنافقين برده القاطع: أن العزة منحصرة به سبحانه وبنبيه وبالمؤمنين. ولا بد من الإشارة إلى ما قاله الإمام الصادق (ع) حول هذه الآية الشريفة: (إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوَّضَ إِلَى اَلْمُؤْمِنِ أُمُورَهُ كُلَّهَا، وَلَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ، أَ لَمْ تَرَ قَوْلَ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ هَا هُنَا: وَلِلّٰهِ اَلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ؟ وَاَلْمُؤْمِنُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ عَزِيزاً وَ لاَ يَكُونَ ذَلِيلاً)[١١]. وقد وردت روايات كثيرة عن أئمة الهدى في النهي عن الدخول فيما يعتذر منه.
الوصايا الأخلاقية والفقهية
ثم إننا نلاحظ التشابه الموجود في أواخر هاتين السورتين؛ سورة الجمعة وسورة المنافقون. فنرى في أواخر سورة الجمعة تأكيدا فقهيا على الالتزام بصلاة الجمعة حيث يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[١٢]. وفيها عتاب شديد اللهجة بالنسبة لمن ترك النبي (ص) قائما وتفرقوا عنه إلى قافلة تجارية كانت قد دخلت المدينة للتو وهو قوله سبحانه: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[١٣].
وفي مقابل ذلك نلاحظ أيضاً هذه التوصيات الأخلاقية في آخر سورة المنافقون، حيث يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[١٤]. والذي يبحث عن القرب الإلهي لا بد وأن يفرغ قلبه من كل ما سواه؛ فلا ينشغل بالأموال والأولاد فينسى ذكر الله تعالى فيكون ممن قال عنهم الله: (نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ)[١٥]. ومن المؤسف جداً أن الإنسان يهتم بهذا البدن الفاني الذي سيغطيه التراب يوماً ما، وينسى ما هو باق.
التأكيد القرآني على مسألة الإنفاق
إن طبيعة المؤمن طبيعة سخية منفقة؛ فلا يساوم في إخراج ما عليه من الواجب الشرعي، أو يتردد في إنفاق شيء في سبيل الله؛ لأنه يعتقد بأنه إنسان مستخلف على المال، وأن الله تعالى هو المعوض والرازق، وهو الذي يخلف على عبده؛ فلا يخاف فقراً، ولا يمنعه بخلاً؛ بل على العكس من ذلك، فهو يحسن استخدام ما في يديه من النعم، قبل أن تتحول عنه إلى غيره، وحينئذ يتحسر على ما فرط في جنب الله، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[١٦].
[٢] سورة المنافقون: ٢.
[٣] سورة المنافقون: ٣.
[٤] سورة الحجرات: ١٤.
[٥] سورة المنافقون: ٤.
[٦] سورة المنافقون: ٥.
[٧] سورة النساء: ٦٤.
[٨] سورة المنافقون: ٦.
[٩] سورة المنافقون: ٧.
[١٠] سورة المنافقون: ٨.
[١١] تفسیر البرهان ج٥ ص٣٨٨.
[١٢] سورة الجمعة: ٩.
[١٣] سورة الجمعة: ١١.
[١٤] سورة المنافقون: ٩.
[١٥] سورة الحشر: ١٩.
[١٦] سورة المنافقون: ١٠-١١.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- أعداء الدين على قسمين: القسم الأول: هم الأعداء الظاهرون من أهل الكتاب والكفار، والذين یحاربون الإسلام بشكل سافر ويشنون على المؤمنين حروبا لا هوادة فيها. والقسم الثاني: فهم المنافقون الذين يرفعون شعار الإسلام وينطقون بالشهادتين؛ ولکنهم یبثون الفرقة بین المسلمین ويبغونهم الفتنة.