Search
Close this search box.
  • ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

من هم أسعد الناس؟

بسم الله الرحمن الرحيم

ضرورة السعي الجاد لاكتساب الحياة الأبدية

إننا نأمل في حياتنا هذه أن نحصل على الحياة الأبدية وأن نكون في مقعد صدق في جنان الخلد مع النبي وآله، وأن نعيش أبد الآبدين في نعيم لا يفنى ولكن في المقابل هناك أبدية في عذاب النار وهناك عذاب مؤقت. فتصور أنك على الأعراف وتنظر تارة إلى أهل الجنة وهم متنعمون فتتحسر لذلك وتنظر إلى أهل النار وهم يعذبون فينتابك الرعب والخوف وهو بالطبع عذاب نفسي أليم. فلنعلم أن السنوات التي نقضيها في هذه الدنيا هي التي ستجلب لنا هذه الحياة الأبدية. وإن الذي قد بلغ الأربعين من عمره فليعلم أنه قد ذهب ثلثا عمره والحال أن الأربعيني في أيامنا هذه يعتبر نفسه في عنفوان الشباب. وأما صاحب الستين فقد انتهى وقته.

انتظر جزاء أعمالك صغيرها وكبيرها

يقول سبحانه: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)[١]؛ أي ما يعمله في هذه الدنيا يراه في الآخرة، والآخرة إنما هي انعكاس لما نعلمه في الحياة الدنيا؛ فليس هناك من جديد. وصحيح أن باب الشفاعة مفتوح إلا أننا لا نعلم متى تنالنا الشفاعة وهل تشملنا أم لا؟ لئنه قد روي عن الصادق (ع) أنه قال: (إِنَّ شَفَاعَتَنَا لاَ تَنَالُ مُسْتَخِفّاً بِالصَّلاَةِ)[٢] ولا نريد التفصيل في هذه الرواية وفي هل أن المستخف هو التارك للصلاة أم المتقطع في إتيانها أو الذي يؤخرها عن وقتها من غير عذر؟

من هو أسعد الناس عند أمير المؤمنين (عليه السلام)؟

لقد روي عن أمير المؤمنين (ع) وهو إمام السعداء وهو الذي بدأ حياته بالبيت وختمها بالسعادة بالشهادة في بيت الله، أنه قال: (أَسْعَدُ اَلنَّاسِ مَنْ تَرَكَ لَذَّةً فَانِيَةً لِلَذَّةٍ بَاقِيَةٍ)[٣]؛ وهذا المبدأ واضح تماما، فكلمات أئمتنا (ع) تختلف عن بعض كلام المتفلسفين المعقد واصطلاحاتهم التي لا يعرف ذيلها من رأسها. وكذلك هو القرآن الكريم حيث أن كلماته البينة الواضحة أكثر بكثير من تلك المفردات الغريبة أو المعقدة.

إن الإمام (ع) يعطينا ضابطة وبين لنا الرؤية الصحيحة في الحياة وهو أن نقدم الباقي على الفاني دائما ولا نكون كالطفل المريض الذي يبكي لأجل قطعة من الحلوى التي تضره ويصر على أبيه للحصول عليها ويدع ما يعده أباه به من تضاعيف ذلك بعد شفائه. ولذلك قَالَ بَعْضُهُمْ: (لَوْ أَنَّ اَلدُّنْيَا مِنْ ذَهَبٍ يَفْنَى وَاَلْآخِرَةَ مِنْ خَزَفٍ يَبْقَى لَكَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَخْتَارَ مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى فَكَيْفَ وَقَدِ اِخْتَرْنَا خَزَفاً يَفْنَى عَلَى ذَهَبٍ يَبْقَى)[٤].

لقد سمعت كلمة جميلة من أحد العلماء – وعلمائنا هم خريجوا مدرسة أهل البيت (ع) – حيث قال: لو طلبت منك زوجتك قطعة من الذهب في يوم ميلادها ثم قلت لها: اصبري سنة واحدة وسأعطيك بدل القطعة منجما من الذهب. كم سيكون عقلها ناقصا لو قدمت القطعة من الذهب على منجم من الذهب بأكمله؟ إن الرب سبحانه يقول لنا: اترك مثلا قطعة من اللحم المحرم كقطعة من الدجاج غير المذكى ولو كنت في مطعم عالمي وسأطعمك بدل ذلك من لحوم طيور الجنة؛ ألا يجدر بك أن تقول لنفسك: دع هذا الطعام الفاني وخذ الباقي؟

إن يوسف الصديق (ع) وهو مظهر العفة؛ لو أنه استسلم لزلخيا قبل آلاف السنين لمتعة لا تتجاوز الدقائق هل كان ليخلد هذا الخلود؟ هل كانت لتنزل سورة من القرآن باسمه؟

فامتلك أنت أيضا هذا المنطق اليوسفي وكلما واجهت حراماً لا تنظر إلى ما أنت فيه؛ بل لتكن لك إرادة قوية تغلب فيها الباقي على الفاني. إنني كثيرا ما أقول للشباب عندما أذهب إلى الغرب: إن دراستكم في بلاد الغرب تستغرق أربع سنوات أو خمس وسوف ترجعون إلى أوطانكم فلا ترجعوا إليها وأنتم محملون بالكبائر من الذنوب التي ستترك بلا شك أثرا على حياتكم من ضيق في الرزق أو بعض الأمراض البدنية والنفسية؛ فالدنيا برمتها هي دار مؤقتة ومن كانت هذه رؤيته سوف لن يبقى للحرام جاذبية في نظره.

ولاية أهل البيت (عليهم السلام) السعادة الحقيقية

قد تكون سعادة الإنسان في العزم والحزم والذرية الصالحة واليقين وما شابه ذلك وكلها أمور جيدة إلا أن أمير المؤمنين (ع) يقول: (أَسْعَدُ اَلنَّاسِ مَنْ عَرَفَ فَضْلَنَا وَتَقَرَّبَ إِلَى اَللَّهِ بِنَا وَأَخْلَصَ حُبَّنَا وَعَمِلَ بِمَا إِلَيْهِ نَدَبْنَا وَاِنْتَهَى عَمَّا عَنْهُ نَهَيْنَا فَذَاكَ مِنَّا وَهُوَ فِي دَارِ اَلْمُقَامَةِ مَعَنَا)[٥] . فمن كان في طريق الولاية فهو على الجادة وما دام على الجادة فلا بد أن يسرع في السير ويبحث عن الكمال جهده، ثم يبين الإمام (ع) أنه ينبغي لهذا الموالي أن يتشبه بمواليه في مقام العمل ويبحث عن توصياتهم وأوامرهم وآدابهم وسننهم للعمل بما رغبوا والنهي عما حذروا.

إذا أدركتك الرقة فعليك بهذا الدعاء..!

وبكلمة موجزة: إذا رزقت الإقبال تحت قبة الحسين (ع) أو وضعت رأسك في الحجر أو في الطواف أو وصلت إلى الحطيم أو كنت في روضة النبي (ص) وأدركتك الرقة قل: يا رب لا أريد الجنة، فأنا أتوقعها؛ فلا أظنني أدخل النار بفضل ولاية أهل البيت (ع) والعمل بما قالوا ولكن يا الله يا رحمن أريد منك أن أعيش الأبدية بجوار محمد وآل محمد (ع) وأن أكون في رتبتهم مرافقاً لهم. وإن أكثرت هذا الدعاء إلى آخر العمر يرجى أن يستجاب لك ذلك.

[١] سورة الزلزال: ٧.
[٢] مستدرك الوسائل  ج١٧ ص٥٧.
[٣] عیون الحکم  ج١ ص١٢٢.
[٤] مجموعة ورّام  ج١ ص١٣٦.
[٥] غرر الحکم  ج١ ص٢١٢.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • كلما واجهت حراماً لا تنظر إلى ما أنت فيه؛ بل لتكن لك إرادة قوية تغلب فيها الباقي على الفاني. إنني كثيرا ما أقول للشباب عندما أذهب إلى الغرب: إن دراستكم في بلاد الغرب تستغرق أربع سنوات أو خمس وسوف ترجعون إلى أوطانكم فلا ترجعوا إليها وأنتم محملون بالكبائر من الذنوب.
  • إن يوسف الصديق (ع) وهو مظهر العفة؛ لو أنه استسلم لزلخيا قبل آلاف السنين لمتعة لا تتجاوز الدقائق هل كان ليخلد هذا الخلود؟ هل كانت لتنزل سورة من القرآن باسمه؟

 

Layer-5.png