- ThePlus Audio
من موجبات التخفیف من سکرات الموت
بسم الله الرحمن الرحيم
سنة الله سبحانه في ابتلاء العباد بالأمراض والأوجاع
إن الحديث عن السفر الذي نحن صائرون إليه؛ أي ذلك السفر الأبدي هو حديث لا بد أن نستوفي حقه ونمضي معه حتى نهايته. فإننا من البرزخ والقيامة نصير إلى الجنة أو إلى النار لا قدر الله، وهي مراحل لا بد أن نعد لها عدتها. وأستهل حديثي هذا بما جرى بين أمير المؤمنين (ع) وأخيه المصطفى (ص)، والعلاقة بينهما هي علاقة لا نظير لها، فهما كما قال سبحانه: (وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ)[١]، وقد آخاه النبي (ص) من بين المسلمين. وقبل ذلك لا بد أن ننوه إلى أن المعصومين (ع) كانوا يتعرضون للأوجاع والأمراض؛ فقد يظن البعض أن المرض أمر خاص به بل هي سنة الله عز وجل في الجميع على السواء. ولذلك قال إبراهيم (ع): (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[٢]؛ ومن المعلوم أن المرض يصاحبه الألم وتنتابه الآلام وبتعبير الأطباء توتر السلسلة العصبية في بدنه.
حوار بين النبي والوصي (عليهما الصلاة والسلام) حول شدة نزع روح الكافر
تقول الرواية: (إِنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ اِشْتَكَى عَيْنَهُ فَعَادَهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَإِذَا هُوَ يَصِيحُ)[٣]، ومن الطبيعي أن يظهر الإنسان تألمه إذا انتابه وجع. تقول الرواية: (فَقَالَ لَهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَ جَزَعاً أَمْ وَجَعاً، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا وَجِعْتُ وَجَعاً قَطُّ أَشَدَّ مِنْهُ)[٤]؛ أي أنه وجع لم يمر عليه مثله. فقال له النبي (ص) وهو المعلم له منذ أن كان صغيرا في مكة وهو كان يصلي خلفه وعين النبي (ص) كانت على أمير المؤمنين (ع) دائما: (يَا عَلِيُّ إِنَّ مَلَكَ اَلْمَوْتِ إِذَا نَزَلَ لِقَبْضِ رُوحِ اَلْفَاجِرِ نَزَلَ مَعَهُ بِسَفُّودٍ مِنْ نَارٍ فَنَزَعَ رُوحَهُ فَتَصِيحُ جَهَنَّمُ)؛ وقد أراد النبي (ص) بمخاطبته عليا (ع) أن يذكرنا نحن بعد قرون متمادية بهذه الحوارية. والسَّفُودُ، عود من حديد يُنظَمُ فيه اللحمُ ليُشوَى والذي ترونه في المطاعم. ولكن كيف تصيح جهنم؟ وهل تصيح بقولها: هل من مزيد؟ أم أنها فرحة بهذا الزبون الجديد؛ فجهنم هي مظهر انتقام الله عز وجل، وعندما يدخل كافر نار جهنم، فمن الطبيعي أن يكون ذلك من موجبات ارتياح الملائكة المعذبِّة؛ أي أن هذا الكافر أو هذا القاتل أو ما شابه ذلك قد نال جزائه.
ثم تقول الرواية: (فَاسْتَوَى عَلِيٌّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ جَالِساً فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَعِدْ عَلَيَّ حَدِيثَكَ فَقَدْ أَنْسَانِي وَجَعِي). ولا أدري هل كان علي (ع) نائما أم ماذا ولكن ذكر القيامة جعله يستوي جالسا. وللأسف الشديد من لا يبالي بهذا السفر يستمع إلى هذه الأحاديث وكأنها قصة من القصص العابرة؛ أما أمير المؤمنين (ع) وهو الساقي على حوض الكوثر وهو الذي يحضر نزع أرواح المؤمنين وهو إمام الإنس والجان في كل النشآت، هكذا يتفاعل مع الحديث النبوي حتى ينسى وجعه. والحال أن النبي (ص) لم يفصل كثيرا وإنما ذكر كيفية نزع روح الكافر. ثم يسأل أمير المؤمنين (ع) النبي (ص) فيقول: (فَهَلْ يُصِيبُ ذَلِكَ أَحَداً مِنْ أُمَّتِكَ قَالَ نَعَمْ: حَاكِمٌ جَائِرٌ وَآكِلُ مَالِ اَلْيَتِيمِ وَشَاهِدُ اَلزُّورِ).
دور بر الوالدين في التخفيف من سركات الموت
إن هذه المراحل وهي مراحل ما قبل النزع وحين النزع وبعد النزع؛ يطلق عليها سكرات الموت. وهذه السكرات ننتظرها جميعا ولكن كيف نخفف من وطئتها ونحن الآن أحياء وأيدينا مبسوطة والمال بين أيدينا والفرص متاحة، والبعض منا لا زال في شرخ الشباب وعنفوانه؟ إن هذه جميعها فرص ينبغي أن نستثمرها. أولاً، صلة الرحم وبر الوالدين. نحن لا نعلم التفاعلات والتأثيرات. فلو قال لنا قائل قبل عشرات السنين: أن هناك تأثير من قبل القمر على المد والجزر لما استوعبناه. ولكن ثبت علمياً الآن هذا المعنى وهو من المسلمات؛ فالهلال يرتفع وماء البحر يتناسب معه. وكما أن في عالم الطبيعة هناك تناسبات غير متوقعة بين الأشياء فكذلك في عالم الأوراح ومنها بر الوالدين.
البر بالوالدين حيين أو ميتين
وقد يتبادر إلى ذهن البعض أن بر الوالدين يكون بالوالدين الحيين ومن له والد ميت قد يظن أنه غير معني بهذا الحديث وقد فاتته الفرصة والأمر ليس كذلك. بل قد يكون الإنسان أبر بوالديه بعد موتهما منه في حياتهما. فعندما كان أبويه أحياء لم يقدم لهما من المال أو ما شابه ذلك ما يسد به خلتهما ولكنه بعد وفاتهما يصلي لهما في الليل ويستغفر لهما وهو خير من المال الذي كان عندهما في الدنيا.
غضب أمه عليه منعه من التهليل عند الاحتضار
وهناك رواية كلما أقف عليها أوجس في نفسي خيفة، فحتى أولياء الله كعلي (ع) كانت تتغير أحوالهم عند ذكر الموت. فقد روي الإمام الصادق (ع) أنه قال: (حَضَرَ رَسُولُ اَللَّهِ شَابّاً عِنْدَ وَفَاتِهِ فَقَالَ لَهُ قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ فَاعْتُقِلَ لِسَانُهُ مِرَاراً)[٥]. وهنيئا لمن كان عند الاحتضار عند مواليه، وآخر ما يلقن الميت التهليل ولكن الشاب اعتقل لسانه مرارا وهذا درس لنا حيث لا ينبغي أن نطمئن إلى أنفسنا عند الاحتضار فقد لا نوفق للتهليل والتكبير والتسبيح، فقد نموت فجأة بسكتة دماغية أو بموت سريري أو ما شابه ذلك. ثم إن هذا الشاب كان واعيا إلا أن لسانه كان معتقلا كما يعتقل الإنسان في السجن.
وهنا سأل النبي (ص) وهو طبيب دوار بطبه ويعلم مكمن الخلل: (فَقَالَ لاِمْرَأَةٍ عِنْدَ رَأْسِهِ هَلْ لِهَذَا أُمٌّ قَالَتْ نَعَمْ أَنَا أُمُّهُ فَقَالَ فَسَاخِطَةٌ أَنْتِ عَلَيْهِ قَالَتْ نَعَمْ مَا كَلَّمْتُهُ مُنْذُ سِتِّ حِجَجٍ قَالَ اِرْضَيْ عَنْهُ)[٦]؛ ولا يرد بالطبع طلب النبي (ص). فقالت: (رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ بِرِضَاكَ عَنْهُ)، فأنا أرضى وأنت ترضى ورب العالمين يرضى كذلك. تقول الرواية: (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اَللَّهِ قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ فَقَالَهَا). وفي هذا الحديث عيرة لنا؛ فلا يقولن أحدنا: أن والدي غضوب أو أن لي أم سريعة الغضب لا تشكر سعيي لها؛ فإنما علينا أن نعمل بتكليفنا. لقد رأيت أحد أولاد كبار متفان في خدمة والده فقلت في نفسي: إن خدمتك هذه لأبيك لأنه عالم رباني لا لأنه أبوك؛ وإنما الفخر كل الفخر أن تبتلى بوالد لا ترغب في أخلاقه ثم تبره وهذا البر هو الذي سيوصلك للمقامات العليا.
خلاصة المحاضرة
- إن من الأمور التي تهون على الإنسان سكرات الموت بره بوالديه؛ ولا نعلم السر في ذلك. فكما أن هناك تأثيرات وتفاعلات في عالم المادة كتأثير القمر على الجزر والمد؛ فكذلك الأمر في عالم الأرواح. فلو قيل لنا في السابق أن للقمر تأثير على ارتفاع منسوب المياه أو انخفاضه لما استوعبناه.