Search
Close this search box.
  • ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

من كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف الموت

بسم الله الرحمن الرحيم

ضرورة الحديث عن الحياة الأبدية

كما أننا نقضي الساعات الطويلة وعلى طول أيام السنة في بث المواعظ التي يتعلق جلها بمرحلة ما قبل الموت؛ فمقتضى الإنصاف والموازنة أن نجعل من تلك الساعات الطوال ما نتناول فيها الأحاديث التي تتعلق بالحياة الأبدية. وعلينا أن نعي هذه المعادلة المخيفة جيدا وهي: أن نجعل على يمين المعادلة السنوات القصيرة لنا في هذه الحياة ونجعل على يسارها السنوات الأبدية؛ فكل ثانية من ثواني عمرنا بل؛ أقل من الثانية – فأجهزتنا في هذه الأيام تحصي أجزاء الثانية أيضا – تعادلها مليارات الميارات من السنوات وهو تعبير خاطئ أيضا حيث أن مليارات المليارات عدد محدود كذلك.

سكرة الموت

إن سكرة الموت ستأتينا جميعا كما قال سبحانه: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ)[١]. إننا لن نذهب إليها وإنما هي التي سوف تأتينا؛ فالأمر ليس بأيدينا حتى نقول: يا رب…! أنا لا أريد هذه السكرات وإنما أريد ميتة هنيئة ثم أذهب إلى الجنة بعدها بغير حساب. أنه تمنَ جيد إلا أن الأمر ليس بيدنا. إنني أذكر أحد العلماء ذكر لي يوما: أنه كان له أستاذ صالح من أولياء الله وكان من كبار المراجع؛ بل من أساتذة المراجع – وإنني أعرف الناقل والمنقول عنه – وكان يقول: يا رب…! لي أمنيتان في دار الدنيا؛ أحدهما: أنني ملتزم بقراءة زيارة عاشوراء في كل يوم فلا تمتني إلا بعد قرائتي لهذه الزيارة، وثانيهما: أنني لا أريد أن أرى ما في البرزخ؛ أي ارفع عني هذه المراحل. وبالفعل فقد قرأ زيارة عاشوراء ثم نام ومات في نومته تلك، ولعله لم ير هذه السكرات.

من أروع ما وصف به الموت…!

ومن أروع ما قيل في الموت ما روي عن أمير المؤمنين (ع)؛ حيث لو فتشت الكتب يميناً وشمالاً؛ شرقاً وغرباً – أقولها بكل اطمئنان – سوف لن ترى وصفاً للموت بهذه الروعة، يقول (ع): (اِجْتَمَعَتْ عَلَيْهِمْ سَكْرَةُ اَلْمَوْتِ وَحَسْرَةُ اَلْفَوْتِ)[٢]؛ أي أنه يتذكر الحياة التي مضت وكما قال تعالى: (كَأَن لَّمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّنَ ٱلنَّهَارِ)[٣]. ولقد سمعت من بعض من كان على وشك الموت ثم رجع؛ أن حياته جميعها قد مرت عليه كفيلم قصير جدا؛ فهذه الدنيا بطولها وعرضها كانت أكنها ثواني معدودة، وهي هذه الحسرة القاتلة.

من أي عضو تبدأ الروح بالخروج من البدن؟

ثم يقول (ع): (فَفَتَرَتْ لَهَا أَطْرَافُهُمْ، وتَغَيَّرَتْ لَهَا أَلْوَانُهُمْ ثُمَّ اِزْدَادَ اَلْمَوْتُ فِيهِمْ وُلُوجاً)[٤]؛ يا له من بيان بديع..! ويفهم من هذه الكلمات أن الموت يبدأ من رجل الإنسان ثم يتجه نحو الصدر ثم إلى التراقي وكما في سورة الواقعة: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ)[٥]؛ فلا يموت الإنسان دفعة وإنما تدريجيا.

الموت التدريجي

ثم يكمل أمير المؤمنين (ع) وصفه للموت فيقول: (وَإِنَّهُ لَبَيْنَ أَهْلِهِ يَنْظُرُ بِبَصَرِهِ وَيَسْمَعُ بِأُذُنِهِ عَلَى صِحَّةٍ مِنْ عَقْلِهِ وَبَقَاءٍ مِنْ لُبِّهِ)[٦]؛ ولكنه لا يتكلم وهم ينظرون إليه ويظنون أنه قد مات ولكن ينتظرون به مجيء الطبيب للتوقيع على شهادة الموت وهو لا زال حيا وإن كان قلبه قد توقف ولكن رأسه ومخه لا يزالان يعملان كما نفهم من الرواية. ثم يقول (ع): (فِيمَ أَفْنَى عُمُرَهُ وَفِيمَ أَذْهَبَ دَهْرَهُ)[٧]. وأول حسرة هي ضياع العمر. ألا يجدر بنا التفكير في هذه النهاية ونحن في صحة وعافية؟

وأنذرهم يوم الحسرة…!

برمج لنفسك من الآن فالحسرة واقعة لا محالة وهو قوله سبحانه: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ)[٨]؛ ولن تهذب هذه الحسرة هيهات إنما نستطيع أن نقلل من شدتها؛ فبدل المائة نجعلها ثمانين أو سبعين. ثم يقول (ع): (يَتَذَكَّرُ أَمْوَالاً جَمَعَهَا أَغْمَضَ فِي مَطَالِبِهَا وَأَخَذَهَا مِنْ مُصَرَّحَاتِهَا وَمُشْتَبِهَاتِهَا)[٩]؛ تقول لأحدهم: يا فلان…! إن القرض هذا ربوي أو إن معاملتك هذه فيها غش فلا يبالي؛ فالمهم عنده ادخار الأموال لأهله وأولاده، ففي تلك الساعة كم ستكون حسرته كبيرة؟ ثم يقول (ع): (قَدْ لَزِمَتْهُ تَبِعَاتُ جَمْعِهَا وَأَشْرَفَ عَلَى فِرَاقِهَا تَبْقَى لِمَنْ وَرَاءَهُ يُنَعَّمُونَ بِهَا)؛ ولقد سمعت بمن ينتظر بوالده الموت أن ينزل به حتى يتمتع بأمواله وتركته. وقد يأتينا بعض الورثة ويقولون: أنهم لا يعلمون أن والدهم كان يخمس أم لا فما هو تكليفهم؟ والأصل أن يحملوه على الصحة. إن هذا الخمس بالمئات أو الآلاف يأكلونها الورثة حلال شرعيا ويقولون ظاهريا: أننا سألنا الفقيه وقال لنا: كلوه هنيئا مريئا. ولكن صاحبنا يتعذب في برزخه.

ليت أموالي كانت لمن يحسدني عليها…!

ثم يقول (ع): (يَعَضُّ يَدَهُ نَدَامَةً عَلَى مَا أَصْحَرَ لَهُ عِنْدَ اَلْمَوْتِ مِنْ أَمْرِهِ وَيَزْهَدُ فِيمَا كَانَ يَرْغَبُ فِيهِ أَيَّامَ عُمُرِهِ وَيَتَمَنَّى أَنَّ اَلَّذِي كَانَ يَغْبِطُهُ بِهَا وَيَحْسُدُهُ عَلَيْهَا قَدْ حَازَهَا دُونَهُ)[١٠]؛ كأن يكون له قصر فيقلو: ليت هذا القصر كان لمن كان يتمناه، مالي ولهذا القصر الذي بني من مال حرام، يقول: (يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ)[١١]. ثم يقول (ع): (فَلَمْ يَزَلِ اَلْمَوْتُ يُبَالِغُ فِي جَسَدِهِ حَتَّى خَالَطَ سَمْعَهُ فَصَارَ بَيْنَ أَهْلِهِ لاَ يَنْطِقُ بِلِسَانِهِ وَلاَ يَسْمَعُ بِسَمْعِهِ يُرَدِّدُ طَرْفَهُ بِالنَّظَرِ فِي وُجُوهِهِمْ يَرَى حَرَكَاتِ أَلْسِنَتِهِمْ وَلاَ يَسْمَعُ رَجْعَ كَلاَمِهِمْ ثُمَّ اِزْدَادَ اَلْمَوْتُ اِلْتِيَاطاً فَقَبَضَ بَصَرَهُ كَمَا قَبَضَ سَمْعَهُ وَخَرَجَتِ اَلرُّوحُ مِنْ جَسَدِهِ فَصَارَ جِيفَةً بَيْنَ أَهْلِهِ)[١٢]؛ ولذلك يقول الورثة عادة: لا تطيلوا دفن الميت؛ لأن التعفن أخذ يظهر عليه، ومن يعتقد بهذه النهاية ماذا يصنع ببدايته؟

[١] سورة ق: ١٩.
[٢] نهج البلاغة  ج١ ص١٥٩.
[٣] سورة يونس: ٤٥.
[٤] نهج البلاغة  ج١ ص١٥٩.
[٥] سورة الواقعة: ٨٣.
[٦] نهج البلاغة  ج١ ص١٥٩.
[٧] نهج البلاغة  ج١ ص١٥٩.
[٨] سورة مريم: ٣٩.
[٩] نهج البلاغة  ج١ ص١٥٩.
[١٠] بحار الأنوار  ج٦  ص١٦٤.
[١١] سورة الحاقة: ٢٧.
[١٢] بحار الأنوار  ج٦  ص١٦٤.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن سكرة الموت ستأتينا جميعا كما قال سبحانه: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ). إننا لن نذهب إليها وإنما هي التي سوف تأتينا؛ فالأمر ليس بأيدينا حتى نقول: يا رب، أنا لا أريد هذه السكرات وإنما أريد ميتة هنيئة ثم أذهب إلى الجنة بعدها بغير حساب. فحذار أن نفاجأ بمجيئها..!
Layer-5.png