- ThePlus Audio
من قواعد التأثير على الآخرين ٢
بسم الله الرحمن الرحيم
تكملة الخطبة السابقة حول قواعد التأثير على الآخرين
تحدثنا في خطبة سابقة عن أهمية البيان في الشأن الاجتماعي وترسيخ العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة وبين أرباب العمل ومن تحت أيديهم من الموظفين والعاملين وما شابه ذلك. وفي هذه الخطبة سنذكر قواعد أخرى مهمة في التأثير على الآخرين.
اختيار الوقت والمكان المناسبين
لقد وصلنا إلى القاعدة الثالثة وهي: الوقت المناسب والمكان المناسب. فقد يدخل الزوج إلى المنزل بعد أن قضى ثماني ساعات من العمل في شدة الصيف وهو يتصبب عرقا وقد ويحمل ما اشتراه للمنزل بيمينه وشماله وهو يتنهد عن الباب؛ فإذا بالزوجة تستوقفه عند الباب وتحاكمه؟ وأي وقت محاكمة هذا؟ لا بد لكلا الزوجين أن يختارا الوقت المناسب. وباعتقادي إن من أفضل الأوقات بعد الصلوات. فإذا رأيت زوجك في المحراب على مصلاه وقد انتهى من صلاته أو الزوجة في محرابها وعليها علامات الخشوع؛ اجلس إلى جانبها وقل لها ما في قلبك وإن كان عندك إشكال عليها أو على سلوكها أو حجابها فدونك فهو الوقت المناسب.
أو إنك تصادف زميلا لك أو شريكا في المسجد؛ خذه إلى زاوية من هذا المكان المقدس وقل له: يا فلان، إنك ظلمتني في الموضوع الفلاني مثلا. أو تريد أن تنصح ولدك وهو لا يأخذ بكلامك؛ فاذهب به إلى المشاهد وأوقفه تحت قبة الحسين (ع) أو قف بجوار الرضا (ع) أو في روضة النبي (ص) وتحدث إليه. وهكذا دأب العاقل اختيار الأماكن المناسبة والأزمنة المناسب.
قدم بين يدي نجواك صدقة..!
رابعا، أن تقوم بأمر إيجابي قبل أن تتكلم، وكما يقول سبحانه: (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً)[١]؛ فمن المتعارف أن الذي يعقد صفقة تجارية يهذب بالشريك إلى المطاعم الراقية ويقدم له طعاما شهيا ويتحدث إليه بعدما ينتهي من الطعام ويشعر بالراحة. ولقد رأيت في دولة من الدول أحد كبار التجار من الرأسماليين الكبار دعاني إلى منزله وكان له سكن فاخر. فقال لي: تعال لأريك شيئا. فأخذني إلى ملحقا في ذلك المنزل رائع الجمال وقد قل نظيره من حيث ما كان فيه من وسائل الترفيه؛ من مكان للسباحة ومكان للطعام وما شابه ذلك. فقلت له ما هذا؟ قال: عندما أريد أن أوقع عقدا مع أحدهم أستضيفه في هذا المكان لساعات أو لأيام؛ فإذا أراد أن يكتب الصك فقد السيطرة على تفكيره لأنه قد أصبح مرهونا لي والإنسان أسير الإنسان وهكذا هم أهل الدنيا.
فإن أردت التأثير على ولدك وكان صغيرا خذ له هدية وإن كان كبيرا فاصطحبه معك إلى شاطئ البحر وقدم له طعاما شهيا ثم تكلم معه. وأقول للطبيب: إنك من أكثر الناس تأثيرا؛ فإن عالجت مريضا ومن الله عليه بالشفاء على يديك وكان المريض سافرة نبهها إلى ذلك قبل أن تخرج من المستشفى؛ فالمريض يكون في حالة جيدة. وكذلك الذي يزور سجينا لجريمة ما – فالمسجون منكسر القلب – لا بأس أن يقدم له النصيحة في ذلك الموقف. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأساتذة في المدارس. إن بعض المدرسين في الحقيقة يدخل إلى قلبك وتحترمه أكثر من أبيك. والمدرس الناجح يستغل الفرصة لإسداء النصيحة لتلاميذه؛ فعند الإحسان والإكرام تلين القلوب.
تقديم الكلام في طبق عاطفي
خامساً؛ تقديم الكلام في طبق عاطفي. وإليك الشاهد القرآني. إن المال كله لرب العزة والجلال وأنت عبده، وبإمكانه أن يقول: ادفع رغم أنفك؛ ولكنه يقول لك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[٢]، أو يقول سبحانه: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا)[٣]. فهل هو المستقرض؟ أبداً، ولكنها العاطفه. إن رب العالمين يتودد إلى عباده وهو المنتقم الجبار وأنت تأبى ذلك؟
ضرب الأمثال
سادساً؛ الاستفادة من الأمثال. إن الأمثلة تقرب المعاني. فإن أردت أن تقول: يا فلان لا تهدم ما بنيت؛ اضرب له مثلا ضربه القرآن للناس وهو مثل حمقاء الجاهلية – والجاهليون كلهم حمقى إلا أن هذه المرأة اشتهرت بالحماقة – والتي كانت تغزل في النهار ثم تنقض في الليل ما غزلته في النهار فقد قال سبحانه: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا)[٤]. وكذلك ضرب سبحانه مثلا بلعما الذين كان ممن آتاه الله سبحانه آياته ولكنه انسلخ منها.
استعمال الأسلوب القصصي
سابعا؛ استعمال الأسلوب القصصي. والقرآن مليء بالقصص، وسورة يوسف من أولها إلى آخرها هي قصة. وهذا المسلسل الذي أنتج والذي يحكي قصة يوسف (ع). إنما اشتهر شهرة عالمية لئن القصة مثيرة وفيها كل عناصر الإثارة.
الدعاء لتليين القلب
ثامناً؛ الدعاء لتليين القلب. فطالما ذكرنا قصة موسى (ع) وفرعون؛ صاحب ذلك القلب العاصي الذي قل نظيره؛ بل لا نظير له في ملوك الأرض قريبا وبعيداً. لقد ادعى الألوهية وقال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)[٥]. وقال عنه سبحانه: (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ)[٦] ولكن رب العالمين لين قلبه. فإذا أردت أن تتكلم قل: يا رب – ولا داعي للأحراز الكذائية التي لا أصل لها – لين لي قلب فلان، يا مقلب القلوب والأبصار لين لي قلب فلان، سل الله عزوجل ويا حبذا لو أردفتها بركعتين خاشعتين.
المتابعة
تاسعاً؛ المتابعة. إن البعض يسمع الخطبة حول تربية الأولاد، ويتفاعل معها ليوم أو يومين؛ فيعمل على تربية ولده ويهتم بأهل بيته وبعد أسبوع يعود إلى سالف أيامه وينسى ما كان قد بدأ به. ولقد قرأت في تفسير قوله سبحانه: (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)[٧]، بغض النظر عن المعنى المعروف – ولعله الأوجه أن النبي (ص) تقلب في الأرحام والأصلاب الطاهرة – أن النبي (ص) كان حريصا على أصحابه وكان يتفقدهم في الليل ويرى من الذي يصلي صلاة الليل؟ فأهل الصفة كانوا في المسجد وكما كان يتفقدهم النبي (ص) بالطعام كان يتفقد بواطنهم وكان يرى الساجدين وتقلبك في الساجدين؛ يعني تفقدك للمصلين ليلاً وهذه هي المتابعة. وبالطبع لا بد أن تكون المتابعة غير مرهقة؛ فإن أكثرت العتاب واللوم حصلت على عكس النتيجة المطلوبة.
كن أسوة حسنة
عاشرا؛ كن أسوة حسنة. فلو تكلمت من الصباح إلى الليل عن الغيبة واستعملت القواعد المنطقية وضربت الأمثال القرآنية وقرأت قوله: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)[٨]؛ ولكنك في أول موقف تغتاب فلان وفلان، وبذلك أنت لم تنصع شيئا. ومن باب اللطفية يقال: أن قسا أراد أن يبشر بالنصرانية وكان قد جمع مجموعة من المسلمين في الكنيسة، وبعد أن أقنعهم بالنصرانية، انقطع تيار الكهرباء، ثم عاد، فعند ذلك ارتفعت الأصوات بالصلاة على محمد وآل محمد. فهل هؤلاء ممن يمكن أن يتأثروا؟
ولذلك روي عن أئمة أهل البيت (ع) أنه قالوا: (كُونُوا دُعَاةً لِلنَّاسِ بِغَيْرِ أَلْسِنَتِكُمْ)[٩]. ولهذا عندما نسأل بعض الشباب المنحرفين عن على انحرافهم يقولون: أن آبائنا وأمهاتنا هكذا كانوا؛ وأعظم بها من جريمة. إننا لا ندعي أننا أتينا على كل القواعد ولكن هذه القواعد العشر؛ اجعلها في بالك وإن تمرست فيها وأتقنتها صرت أباً أو زوجا أو صاحب عمل ناجح في إدارتك والأهم من كل ذلك صرت وجيهاً عند الله عزوجل.
خلاصة المحاضرة
- قد يدخل الزوج إلى المنزل بعد أن قضى ثماني ساعات من العمل في شدة الصيف وهو يتصبب عرقا وقد ويحمل ما اشتراه للمنزل بيمينه وشماله وهو يتنهد عن الباب؛ فإذا بالزوجة تستوقفه عند الباب وتحاكمه؟ وأي وقت محاكمة هذا؟ لا بد لكلا الزوجين أن يختارا الوقت المناسب إن كانا يبحثان عن التأثير.
- إن من أفضل الأوقات لحل النزاعات العائلية بعد الصلوات. فإذا رأيت زوجك في المحراب على مصلاه وقد انتهى من صلاته أو الزوجة في محرابها وعليها علامات الخشوع؛ اجلس إلى جانبها واستفرغ لها قلبك وإن كان عندك إشكال عليها أو على سلوكها أو حجابها فدونك دونك؛ فهو الوقت المناسب.
- إن رغبت يوما ما في نصح أولادك ورأيت إيائهم عن قبول نصحك وإعراضهم عما تدعوهم إليهم من الخير؛ فاذهب بهم إلى المشاهد المشرفة وأوقفهم تحت قبة الحسين (ع) أو قف معهم بجوار الرضا (ع) أو في روضة النبي (ص) وتحدث إليهم؛ فإنك سوف تنال مرادك من دون شك.
- من المتعارف أن الذي يعقد صفقة تجارية يهذب بالشريك إلى المطاعم الراقية ويقدم له طعاما شهيا ويتحدث إليه بعدما ينتهي من الطعام ويشعر بالراحة؛ فإن أردت التأثير على ولدك وكان صغيرا خذ له هدية وإن كان كبيرا فاصطحبه معك إلى شاطئ البحر وقدم له طعاما شهيا ثم تكلم معه.
- إن بعض المدرسين في الحقيقة يدخل إلى قلبك وتحترمه أكثر من أبيك. والمدرس الناجح هو الذي يستغل الفرصة لإسداء النصيحة لتلاميذه؛ فعند الإحسان والإكرام تلين القلوب.
- إن متابعة الأولاد أمر في غاية الأهمية لمن قد تولى تربيتهم وتهذيبهم. إن البعض يسمع الخطبة حول تربية الأولاد، ويتفاعل معها ليوم أو يومين؛ فيعمل على تربية ولده ويهتم بأهل بيته وبعد أسبوع يعود إلى سالف أيامه وينسى ما كان قد بدأ به.