- ThePlus Audio
من قواعد التأثير على الآخرين ١
بسم الله الرحمن الرحيم
فن البيان والتأثير على الآخرين
كثر في الآونة الأخير الحديث عن فن التأثير على الآخرين أو فن القيادة أو برمجة الغير أو إدارة الأشخاص في المعاهد العلمية وفي الجامعات حتى أصبح من أهم الأبحاث. ولهذا البحث بالتأكيد ثمرات كثيرة منها إصلاح الحياة الزوجية. لماذا يرفع الرجل يده على زوجته؟ أليس لأن لسانه قاصر عن بيان ما يريد؟ فلو كان ذلقا طليق اللسان لما استعمل يده. وهذا دأب الجاهل أن يستعمل يده؛ فأما العاقل فيكتفي بالكلمة أو الإشارة. إن النبي (ص) إذا كان لا يعجبه شيء أعرض عنه بوجهه.
إن الإنسان بحاجة إلى البيان سواء في حياته الزوجية أو في إدارته لعمله وفي التعامل من تحت يده. ولذلك يقال: إن المدير الناجح هو الذي يسيطر على قلوب من تحت يده، والذي يملك قلوبهم سيملك جوارحهم. وإلا فإنك لن تسيطر عليهم بالصراخ والعتاب والعقوبات. بل حتى إن الدول التي تريد أن توظف الطابور الخامس للتجس والفتنة؛ فإنهم يختارون من له بيان مؤثر على الآخرين. بل إن ما نراه اليوم من صور الفجائع والجرائم والقتل يقوم بها أفراد فقدوا السيطرة على عقولهم من قبل أصحاب البيان…! ولقد قال سبحانه: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)[١] وقال أيضا: (وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ)[٢]. من سيطر على هذه الجارحة ملك بها الشرق والغرب.
والحديث عن فن التأثير حديث مفصل إلا أننا سنذكر بعض قواعد هذا الفن الذي ألف حوله الكافر والمؤمن وكل قد تناول البحث من وجهة نظره، والمؤمن يستشهد بالشواهد الشرعية على أبحاثه؛ فلا بأس بمراجعتها وهي كثيرة.
الصمت خير أم الكلام؟
يظن البعض أن السكوت حسن دائما وهم خاطئون بالطبع. إني الذي يراد من السكوت لا ألا تكلم بل؛ ألا تتكلم حيث لا رجحان في الكلام. إن المؤمن يسكت للتفكير وفي باطنه كلام كثير. إنما الحديث هو عن سكوت البله لا العقلاء. لقد سمعت عن أحد أساتذتنا أن أحد كبار العلماء كان يستيقظ أحيانا؛ فلا يقوم من فراشه حتى يسجل قاعدة أصولية أو فقهية أو نكتة تفسيرية، فكانت تأتيه هذه الخواطر القرآنية والفقهية وما شابه ذلك وهو ساكت في فراشه.
وأما كلمة الفصل فنجدها عند إمامنا زين العابدين (ع)، فقد: (وَسُئِلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنِ اَلْكَلاَمِ وَاَلسُّكُوتِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آفَاتٌ فَإِذَا سَلِمَا مِنَ اَلْآفَاتِ فَالْكَلاَمُ أَفْضَلُ مِنَ اَلسُّكُوتِ، قِيلَ وَكَيْفَ ذَاكَ؟ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ قَالَ لِأَنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَا بَعَثَ اَلْأَنْبِيَاءَ وَاَلْأَوْصِيَاءَ بِالسُّكُوتِ إِنَّمَا يَبْعَثُهُمْ بِالْكَلاَمِ وَلاَ اُسْتُحِقَّتِ اَلْجَنَّةُ بِالسُّكُوتِ وَلاَ اُسْتُوْجِبَ وَلاَيَةُ اَللَّهِ بِالسُّكُوتِ وَلاَ تُوُقِّيَتِ اَلنَّارُ بِالسُّكُوتِ وَلاَ تُجُنِّبَ سَخَطُ اَللَّهِ بِالسُّكُوتِ إِنَّمَا ذَلِكَ كُلُّهُ بِالْكَلاَمِ وَمَا كُنْتُ لِأَعْدِلَ اَلْقَمَرَ بِالشَّمْسِ إِنَّكَ تَصِفُ فَضْلَ اَلسُّكُوتِ بِالْكَلاَمِ وَلَسْتَ تَصِفُ فَضْلَ اَلْكَلاَمِ بِالسُّكُوتِ)[٣]. فهل كان ليصلنا الغدير لو بقي في ذلك اليوم النبي (ص) ساكتا؟ وإنما نقي أنفسنا من النار بالكلام. ثم يبين الإمام (ع) أن الكلام كالشمس ولم يكن يعدل الشمس بالقمر وهو السكوت. وبقول له: إنك لو أردت أن تبين فضل السكوت تكلمت ولست تستطيع أن تبين فضل الكلام بالسكوت
وقد ورد في وصية أمير المؤمنين (ع) لابنه محمد بن الحنفية: (مَا خَلَقَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنَ اَلْكَلاَمِ وَلاَ أَقْبَحَ مِنْهُ بِالْكَلاَمِ اِبْيَضَّتِ اَلْوُجُوهُ وَبِالْكَلاَمِ اِسْوَدَّتِ اَلْوُجُوهُ)[٤]؛ فلا مشكلة في اللسان وإنما المشكلة في البيان.
وكما ذكرنا أن الغرب والشرق أخذوا تفصيلا وكتابة في موضوع التأثير على الآخرين، وسنذكر منها بعض القواعد. القاعدة الأولى؛ تنظيم الفكرة المنطقية. فبدل أن تنصح الزوجة وأنت منفعل؛ خذ ورقة وقلما وفكر من أين يجدر بك أن تبدأ الحديث معها وماذا ينبغي أن تقول لها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى العالم والخطيب؛ حيث له خلوة قبل ارتقاء المنبر يدون فيها الملاحظات المؤثرة. ولذلك اكتب الأفكار؛ إن أردت الحديث مع الزوجة أو الأولاد أو الأصدقاء والزملاء.
وسأذكر لك شاهدا من السنة النبوية. إننا إذا أردنا أن ننهى أحدهم عن ارتكاب الزنا ما كنا لنقول؟ ألسنا نقول له: خسئت يا فلان، أدخلك الله النار أو ما شابه ذلك من التعابير؟ إلا أن النبي (ص) دخل قلب هذا الرجل وفكره وقال له: أتحب أن يفعل ذلك بأختك وأرحامك؟ قال: لا أرضى. ثم قال: إن المجتمع النسائي كالأسرة فيهم أخت فلان وأم فلان وعمة فلان؛ فإذا لم ترضض ذلك لأهل بيتك فلا ترضاه لأهل بيت سائر الناس.
إنك تركب الطائرة التي دفعت من أجلها أغلى الأثمان وأنت مدمن على التدخين إلا أنك لا تدخن في الطائرة لأن ذلك شرط الدخول إليها؛ فكما تلتزم لسويعات بهذا القانون وما شابه ذلك من القوانين كربط الحزام؛ التزم وأنت بما أمرك الله به فأنت عبد مأمور خلقك الله عز وجل. فلا تنظر بعينك إلى الحرام ولا تتكلم بلسانك كلاما محرما فكما أنك لا تمتلك الطائرة فلتزم بشروطها؛ فكذلك لا تمتلك هذه الجوارح فعليك الالتزام بما شرع المالك لك وهو الله عز وجل. فلو امتلكت طائرة خاصة؛ فعندها افعل فيها ما يحلو لك. إن هذه الفكرة رغم بساطتها فكرة منطقية مؤثرة. ولذلك إن الذي أمامك إما كافر أو مسلم. فإن كان كافرا؛ فقل له: تنح عني. وإن كان مسلما. فقل له: إن كنت تعتقد أن لك مالكا وأنك مملوك له فالتزم بما أمرك به.
وثانيا: إن الذي يريد أن يقنع الغير يكون هادئاً مطمئناً. فالحق معك وأنت صاحب منطق، فلماذا تنفعل؟ قل كما قال النبي (ص) للمشركين: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[٥]؛ وهذا النبي (ص) الذي كان مؤيدا بالوحي يتكلم وهو مطمئن. لقد عبر أحدهم عن سلمان تعبيرا مهينا فقال له: إن في يوم القيامة يتبين أينا أحق بهذا التعبير..! وكذلك تجاسر أحدهم على أم إمامنا الباقر (ع) الذي ولدته الأرحام المطهرة، فقال له الإمام (ع): (إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ غَفَرَ اَللَّهُ لَهَا وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ غَفَرَ اَللَّهُ لَكَ)[٦] أو ذلك الشامي الذي تجاسر على الإمام زين العالبدين (ع) وكيف احتواه الإمام (ع) بكلامه.
خلاصة المحاضرة
- إن الذي يريد أن يقنع الغير يكون هادئاً مطمئناً. فالحق معك وأنت صاحب منطق، فلماذا تنفعل؟ قل كما قال النبي (ص) للمشركين: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).
- إن الإنسان بحاجة إلى البيان سواء في حياته الزوجية أو في إدارته لعمله وفي التعامل من تحت يده. ولذلك يقال: إن المدير الناجح هو الذي يسيطر على قلوب من تحت يده، والذي يملك قلوبهم سيملك جوارحهم. وإلا فإنك لن تسيطر عليهم بالصراخ والعتاب والعقوبات.
- يظن البعض أن السكوت حسن دائما وهم خاطئون بالطبع. إني الذي يراد من السكوت لا ألا تكلم بل؛ ألا تتكلم حيث لا رجحان في الكلام. إن المؤمن يسكت للتفكير وفي باطنه كلام كثير. إنما الحديث هو عن سكوت البله لا العقلاء.