- ThePlus Audio
من قصص التشرف بلقاء الإمام المهدي (عجل الله فرجه)؛ خدمة الوالد أم لقاء الإمام؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الدروس المستفادة من اللقاء بالإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)
من أهم ما يستفيده المؤمن من قصص الذين تشرفوا بلقاء صاحب العصر والزمان (عج) هو التفات الإمام وعنايته بمحبيه. والإمام مظهر حكمة الله تبارك وتعالى. فإذا كان لقمان الحكيم، قد أوتي الحكمة، فكيف بمن هو خاتم الأوصياء ومن سيأتي المسيح بن مريم ليصلي خلفه في بيت المقدس؟
عناية الإمام (عجل الله فرجه) بمحبيه
فالإمام (ع) حاله كحال جده رسول الله (ص) الذي كان يقول: (لِي مَعَ اَللَّهِ وَقْتٌ لاَ يَسَعُنِي مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ)[١]؛ إذ لكل نبي ومعصوم خلوته مع الله عز وجل يناجي فيها ربه ولا يلتفت فيها إلى ما سواه إلا أن يكون فيه عذر مبرر أو قابلية في الملتفت إليه من حب شديد أو ورطة بليغة أو استغاثة صادقة أو يقين واعتقاد راسخ به وبعناياته في زمن الغيبة.
ومنذ غيبة الإمام وحتى يومنا هذا تواترت قضايا التشرف برؤيته من قبل العلماء وخصوصا المبرزين منهم: كالسيد بحر العلوم، والأنصاري، والشيخ المفيد، وغيرهم. إن رؤية الإمام هي من الأمور التي يبحث عنها المؤمنون؛ بل هي التي يطلبونها في دعاء العهد بقولهم: (اللهم أرنا الطلعة الرشيدة، والغرّة الحميدة) ولكن ليست رؤية الإمام هي كل شيء. إن المؤمن المحب يناجي ربه ويستغيث بالإمام عسى ولعل أن يكون من ضمن من يدعو لهم الإمام في جوف الليل، وإذا دعا له الإمام مرة واحدة هل ستبقى من ذنوبه ذرة؟ وهل يخشى من الضياع والتشتت والتيه في الحياة من تكفله الإمام؟
خدمة الوالد أم لقاء الإمام..!
ومن هذه اللقاءات التي تمت لهدف وعبرة ما نقله العلامة المجلسي في بحاره: (وأخبر الشيخ باقر عن رجل صادق اللهجة كان حلاقا وله أب كبير مسن)[٢] وفي الحقيقة أن الابتلاء بالوالد كبير السن من الابتلاءات الصعبة؛ فمن ناحية ينبغي أن يتم العناية به وتقديم الخدمة له لما له من حق الأبوة إلى اللحظات الأخيرة من الحياة، ومن ناحية أخرى قد تتبرم النفس ويثقل عليها الأمر خصوصا إذا كان الوالد مقعدا أو يحتاج إلى من يباشر خدمته بنفسه، وفي أفضل تقدير يقوم الولد بالخدمة ولكن على مضض وهو يتمنى في نفسه التخلص منه سريعا وقد يدعو عليه بالموت.
ثم يقول: (وهو لا يقصر في خدمته، حتى أنه يحمل له الإبريق إلى الخلاء، ويقف ينتظره حتى يخرج فيأخذه منه ولا يفارق خدمته إلا ليلة الأربعاء فإنه يمضي إلى مسجد السهلة ثم ترك الرواح إلى المسجد، فسألته عن سبب ذلك، فقال: خرجت أربعين أربعاء فلما كانت الأخيرة لم يتيسر لي أن أخرج إلى قريب المغرب فمشيت وحدي وصار الليل، وبقيت أمشي حتى بقي ثلث الطريق، وكانت الليلة مقمرة)[٣]، ومن الطبيعي أن يحرص الرجل على إكمال العمل بعد أن التزم أربعين ليلة على أمل أن يرى شيئا أو يحظى بشيء وكما هو معلوم فقد دار الأمر بين العناية بوالده وإكمال العمل ثم بدا له أن يكمل العمل.
يقول: (فرأيت أعرابيا على فرس قد قصدني فقلت في نفسي هذا سيسلبني ثيابي فلما انتهى إلي كلمني بلسان البدو من العرب، وسألني عن مقصدي، فقلت: مسجد السهلة، فقال: معك شيء من المأكول؟ فقلت: لا، فقال: أدخل يدك في جيبك – هذا نقل بالمعنى – وأما اللفظ ” دورك يدك لجيبك ” فقلت: ليس فيه شئ فكرر علي القول بزجر حتى أدخلت يدي في جيبي، فوجدت فيه زبيبا كنت اشتريته لطفل عندي، ونسيته فبقي في جيبي) وكانت هذه علامة أولى أن يخبره الإمام بما عنده . ألم يكن النبي عيسى (ع) يخبر الناس بما يدخرون في بيوتهم؟ فهي صفة من صفات الأولياء.
يقول: (ثم قال لي الأعرابي: أوصيك بالعود، أوصيك بالعود، أوصيك بالعود – والعود في لسانهم اسم للأب المسن، ثم غاب عن بصري فعلمت أنه المهدي عليه السلام وأنه لا يرضى بمفارقتي لأبي حتى في ليلة الأربعاء فلم أعد)[٤].
الدرس العملي من هذه القصة
إن في الشريعة باب واسع ومهم، يسمى باب التزاحم: أي هنالك مهم وهنالك أهم. وهنالك راجح، وهنالك مرجوح. وهنالك واجب، وهنالك مستحب. فعندما يرى الشيطان بأنه لا يمكن أن يشغل هذا الإنسان بالحرام؛ يشغله بما هو دون المطلوب منه؛ فيشغله بالمستحب عن الواجب، ويشغله بالمهم عن الأهم.
البرنامج اليومي للمؤمن
المؤمن الذي يراقب نفسه والولي الصالح – لا أهل الادعاءات الكاذبة – يرى أن له في كل ساعة وظيفة تختلف عن غيرها من الساعات. فإن أمضى ساعة من ليلته مع أهله؛ يفكر فيم يمضي مثلها من الساعات. هل يمضيها في مجالس العلم أو في تنفيس كربة مؤمن أو أن الأفضل أن يمضيها في صلة رحم وما شابه ذلك من الأمور الراجحة في تلك الساعة. وهنيئا لمن يستيقظ صباحا ويدون ما عليه فعله حتى المساء. أين يذهب بعد العمل؟ وإلى أي مجلس يتجه؟ ومن يصاحب من الناس؟ ومن الذين يزورهم؟ وماذا عليه أن يقرأ؟ وما الدعاء الذي ينبغي أن يهتم به؟ ثم جعل ساعة للمناجاة وساعة للتعلم والتفكر وهكذا.
فإن وفق في ما رسم لنهاره وليله استحق الحب الإلهي لأنه فكر واهتم لأمره وراقب نفسه وإن كان مخطئا في ترتيب بعض الأولويات. وهو ما تبين لنا من خلال قصة لقاء العبد بمولاه صاحب العصر (عج) إذ كان يرقب ليلة الأربعاء للاتجاه إلى مسجد سهلة والشروع في ورده إلا أنه تبين له أن خدمة الوالدين مقدمة على لقاءه ذلك على الرغم من أهميته.
خلاصة المحاضرة
- إن لقاء الإمام صاحب العصر (عج) لهو أمنية كل مؤمن ولكنه ليس ذلك الهدف النهائي الذي يبحث عنه المؤمن. فلو ناجى المؤمن ربه واستغاث بإمام زمانه في أن يكون ممن يذكرهم الإمام في جوف الليل لخرج بخير الدنيا والآخرة وإن لم يتسنى له شرف اللقاء.
- المؤمن الذي يراقب نفسه والولي الصالح – لا أهل الادعاءات الكاذبة – يرى أن له في كل ساعة وظيفة تختلف عن غيرها من الساعات. فإن أمضى ساعة من ليلته مع أهله؛ يفكر فيم يمضي مثلها من الساعات. هل يمضيها في مجالس العلم أو في تنفيس كربة مؤمن أو أن الأفضل أن يمضيها في صلة رحم.