- ThePlus Audio
من قصص التشرف بلقاء الإمام الحجة (عج)
من قصص التشرف بلقاء الإمام صاحب العصر الزمان (عجل الله فرجه)
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا تتميز هذه القصة عن غيرها من قصص اللقاء بالإمام
إن الخصوصية الأولى لهذه القصة، أنها وقعت في السنوات المتأخرة، في هذا القرن الأخير. والخصوصية الأخرى أن الذي التقى بالإمام لم يكن من رجال الدين، ولا من العلماء المعروفين، وإنما هو من عامة الناس. والفرق بين عرضنا لهذه القصص وبين السرد المجرد لها؛ أننا نتلمس النقاط المهمة والخصوصيات البارزة في من التقوا بالإمام والتي استهوته (ع) فحصل اللقاء؛ حتى نخرج منها بفائدة عملية.
أهمية قصص اللقاء بالإمام (عجل الله فرجه)
ولو راجعنا كل قصة من هذه القصص لأصبحت لدينا صورة إجمالية عن المواصفات المطلوبة للمؤمن الذي يريد أن يحظى برعايته؛ لا بلقائه فحسب. إذ أن اللقاء أمر جانبي لا يهمنا بقدر الذي يهمنا التفاتة الإمام، ورعايته لمحبيه في زمان الغيبة. وبحسب الرواية التي تعد النبي والوصي أبوا هذه الأمة أصبحنا أيتام بذهابهم، ومن أولى بنا من صاحب الأمر (ع) أن يمسح بيده على رؤوسنا. ألسنا نقرأ في الأدعية: (اَللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنَا صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَغَيْبَةَ وَلِيِّنَا)[١].
يقول الراوي لهذه القصة: (في سنة من سني عشرة السبعين، كان عندي مقدارٌ من مال الإمام (ع)، عزمتُ على إيصاله إلى العلماء الأعلام في النجف الأشرف، وكان لي طلبٌ على تجارها، فمضيتُ إلى زيارة أمير المؤمنين صلوات الله عليه في إحدى زياراته المخصوصة، واستوفيتُ ما أمكنني استيفاؤه من الديون التي كانت لي، وأوصلت ذلك إلى متعددين من العلماء الأعلام من طرف الإمام (ع). لكن لم يفِ بما كان عليّ منه، بل بقي عليّ مقدار عشرين توماناً، فعزمتُ على إيصال ذلك إلى أحد علماء مشهد الكاظمين. فلما رجعت إلى بغداد، أحببت أداء ما بقي في ذمتي على التعجيل، ولم يكن عندي من النقد شيءٌ، فتوجّهتُ إلى زيارة الإمامين (ع) في يوم خميس، وبعد التشرّف بالزيارة دخلتُ على المجتهد – دام توفيقه – وأخبرته بما بقي في ذمتي من مال الإمام (ع)، وسألته أن يحوّل ذلك عليّ تدريجاً)[٢].
قد يكون في ذمة البعض حقوق شرعية لا يمكنه أداؤها؛ فيتاسهل ويسوف. وإنما ينبغي له أن يذهب إلى وكيل المجتهد، ويسلمه المال، ثم يرجعه له مقسّطا؛ فبذلك يكون قد أدى الخمس. وأما ما بقي في ذمته إنما هو دَينٌ بينه وبين عالم الدين، أو مرجع التقليد. وهذه هي الطريقة المثلى للتخلص من الخمس، إن لم يكن له في ذلك سيولة نقدية. وهذا ما فعله صاحب قصتنا هذه.
يقول: (ورجعتُ إلى بغداد في أواخر النهار، حيث لم يسعني لشغلٍ كان لي، وتوجّهتُ إلى بغداد ماشياً، لعدم تمكني من كراء دابة. فلما تجاوزتُ نصف الطريق، رأيتُ سيداً جليلاً مهاباً، متوجهاً إلى مشهد الكاظمين (ع) ماشياً. فسلّمتُ عليه فردّ عليَّ السلام، وقال لي: يا فلان – وذكر اسمي – لِمَ لم تبقَ هذه الليلة الشريفة – ليلة الجمعة – في مشهد الإمامين؟ فقلت: يا سيدنا! عندي مطلبٌ مهمٌّ، منعني من ذلك. فقال لي: ارجع معي. وبت هذه الليلة الشريفة عند الإمامين (ع)، وارجع إلى مهمّك غداً إن شاء الله. فارتاحت نفسي إلى كلامه، ورجعتُ معه منقاداً لأمره. ومشيتُ معه بجنب نهرٍ جارٍ، تحت ظلال أشجارٍ خضرةٍ نضرةٍ، متدلية على رؤوسنا، وهواء عذب. وأنا غافلٌ عن التفكّر في ذلك، وخطر ببالي أنّ هذا السيد الجليل سمّاني باسمي، مع أني لم أعرفه)[٣].
وقال: (ثم قلت في نفسي: لعله هو يعرفني وأنا ناسٍ له. ثم قلت في نفسي: إنّ هذا السيد كأنه يريد مني من حقّ السادة، وأحببتُ أن أوصل إلى خدمته شيئاً من مال الإمام الذي عندي. فقلت له: يا سيدنا! عندي من حقكم بقيةٌ، لكن راجعتُ فيه جناب الشيخ الفلاني لأؤدي حقكم بإذنه – وأنا أعني السادة – فتبسّم في وجهي، وقال: نعم، وقد أوصلتَ بعض حقنا إلى وكلائنا في النجف الأشرف أيضاً. وجرى على لساني أني قلت له: ما أديته مقبولٌ؟ فقال: نعم، ثم خطر في نفسي أنّ هذا السيد يقول: بالنسبة إلى العلماء الأعلام وكلائنا، واستعظمتُ ذلك: ثم قلت: العلماء وكلاء على قبض حقوق السادة، وشملتني الغفلة)[٤].
وقال: (ثم قلت: يا سيدنا! قرّاء تعزية الحسين (ع) يقرؤون حديثاً: أنّ رجلاً رأى في المنام هودجاً بين السماء والأرض، فسأل عمن فيه، فقيل له: فاطمة الزهراء وخديجة الكبرى، فقال: إلى أين يريدون؟ فقيل: زيارة الحسين (ع) في هذه الليلة ليلة الجمعة، ورأى رقاعاً تتساقط من الهودج، مكتوبٌ فيها أمانٌ من النار لزوّار الحسين (ع) في ليلة الجمعة. هذا الحديث صحيح؟ فقال (ع): نعم، زيارة الحسين (ع) في ليلة الجمعة أمانٌ من النار يوم القيامة. فهو لم يعلق على مسألة الهودج، لأن ذلك منام. ولكنه أعطى رأي في زيارة الحسين (ع) في ليلة الجمعة)[٥].
قال: (وكنت قبل هذه الحكاية بقليلٍ، قد تشرّفت بزيارة مولانا الرضا (ع)، فقلت له: يا سيدنا! قد زرتُ الرضا علي بن موسى (ع)، وقد بلغني أنه ضمن لزوّاره الجنة، هذا صحيح؟ فقال (ع): هو الإمام الضامن فقلت: زيارتي مقبولة؟ فقال (ع): نعم، مقبولة. وكان معي في طريق الزيارة رجلٌ متديّنٌ من الكسبة، وكان خليطاً لي وشريكاً في المصرف. فقلت له: يا سيدنا! إنّ فلاناً كان معي في الزيارة، زيارته مقبولة؟ فقال: نعم، العبد الصالح فلان بن فلان زيارته مقبولة. ثم ذكرتُ له جماعةً من كسبة أهل بغداد، كانوا معنا في تلك الزيارة وقلت: إنّ فلاناً وفلاناً وذكرت أسماءهم كانوا معنا، زيارتهم مقبولة؟ فأدار (ع) وجهه إلى الجهة الأخرى، وأعرض عن الجواب)[٦].
إن الإمام الضامن، ولكن الإمام ضامن لمن له القابلية. فالإنسان عندما يزور المشاهد المشرفة، يتعرّض لأجواء الرحمة. ولكن لا بد من كسب القابلية. ولهذا نلاحظ أنه من علائم الزيارة، أو من سمات زيارة المعصومين (ع)، مناجاة رب العالمين، والاستغفار، وغسل الزيارة، وصلاة ركعتين. ولو نلاحظ زيارة أمين الله لرأينا ما فيها من فقرات الالتجاء الكثيرة إلى الله سبحانه وتعالى وفي زيارة الرضا (ع) نقول: (يَا أَمِينَ اَللَّهِ إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ اَللَّهِ تَعَالَى ذُنُوباً قَدْ أَثْقَلَتْ ظَهْرِي وَمَنَعَتْنِي مِنَ اَلرُّقَادِ وَذِكْرُهَا يُقَلْقِلُ أَحْشَائِي)[٧]. وهذا الذي علمنا إياه أهل البيت (ع). وأين هذا ممن يدّعي الشرك، وعبادة القبور، والتوسل بمن لا حياة لهم؟ فنحن عندما نذهب إلى تلك القباب السامية لإصلاح علاقتنا مع رب العالمين؛ إنما نتخذهم وسيلة امتثالا لأمر الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)[٨].
ثم قال: (فهبته وأكبرته وسكتُّ عن سؤاله، فلم أزل ماشياً معه على الصفة التي ذكرتها، حتى دخلنا الصحن الشريف، ثم دخلنا الروضة المقدسة من الباب المعروف بباب المراد، فلم يقف على باب الرواق، ولم يقل شيئاً حتى وقف على باب الروضة من عند رجلي الإمام موسى (ع)، فوقفت بجنبه، وقلت له:
يا سيدنا! اقرأ حتى أقرأ معك، فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين، وساق على باقي أهل العصمة (ع) حتى وصل إلى الإمام الحسن العسكري (ع)؛ ثم التفت إليّ بوجهه الشريف، ووقف متبسّماً وقال: أنت إذا وصلت إلى السلام على الإمام العسكري، ما تقول؟ فقلت: أقول: السلام عليك يا حجّة الله! يا صاحب الزمان! قال: فدخل الروضة الشريفة، ووقف على قبر الإمام موسى (ع) والقبلة بين كتفيه. فوقفتُ إلى جنبه، وقلت: يا سيدنا! زرْ حتى أزور معك، فبدأ (ع) بزيارة أمين الله الجامعة المعروفة).
تطلق الزيارة الجامعة تارة على الزيارة الجامعة المعروفة الطويلة، وتطلق تارة أخرى على زيارة أمين الله؛ لأنها زيارة يزار بها جميع المعصومين (ع)، مع تغييرٍ في بعض العبارات بالنسبة الى أمير المؤمنين (ع).
ثم قال: (فزار بها وأنا أتابعه، ثم زار مولانا الجواد (ع)، ودخل القبة الثانية قبة محمد بن علي (ع)، ووقف يصلي فوقفتُ إلى جنبه متأخراً عنه قليلاً، احتراماً له، ودخلتُ في صلاة الزيارة. فخطر ببالي أن أسأله أن يبات معي تلك الليلة، لأتشرّف بضيافته وخدمته، ورفعتُ بصري إلى جهته، وهو بجنبي متقدّماً عليّ قليلاً فلم أره. فخففتُ صلاتي وقمتُ، وجعلتُ أتصفّح وجوه المصلين والزوّار، لعلي أصل إلى خدمته، حتى لم يبق مكانٌ في الروضة والرواق إلا ونظرتُ فيه. فلم أر له أثراً أبداً، ثم انتبهتُ وجعلتُ أتأسف على عدم التنبه لما شاهدته من كراماته وآياته، من انقيادي لأمره مع ما كان لي من الأمر المهم في بغداد، ومن تسميته إياي مع أني لم أكن رأيته ولا عرفته)[٩].
وقال: (ولما خطر في قلبي أن أدفع إليه شيئاً من حق الإمام (ع)، وذكرتُ له أني راجعت في ذلك المجتهد الفلاني لأدفع إلى السادة بإذنه، قال لي ابتداءً منه: نعم، وأوصلت بعض حقنا إلى وكلائنا في النجف الأشرف. ثم تذكرتُ أني مشيتُ معه بجنب نهرٍ جارٍ، تحت أشجارٍ مزهرةٍ متدليةٍ على رؤوسنا، وأين طريق بغداد وظل الأشجار الزاهرة في ذلك التاريخ؟ وذكرتُ أيضا أنه سمى خليطي في سفر زيارة مولانا الرضا باسمه، ووصفه بالعبد الصالح، وبشّرني بقبول زيارته وزيارتي. ثم إنه أعرض بوجهه الشريف عند سؤالي إياه، عن حال جماعة من أهل بغداد من السوقة، كانوا معنا في طريق الزيارة، وكنت أعرفهم بسوء العمل، مع أنه ليس من أهل بغداد، ولا كان مطّلعاً على أحوالهم، لولا أنه من أهل بيت النبوة والولاية، ينظر إلى الغيب من وراء سترٍ رقيقٍ)[١٠].
ثم قال: (ومما أفادني اليقين بأنه المهدي (ع)، أنه لما سلّم على أهل العصمة (ع) في مقام طلب الإذن، ووصل السلام إلى مولانا الإمام العسكري، التفت إليّ وقال لي: أنت ما تقول إذا وصلت إلى هنا؟ فقلت: أقول: السلام عليك يا حجة الله! يا صاحب الزمان! فتبسّم ودخل الروضة المقدسة، ثم افتقادي إياه وهو في صلاة الزيارة، لما عزمت على تكليفه بأن أقوم بخدمته وضيافته تلك الليلة، إلى غير ذلك مما أفادني القطع، بأنه هو الإمام الثاني عشر صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين، والحمد لله رب العالمين)[١١].
وقد حصل للرجل الشرف بلقاء الإمام لأنه تجشم عناء السفر لإيصال حق الإمام (ع) إلى الوكلاء. ونستطيع القول: أن من الذين يشتاق الإمام (ع) لرؤيتهم هم الذين يكترثون للفقراء والمساكين ويخرجون حق الإمام من أموالهم. إذ كيف يظهر الشوق لإمامه من يأبى أن يدفع الخمس من ماله؟ فإذا لم يتمكن من دفع الخمس؛ فليتصالح، أو ليستأذن، أو يقسط أو يكتب ما في ذمته من الحقوق لحين وقت التسديد.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- هنالك الكثير من المؤمنين لهم شوق كبير للقاء الإمام المهدي (ع). ولكن هل سأل أحدنا عن المواصفات التي يحبها الإمام (ع) في مواليه؟ وهل سعى لتحقق تلك المواصفات في نفسه؟
- لا شك في أن زيارة المعصومين (ع) هي من الأمور العظيمة عند الله عز وجل وهي من الأمور التي تستجلب الرحمة وتعرض الإنسان للمغفرة. ولكن الذي يذهب إلى الإمام وهو غير صادق في تعامله مع المؤمنين؛ كأن يكون تاجرا يغش المؤمنين في العبادة، فهو بلا شك قد حرم نفسه من عناية الإمام.