- ThePlus Audio
من قصص التشرف بالإمام المهدي (عج)
بسم الله الرحمن الرحيم
سر التشرف بالإمام المهدي (عجل الله فرجه)
إن الذين رأوا إمام زمانهم؛ إنما رأوه لشدة شوقهم أو لشدة ابتلائهم وليس على نحو السفارة. فإن السفارة انقطعت بموت السفراء الأربعة. وهؤلاء لا يدّعون السفارة والنيابة، والذي يدعي ذلك فهو ملعون. وهذه القصص تدل على عناية الإمام (ع) بمحبيه وشيعته. فالإمام (ع) مظهر للصفات الإلهية في الأرض بمقدار ما تحتمله البشرية من صفات الربوبية، والمعصوم في كل عصر يمثل هذه الصفات. فعلى المؤمن أن يتخلق بأخلاق الله عز وجل، وكان النبي (ص) يقول: (أَدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي)[١]. فينبغي لكل مؤمن أن يتشبه بخصال الله عز وجل بالمقدار الذي يستطيعه. فكما أن الله رحيم؛ فإن على المؤمن أن يكون رحيما بالناس. والمعصوم في كل عصر يمثل قمة العناية، واللطف، والسخاء، والرأفة، والحنان، بمن يعيش في ذلك العصر.
إن هذه القضية ينقلها سيد جليل يعد كبار العارفين والسالكين على امتداد زمان الغيبة. وهو ممن يعد على أصابع اليد من علماء الإمامية من أمثاله. وهو السيد الجليل علي بن طاووس رحمه الله. وقد كان في منتهى درجات المراقبة ومحاسبة النفس. ولو تأملنا كتبه: مهج الدعوات، والإقبال، وغيرها لا نكاد نجد شبيها لهذا السيد من بين علمائنا الأبرار رضوان الله عليهم أجمعين. فهو يتكلم وكأنه على ارتباط بالمبدأ الأعلى وبالمحل الأعلى وهذا ما يبدو عنه في جميع كتاباته.
وهذه القضية ينقلها في كتابه مهج الدعوات، ويذكر أن هذا الأمر وجده في سنة ٣٩٦، فهي قضية قديمة عن مئات السنين، والسيد ينقل هذا الأمر، مقدمةً لدعاء العلوي المصري، والدعاء المعروف في أوساط الداعين، وهو من الأدعية المعروفة لقضاء الحوائج، ولهذا الدعاء قصة وقضية وهي كالتالي:
قال محمد بن علي العلوي الحسيني، وكان يسكن بمصر: إن محبي أهل البيت في كل العصور كانوا متناثرين في شرق الأرض وغربها، (يقول: دهمني أمرٌ عظيمٌ وهمٌّ شديدٌ، من قِبَل صاحب مصر، فخشيته على نفسي، وكان قد سعى بي إلى أحمد بن طولون).
وأحمد بن طولون يعد من مؤسسي الدولة الطولونية في مصر.
(فخرجت من مصر حاجّاً، وسرت من الحجاز إلى العراق، فقصدت مشهد مولاي الحسين بن علي – صلوات الله عليهما – عائذاً به، ولائذاً بقبره، ومستجيراً به من سطوة من كنت أخافه).
رأى هذا السيد العلوي، بأن النجاة بعد الذهاب إلى الحج هو ذلك المكان الذي ينظر الله عز وجل فيه إلى أهل عرفة، وهو الذهاب إلى الحسين (ع)،لأنه ينظر إلى زوار قبر الحسين (ع) قبل أن ينظر إلى أهل عرفة.
(فأقمت بالحائر خمسة عشر يوماً، أدعو وأتضرع ليلي ونهاري).
قد يبتلى البعض أحيانا بابتلاءات تتحول عندهم إلى اكتئاب،وغضب على الأهل والعيال، وإلى تبرم بالزمان. وقد يؤدي بهم إلى الكفر، وتحدي رب العالمين، والعتب على القضاء والقدر. وقد يصل الأمر عند البعض إلى الجنون، أو إلى الانتحار. وهؤلاء هم أهل الدنيا الذين لم يركنوا إلى ركن وثيق. ولكن العلوي المصري قد اختار طريقا آخر؛ فهو يخرج من تلك البلاد البعيدة، ويذهب إلى بيت ربه، ومن ثم يلتجىء إلى الحائر الحسيني، مقيما به يتضرع ليله ونهاره.
(فتراءى لي قيّم الزمان وولي الرحمن (ع)).
نعم، الإمام في كل عصر هو القيّم على أهل ذلك العصر، وهو الذي يمثل رب العالمين في هذا الوجود. ونحن نعلم أن آدم ليس من أنبياء أولي العزم، ولكن مع ذلك يقول عنه القرآن الكريم: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)[٢]. فكان أول خليفة لله في الأرض. بينما يقول النبي (ص): (كُنْتُ نَبِيّاً وَآدَمُ مَنْخُولٌ فِي طِينَتِهِ)[٣]. وهذه الذوات المباركة، كانت معروفة من قديم الزمان في عالم العرش وعند الملائكة.
(وأنا بين النائم واليقظان).
يبدو أن القضية ليست في نوم محض، ولا يقظة محضة، فمتى وقعت هذه الحادثة إذن؟ يقال أنه عالم المكاشفة، وعالم الحالة البرزخية وسره عند أهله، فلله عز وجل أسرار..! وكما هو معلوم بأن عزرائيل (ع) يقبض أرواح كثيرة في آن واحد، فهل هذا الملك متعدد؟ أو أن له مثيلا؟ وكذلك عندما قال علي (ع): يا حار همدان من يمت يرني؛ فكم يموت في كل لحظة من البشر في شتى أنحاء العالم؟ وهو مع ذلك (ع) يتفقدهم واحدا واحدا. والمقادير تتنزل على إمام الزمان في ليلة القدر. والله عز وجل يختار إماما في كل عصر يجري البركات على يديه. فإذا ذهبت إلى الروضة، أو إلى البقيع، أو إلى الحائر، فقل: يا رسول الله..! يا أمير المؤمنين..! يا أبا عبدالله..! سل ولدك أن يتفقدنا بعنايته ويخصنا برعايته. وهنا عندما أراد الحسين بن علي (ع) أن يتفضل على هذا العلوي المصري؛ أتاه من خلال إمام العصر (ع).
(فقال لي: يقول لك الحسين: يا بني، خفت فلانا؟ فقلت: نعم، أراد هلاكي، فلجأت إلى سيدي (ع) وأشكو إليه عظيم ما أراد بي).
على الرغم من بعد الحادثة زمنيا عن عصر الأئمة (ع) إلا أنهم ينظرون إلى السادة وإلى ذرية رسول الله (ص) في كل عصر على أنهم ذريتهم وأبنائهم.
(فقال: هلاّ دعوت الله ربك ورب آبائك، بالأدعية التي دعا بها مَن سلف من الأنبياء (ع)؟ فقد كانوا في شدة، فكشف الله عنهم ذلك).
إن أئمتنا (ع) لهم أربعة طرق في ما يروون وما يحدثون: أولا: أن ينسب الإمام العلم إلى نفسه. ثانيا: أن ينسب الحديث لإلى رسول الله (ص)، كما قام بذلك الإمام الرضا (ع) في حديث سلسلة الذهب. ثالثا: أن ينسب الحديث إلى رب العالمين كالأحاديث القدسية التي تروى عنهم (ع). ورابعا: أن ينسب الحديث إلى الأنبياء السابقين كموسى وعيسى وإبراهيم (ع) لأنهم يستقون علمهم من مصدر واحد. وهنا الإمام (ع) يحيل العلوي المصري إلى دعاء الأنبياء السلف، ليفهم الناس أن هذا خط واحد، بدأ من آدم واستمر ويستمر إلى قيام إمامنا (عج).
(قلت: وبماذا أدعوه؟ فقال: إذا كان ليلة الجمعة).
فالدرس هنا هو أهمية ليلة الجمعة، فيعقوب (ع) يعد أبناءه بقوله: (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[٤]. وهنا يقول المفسرون: أنه أجّل ذلك إلى ليلة الجمعة.
(فاغتسلْ).
لا أدري ما هو السر الذي جعله الله في الغسل؛ حتى أن بعض العلماء من العلماء السلف قد أوجب غسل الجمعة. وكما هو ملاحظ أن الغسل من أهم أعمال الأيام والليالي المباركة. ولعل في ذلك درس عملي لمن يريد أن يتحدث مع الله تعالى، أو يذهب إلى الحرم المكي، أو الحرم النبوي؛ بأن ينظف جسمه من العرق والغبار والروائح المنتنة. فإذا كان الله عز وجل يحب أن تدخل الحرم بجلد نقي، ألا يريد منك أن تدخل بروح نقية واستغفار بليغ؟ إن بعض الحجاج والمعتمرين يصرّ على أن يغتسل في الميقات، وإن كلّفه ذلك ما كلّفه، ويذهب ويلبس ثوبي الإحرام، ثم يلبي تلبية سريعة، ويخرج إلى بيت الله هل هذا هو المطلوب؟ فهو يغتسل بإتقان – لعله يستغرق ساعة من الزمان – وهو مشغول بمقدمات ومؤخرات الغسل؛ ولكن أين المناجاة بين يدي الله عز وجل في الميقات؟ وأين الاستغفار من الذنوب؟ لقد أجرى الماء على وجهه، فهل أجرى الدموع على خده؟! ولا فرق في ذلك بين الميقات وبين زيارة الحسين (ع).
(وصلّ صلاة الليل).
أليس من الظلم أن نتهم بالشرك والإمام (ع) يدل هذا العلوي على الفرج؛ بإحالته على دعاء الأنبياء، وعلى إحياء صلاة الليل، وعلى الجلوس بين يدي الله عز وجل؟
(فإذا سجدت سجدة الشكر، دعوت بهذا الدعاء، وأنت بارك على ركبتيك).
أي على هيئة الذليل، وعلى هيئة المستطعم، والفقير. إن الذين تشرفوا بلقاء صاحب الأمر(ع) كانوا يعيشون في هذه الأجواء المباركة.
(فذكر لي دعاءً قال: ورأيته في مثل ذلك الوقت، يأتيني وأنا بين النائم واليقظان. قال: وكان يأتيني خمس ليال متواليات، يكرّر عليّ هذا القول والدعاء، حتى حفظته، وانقطع عني مجيئه ليلة الجمعة. فاغتسلت، وغبّرت ثيابي، وتطيّبت، فصليت صلاة الليل، وسجدت سجدة الشكر، وجثوت على ركبتي، ودعوت الله جلّ وتعالى بهذا الدعاء. فأتاني (ع) ليلة السبت فقال لي: قد أُجيبت دعوتك يا محمد..! وقُتل عدوك عند فراغك من الدعاء، عند من وشى بك إليه. فلما أصبحت ودعت سيدي، وخرجت متوجها إلى مصر. فلما بلغت الأردن، وأنا متوجّهٌ إلى مصر، رأيت رجلاً من جيراني بمصر – وكان مؤمنا – فحدثني أنّ خصمي قبض عليه أحمد بن طولون، فأمر به، فأصبح مذبوحا من قفاه. قال: وذلك في ليلة الجمعة، وأُمر به فطُرح في النيل، وكان ذلك فيما أخبرني جماعة من أهلها وإخواننا الشيعة، أنّ ذلك كان فيما بلغهم عند فراغي من الدعاء، كما أخبرني مولاي صلى الله عليه وآله).
ولا عجب أن تتغير قلوب الملوك لإرادتهم. فلم يسأل الإمام ربه أن يسلط عليه ملكا أو جنيا وإنما سلط عليه الحاكم بتصرفه في قلبه. ويقول سبحانه في كتابه: (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ)[٥]؛ إذ يسلط الظالمين على بعضهم البعض فينتقم منهم بهم. فهو المذيق، وهو المعذب، ولكن من خلال البعض من الظلمة. فيجري سبحانه مشيئته ويعذب قوما لاستحقاقهم العذاب، وذلك من خلال ظالم من الظالمين؛ فإذا انتهى أجله اقتلعه من جذوره ورماه حيث يرميه، كما فعل بفرعون، وهامان، ونمرود، وأمثالهم من عتاة التاريخ.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- إن الذين رأوا إمام زمانهم؛ إنما رأوه لشدة شوقهم أو لشدة ابتلائهم وليس على نحو السفارة. فإن السفارة انقطعت بموت السفراء الأربعة. وهؤلاء لا يدّعون السفارة والنيابة، والذي يدعي ذلك فهو ملعون. وهذه القصص تدل على عناية الإمام (ع) بمحبيه وشيعته.
- المعصوم مظهر للصفات الإلهية في الأرض بمقدار ما تحتمله البشرية من صفات الربوبية، ولكل عصر معصوم تتجلى فيه هذه الصفات. فعلى المؤمن أن يتخلق بأخلاق الله عز وجل، يقول النبي ص: (أَدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي) فينبغي لكل مؤمن أن يتشبه بخصال الله تعالى بالمقدار الذي يستطيعه.