الحديث المعراجي..
إن الأحاديث المعراجية هي الأحاديث القدسية الحوارية التي دارت بين رب العالمين وبين حبيبه المصطفى (صلی الله عليه) في ليلة المعراج، وهي من الأحاديث المهمة والتي تتضمن حلاوة ولذة خاصة، يستذوقها أصحاب الأنس بروايات أهل البيت (عليهم السلام).
يقول تعالى في حديث المعراج: (يا أحْمَدُ!.. عَجِبْتُ مِنْ ثَلاثَةِ عَبيد: عَبد دَخَلَ في الصَّلوةِ، وَهُوَ يَعْلَمُ إلى مَنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَقُدّامَ مَنْ هُوَ؛ وَهُوَ يَنْعِسُ.. وعَجِبْتُ مِنْ عَبْد لَهُ قُوتُ يَوْم مِنَ الْحَشيشِ أَوْ غَيْرِهِ؛ وَهُوَ يَهْتَمُّ لِغَد.. وعَجِبْتُ مِنْ عَبْد لا يَدْري أَني راض عَنْهُ أوْ ساخِطٌ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ يَضْحَكُ).
(يا اَحْمَدُ)!.. الحديث المعراجي كله يبدأ بنداء: يا أحمد!..
(عَجِبْتُ مِنْ ثَلاثَةِ عَبيد).. إن عجب رب العالمين ليس كعجب العباد، بل هذا تعبير كنائي: أي أن هؤلاء أمرهم يثير العجب والاستغراب!..
(عَبد دَخَلَ في الصَّلوةِ، وَهُوَ يَعْلَمُ إلى مَنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَقُدّامَ مَنْ هُوَ؛ وَهُوَ يَنْعِسُ).. هذا العبد يعلم أنه يقف أمام رب الأرباب، وجبار السماوات؛ ومع ذلك يشعر بالنعاس!.. والنعاس نوعان:
١. نعاس غير اختياري: تارة يكون النعاس غير اختياري، وهو ما ينطبق على الشاب المراهق الذي يستيقظ لصلاة الفجر، ويؤدي صلاته وهو في حالة نعاس.. فهذا النعاس لا بأس به، وصلاته لا غبار عليها، فمجرد هذا القيام لصلاة الفجر عمل محمود، بل يُشكر على قيامه وصلاته!..
٢. نعاس اختياري: وتارة يكون النعاس اختيارياً؛ أي أن الإنسان بإمكانه رفعه!.. وقد يكون المراد بالنعاس هنا أعم من النعاس البدني؛ أي الغفلة القلبية.. فالإنسان قد لا يكون في حالة نعاس، ولكنه في حكم الإنسان الذي يشعر بالنعاس؛ أي يفكر في كل شيء سوى رب العالمين!.. إن مثل هذا العبد يثير العجب!.. والغريب أن الإنسان قد يكون مرهقاً، وفي حال نعاس شديد، وإذا باتصال هاتفي من شخصية كبيرة، يسلب النعاس من عينيه وكأنه لم ينم أصلاً!.. لكن عندما يصل الأمر إلى رب العالمين؛ يصبح الأمر خلاف ذلك تماماً.
(وعَجِبْتُ مِنْ عَبْد لَهُ قُوتُ يَوْم مِنَ الْحَشيشِ أَوْ غَيْرِهِ؛ وَهُوَ يَهْتَمُّ لِغَد).. إن الحشيش هو أدنى المأكولات لبني آدم، ولا يستبعد أن الإنسان يمكنه العيش عليه لفترة من الزمن؛ لأن فيه مادة يمكن أن تقيم صلب الإنسان.. هناك مثال لاذع يُذكر في كتب الأخلاق، وهو: لو أن يهودياً ضمن للإنسان رزقه اليومي من الطعام والشراب؛ فإنه بالنتيجة يصبح لا همّ له أبداً!.. أو مثلاً: هناك شركة تأمين تقدم له تأميناً لآخر العمر من حيث: الطعام، والشرب، والعلاج أيضاً؛ كم يشعر بالراحة من ذلك التأمين؟!.. لكن الأحرى بنا أن نلتفت إلى أن رب العالمين هو صاحب التأمين الأشمل، حيث يقول جل وعلا في سورة هود: ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾.. هذه الآية من غرائب الآيات!.. فرب العالمين لم يعد، ولم يقل: سأعطي الرزق لكل دابة، بل القضية فيها تعهد، وكأن الله عز وجل كتب صكاً لكل دابة على وجه الأرض!.. لذا، فإن رب العالمين يعجب لذاك العبد الذي يهتم لقوت غده، وعنده ما يكفيه من القوت ليعيش يومه!.. وعليه، فإن المؤمن يعيش يومه، ولا يفكر في غده؛ فلكل يوم رزقه!..
(وعَجِبْتُ مِنْ عَبْد لا يَدْري أَني راض عَنْهُ أوْ ساخِطٌ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ يَضْحَكُ).. هذا النوع يبعث الأسى في النفوس المستعدة، فكم من المؤسف أن نكون مصداقاً لهذه الفئة من العباد، التي لا تدري هل رب العالمين راضٍ عنها أم ساخط عليها، ومع ذلك تضحك!.. كأولئك الممثلين المهرجين في التلفاز، هؤلاء لا يهرجون أمام زوجاتهم وأولادهم لإدخال السرور عليهم، بل يهرجون أمام الآلاف، وهم فرحون وفخورون بلقب “الفنان” الذي يطلق على أحدهم، بينما تعبير أو لقب “مهرج” هو الأنسب لحالهم!.. فهؤلاء يضحكون رغم أنهم لا يعلمون: هل رب العالمين ساخط عليهم، أم راض عنهم!.. وهناك من يكون ضاحكاً عندما يرجع من الحج، وكأنه لم يسمع بحديث المعراج؛ معللاً ذلك بأن الحاج يرجع كيوم ولدته أمه!.. الجواب على هذا الكلام، هو: أن الإنسان قد يكون هكذا في ذاك اليوم، ولكن كيف يصبح بعد يومين؟.. فلكل يوم ملف!.. لذا، فإن المؤمن مراقب لله تعالى في كل يوم، وينظر دائماً إلى هذا المعنى وهو: هل أن رب العالمين راضٍ عنه، أم ساخط عليه؟!..
ما علامة رضا الرب عن عبده؟..
لو علم الإنسان أن جواب هذا السؤال عند ولي من أولياء الله تعالى في الصين؛ لذهب إليه.. ولكن الجواب واضح وسهل وغير محير: إن علامة رضا رب العالمين عن العبد، هو رضا العبد عن ربه.. إن كان الإنسان راضياً عن الله تعالى في ساعة المحنة، وفي حال الأزمات والكوارث؛ فليعلم أن الله تعالى راضٍ عنه!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.