- ThePlus Audio
من صفات المتقين في خطبة أمير المؤمنين (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
لوازم السفر الثلاثة
إن كل من يريد السفر إلى مقصد أو إلى بلد لتجارة أو زواج أو غير ذلك؛ فلابد له من أمور ثلاث: أولا: تصور الهدف والشوق لتنفيذه؛ فالذي لا شوق له للقيام بأي عمل لا يفلح فيه كما يذكر ذلك علماء النفس. إنكم ترون الشاب يدخل الجامعة لدراسة فرع لا يستسيغه؛ فيغير تخصصه ذلك بعد سنة أو سنتين وذلك بعد أن أضاع عمره، لأنه لم ينقدح في قلبه منذ البداية ميل لذلك الهدف؟ وكلما زاد الشوق؛ كلما عظمت الهمة. ثانيا: القدرة على التنفيذ. فما الفائدة من أن يخطب الإنسان امرأة بأعلى المهور وهو لا يملك المهر. ثالثا: وضوح الخطة والطريق. فقد يشتاق إنسان إلى زيارة بلد ما وله القدرة ولكنه يجهل الطريق إليه.
الهدف الرئيسي في الحياة
إن الهدف الذي ينبغي أن يتخذه كل واحد منا في الحياة؛ هو أن يصل إلى قرب النبي (ص) وآله أبد الأبدين. لا تجعل طموحك أن تدخل الجنة فحسب؛ فهذا إن شاء الله مضمون للمؤمن. فهل يعقل أن يتشهد الشهادتين ويعتقد بولاية أمير المؤمنين (ع) ثم يخلد في النار؟ ما هكذا الظن. وهناك سنوات من الابتلاء قبل الموت، والابتلاء في البرزخ، (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[١]؛ وانتظار القيامة وحده يكفي. فلو قيل لأحدهم: انتظر حتى يأتي الدور سنة؛ فإنني أظن أن معظم المؤمنين يتنقون، في يوم قال عنه تعالى: (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)[٢]؟ وهذا هو اعتقادي – والله العالم – فالإنسان يؤخذ بحسن نيته، وإني أستبعد أن يؤخر الله عذاب أحدنا إلى النار، وإنما ينقيه من خلال مرض في الدنيا أو من خلال سكرات الموت أو عذاب البرزخ أو انتظار القيامة. وهذه المراحل كافية لأن تدخل الجنة ولا ترى النار أبداً بمنه وكرمه.
كن على هذا اليقين أو على هذا الظن الحسن؛ فرب العالمين يعاملك على ذلك. والهدف أن تكون معهم أبد الآبدين. إن هذه الكلمة إن فكرت فيها يكاد أن يتقطع ذهنك. ما هي الأبدية؟ إن بحار الدنيا لو جعلتها قطرات وجعلت في قبال كل قطرة منها مليارات السنين؛ لنفدت البحار وما نفد عمرك في الجنة. يا له من عمر مذهل..! إننا نكتسب هذه الأبدية من خلال السنوات القصيرة في هذه الدنيا التي تبدأ من البلوغ وتنتهي بالموت، وهي عادة أربعون سنة أو خمسون سنة. إنك في خمسين سنة؛ تكتسب هذا المقام الأبدي.
هل بقي عذر للمتكاسلين عن العبادة؟
إنني أقول لمن يقول: إن مزاجي ليس مع العبادة، ولست مرحشاً لهذا الطريق؛ تذكر أمرين. أولا: ليلة القدر. إن كل واحد منكم يصبح من أعبد العابدين في ليلة القدر؛ إنه صائم في النهار ثم يحيي الليل إلى مطلع الفجر، وحتى الصبيان يشاركونا في إحياء ليلة القدر. ويتبين من ذلك أنه من الممكن أن تحيي ليلة القدر إلى الصباح، وقد قمت بذلك فعلا في السنوات الماضية؛ لا ليلتين ولا ثلاث، وإنما ليال كثيرة. بل قد يعتكف البعض في العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك
ثانيا: موسم الحج. ماذا تصنع في الحج؟ إنك تقطع الأميال سيرا في مزدلفة وفي عرفة وأثناء الطواف وأنت لا تكل ولا تمل؛ بل ترجع من الحج وكلك شوق إلى حجة قادمة. فإن أمكنك ذلك في يوم أو ليلة أو موسم؛ فذلك ممكن على مجار السنة ولكنك أنت الذي لا تريد. إنك أنت أنت في غير الحج وفي غير ليالي القدر وبدنك هو ذاته ولكن السبب في عدم اهتمامك نقص الهمة.
بذل الجهد لمعرفة الطريق
ثم إن على المؤمن أن يبذل الجهد في معرفة الطريق ويقرأ ويطالع ريثما يصل إلى مراده. وقد اخترت لكم الطريق على لسان خبيره، وعلى لسان أمير هذا الطريق؛ أمير المؤمنين (ع). إنه يذكر مواصفات حري بي وبك أن ندونها في ورقة ثم نقيم أنفسنا من خلالها، وكما قال سبحانه: (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)[٣]. فإذا رأيت من الصفات ما كنت متصفا بها؛ اشكر الله عز وجل عليها، وأما التي ليست فيك؛ حاول أن تكتسبها.
صواب المنطق
الصفة الأولى هو قوله (ع): (مَنْطِقُهُمُ اَلصَّوَابُ)[٤]. لقد رجعنا إلى مائدة علي (ع). إن أول ما يذكره أمير المؤمنين (ع) السيطرة على اللسان. إن رب العالمين قد جعل لسانك في قفص وفي حرز حريز. إن الأسنان قد وضعت أمام هذا اللسان، ولو عض على شيء لا يستطيع أحد أن يفتح فمه لوجود قضبان محكمة. وقد جعل لك شفتين هم حراس أمام القضبان. إنها أربعة عناصر أمنية قد وضعت أمام لسانك، وبالإضافة إليها؛ الإرادة القاهرة التي هي فوق الشفتين وفوق الأسنان. فإن أردت الصمت لا يستطيع أحد إجبارك على الكلام ولو اجتمعت قوى الدنيا عليك. إننا نسمع عن بعض السجناء الذين يعذبون في السجون حتى الموت ولا يصرح تصريحاً لا يريده.
إن الذي يكثر السكوت والتأمل؛ هو في بداية طريق تلقي الحكمة. إن البعض راحته في الثرثرة وفي الفضفضة؛ فهو يذهب إلى دواوين الساهين واللاهين يريد أن يسمع ويتكلم. تكلم مع نفسك بدلاً من أن تبذل عمرك للغير. حادث نفسك ولا تظن أن ذلك فعل المريض نفسياً؛ فالمرضى النفسيون هم الذين يتكلمون مع أنفسهم كلاماً باطلاً. ولكن خذ زاوية في يوم الجمعة وفكر أنه قد مضت سبعة أيام من العمر؛ ماذا اكتسبت فيها؟ ألا يستحق ذلك الحديث؟ كم صليت في هذا الأسبوع، وكيف كانت صلاتك وكيف كان صيامك وبرك وإلى آخره؟ حدث نفسك بعد كل فريضة وفي كل أسبوع.
الاقتصاد في المعيشة
ثم يقول (ع): (وَمَلْبَسُهُمُ اَلاِقْتِصَادُ)[٥]. إنني عندما أدخل بيوت بعض المؤمنين أرى عادة الزيادة في التجمل. إنك لو جمعت بعض الأثاث وبعض الزيادات وبعض الكماليات والجماليات في المنزل تبني بها داراً لأحدهم في بلاد المستضعفين. فاعلم أن كمالياتك والأثاث الزائد في المنزل ودابتك الزائدة هي مصداق قوله: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ)[٦].
إن العائلة والأولاد قد لا يقتنعون بهذا الكلام ولكن من اليوم الأول ربِّهم على هذا المعنى. عندما تختار زوجة اخترها من هذا النمط، وأفهمها ذلك، وأخبرها بما صنعته الزهراء (ع) في ليلة زفافها. ثم ليقل الناس أنك بخيل؛ فما لك ولهم، (قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ)[٧]. اجعل لآخرتك سبيلا.
التواضع لخلق الله عز وجل
ثم يصفهم الإمام بأن: (مَشْيُهُمُ اَلتَّوَاضُعُ)[٨]. إن البعض قد يتواضع بمجاهدة وتكلف وبالطبع ليس هو المراد، وإنما عليك أن تتواضع حقيقة. وقد تقول: كيف أتواضع لهذا الإنسان الذي لا وزن له عند الناس؟ والجواب: هو أن الأمور بخواتيمها. هل أحرزت لنفسك العاقبة الحسنة؟ هل تعلم مصيرك في الجنة؟ فما دمت جاهلاً بحقائق العباد؛ تواضع لهم فلعل الذي تراه لا قيمة له يشفع لك يوم القيامة.إن هذا الخادم أو هذا السائق أو هذا العامل الذي تتحكم فيه من الممكن يأتي يوم القيامة وتقول له: يا فلان، استنقذني من النار، وكن شفيعي إلى الله عز وجل. ما المانع من ذلك؟
خلاصة المحاضرة
- إن الهدف الذي ينبغي أن يتخذه كل واحد منا في الحياة؛ هو أن يصل إلى قرب النبي (ص) وآله أبد الأبدين. لا تجعل طموحك أن تدخل الجنة فحسب؛ فهذا إن شاء الله مضمون للمؤمن. فهل يعقل أن يتشهد الشهادتين ويعتقد بولاية أمير المؤمنين (ع) ثم يخلد في النار؟ ما هكذا الظن.
- ما هي الأبدية؟ إن بحار الدنيا لو جعلتها قطرات وجعلت في قبال كل قطرة منها مليارات السنين؛ لنفدت البحار وما نفد عمرك في الجنة. يا له من عمر مذهل..! إننا نكتسب هذه الأبدية من خلال السنوات القصيرة في هذه الدنيا التي تبدأ من البلوغ وتنتهي بالموت، وهي عادة أربعون سنة أو خمسون.
- ثم يصفهم الإمام بأن: (مَشْيُهُمُ اَلتَّوَاضُعُ). فالبعض قد يتواضع بمجاهدة وتكلف وبالطبع ليس هو المراد، وإنما عليك أن تتواضع حقيقة. وقد تقول: كيف أتواضع لهذا الإنسان الذي لا وزن له عند الناس؟ والجواب: هو أن الأمور بخواتيمها. هل أحرزت لنفسك العاقبة الحسنة؟ هل تعلم مصيرك في الجنة؟
- إنني عندما أدخل بيوت بعض المؤمنين أرى عادة الزيادة في التجمل. إنك لو جمعت بعض الأثاث وبعض الزيادات وبعض الكماليات والجماليات في المنزل تبني بها داراً لأحدهم في بلاد المستضعفين..!