- ThePlus Audio
من أهم الوصايا في ليلة القدر
بسم الله الرحمن الرحيم
الليلة المصيرية
إن الليلة الثالثة من ليالي القدر هي ليلة العمر ونحن على مدار السنة نلهج بذكر ليلة القدر في الركعة الأولى؛ حيث يستحب قراءة سورة القدر فيها. فنحن نذكر أنفسنا صباحا ومساء بهذه الليلة وها قد وصلنا إليها وأدركناها. لقد رآني أحدهم في هذه الليلة مضطربا ومشوشا فقال لي: ما بك؟ قلت: إنها ليلة الامتحان الذي يقرر مصيرنا لا في هذه السنة؛ بل طوال العمر. فمن كتب في هذه الليلة شقيا فستمتد به الشقاوة حتى الموت وكذلك من كتب في هذه الليلة سعيدا. ما المانع من أن نتكسب في كل سنة درجة من درجات السعادة؟ لا تقل: إنني بحمدالله كنت سعيدا في العام الماضي في إحياء ليلة القدر ثم تتهاون في إحياء ليلة القدر لهذه السنة وإنما لكل سنة رزقها.
وجه الشبه بين ليلة القدر ويوم القيامة
إن هذه الليلة هي ليلة مباركة وهي كما قال سبحانه: (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)[١]. وإنني لا أدري كيف أبدأ الحديث عن هذه الليلة فهي ليلة أحوج إلى المذكرات والمحفزات منها إلى المحاضرات والخطب، وقمة الأعمال في هذه الليلة الدعاء. إن حكم ليلة القدر حكم يوم القيامة ولكن كيف ذلك؟ إننا لا نستطيع أن نتخيل الحور العين ولا نعيم الجنة الذي روي في وصفه عن النبي (ص): (مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ)[٢]؛ فكذلك ليلة القدر. ومهما حاولت أن تتصور ما لهذه الليلة من المزايا فإن عقولنا القاصرة لا تبلغ ذلك. إن الله سبحانه يقول عن يوم القيامة: (الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ)[٣] ويقول عن ليلة القدر: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ)[٤] وقد استعمل لكليهما اللحن والتعبير نفسهما.
نزول المقدرات على ولي الأمر (عجل الله فرجه)
إن طلب العلم من أعمال ليلة القدر وأي علم أفضل من تفسير سورة القدر في هذه الليلة؟ يقول سبحانه: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ)[٥]؛ وهنا لا بد أن يلتفت المؤمن إلى أن نزول المقدرات على ولي الأمر يتم بإذن الله سبحانه فلا يتهمكم أحد بالشرك. وهناك عبارة قيمة في زيارة الحسين (ع) ينبغي للمؤمن أن يقرأها بتوجه: (إِرَادَةُ اَلرَّبِّ فِي مَقَادِيرِ أُمُورِهِ تَهْبِطُ إِلَيْكُمْ وَتَصْدُرُ مِنْ بُيُوتِكُمْ)[٦]. فإرادة الله عز وجل تنزل على الإمام المعصوم وهو الوسيط بين الله وبين خلقه بإذن الله. فلا يتهمكم أحد بالشرك ظلما وعدوانا؛ فإن إرادة الله عز وجل تنزل على يد وليه في ليلة القدر.
قدرة الإمام (عجل الله فرجه) على نقض المقدرات وإبرامها
ولا يتلقى الإمام (عج) ما ينزل عليه تلقيا محضا وإنما له حق النقض والإبرام. فإذا رأى في ديوان عملك ما يوجب لك الشقاء؛ فسيدعو لك ويقول: يا رب..! إن صاحبنا يستحق الشقاء ولكن تفضل لعيه بما لي من الوجاهة عندك. ولا شك أن دعوة الإمام لا ترد. ولذلك فإن من أفضل الأعمال في ليلة القدر الدعاء لفرجه والبكاء على فراقه وما يعيشه من ألأم باطني. فالأعداء يؤلمونه وكذلك أنا وأمثالي طالمنا آلمنا طوال العام. إن ولدك حتى وإن كان عاقا ومتمردا إلا أنك ستحزن عليه إذا ما اشتكى الناس إليك من أفعاله والإمام (عج) هو الأب لهذه الأمة ويعز عليه ما يفعله أبناءه طوال العام.
أدخل السرور على قلب إمامك في هذه الليلة
فلنحاول في ليلة القدر أن نعوض هذا الأذى بإدخال السرور على قلبه من خلال الدعاء والبكاء على فقده والبكاء على مصائب آبائه وأجداده. ولا يكن جل همك في هذه الليلة قضاء حوائجك والشفاء من مرضك؛ بلى إن الله سبحانه سينجز لك ذلك إن شاء. ولكن ليكن همك الأوحد في هذه الليلة الدعاء له. فهل يعقل أن تبكي لقضاء حوائج الإمام وهو لا يدعو لك؟ حاشا وكلا.
حذار من انتهاء الهدنة قبل إبرام صفقة الصلح الأبدي..!
ثم يقول سبحانه في سورة القدر: (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ). إن أحدنا إذا كان خائفا من الحاكم إذا زاره أن يلقيه في الحبس ويقول له: جئت برجليك..! خذوه فغلوه. ثم قال الحاكم: أن له أمان لأربع ساعات أو خمس لذهب إليه مطمئنا. إن الله سبحانه قد عقد هدنة إلى مطلع الفجر. أي أن الله سبحانه لا يؤدبنا بعقوبتنا كما نقرأ ذلك في أدعية هذا الشهر: (إلهي لا تؤدبني بعقوبتك)[٧]؛ فلا عقوبة في البين حتى الصباح ولا انتقام. ولكن إذا طلع الفجر فقد انتهت الهدنة والمصالحة. فلنحاول أن نغتنم هذه الهدنة الإلهية والسلام حتى مطلع الفجر لنخرج منه بسلام وصلح أبدي حتى آخر العمر.
ولذلك إذا لم يرق قلبك ولم تجري دموعك في هذه الليلة وأصبحت على مقربة من طلوع الفجر؛ تحسس قلبك وعينك؛ فإن رأيت قساوة في القلب وجفافا في العين ورأيت الأجواء ليست على ما يرام قل: يا رب..! سيطلع الفجر قريبا وينتهي السلام. خف من انتقام الشياطين والتجأ إلى الله سبحانه. وقد يأخذ أحدنا من الله عز وجل قبيل الفجر ما يأخذه طوال الليل.
ومن الفوائد العلمية في ليلة القدر أن هذا الوباء الذي اجتاح العالم وفعل به ما فعل بغض النظر عن منشأه – وكيف أن الله سبحانه أدب البشرية وأدب به القوى العظمى – قد أصاب كثيرا من الناس بالاكتئاب والقلق والخوف. وفي هذه الليلة نريد أن نقف على بعض الأمور التي نجلب من خلالها السعادة التي لا توجد في الغرب ولا في الشرق لأنفسنا.
اللذة الحقيقية
وهنا ينبغي أن أسأل الحاضرين هنا عن الذي أتى بهم إلى هذا المكان؟ لقد سمعت أن بعض المؤمنين قد جاء من البصرة لإحياء هذه الليلة هنا؛ لأنه قد أحس بحلاوة المغفرة في العام المنصرم وقد شعر بالسعادة الباطنية وهي السعادة التي تدفعك للسير نحو الحسين (ع). إنكم بحمد الله قد ذقتم حلاوة ذكره وبرد مغفرته. وقد يسأل سائل فيقول: هل للمغفرة برد؟ نعم. إن الجميع سيعيش هذا البرد والاطمئنان الباطني صباح هذا اليوم بحسب عمله، وسيشعر كأنه قد ولج من جديد. ولذلك يقول البعض: أن شهر رمضان ينتهي عند طلوع الفجر من هذه الليلة. وإنك لو أتيت إلى هذا الحرم أو إلى غيره من المشاهد لا ترى فيه هذا الازدحام؛ فاغتنم الفرصة في هذه الليلة.
ولكن بقيت الإجابة عن سؤالنا وهو كيف نصل إلى السعادة؟ ولا بد قبل ذلك أن نسأل عن سعادة أهل الدنيا بأي شيء تكون؟ إنها تأتي من خلال الأكل والشرب وما شابه ذلك. إن البعض منكم من أهل التخصص ولهم باع في علم الطب ويعلمون أن كل لذائذ الدنيا لا أقول أنها وهمية ولكنها شبه وهمية. فأنت تأكل الطعام وإذا بذبذبات إلى المخ تبين له أن هذه حلاوة. وكذلك تشم طيبا فتقوم الذبذبات بإخبار المخ من خلال الأنف بأن هذا مسك. أو تلمس الحرير فتصل الذبذبات من الجلد إلى المخ بأنك قد لامست حريرا. فهل يخالفني في هذا القول أحد؟
إن الطعام يدخل إلى المعدة ولكن ما هي علاقة الروح بالمعدة؟ فقد تذهب إلى أرقى المطاعم في الأمكان البعيدة لتجعل الطعام في هذه المعدة ولكن هل للروح علاقة بذلك؟ أو قد تشم طيبا ولكن أين الأنف وأين هي الروح؟ أو تجلس مع النساء وتعاشرهن، ولكن أين الفراش وأين الروح؟ ما الذي أريد أن أقوله؟ حاول أن تدخل اللذة في الروح مباشرة من دون طيب ومن دون حرير ومن دون منظر ومن دون طعام وشراب. حاول أن تدخل اللذة إلى قلبك مباشرة من خلال سجدة يونسية أو ركعتان تقيمهما في جوف الليل ففيهما تجد اللذة مجانا من دون بذل الأموال لشراء الأطعمة والطيب والسفر. بل إنك في كل لحظة شئتها تستطيع أن تغمض عينيك لتهذب في عالم ملكوتي وهنيئا لمن كانت لذته هكذا. من الذي يعلمنا ذلك؟ إنه مولانا وإمامنا علي بن الحسين زين العابدين (ع) حيث يقول في مناجاته مع ربه: (وَأَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ بِغَيْرِ ذِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ سُرُورٍ بِغَيْرِ قُرْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ شُغُلٍ بِغَيْرِ طَاعَتِكَ)[٨].
سلوا الله تعالى في هذه الليلة أن يفتح ذائقتكم الباطنية. لقد ذكرنا أن اللذات المادية هي ذبذبات تصدر من الفم والمعدة إلى المخ؛ فاسأل الله سبحانه أن يجعل صلة بين روحك وبين باطنك، فهذه لذة لا تقاس بها لذة. ولقد قام في جوف الليل فقير من المستضعفين وقال: أين الملوك من هذه اللذة؟ نحن أصحاب اللذائذ. ولذلك هل سمعتم أن مؤمنا انهار عصبيا أو اكتئب؟ لا تصدق أن المؤمن ينهار أبدا. لقد رأيت أحدهم تحوطه المشاكل وقلبه كالماء البارد غير مضطرب أبدا، وكان يقول: متى ما ضاقت الأحوال فإن رب العالمين سيفرجها علي فلماذا القلق إذا؟
لا تقترح على ربك
وقد ادخرت لكم رواية لهذه الليلة حول الامام زين العابدين (س) لتعلم أن أئمة أهل البيت (ع) كانت تنتابهم الأمراض؛ فقد يكون المرض مكملا ومجملا ومكفرا للبعض. لقد روي عن الإمام زين العابدين (ع) أنه قال: (مَرِضْتُ مَرَضاً شَدِيداً فَقَالَ لِي أَبِي عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا تَشْتَهِي فَقُلْتُ أَشْتَهِي أَنْ أَكُونَ مِمَّنْ لاَ أَقْتَرِحُ عَلَى اَللَّهِ رَبِّي مَا يُدَبِّرُهُ لِي)[٩]. فالذي يرى أن الله هو الولي والهو المدبر وهو الوكيل لا يضطرب أبدا في حياته. ولكن الذي يلتذ بالحرام لا يصل إلى هذه الدرجة. يقال لك: أتخادعنا في طلبك السعادة الباطنية وأنت تتحدانا بالمعصية؟
راقب هذا الشبر واربح جنة عرضها السماوات والأرض
إن المعاصي كلها في نصف شبر تقريبا، وهو العينان والأذنان والفم. فهل من المكلف أن يغض الإنسان من بصره ولا يتكلم في الحرام ولا يسمع حراما؟ إن السيطرة على مثلث أضلاعها العين إلى الأذن والقاعدة هي الفم وهي شبر في نصف شبر تضمن لك جائزة كبيرة وهي جنة عرضها السماوات والأرض. فهل تبيع هذه الجنة بشبر في نصف شبر؟ وقد عوضك الله سبحانه، فإذا كانت لك زوجة فانظر إليها بشهوة وريبة وإن كنت أعزبا انتظر حتى يأتيك الفرج. وقد عوض الغناء المحرم بالأصوات المحللة، وما عليك إلا أن تسك عن الحرام فإذا بك قد اشتريت الجنة بحذافيرها.
إن الشيطان يقول لك: إن الأمر أعظم وأصعب من ذلك بكثير. ورحم الله أحد الأولياء الماضين حيث قال بعد مجهادة لستين أو سبعين سنة: إن الطريق الى الله أسهل مما كنا نظن. خذ قرارك في هذه الليلة؛ فإنك بحاجة إلى عزمة من عزمات الملوك أو عزمة من عزمات الأولياء. قل: يا رب..! لك علي عهد أن لا أعود في معصية أبدا.
علاقة الحب أو علاقة العبودية والخوف؟
حاول أن تجعل علاقتك بالله عزوجل علاقة أرقى من علاقة العبودية والخوف منه. ترى ما الذي يجعل الإنسان يتعلق بجمال الوجوه؟ لقد سألت أحد الشباب وكان مجنون في الحب عن سر جنونه؟ قال: رأيت لها جمالا في الطريق مرة أو مرتين والقلب يهوى الجمال؛ هذا الجمال الذي سرعان ما يزول مع تقدم العمر نحو الخمسين والستين. فكيف بمن رأى الجمال الأبدي؟ ما الذي يجعل علياً لا يحس بحرارة السهم ينزع منه في صلاته؟ أليس لانشغاله بالنظر إلى جمال الله عزوجل؟ وبالطبع لا ينكشف هذا الجمال إلا للبعض في جوف الليل. فإن التزمت من هذه الليلة بقيامها يرجى أن تفتح لك كوة[١٠]صغيرة أو باب صغير إذا دخلت منه فقد دخلت ولا يتوقف سيرك أبدا. جربوا ذلك وستدعون لنا. واعلم أن الإنسان أسير الإحسان؛ فلو أحسن إليك فاسق فسوف لن تنسى إحسانه إليك، فكيف إذا كان المحسن أكرم الأكرمين؟
المراقبة طوال العام
كنت ولا أزال أقول للمؤمنين: أنه ينبغي الالتزام بأربعينية التكامل. إن النفس تتمرد عليك لو طلبت منها الالتزام طوال العمر، ولكن إن التزمت أربعين يوما كأن تبدأ من شهر رمضان وعشرة من شهر شوال أو تبدأ من شهر شعبان. ولكنني في هذه الليلة أريد أكثر من ذلك؛ فقد يقول البعض: لقد التزمنا أربعين يوما ولم نعص الله سبحانه. هو لم يشق القمر فمن يعصي في شهر رمضان؟ ثم سيأتيك شهر محرم بعد ثلاثة أشهر وهو شهر مصائب أهل البيت (ع) وهو شهر لا نعصي فيه، وكذلك هو شهر صفر شهر المشي لزيارة الحسين (ع) وفيه مآساة الأسر والسبايا. فهذه الأشهر؛ شهر رمضان وشهري محرم وصفر بالإضافة إلى شوال وذي القعدة وذي الحجة تكون فيها في مراقبة وهي تشكل نصف سنة. ثم ألا تتوقع أن تكمل النصف الثاني؟ ولو فعلت ذلك فقد أكملت نصف دينك. ونستطيع القول: أننا منضبطون قهراً ثلاثة أشهر وثلاثة أشهر اختيارا ولو راقبنا أنفسنا في النصف الثاني سنصبح من أولياء الله بأذن الله، فهذا هو طموحنا ورجائنا في هذه الليلة المباركه.
ارفع العذاب عن أخيك..!
ومن الأعمال التي لم نذكرها في الليلتين الماضيتين مسألة إبراء الذمة. قد يعذب البعض الآن في قبره لأنه قد أكل منك مالا بسيطا أو تكلم عليك بكلمة أصبح رهينا بها. فهل يطاوعك قلبك أن يعذب شيعة أمير المؤمنين (ع) ومحبه في قبره إلى يوم القيامة؛ ذلك الذي كان يحيي معنا في السنوات الماضية؟ ولو عفوت عنه لانتهى العذاب في عالم البرزخ. ولذلك كان الأئمة (ع) يطلبون منا أن نكفيهم البرزخ فهو مصيبة كبيرة حيث بإمكاننا يوم القيامة أن نجتمع ونتحالل ولكن ماذا نصنع في البرزخ؟ فأبرأوا ذمم الأحياء والأموات مما لكم عليهم من حقوق معنوية دعك عن الحقوق المادية من الديون وأمثالها ببركة الصلاة على محمد وآل محمد.
أو تعلم كم أرحت الأموات والأحياء بهذه الصلاة على النبي وآله؟ والدعاء محجوب هذه الليلة لظلامة البعض وقد رفعت هذه الصلاة الحجاب بينك وبين دعائك. وعلينا أن نجمع بين الولاء والتوحيد في كل مجالسنا فالدعاء والتوسل هما جناحان نطير بهما وإن كانت هذه الليالي يغلب عليها الجو التوحيدي والدعاء.
لا تنتظر النتائج المادية لإحياءك هذه الليالي
قد يقول البعض: إننا بحمدلله نحيي هذه الليالي المباركة في هذا المشهد الشريف لسنوات ولكن لا نرى في قلوبنا شيئا مميزا. وأقول لهؤلاء ماذا تريدون؟! أتريدون أن ينزل عليكم ملك من السماء؟ أو تريدون نوراً يخرق السماء؟ ما لك وهذه العلامات المادية؛ فالمهم أن تكون مستقيماً متعبداً. قد تجتمع خذخ الدرجات فيفتح لك باب في ليلة من الليالي وتبعث من جديد. إن النبي (ص) قضى أربعين سنة يتعبد فيها بين الغار وبين الكعبة ولم يكن ثمة دعوة ولا وحي بذلك المعنى وفي السابع والعشرين من المبعث قيل له: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)[١١]. فلا تستعجل فلعل الله يصلح لك الأمور في ليلة واحدة. يقول العلماء أن هناك أربعون سنة بين قول موسى (ع): (رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ)[١٢] وبين قوله سبحانه: (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا)[١٣].
حذار أن تسلب ما اكتسبت من النور في هذا الشهر..!
وأما التحذير الأخير فهو أن يعلم المؤمن أن نور ليلة القدر قد يسلب منه. إن الحاج عليه نور الحج ما لم يذنب. فأن أول معصية تصدر منه تذهب ذلك النور. فلا تبع نور ليلة القدر ولا نور شهر رمضان ولا تفرط فيهما في شوال أو في يوم العيد. رحم الله أحد علمائنا كان يقول: البعض مسرف في الأموال والبعض مسرف في الأنوار. فهو يأخذ النور تلو النور ولكن يفرط فيه من خلال نظرة محرمة أو كلمة محرمة أو استماع لصوت محرم.
إنك لم تكتسب هذا النور مجانا؛ لقد صمت وأحييت الليالي الثلاث وبكيت على مصيبة أمير المؤمنين (ع). ولا أدري كيف يحفظ هذا النور ولكن بإمكانك أن تطلب من الله سبحانه أن يبقي لك هذا النور.
خلاصة المحاضرة
- إن حكم ليلة القدر حكم يوم القيامة ولكن كيف ذلك؟ إننا لا نستطيع أن نتخيل الحور العين ولا نعيم الجنة الذي روي في وصفه عن النبي (ص): (مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ) ؛ فكذلك ليلة القدر. ومهما حاولت أن تتصور ما لهذه الليلة من المزايا فإن عقولنا القاصرة لا تبلغ ذلك. إن الله سبحانه يقول عن يوم القيامة: (الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ) ويقول عن ليلة القدر: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) وقد استعمل لكليهما اللحن والتعبير نفسهما.
- قد يقول البعض: إننا بحمدلله نحيي ليالي القدر في المشاهد المشرفة لسنوات ولكن لا نرى في قلوبنا شيئا مميزا. وأقول لهؤلاء ماذا تريدون؟! أتريدون أن ينزل عليكم ملك من السماء؟ أو تريدون نوراً يخرق السماء؟ ما لك وهذه العلامات المادية؛ فالمهم أن تكون مستقيماً متعبداً.
- رحم الله أحد علمائنا كان يقول: البعض مسرف في الأموال والبعض مسرف في الأنوار. فهو يأخذ النور تلو النور ولكن يفرط فيه من خلال نظرة محرمة أو كلمة محرمة أو استماع لصوت محرم.
- ما الذي يجعل علياً لا يحس بحرارة السهم ينزع منه في صلاته؟ أليس لانشغاله بالنظر إلى جمال الله عزوجل؟ وبالطبع لا ينكشف هذا الجمال إلا للبعض في جوف الليل. فإن التزمت بقيامها يرجى أن تفتح لك كوة صغيرة أو باب صغير إذا دخلت منه فقد دخلت ولا يتوقف سيرك أبدا.