Search
Close this search box.
  • ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

من أسرار التشهد في الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم

وقفة مهمة في الصلاة جديرة بالتأمل

من الوقفات المهمة في الصلاة؛ وقفة التشهد. إن قضية الشهادتين والتشهد قضية مخيفة. قد تقول وما العلاقة بين الخوف والتشهد؟ نحن نتشهد بكل ارتياح في الأذان ونتشهد الشهادتين في الإقامة، ونتشهد الشهادتين في التشهد. هل فكرت يوماً ما في تبعات التشهد، ومعناه؟ لو أن عبدا آبقاً هرب من منزل سيده فرأته الشرطة في الطريق وعلموا أنه عبد؛ ألا يُرجعوه إلى بيت سيده ويقولون له: أطع مولاك، واعترف له بالعبودية؟

من قال بين يدي الله: يا رب، أنا عبدك، أشهد أن لا إله إلا أنت؛ فيعني هذا أنه ينبغي لك أن تعود إلى بيت الطاعة، تكون عبداً لمولاك. أنت قلت في الأذان والإقامة: يا رب، لا معبود لي سواك؛ فعليك أن تكون صادقاً في ادعائك. فمن تشهد الشهادتين في التشهد أو في الأذان أو في الإقامة، ثم خرج من المسجد وارتكب حراماً؛ فقد خان الله وكذب فيما ادعاه. فهو يقول بلسان الحال: يا رب، أنا شهدت أنك إلهي، ولكن في مقام العمل اتبعت هواي. فمن تشهد الشهادتين واتبع الهوى؛ فقد اتخذ الشيطان إلهاً، وهو كاذب إذا تشهد الشهادتين. وقد قال سبحانه: (أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَيۡكُمۡ يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُواْ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ)[١]، وقال: (أَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيۡهِ وَكِيلًا)[٢]. كيف تكون صادقا في قولك: أشهد أن لا إله إلا الله؟

هل تتحمل تبعات التشهد؟

ولهذا ينبغي أن تعلم أن في تشهدك هذا التزام وتبعات لابد أن تتحملها. ولذلك عندما تتشهد الشهادتين؛ ينبغي أن نعيش حالة الخجل. عندما يطرق العبد باب المولى؛ هل يقول لمولاه متبجحا: أنا عبدك؟ أم أنه: يقر بالعبودية مطأطئا؟ بل يقولها وهو خجل وجل. فعليك في التشهد بهذه المشاعر، وقل في نفسك: يا رب، إنني لست مشركاً؛ لا بالشرك الجلي ولا بالشرك الخفي.

واستحضار هذه المشاعر عند التشهد بحاجة إلى طبخة باطنية؛ فليس كل أحد يوفق لهذه الطبخة العاطفية. كأنك في التشهد تعيش بعض مشاعر الأسى. لقد جعل البعض لله شريكاً؛ إما في الألوهية وإما في مقام الطاعة، كالذي يتخذ هواه إلها ليكون شريكا مع الله عز وجل في الطاعة. وكأنك باستحضارك مشاعر الخجل والوجل تقول: يا رب، ما كان هذا حقك أن يكون لك شريك في العبادة والطاعة؛ ولكن يا رب، ما أكثر شركائك…! كم يتألم الإنسان لو رأى من يصادر أموال والده كلها أو نصفها من غير حق؟ كم احتل الطواغيت البلاد ونهبوا ثروات الأرض ومعادنها بغير حق؟ بل جعلوا ما في جوف الأرض وما عليها في سبيل محاربة الله عز وجل. وهؤلاء شركاء الله الذي يدعون ذلك.

هل قوانيننا قوانين إسلامية؟

ثم اذهب إلى محاكم المسلمين – بغض النظر عن بلاد الغرب – وانظر هل قوانيننا اليوم هي قوانين شرعية أم وضعية؟ قسم كبير من قوانيننا اليوم هي من القوانين التي ما أنزل الله بها من سلطان. هل إذا كان الرجل ذو عسرة نتعامل معه كما قال سبحانه: (وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ)[٣]؟ أم أننا نشتكي على المعسر حتى يُرمى به في ظلمات السجون؟

كانت شركاء الله قديماً الأصنام كهبل واللات والعزى، وأما اليوم فهم فراعنة العصر. فيُمكن القول: أن الله سبحانه في مقام العمل لم يتحقق فيه (لا شريك له)، ولذلك يتألم المؤمن عند تشهده. فمن الممكن أن تجري عبرته عندما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ويرى المدعين والمكذبين والمعتدين على البلاد والعباد.

كان عبدا لله فجعله رسولا إلى الناس

ثم تقول: وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. إنك تشهد له بالعبودية أولا، وبالرسالة ثانيا. فقد كان (ص) عبداً فصار رسولاً. إن ثلثي عمر النبي (ص) أي إلى سن الأربعين كان في تردد بين غار حراء وبين الكعبة المكرمة. وفي الثلث الأخير من عمره؛ أي في ثلاث وعشرين عام، مارس الدعوة وفتح البلاد كمكة وهاجر إلى المدينة ونشر الدعوة وهي من بركات الأربعين سنة الأولى. فمن أراد أن يصل إلى المقامات العليا في تبليغ الرسالة وفي دعوة الناس إلى الله عز وجل؛ فليبدأ بنفسة وليكن عبداً.

فإن صرت عبداً جعل لك الرحمن ودا، وإن صرت عبداً ييسرك لليسرى، وإن صرت عبداً ألقى محبتك في قلوب الناس، وإن صرت عبداً شرح قلبك بالحكمة، وأنطق لسانك، وأجرى لك ما أجرى لموسى (ع) عندما قال: (قَالَ رَبِّ ٱشۡرَحۡ لِي صَدۡرِي * وَيَسِّرۡ لِيٓ أَمۡرِي * وَٱحۡلُلۡ عُقۡدَةٗ مِّن لِّسَانِي)[٤]. فكن عبداً لكي تُفتح لك السبل. إذن فمقام العبودية قبل مقام الرسالة؛ لأن العبودية هي التي هيأته لمقام الرسالة، ويُمكن القول: أنها نسبة العلة إلى المعلول.

لا ندري ما هي مشكلة البعض مع الشفاعة؟

ثم تقول: وتقبل شفاعته وارفع درجته. لا ندري ما هي مشكلة البعض مع الشفاعة؟ إن الرجل منهم ليُمارس الشفاعة في حياته وهو يُنكرها. فالرجل منهم في معاملته في الوزارة يبحث عن شفيع له، وحتى الطفل بسجيته يبحث عن الشفيع. إن الطفل إذا ضربته أمه يذهب إلى أبيه ويقول: يا أبت، إن أمي ضربتني وهي غاضبة مني، فأصلح ما بيني وبينها. وإذا ضربه الأب وغضب عليه، استشفع أمه. يقول سبحانه: (مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِه)[٥]، وهذا يعني أنه سبحانه هو الذي أذن؛ فما المشكلة في ذلك؟ إن العاصي لا وجه له أمام رب العالمين، فوجهه مسود ولا جرأة له ولا وجاهة له؛ فيطرق باب النبي وآل النبي (ص)، ويقول: يا رسول الله، اشفع لي عند الله. إن الأوجه يذهب إلى السلطان ليشفع لمن لا وجاهة له، وهذا أمر طبيعي.

هل ذُكرت الشفاعة في القرآن الكريم؟

والقرآن يصرح تصريحا بذلك حيث يقول: (وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا)[٦]. إن استغفار الرسول دخيل في مغفرة رب العالمين. وعندما تقول: يا رب، تقبل شفاعته، تعني بذلك: يا رب، إن رسول الله يشفع ويتكلم معك في شأني؛ فاقبل كلام نبيك (ص). إن هذا عين التوحيد. إن رسول الله (ص) يقدم طلباً ونحن نطلب من الله أن يسجيب لهذا الطلب؛ فأين الشرك في هذا؟

ماذا نعني بقولنا: وارفع درجته؟

ونقول: وارفع درجته؛ أي يا رب، أريد منك في هذه اللحظة أن ترفع درجة نبيك (ص). لا تقل ذلك لقلقة. طالما قلت: وارفع درجته ولم تفقه ذلك. صليت عمراً، وفي كل تشهد تقول: وارفع درجته؛ فلو كنت جاداً في الطلب وصادقاً في المقولة كنت من أعظم الفائزين في الوجود ذلك اليوم. لأن المصطفى (ص) كريم وهو صاحب المقولة: اذهبوا فأنتم الطلقاء. فمن دعا للنبي (ص) برفع درجته؛ سيدعو له النبي (ص) أيضا لرفع درجته.

فعندما تقول: وارفع درجته امكث قليلا وقلها بتوجه وبخشوع وبإصرار. ولو كررتها المرة والمرتين، فلا إشكال في صلاتك. وقل:  اللهم ارفع درجته وأعطه المنزلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه مقاماً محمودا، ثم قل: بحول الله وقوته. فما المشكلة في ذلك؟ بالغ في الدعاء في هذه الفقرة؛ فإن قلتها بهذه الطريقة؛ تكون قد نلت روح الصلاة ورحيقها وخرجت بصفقة العمر من حيث لا تشعر.

[١] سورة يس: ٦٠.
[٢] سورة الفرقان: ٤٣.
[٣] سورة البقرة: ٢٨٠.
[٤] سورة طه: ٢٥-٢٧.
[٥] سورة البقرة: ٢٥٥.
[٦] سورة النساء: ٦٤.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • عندما تقول: وارفع درجته، امكث قليلا وقل ذلك بتوجه وخشوع وإصرار، وكرر الدعاء. وقل: اللهم ارفع درجته وأعطه المنزلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه مقاماً محمودا، ثم قل: بحول الله وقوته. بالغ في الدعاء في هذه الفقرة؛ فإن قلتها بهذه الطريقة؛ تكون قد نلت روح الصلاة.
  • عندما تقول في تشهدك: يا رب، تقبل شفاعته، تعني بذلك: يا رب، إن رسول الله (ص) يشفع ويتكلم معك في شأني؛ فاقبل كلام نبيك (ص). إن هذا عين التوحيد. إن رسول الله (ص) يقدم طلباً ونحن نطلب من الله أن يسجيب لهذا الطلب؛ فأين الشرك في هذا، لمن يظن ذلك؟
Layer-5.png