- ThePlus Audio
من آداب تشييع الجنائز
بسم الله الرحمن الرحيم
فضل تشييع جنازة المؤمن
ما منا أحد إلا وقد شيع أحداً في المقابر. إن تشييع الموتى فعل لابد أن يكون مدروس وأن يتم بهدف ونية. فلا تمشي خلف الجنازة وكأنك قطعة من الخشب لا مشاعر لها. إنني عندما أرى بعض الدافنين الذين يمتهنون هذه المهنة؛ أرى البعض منهم قد قسى قلبه فيحمل الجنازة وكأنه يحمل متاعاً، ويدفن الميت وكأنه يدفن قطعة في الأرض لا وزن لها. أولاً؛ أقول لذوي الميت: لا تبخل في إعلام الناس بموت عزيز عليك؛ خصوصا في هذه الأيام التي أصبحت فيها وسائل الإعلام متاحة. فكلما كثر المشيعون كان ذلك من موجبات رفع درجة الميت.انا لا أستبعد عندما أرى تشييع بعض المراجع وأرى الجموع الهائلة من المشيعين وهي تدعوا وتستغفر له وتقرأ له الفاتحة؛ أن رب العالمين يغفر ذنبه ببركة هذا الجمع الغفير. ونحن إذا ما رأينا ميتاً يشيعه عدد قليل قلنا: يا له من إنسان غريب لا مشيع له.
فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (يَنْبَغِي لِأَوْلِيَاءِ اَلْمَيِّتِ مِنْكُمْ أَنْ يُؤْذِنُوا إِخْوَانَ اَلْمَيِّتِ بِمَوْتِهِ فَيَشْهَدُونَ جَنَازَتَهُ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ فَيُكْسِبُ لَهُمُ اَلْأَجْرَ وَيُكْسِبُ لِلْمَيِّتِ اَلاِسْتِغْفَارَ وَيَكْسِبُ هُوَ اَلْأَجْرَ فِيهِمْ وَفِيمَا اِكْتَسَبَ مِنَ اَلاِسْتِغْفَارِ)[١]؛ وهناك فرق بين مستغفر واحد وبين ألف مستغفر، ولهذا فإن الميت أحوج ما يكون لذلك. وعندما ينتقل المؤمن إلى الدار الآخرة يعطى له بعض الجوائز. ولهذا كن حريصاً على تشييع جنازة العلماء والأولياء والصلحاء؛ فضلاً عن الأرحام.
لو خيرت بين جنازة ووليمة..!
فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (أَوَّلُ مَا يُتْحَفُ بِهِ اَلْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ أَنْ يُغْفَرَ لِمَنْ تَبِعَ جِنَازَتَهُ)[٢]؛ إن ذوي الميت عندما يرجعون إلى المنزل يحضرون للمشيعين الغداء والعشاء؛ ومثلا من المتعارف الإطعام في اليوم الثالث أو في اليوم الأربعين من وفاته. وإذا كنت إنسان وتكرم المشيع؛ فكيف برب العالمين؟ وقد روي عنه أيضا أنه قال: (أَنَّ اَلْمُؤْمِنَ إِذَا أُدْخِلَ قَبْرَهُ يُنَادَى أَلاَ إِنَّ أَوَّلَ حِبَائِكَ اَلْجَنَّةُ وَأَوَّلَ حِبَاءِ مَنْ تَبِعَكَ اَلْمَغْفِرَةُ)[٣]. وقد سئل النبي (ص): (عَنْ رَجُلٍ يُدْعَى إِلَى وَلِيمَةٍ وَإِلَى جِنَازَةٍ فَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ وَأَيَّهُمَا يُجِيبُ قَالَ لِيُجِبِ اَلْجِنَازَةَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ اَلْآخِرَةَ وَلْيَدَعِ اَلْوَلِيمَةَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ اَلدُّنْيَا اَلْفَانِيَةَ)[٤].
ماذا نصنع في التشييع؟
لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا تَبِعْتَ جَنَازَةً فَلْيَكُنْ عَقْلُكَ فِيهَا مَشْغُولاً بِالتَّفَكُّرِ وَاَلْخُشُوعِ وَاِعْلَمْ أَنَّكَ لاَحِقٌ بِهِ)[٥]؛ لا أن يتبعها وهو يضحك ويخوض في الأباطيل ويتكلم مع صاحبه عن السوق وما شابه ذلك وكأنه لم يصدق أنه في جنازة وأن أمامه ميت. وكم يشيع الإنسان جنازة يكون هو التالي لها..!
حال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) عند تشييع الجنائز
وقد ورد في أحوال النبي (ص): (إِذَا تَبِعَ جَنَازَةً غَلَبَتْهُ كَآبَةٌ وَأَكْثَرَ حَدِيثَ اَلنَّفْسِ وَأَقَلَّ اَلْكَلاَمَ)[٦]. وللتنويه؛ إن البعض منا في حياته اليومية لا يجعل لزيارة القبور وقتا في برامجه حتى وإن كان في الأسبوع مرة أو في الشهر مرة. إذا انفتحت بصيرتك فإن من أجمل الأماكن السياحية – إن صح التعبير – ومن أفضل الأماكن التي تزار؛ هي مقبرة البلد. فإذا ذهبت إلى بلد من بلاد المؤمنين؛ إذهب للمتاحف وللأسواق فلا بأس بها، ثم سل عن المقبرة ففيها آلاف الموتى أو المئات منهم، وإن أرواحهم ملتفتة عندما تقرأ الدعاء المعروف: السلام على أهل لا إله إلا الله من أهل لا إله إلا الله يا أهل لا إله إلا الله بحق لا إله إلا الله إلى آخر الدعاء. ولهذا الدعاء ثواب عظيم؛ فيقال: أنه يعادل عبادة خمسين سنة. فإنك لا تكتسب هذا الثواب بتجوالك في السوق. فاجعل من محطات الأنس مقبرة البلد وخاصة إذا كان فيها ذووك. إنك تذهب للأعراس لأنك تأكل وتشرب ولكنك لا تذهب إلى هذه الأماكن لتعيش هذه الأجواء الراقيه.
ولا بأس أن توصي بمحل دفنك. إن بعض المؤمنين قد يمضي من عمره عشر سنوات وهو يبني منزلاً. فهو يشتري الأرض ويخطط لها سنتان ومن ثم يستغرق مدة في بناءها، وبعد أيام يغادر إلى بيته الأبدي ويظل فيه إلى يوم ينفخ في الصور. إن هذا بيتك إلى يوم القيامة التي لا ندري متى تقوم؛ فأتقن اختيار بيتك في دار الدنيا. وهذه المقابر ما أرخصها قياساً إلى بيوت الدنيا. لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (إن المؤمن إذا مات تجملت المقابر لموته، فليس منها بقعة إلا وهي تتمنى أن يدفن فيها)[٧].
اختر جارك الذي تدفن إلى جانبه
وقد تشير بعض الروايات إلى أن المؤمن يأنس بجاره في القبر. فإن كان جارك في دار الدنيا سيئاً وقد تحملته لسنوات؛ فسوف تنتهي تنتهي معاناتك وسترافق مؤمنا هو هذا جارك ألى أبد الآبدين. وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (أمَرَنا رسولُ الله ِ صلى الله عليه وآله أن نَدفِنَ مَوتانا وَسطَ قَومٍ صالِحينَ؛ فإنّ المَوتى يَتأذّونَ بجارِ السَّوءِ كما يَتأذّى بهِ الأحياءُ)[٨]؛ وبلا شك أن جوار أمير المؤمنين من أفضل الأماكن التي تنطبق عليها هذه الرواية. وقد يأن ويصيح الميت من حرارة النار في البرزخ فتتأذى من صراخه.
خلاصة المحاضرة
- إن تشييع الموتى فعل لابد أن يكون مدروس وأن يتم بهدف ونية. فلا تمشي خلف الجنازة وكأنك قطعة من الخشب لا مشاعر لها. إنني عندما أرى بعض الدافنين الذين يمتهنون هذه المهنة؛ أرى البعض منهم قد قسى قلبه فيحمل الجنازة وكأنه يحمل متاعاً، ويدفن الميت وكأنه يدفن قطعة في الأرض لا وزن لها.
- لا تبخل في إعلام الناس بموت عزيزك؛ خصوصا في هذه الأيام التي أصبحت فيها وسائل الإعلام متاحة. فكلما كثر المشيعون كان ذلك من موجبات رفع درجة الميت.انا لا أستبعد عندما أرى الجموع الهائلة في تشييع بعض المراجع وهي تدعوا وتستغفر له وتقرأ له الفاتحة؛ أن يغفر الله ذنبه ببركة هذا الجمع.
- لقد سئل النبي (ص): (عَنْ رَجُلٍ يُدْعَى إِلَى وَلِيمَةٍ وَإِلَى جِنَازَةٍ فَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ وَأَيَّهُمَا يُجِيبُ قَالَ لِيُجِبِ اَلْجِنَازَةَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ اَلْآخِرَةَ وَلْيَدَعِ اَلْوَلِيمَةَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ اَلدُّنْيَا اَلْفَانِيَةَ).
- إن البعض منا لا يجعل لزيارة القبور وقتا في برامجه ولا تجد لها متسعا من الوقت في حياته؛ حتى وإن كان ذلك في الأسبوع مرة أو في الشهر مرة. إذا انفتحت بصيرتك فإن من أجمل الأماكن السياحية ومن أفضل الأماكن التي تزار؛ هي مقبرة البلد؛ لما فيها من الثواب الذي لا تجده في غيرها من الأماكن.