من آداب السجود: تعفير الجبين وإرغام النف، ماذا تعرف عنهما؟

بسم الله الرحمن الرحيم

موقع الصلاة بالنسبة إلى دين الإنسان

إن الصلاة المقبلة وصلاة الخاشعة والصلاة المقبولة والصلاة المعراجية؛ أوصاف للصلاة المتقنة بين يدي الله عز وجل. والحديث المعروف أن الصلاة عمود الدين؛ هو حديث يُبين حقيقة هذه الصلاة وأنها هي التي تُعطي لسائر الأعمال أهميتها. إن الخيمة قوامها بالعمود، ولولا عمود الخيمة؛ لما وقتك الخيمة حراً ولا برداً، إذا لا خاصية في الخيمة التي هي قطعة من القماش المرماة على الأرض. فمن حاز على كل أوصاف الكمال، وكان منفقاً سخياً باراً بوالديه حسن الخلق بأهله؛ لا ينفعه ذلك ما لم يكن هناك عمود باسم الصلاة. وكذلك العمود الذي يكون متصدعاً أو متآكلاً قد نخرته سوسة مثلا؛ لا يتحمل وزن الخيمة، وتكون معرضة للانكسار والسقوط.

إن الصلاة الشكلية أو اللقلقية، ذات الحركات الرياضية؛ تشبه العمود، والحقيقية هي أنها تخلو من العمودية. إن من أهم خواص عمودية الصلاة ما قاله القرآن: (إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ)[١]. فمن صلى في مسجد السوق مثلا، ثم دخل السوق ونظر يميناً وشمالا إلى ما لا يجوز؛ فليعلم أن هذه الصلاة ليست بعمود. وإذا انتفت العمودية؛ انتفى قيام الدين.

أرقى حركة في الصلاة

ومن أركان هذه الصلاة التي هي العمود للدين؛ السجدة. هذه الحركة التي هي بحسب البدن عكس القمة. فالإنسان الواقف شامخ برأسه، والساجد خلاف ذلك وهو بدنيا في نقطة الصفر على الأرض؛ ولكنه من حيث الروح في أعلى الدرجات وفي القمة.

سمع الله لمن حمده؛ كلمة قد لا تعرف معناها

ولكن هناك وقفة بين الركوع والسجود لا نستثمرها عادة. كم صلينا خلف المقام وفي الحائر وفي غير ذلك ولم نستثمر هذه الوقفة؟ ولو سألت مصليا، وقلت له: بالله عليك! فسرلي معنى (سمع الله لمن حمده) لما استطاع ذلك. إن فعل سمع يتعدى بنفسه عادة، فتقول: سمعت صوتاً جميلا، ويقول الله عز وجل: (قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا)[٢]؛ فما هو دور اللام هنا؟

كم صلينا وما سألنا عالماً لغويا عن دلالة اللام هنا؟ يُقال هنا: إن سمع هنا تتضمن معنى استجاب. فعندما تقول: استجاب فلان، تعديه بحرف اللام، فتقول: استجاب فلان لاستغاثة فلان. إن رب العالمين لا يسمع فحسب؛ وإنما يستجيب أيضا، وهذا معنى: سمع الله لمن حمده؛ أي استجاب الله لمن حمده. ولعل الكثير من المؤمنين لم يعمل بهذا المستحب في العمر مرة واحدة. لقد رأيت في أكثر من رسالة عملية يقولون: عندما تقول سمع الله لمن حمده؛ لماذا لا تبادر إلى الحمد؟

ألم تقل: استجاب الله لمن حمده؟ فقبل أن تذهب إلى السجود، قل: يا رب، أنا أحمدك أو أنا حامد. ومن الجدير أن تقول بعد سمع الله لمن حمده: الحمدلله رب العالمين. أليست هناك مناسبة بين سمع الله لمن حمده وبين أن تقول نقداً وفوراً: الحمدلله رب العالمين؟ وهذا الذي أنقله هو من الرسالة العملية. إن الفقيه عندما يذكر مستحباً في الرسالة العملية؛ فيعني ذلك أنه رآها من مصادرها. وهناك فرق بين كتاب أخلاقي وبين الرسالة العملية.

لماذا لا تزين صلاتك؟

إن الالتزام بالمستحبات والآداب في الصلوات الواجبة؛ من موجبات تزيين الصلاة. من منا يكتفي بالمنزل بأقل الأثاث؟ فيكفيك إناء وقدر وفراش تنام عليه؛ فلماذا تزين بيتك بعشرات الزينة من السقف إلى الفرش؟ بالطبع لا بأس بذلك ما يبلغ حد الإسراف والتبذير. ولكن لماذا لا تزين صلاتك أيضا بهذه المزينات؟

تعفير الجبين وإرغام الأنف

أما بالنسبة إلى السجود، فهناك عبارتان بحث فيها الفقهاء بحثاً مفصلا، وهما: تعفير الجبين، وإرغام الأنف. إن من علامات المؤمن تعفير الجبين، وهو: أن تضع جبهتك على التراب. إن العفر هنا التراب، وتعفير الجبين هو أن تضع طرفي الجبهة يميناً وشمالا على الأرض. فنحن لنا جبهة واحدة وجبينان جهة اليمين واليسار. قد لا تستطيع أن تُعفر جبينك في المنزل ولكن تستطيع أن تفعل ذلك في مكان كالصحراء أو ما شابه ذلك. إن السجود على التراب فيه تذلل لله عز وجل ولكن تعفير الجبين مبالغة في التذلل لله. ويتفق أن يقوم بذلك بعض المتذللين؛ فعندما يُلقي أحدهم بنفسه على رجل السلطان مثلا ليخلصه من عذاب الحبس، هو يُعفر جبينه على رجل السلطان وهذا معنى لا نقبله بالطبع إلا لله عز وجل.

أما إرغام الأنف وضع الأنف على الرغام أو التراب. وقد وقع خلاف بين العلماء وهو: أنه لو وضع الإنسان أنفه على التربة هل هذا إرغام، أم الإرغام أن تضعه على التراب؟ فقد يكتفي البعض يكتفي بالتربة وهو أمر حسن. إن لبعض الصالحين المتقيدين بالآداب؛ صرة من تراب الحسين (ع) أو منديل فيه كمية من التربة الحسينية يعفر عليها الجبين ويرغمون أنوفهم عليها في صلواتهم خاصة في جوف الليل، وهم يستمتعون بالإرغام والتعفير. إن العشاق لهم سبلهم في التقرب إلى الله عز وجل…!