- ThePlus Audio
من آداب الإفطار وما ينبغي أن نتذكره في تلك الساعة
بسم الله الرحمن الرحيم
تذكر أهوال القيامة ساعة الإفطار
من الأمور التي تجدر بالصائم في شهر رمضان القيام بها وخاصة قبيل الإفطار حيث يبلغ الإنسان قمة الجوع والعطش هو أن يتذكر ذلك العالم الذي نحن مقبلون عليه. إن من معالم القيامة الخوف والهلع وانكدار النجوم، وخسف القمر، وجمع الشمس والقمر، وغير ذلك من الأمور التي وردت في القرآن الكريم. ثم بالإضافة إلى هذا الرعب وهذا الخوف الذي يشمل الجميع إلا من عصمه الله عز وجل؛ هنالك حالة الجوع والعطش. ولهذا يقول النبي الأكرم (ص) في خطبته الشعبانية: (وَاُذْكُرُوا بِجُوعِكُمْ وَعَطَشِكُمْ فِيهِ جُوعَ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ وَعَطَشَهُ)[١].
أهمية المراقبة في شهر رمضان المبارك
إن المؤمن يستغل حالة الجوع والعطش للانتقال إلى ذلك العالم. والقرآن الكريم يربط دائما بين حياة الإنسان في الدنيا وبين ذلك العالم. إن الذي يرى القيامة في قلبه، ويتحسس شيئا من معالم ذلك اليوم؛ فمن الطبيعي أن ينضبط هذا الإنسان في سلوكه. لماذا ينضبط الموظف عندما يرى أجهزة المراقبة والكاميرات؟ لأنه يعلم أن هناك من يراقبه، وبعد المراقبة المحاسبة، وبعد المحاسبة المعاتبة أو العقاب. إذا علم الإنسان أنه مُراقَب ومُحاسب ومعاتب أو معاقب؛ ينضبط في جميع تصرفاته وأفعاله.
قد لا يكون الموظف في أول أيام الوظيفة منضبطا في نفسه وإنما ينضبط لأنه يخاف من هذه الأجهزة اللاقطة؛ إلا أنه بعد سنة أو سنتين يتحول الأمر إلى حالة ثابتة في نفسه. وقد يكون الموظف منضبطا في نفسه وسيان عنده وجود هذه الأجهزة من عدمها؛ فليست هذه الأجهزة الصماء بأعظم من وجدانه ومن ضميره. تذكر القيامة من موجبات الانضباط في السلوك.
قد يسأل سائل فيقول: أين نحن والقيامة؟ إنها مجهولة الزمان؛ فقد تقع بعد آلاف السنين، وفي عرصات القيامة قد يطول الإنتظار كذلك عشرات آلاف السنين. كلا، لقد روي أن قيامة الإنسان تبدأ بمجرد بموته: (مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ)[٢]. صحيح أننا بالموت لا نرى عرصات القيامة ولكننا نرى ملامح القيامة في عالم البرزخ: (وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ)[٣]؛ ففي البرزخ ملائكة غلاظ شداد، وفي البرزخ سؤال عن التوحيد، وما شابه ذلك. بل كما ورد في بعض النصوص: (إِنَّ اَلْقَبْرَ لَرَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ اَلْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ اَلنَّارِ)[٤]. ويعني ذلك أن بيني وبين هذه العوالم المصغرة من عوالم القيامة لحظات من حادث سير أو جلطة أو غير ذاك.
كيف نصل إلى هذه المرحلة من معايشة القيامة؟
ليس الأمر بالتلقين ولا بالحديث العابر، وإنما الأمر بحاجة إلى تربية النفس إلى مرحلة يشاهد فيها الإنسان غير المحسوس كما يرى المحسوس. وهذا ما ذكره علي (ع) في خطبة المتقين. إن همام لم يطلب منه وصف الأنبياء والمرسلين، وإنما قال له: صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم. فقال (ع) مما قال: (فَهُمْ وَاَلْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ وَهُمْ وَاَلنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ)[٥]، ومما وصفهم به: (وَظَنُّوا أَنَّ صَهِيلَ جَهَنَّمَ وَزَفِيرَهَا وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ)[٦]؛ فهم وإن كانوا يعيشون في هذه الحياة الدنيا؛ إلا أنهم وكأنهم يسمعون زفير نار جهنم. وهكذا يريد منا أمير المؤمنين (ع) أن نكون. وبذلك يكون الجوع والعطش على مائدة الإفطار؛ ذريعة جيدة لتذكر هذه الأهوال، والطلب من الله عز وجل. قل: يا رب، إنني جوعت نفسي وأذقتها العطش في دار الدنيا اختياراً، وكان بإمكاني أن أعصي ولكني فعلت ذلك على أمل أن ترفع عني عطش ذلك اليوم وجوعه.
اذكر عطش الحسين (عليه السلام) ساعة الإفطار
ومن الآداب تذكر عطش الحسين (ع) في ساعة الإفطار. قد لا يبكيك ذكر القيامة وذكر العطش والجوع فيه؛ ولكن ما المانع في ساعة الإفطار – ولو في الشهر مرة أو مرتين – في خلوة أو في جلوة أن تذكر عطش مولاك؟
شيعتي مهما شربتم عذب ماء فاذكروني
هنيئاً لمن أفطر وعينه تجري دمعة خوف من عطش القيامة ودمعة حزن وألم لذكر عطش الحسين (ع) يوم عاشوراء. بالطبع إن عطشه (ع) في ذلك اليوم لا يقاس بعطشنا. إننا نصوم ساعات قليلة من الفجر إلى الغروب؛ إلا أن ما جرى عليه في يوم عاشوراء ليس مما نعقله نحن من حرارة الشمس وثقل الحديد وما جرى عليه من فقد الأعزة والأحبة والعطش الذي أصبح منه لسانه كالخشبة اليابسة. إن الصائم الذي يفطر وهو يلهج بذكر ربه تارة ويلهج بذكر مولاه تارة أخرى؛ أعتقد أنه صوم مميز مقبول لا يمكن أن يُرد.
خلاصة المحاضرة
- لماذا ينضبط الموظف عندما يرى أجهزة المراقبة والكاميرات؟ لأنه يعلم أن هناك من يراقبه، وبعد المراقبة المحاسبة، وبعد المحاسبة المعاتبة أو العقاب. إذا علم الإنسان أنه مُراقَب ومُحاسب ومعاتب أو معاقب؛ ينضبط في جميع تصرفاته وأفعاله.