- ThePlus Audio
مناقب السيدة فاطمة الزهراء (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
مناقب السيدة الزهراء (سلام الله عليها)
حديثنا هو حول مناقب تلك السيدة الجليلة التي حظيت باهتمام أبيها وبعلها وبنيها إلى درجة لا يخطر بالبال؛ فنحن لا نحيط علماً بما يجري في فلك المعصومين. إننا نرى في عالم الدنيا المجرات من بعيد، ونرى شبحاً لا أكثر؛ فحتى هذه الأجهزة الحديثة التي تلتقط النجوم وغير ذلك تريك سحابة من بعيد. أما ما بجوفها وما بداخلها فلا نعلم به. نحن لم نكتشف ظاهر الوجود؛ فكيف بباطن الوجود وكيف بهذه الذوات الطاهرة التي هي على رأس الخليقة؟
ولا بأس أن نذكر فضيلة لعموم المعصومين؛ خصوصا الخمسة الطيبة. هناك مقولة رائجة وهي صحيحة ومعروفة على ألسنة الموالين بحمد الله. وهذه المضامين مقبولة عندنا؛ فلنا هذا المقدار من الوعي في مقامات المعصومين، فلا يشق علينا فهم هذه المقامات. إن من قرأ الجامعة الكبيرة وهو معتقد بالمضامين قد أخذ شهادة التخرج من مدرسة الولاية.
زهراء (سلام الله عليها) علة الخلق
والشاهد هو هذه المقولة التي تبين أن هذا الكون إنما خُلق للنبي وآله (ع)، فتقول الرواية: (لَوْلاَكَ مَا خَلَقْتُ اَلْأَفْلاَكَ)[١]، ولو تأملنا قليلا لرأينا أن الزهراء (ع) داخلة في هذا السياق. إننا نقرأ في حديث الكساء: (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها)[٢] وأنها هي المحور. لو أن إنساناً دعى ملكاً أو سلطاناً عادلاً مثلا إلى مأدبة عظيمة وتفنن له بأنواع الضيافة وقال: أيها الناس هذه الضيافة للملك ولكن هذا لا يعني ألا يجلس على مائدة السلطان المئات من الخدم والحشم؛ وإنما يعني أن هذه المأدبة هي ممدودة لهذا السلطان بأنه واجد لمقام وملاك الضيافة.
إن رب العالمين يقول في كتابه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[٣]. إن مائدة وجود ممدودة لمن عبدني؛ الأول فالأول. إن العابد الأول هو الذي حاز الدرجة الأولى. والكرسي الأول يعطى لمن فاز بالدرجة العليا ثم التالي فالتالي. وقد ثبت عندنا أن النبي (ص) هو أول العابدين وما من شك في ذلك. وثبت عندنا أن حامل علم الكتاب الخاتم هو على رأس البشرية بعد النبي (ص). إن القرآن هو الكتاب الناسخ للتوراة والإنجيل والزبور وغيره، ومن يحمل علم القرآن من المفروض منطقياً أن يكون أعلى رتبة من حامل علم الإنجيل والتوراة. إن مقام النبوة قد انتهى ولا نبي بعد نبينا (ص)؛ ولكن حامل علم الكتاب الخاتم – منطقياً عقلياً برهانياً – مقدم على حامل الكتاب المنسوخ. إن العابد الأول هو النبي (ص)، وبعده أمير المؤمنين (ع)، وبعده المعصومون (ع). ولهذا عندما تذهب إلى مشاهدهم التفت إلى هذه المقامات، ولو قضيت حوائج الخلق ببركتهم لا غرابة في ذلك.
علم السيدة الزهراء (سلام الله عليها)
حديثنا عن هذه السيدة الجليلة التي ما عاشت في هذه الدنيا إلا قليلا. إن النبي (ص) عندما بشرها بالموت السريع؛ فرحت فاطمة (س) كثيرا إلى درجة تعجب منها بعض نساء النبي (ص) فهي كانت في منتهى الحزن ولكن انفرج حزنها قليلا لأنها علمت أنها أول من يلحق بأبيها.
أقول: لو أن فاطمة (س) لم تتمنى الموت بعد أبيها النبي (ص). لو قدر لفاطمة أن تعيش عيشة متعارفة لستين سنة أو أقل من ذلك أو أكثر؛ كم كان تراثنا الإسلامي ليصبح ثرياً بعلمها. إن هذا العلم انتقل إلى كتاب؛ فأمير المؤمنين (ع) كان يكتب ما يرد على قلب فاطمة (س). وهذا العلم قد حُبس عند أئمة أهل البيت (ع)، وقد كان الواحد منهم يدخل في الدار ويقرأ ما ورثه من أمه الزهراء (ع). وهذا العلم مخزون عند ولدها المهدي (ع)؛ فمن بركات عصر الظهور أن يظهر الإمام ما ورثه من أمه فاطمة (ع). ولو أن هذا العلم المخزون عند الأئمة (ع) كان قد انتشر في الأمة؛ كم كان الحال متغيراً؟ ولكن هذه الأمة بتقصيرها حجبت فاطمة (س) عن هذه الأمة.
من دروس السيرة الفاطمية
ومن العبر التي نستفيدها من سيرتها وهي موجهة في الدرجة الأولى إلى المؤمنات؛ ما روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: (تَقَاضَى عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهَا إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي اَلْخِدْمَةِ)[٤]؛ أي أرادا أن يكون النبي (ص) هو الحكم بينهما في كيفية تقسيم أمور المنزل. (فَقَضَى عَلَى فَاطِمَةَ بِخِدْمَةِ مَا دُونَ اَلْبَابِ)، والبعض يرى في هذه الكلمة استنقاصاً للمرأة.
إن المرأة خلقت لتربي الأجيال وتربي لك ذرية؛ لا أن تدير مصنعاً. ليس هذا تكليفها بالدرجة الأولى. إنما أنت الرجل الذي خلقت لاقتحام الميادين. اذهب واسعى في مناكبها، واجمع المال بكد يمينك وعرق جبينك ثم قدمها للمرأة لتربي لك جيلاً. إن وظيفة المرأة أرقى من وظيفتك؛ ولكن مع الأسف هناك من النساء من قلبت الدور. إذ يتفق أن الرجل يصبح في سن التقاعد ويربي الأولاد والمرأة تشتغل خارجاً لتعطي مالاً لزوجها. يا للعجب..! كيف انقلبت الموازين؟
تقول الرواية: (وَ قَضَى عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِمَا خَلْفَهُ)؛ من الباب إلى المحراب، ومن الباب إلى ميادين الجهاد، ومن الباب إلى المزرعة. إن علياً – كما هو المعروف – كان من أكبر المزارعين، وقد غرس من النخيل ما غرس. ثم تقول الرواية: (فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ فَلاَ يَعْلَمُ مَا دَاخَلَنِي مِنَ اَلسُّرُورِ إِلاَّ اَللَّهُ بِإِكْفَائِي رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ تَحَمُّلَ رِقَابِ اَلرِّجَالِ)[٥]؛ أي يا رب، لك الحمد والشكر أن جعلتني في هذا المقام؛ أتفرغ لعبادتك تارة ولتربية الحسنين وزينب (ع) تارة أخرى.