Search
Close this search box.
  • ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

مقام السيدة فاطمة الزهراء (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

تشبيه الزهراء (سلام الله عليها) بليلة القدر المباركة

إن مقام الزهراء (ع) ومكانتها؛ من الأمور الغيبية التي لا يطلع عليها إلا الخواص من عباد الله عز وجل. إننا نريد أن نرفع مستوى معرفتنا بفاطمة (ع) وتبعاً لها حبنا لها. هناك تشبيه بين الصديقة الطاهرة وبين ليلة القدر، في أمرين: إن ليلة القدر لها صفتان مهمتان: الأولى أنها ليلة مبهمة في ثلاث ليال. فقد أخفى رب العالمين هذه الليلة بين ليال ثلاث. ثم بالإضافة إلى إبهامها؛ هي جليلة القدر أيضا. فيكفي أن الله عز وجل ذكر في كتابه الكريم: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ)[١]؛ أي أن الأفهام لا تصل إلى معرفة هذه الليلة.

جلالة قدرها

وهاتان الصفتان – الخفاء والجلالة – موجودتان في هذه الصديقة الطاهرة. فأولا: هي مجهولة قدراً. من الذي يحيط علماً بقدر هذه السيدة التي قال عنها رسول الله (ص): فداها أبوها؟ إن النبي (ص) ليس بشاعر، وليس هو في مقام المبالغة، فهو كما قال سبحانه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى)[٢]؛ لا في تبليغ الرسالة فحسب؛ وإنما في تقييم الأشخاص، وفي بيان المواقف. إن النبي (ص) لا يتكلم إلا عن الوحي، وقوله: فداها أبوها؛ ليس بالقول الهين. إنها حبيبة أبيها، وروحه التي بين جنبيه، وبضعة منه. إن كل هذه التعابير هي كاشفة عن جلالة قدرها.

خفاء قبرها

ثانيا: شاء الله عز وجل أن يجعل هذه السيدة مخفية قبراً. إننا لا نعهد في تاريخ البشرية عظيما إلا وهو معلوم القبر، أو اخفتى قبره بمرور الزمن؛ ولكنها (ع) تعمدت ذلك؛ فقد أوصت بعلها أمير المؤمنين (ع) أن تغسل ليلاً، وأن تكفن ليلاً، ووأن تدفن ليلاً؛ لئلا يطلع أحد على قبرها.

التكتم الشديد من قبل أهل البيت (عليهم السلام) على مكان دفنها (سلام الله عليها)

إنني أتسائل وأقول: أ يعقل أن أمير المؤمنين (ع) لم يكن يعلم أين قبر فاطمة (س) وهو الذي دفنها بيده؟ أ يعقل أن الحسنين لم يكونا يعرفان قبر أمهما فاطمة (س)؟ أ يعقل أن الإمامين الصادقين (ع) وهم كانوا سكنة المدينة – وآخر إمام سكن المدينة هو الإمام الصادق (ع)، وأولاده الآخرون من الإمام الكاظم إلى العسكري قد زحزحوا عن مدينة جدهم – لم يكونا يزوران قبرها؟

خلال سنوات مديدة وقرابة أكثر من قرن وأئمة أهل البيت (ع) يزورون القبر الحقيقي لأمهم فاطمة (س) من دون أن يصل هذا الخبر إلى شيعتهم. ولو علم الأصحاب مكان قبر فاطمة (س) لوصل إلينا الخبر؛ ولكن انظروا إلى شدة التكتم على قبرها. وبالطبع إن الجواب واضح. إن هذه السيدة أرادت أن تعلم البشرية إلى قيام ولدها أنها ذهبت من هذه الدنيا وهي غير راضية، ومحتجة. إنها قد دافعت عن بعلها أمير المؤمنين (ع) أو قل: دافعت عن ولاية بعلها. إن عين الزهراء (ع) على مقام الأمير لا على شخص الأمير.

كيف كان أبو الفضل العباس (ع) في يوم عاشوراء فيما نسب إليه يقول:

أني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين

إنه قد قدم الدين على أخيه الحسين (ع).

جلاء خطبتها وخفاء قبرها

وبالطبع إن بيان موقفها لا يتوقف على خفاء القبر؛ وإنما على جلاء خطبتها أيضا. إن خطبتها الفدكية لم تكن مخفية على أحد. إنها بخفاء القبر وجلاء الخطبة؛ أفهمت المسلمين بأن في قلبها شيء أو أشياء. إنها ماتت وهي واجدة؟

إن معرفة منزلة المعصوم مقدمة لمحبته. لماذا يتعلق الشاب بفتاة جميلة؟ لأنه يرى جمالاً في الوجه. لماذا أحدنا يشتري لوحة فنية جميلة؟ لأنه يحب جمال الصورة والطبيعة، وهكذا. لو ترقى الإنسان في باطنه وعشق جمال الأرواح، وعلم بجمال الأرواح في هذه الذوات؛ من الطبيعي أن يعشقها. إن الشاب ليتفانى في الوصول إلى فتاة لجمال في وجهها؛ فكيف بإنسان يعلم بجمال روحه؟ إن جمال الوجوه جمال مؤقت، وكما يُذكر في تلك القصيدة المعروفة:

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل[٣]

يتبين أن الوجوه الجميلة فانية. فمن وصل إلى هذا المقام؛ مقام درك جمال المعصوم، وحصل على هذه المعرفة النظرية؛ فستورث له المحبة وبعد المحبة الاقتداء بصاحبها. إن البعض عندما يعجب بشخصية يقلدها في كل شيء؛ في مشيته، وفي زيه، ويقتني صورته ولعله يراه في منامه لأنه أحبه، والمحبة توجب الاقتداء. قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[٤]. إن من علم مقام النبي (ص) ومن تجلى عنده جمال النبي الأكرم؛ من الطبيعي أن يتأسى به.

الاطلاع على سيرة المعصومين (عليهم السلام) وسننهم

ولهذا نؤكد على ضرورة الاطلاع على سنة النبي (ص)، وعلى سيرته. إن هذه المعرفة هي التي تجعلنا نتبع المعصومين (ع). ولهذا دعوتنا في مناسبات الأئمة دائما؛ ألا نكتفي بالفرحة في مواليدهم ولا بالحزن في مناسبات استشهادهم. ليحاول كل منا أن يبحث في حياة المعصوم مرتين في السنة: في مناسبة المولد راجع السيرة، وفي مناسبة الشهادة اطلع على السنة. فإذا أنت خبير في سيرتهم بعد سنوات. وقد أتاحت – هذه الأيام – وسائل التواصل الفرصة للجميع أن يكتسب المعرفة من معادنها.

[١] سورة القدر: ٢.
[٢] سورة النجم: ٣.
[٣] الإمام الهادي عليه السلام.
[٤] سورة الأحزاب: ٢١.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن البعض عندما يعجب بشخصية يقلدها في كل شيء؛ في مشيته، وفي زيه، ويقتني صورته ولعله يراه في منامه لأنه أحبه، والمحبة توجب الاقتداء. قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُم فِي رَسُول الله أُسوَةٌ حَسَنة). إن من علم مقام النبي (ص) ومن تجلى عنده جمال النبي الأكرم؛ من الطبيعي أن يتأسى به.
  • إن خطبة السيدة الزهراء (س) الفدكية لم تكن مخفية على أحد. إنها بخفاء القبر وجلاء الخطبة؛ أفهمت المسلمين بأن في قلبها شيء أو أشياء، وإنها ماتت وهي واجدة.
Layer-5.png