- ThePlus Audio
مقامات المعصومين (عليهم السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
الولاية وحدودها ومقامات المعصومين (عليهم السلام)
إن من المسائل العقائدية، مسألة الولاية. والتي هي ثابتة لأئمة أهل البيت (ع). فهناك مساحة ومقدار مسلم به بين الجميع ممن يعتقد بخط الإمامة؛ وهو أن الولاية للنبي (ص) للأئمة المعصومين (ع) من بعده، وأن الله عز وجل أعلم حيث يجعل الوصاية، كما أنه أعلم حيث يجعل النبوة والرسالة. وهناك مسألة مهمة أخرى وهي حدود تصرفات المعصوم في عالم التكوين والطبيعة والأرض والسماء.
مقام المعصومين (عليهم السلام)
ويرى البعض أن المعصوم (ع) هو بمثابة عالم له حجمه ومساحته الكبيرة من العلم الذي اكتسبه من النبي (ص) من خلال مواريث الأنبياء (ع)؛ كالجفر مثلا. أو أن هذا العلم قد انتقل إليهم من خلال آبائهم فهم تناقلوه صدرا عن صدر. ولم يخلق الله عز وجل في هذه الأمة الخاتمة، وجوداً أرقى من هذه الذوات الطاهرة؛ لأنه ختم دينه بالإسلام، وختم معجزاته بالقرآن، وختم أنبيائه بالنبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، وختم الأوصياء بالأئمة (ع).
والإمام المهدي (ع) يمثل الحلقة الأخيرة في سلسلة الإمامة قبل يوم القيامة؛ فلا يأتي بعده إمام يمثل هذا الخط. ولا يمكن للإنسان أن يحيط بمقاماتهم العظيمة وإنما يلتمس معرفة بعض مقاماتهم وسماتهم من خلال كلماتهم وكراماتهم التي ظهرت للعباد. فعلى سبيل المثال قد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال في شأن الصديقة الكبرى (س): (فَمَنْ عَرَفَ فَاطِمَةَ حَقَّ مَعْرِفَتِهَا فَقَدْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ اَلْقَدْرِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ لِأَنَّ اَلْخَلْقَ فُطِمُوا عَنْ مَعْرِفَتِهَا)[١]؛ أي أن الخلق – وهي كلمة جامعة تشمل جميع الخلق إلا من خرج بالدليل كأبيها وبعلها وبنيها – لا يمكنهم معرفتها حق معرفتها، كما قال سبحانه: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ)[٢]. وإذا كانت السيدة الزهراء (س) بهذه المنزلة وهي ليست في مرتبة إمام؛ فكيف بالإمام الفعلي الذي أعطي من الدرجات ما كان يتمناها النبي إبراهيم (ع) رغم مكانته العظيمة.
إنكار مقامات المعصومين
فلا ينبغي إنكار مقامات المقامات المعصومين (ع) ودرجاتهم عند عدم وجود أدلة وافية وإن كان يحق للإنسان أن يتوقف لعدم وجود الأدلة. وأما أن يكون المعصوم واسع الصلاحية بإذن الله عز وجل؛ فهذا مما لا ينكره العقل وخاصة إذا كان ذلك ثابتا للأنبياء وغير الأنبياء ممن ذكروا في القرآن الكريم.
ولقد ذكر القرآن الكريم أمورا خارقة لقوانين الطبيعة قام بها الأنبياء بل حتى أوصيائهم. ونرى ذلك جليا في قصة سليمان (ع) وملكة سبأ عندما أراد أن يأتي النبي (ع) بعرشها فقام بذلك من وصفه القرآن بـ (الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ)[٣] وأتى به في أجزاء من الثانية وبتعبير القرآن الكريم: (قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)[٤]. وقد ذكر سبحانه بعض الأمور التي كانت مسخرة للنبي سليمان فقال: (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ)[٥]، وكذلك الأمور التي كان يقوم بها النبي عيسى (ع) في قوله تعالى: (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِ)[٦]. والقرآن مهّد الأذهان لتلقي هذه المعلومة.
وأما الإعجاز أمر لا يعجز الله سبحانه وإنما الأمر في الإعجاز وفي غير الإعجاز سيان عنده؛ فالذي جعل الحرارة في النار يستطيع أن يجعل البرودة فيها إذا اقتضى الأمر ذلك كما حصل ذلك مع النبي إبراهيم (ع). فلماذا الإسراع في إنكار مقامات المعصومين (ع) الذي عندهم علم الكتاب كله وليس علم من الكتاب وهم أتم مصداق لقوله سبحانه: (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)[٧].
موقفنا من كرامات المعصومين (عليهم السلام)
يقول شيخ الفلاسفة ورئيس الحكماء ابن سينا: (كل ما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الإمكان مالم يذدك عنه قائم البرهان)[٨]. ومادامت القضية ممكنة فلماذا الاستماتة في الرد والنفي؟ ولقد أكرم الله المعصومين فأعطاهم الحق في التصرف في بعض مظاهر الطبيعة بما تقتضيه الحكمة والمصلحة وليست هذه القدرة في قبال قدرة الله عز وجل، ومن يعتقد بذلك فهو مشرك ونحن نتبرأ منه كائن من كان؛ فليس للمعصومين مقام تشريعي أو تكويني بمعزل عن التفويض الإلهي لهم.
لماذا العجب من مقاماتهم؟
والكرامة هي للواهب المعطي الذي يعطي الكثير بالقليل. وقد وصل المعصوم إلى درجة العصمة والتفاني في الدين وعلم سبحانه أنه سيقتل في طاعته وفي تبليغ دينه؛ فما الضير في أن يأذن له في التصرف في شجرة هنا أو نبتة أو قطعة حجر هناك وما هو الغريب في ذلك؟
على المرء أن يرفع من مستوى تفكيره وأن يطلب من الله عز وجل أن يشرح صدره لفهم مقامات المعصومين (ع) وهي مفاهيم تنال بشيء بسيط من التأمل ومراجعة النصوص الشريفة في القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة وليلاحظ مدى ترابط المضامين المنقولة عن أئمة أهل البيت (ع) بدءا من أمير المؤمنين (ع) وانتهاء بالإمام الحسن العسكري (ع)، وكذلك ما روي عن الإمام الحجة (ع).
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- لا ينبغي إنكار مقامات المقامات المعصومين (ع) ودرجاتهم عند عدم وجود أدلة وافية وإن كان يحق للإنسان أن يتوقف لعدم وجود تلك الأدلة. وأما أن يكون المعصوم واسع الصلاحية بإذن الله عز وجل؛ فهذا مما لا ينكره العقل وخاصة إذا كان ذلك ثابتا للأنبياء وغير الأنبياء ممن ذكروا في القرآن.