إن علياً (ع) يرسم لنا معالم المتقين، الذين يدعون الانتساب لعلي (ع).. لنقرأ جميعاً فقرات هذه الخطبة المباركة، وننظر إلى النسبة المئوية لمتابعتنا لعلي (ع)، الذي كان يمشي خلف النبي (ص) ويضع رجله حيث يضع الرسول (ص) رجله في التراب؛ فكيف بشؤون حياته؟.. هذا معنى الإتباع والمشايعة الصادقة، كان يقول: (كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر أمه).
إن من صفات المتقين التي ذكرها الإمام علي (ع) لهمام، هذه الصفة الغريبة، يقول (ع):
(نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ، كَالَّذِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ).. ما معنى هذه العبارة؟.. هل يمكن أن تكون حالة الإنسان على فراش المرض في المستشفى، كحالته ليلة زفافه مثلاً؟..
يقول الشيخ محمد عبده -وهو من كبار علماء الأزهر- في شرح النهج: (أي أنهم إذا كانوا في بلاء، كانوا بالأمل في الله، كأنهم كانوا في رخاء لا يجزعون ولا يَهِنون).. هو في بلاء، ولكن ارتباطه وأمله متعلق بالله عز وجل.. (وإذا كانوا في رخاء، كانوا من خوف الله وحذر النقمة، كأنهم في بلاء لا يبطرون ولا يتجبّرون).
أولاً: يقول في القسم الأول: عندما كانوا في البلاء؛ كانت علاقتهم بالله -عز وجل- علاقة الأمل.
ثانياً: يقول في القسم الثاني: عندما كانوا في نعمة، كانت علاقتهم بالله -عز وجل- علاقة الخوف.. ظاهره نعمة، ولكن باطنه نقمة، يقول تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ}، {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}.. إن ربّ العالمين إذا رأى عبده عاكفاً على المعاصي؛ يعطيه مادة الحرام.. مثلاً: هناك إنسان يميل إلى النساء ميلاً محرماً، ولا يجد مالاً ليفسق بهذا المال؛ فيعطيه مالاً وفيراً، فيذهب إلى بلاد الكفر والفسوق، ويقع في أحضان الرذيلة.. فإذن، إن المؤمن لا يفرح، لأنه لا يعلم ما هي عاقبة هذا المال!..
إن أمير المؤمنين (ع) يقول: (نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ، كَالَّذِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ).. والله العالم لو أن الإمام وجد حملة ومستمعين، لعله قال: أنفسهم بالبلاء أشد سروراً من أنفسهم في الرخاء!.. البعض يقول: أن الإدبار للمؤمن خير له من الإقبال؛ لأنه يعيش الألم الباطني، وهذا خير له من الفرح بالإقبال.. فالمؤمن في البلاء يعلم أنه تحت الرعاية الإلهية، يقول تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}.
هل هذه الصلاة والرحمة موجودة في المال؟.. وهل هي موجودة في الرخاء؟.. وهل موجودة ليلة الزفاف؟.. أو أن هذه الحالة تتحقق ليلة المرض في المستشفى؟.. ولهذا ورد في رواية: (إذا رأيت الفقر مقبلاً فقل: مرحباً بشعار الصالحين).. لأن الفقير يرضى الله -تعالى- منه القليل من العمل.. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من رضي من الله بالقليل من الرزق، رضي الله منه بالقليل من العمل).. أما الذي يعيش في سعة ورخاء، فهو مطالب بعمل أكثر!.. ولهذا هنيئاً لمن كان على نهج علي، وعلى سنته وسيرته المستقاة من حبيبه المصطفى (ص)!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.