Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

مظاهر التوحيد والولاء في الزيارة الجامعة الصغيرة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

زيارة الرضا (عليه السلام) الجامعة

لو تأملنا في الزيارة الجامعة المختصرة الصغيرة المروية عن الرضا (ع)، لوجدنا أنها على الرغم من قصرها زيارة جامعة تضمنت أوصافا عظيمة للأئمة (ع). وهي من الزيارات المناسبة في ليالي الجمع في مشاهد المعصومين (ع). ونستطيع أن نعرف هذه الزيارة بأنها ملخص للمفاهيم التي وردت في الجامعة الكبيرة لحفيده الإمام الهادي (ع). وما أجدرنا بقراءة هذه الزيارة المروية عن الرضا (ع) في مشهده المشرف وفي حرمه المطهر. وقد أوصى الإمام الرضا (ع) أن يزار بهذه الزيارة والده الإمام الموسى بن جعفر (ع) وهي زيارة عامة يُمكن أن يزار بها أي معصوم.

زيارة تمزح بين التوحيد والولاء

إن دأب أئمتنا (ع) في زياراتهم؛ أنهم يمزجون بين التوحيد والولاية. فهذه الزيارة والزيارة الجامعة الكبيرة خير دليل على ما نقول. فنحن في الجامعة الكبيرة نكبر الله عز وجل قبل أن نبدأ الزيارة وكأننا بذلك نبعد عن أنفسنا غير الله عز وجل ولكي يعلم المخالف أننا لا نواليهم على حساب التوحيد.

وهذه الزيارات وأمثالها من إنشائهم ومن كلماتهم الطيبة النورانية التي من خلاها تزداد معرفتنا بهم (ع). فمن أواصفهم التي وردت في الزيارة الجامعة الصغيرة أنهم؛ محال معرفة الله. أي أنهم عرفوا الله حق معرفته ولولاهم لما وصلت إلينا هذه المعارف السامية. كيف كنا نناجي ربنا لو لم تكن بين أيدنا الصحيفة السجادية مثلا؟ إننا نقرأ الكثير من الأعية في شهر رمضان المبارك ولكن لا يستدر دمعتنا دعاء كدعاء أبي حمزة الثمالي.

ومن أوصافهم في هذه الزيارة؛ أنهم المخلصين في توحيد الله. لماذا نصفهم بالإخلاص في توحيد الله عز وجل؟ لأنهم ببساطة عبدوا الله عز وجل عبادة الأحرار وذلك أنهم وجدوه أهلا للعبادة، ولم يعبدوه طمعا كعبادة التجار ولا خوفا كعبادة العبيد.

ما أهمية معرفة هذه الصفات؟

المعصوم هو الحبل المتصل بين الخلق والخالق. إنهم قد بلغوا القمة في محبة الله عز وجل كما ورد هذا الوصف في الزيارة الجامعة: (اَلتَّامِّينَ فِي مَحَبَّةِ اَللَّهِ)[١]. إننا لو رجعنا إلى أنفسنا لعلنا لا نجد إلا قطرات من الحبة الإلهية، بخلاف المعصوم الذي امتلئ وجوده حبا لله عز وجل. وهذه المعرفة هي من دون تردد، تؤثر على رقة الزائر وعلى أجره الذي يتضاعف بتضاعف المعرفة. ولذا ورد عن أحد العلماء أنه قال حول الزيارة الجامعة الكبيرة: إذا قرأت مضامين الجامعة الكبيرة ولم تستغرب، فأنت من التامين في ولاية الله عز وجل. نعم، قد لا يستنكر المؤمن ما ورد من الصفات بشأنهم ولكنه قد يستغرب منها، فإذا لم يستغرب فقد حق قول العالم عليه من أنه تام في ولاية الله. ما المانع من إنزال البركات على الأرض من خلال هذه الذوات الطاهرة والحال أن الملائكة وهم أقل شأنا منهم ينزلون الغيث ويدبرون أمور هذا العالم؟

كيف ننتفع بوقت الزيارة؟

قد نأتي إلى الحرم الشريف أحيانا فينتابنا بعد الساعة والساعتين شيء من الملل والضجر، ولذا ينبغي التنويع في الزيارة واختيار ما هو ملائم للمزاج في مثل هذه الحالات. إن الروح هي كالبدن بحاجة إلى غذاء، فكما أن البدن يشتهي تارة الطعام والشراب وتارة يشتهي تناول الفاكهة وما شابه ذلك؛ فالروح كذلك تحتاج إلى غذاء متنوع. عادة ما يكون الزائر في قمة الشوق أول الزيارة وفي قمة الحرقة عند انتهائها وهو لا يمل في هاتين الفترتين وإنما هو بحاجة إلى التنويع الذي ذكرناه آنفا بينهما.

فمن الطبيعي أن يدخل الزائر إلى الحرم الشريف وملئه الشوق إلى إمامه خاصة إذا كان قد أتاه من بلد بعيد، فهو يفرغ هذا الشوق ويبدي محبته من خلال هذه الزيارات. فإذا أراد التنويع عمد إلى المصحف الشريف فقرأ سورتي ياسين والرحمن بتوجه وبتأمل في ما ورد من المعاني فيهما. وبإمكانه القيام للصلاة وإهداء المعصوم ركعتين يصليهما بتوجه وإقبال، فلا يصلح تقديم هدية مثلومة للمعصوم ولابد أن تكون كاملة. هل يتجرأ أحدنا على أن يقدم للملك أو السلطان كأسا مكسورة مثلا؟ فكيف نقدم للإمام صلاة لم نتقنها؟

عمل عظيم لا يلتفت إليه الزائر

ومن الأعمال العظيمة التي قل ما يلتزم بها الزائر؛ المحاسبة عند الإمام. حاسب نفسك وقل لها: لقد زرت الإمام العام المنصرم، فما الجديد في هذه الزيارة أضفته إلى حياتي؟ فقد روي عن الإمام الصادق (ع): (تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ)[٢]. وقد يقول قائل: إنني أحاسب نفسي وأفكر في جميع شئوني في الحرم وفي غير الحرم، فما هي خصوصية هذه المحاسبة في الحرم؟ الخصوصية في أنك تستطيع مخاطبة الإمام قائلا: يا مولاي، أريد أن أحاسب نفسي ولكنني لا أعلم كيف أحاسبها، وأريد منك العون والتسديد. فكما روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا أَرَادَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْراً فَقَّهَهُ فِي اَلدِّينِ وَزَهَّدَهُ فِي اَلدُّنْيَا وَبَصَّرَهُ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ)[٣].

والإمام هو مجري الإرادة الإلهية؛ فما المانع من أن يبصرك بعيوب نفسك ويلهمك الطريق إلى إصلاحها؟ لقد سمعت أحد علمائنا الكبار يقول عن آداب الزيارة: إن آداب الزيارة كلها مجموعة في أمر واحد؛ أن تعتقد حياة المعصوم. إن الإمام كما هو أنيس النفوس، فهو طبيب النفوس أيضا والمريض يعرض نفسه على الطبيب ويطلب منه تحديد المرض ووصف علاج له. فإذا ابتليت بقسوة القلب في الزيارة ونظرت إلى الضريح فلم تجر عبرتك، فقل يا مولاي: جئتك للمستشفى وأريد علاجا لقسوة القلب وأن يتحول إلى قلب خاشع.

تصفية الروح بالجلوس في الحرم الشريف

إن من المفاهيم التي أكدنا عليها مرارا، مفهوم التجرد الروحي في الزيارة. وذلك أن المتجرد يستطيع الزيارة في أي بقعة من الأرض كان. فيكفي أن يغمض عينيه ويتصور نفسه واقفا أمام الضريح، فيسلم على إمامه ويزوره كما لو أنه في الحقيقة واقف هناك. ولكن لا يعني ذلك الاستغناء عن الحضور في تلك المشاهد المشرفة لمن أمكنه ذلك. إننا نتحدث فيما لو كان الزائر مخيرا بين الوجود الناقص المتمثل بهذا التجرد الروحي، وبين عدم الوجود في تلك البقاع.

متى يلزم أحدنا الصمت باختياره؟

إن العبد إذا وصل إلى مرحلة الإحساس بالمحضرية الإلهية والأنس بوجود الله الذي هو خير من خلا به وحيد ورد ذلك في مناجاة الإمام زين العابدين (ع)، فلا شك أن يلزم الصمت أينما كان ومنها المشاهد المشرفة. فيكتفي ثمة بالتأمل والتكفر في الله عز وجل كما يتفكر الحاج بالنظر إلى الكعبة المشرفة. هناك مستحبات ثلاثة للحاج والمعتمر؛ الطواف والصلاة ركعتين والنظر إلى الكعبة المشرفة. والكعبة هي حجارة ليس إلا وما يشرفها هو انتسابها إلى الله عز وجل. فالحاج ينظر إلى الكعبة ليرى ما وراء الكعبة؛ أي الرب المتجلي بهذا المكان. ولذا عندما يمر على الحجر الأسود يقول: (أمانتي أدّيتها، وميثاقي تعاهدته، لتشهد لي بالموافاة)[٤].

ذكر الله على الفراش

وقد يكون مزملا مدثرا يذكر الله عز وجل من تحت دثاره ويناجيه ويعيش الأجواء الإلهي ويتشرف بذكر الله عز وجل الذي يناجيه زين العابدين (ع) قائلا: (يا مَنْ ذِكْرُهُ شَرَفٌ لِلذَّاكِرِينَ)[٥]. يصل الأمر بالإنسان عند الذكر أن ينسى حتى الأجواء التي هو فيها من البرد والحر، فقد ذكروا أن عالما كبيرا كان يصلي في مشهد الرضا ويستغرق في الذكر إلى درجة يتراكم الثلج عند الركوع على ظهره وهو في عالمه غير ملتفت.

ولذا ينبغي أن يطلب الزائر في تلك المشاهد المشرفة أمثال هذه المقامات ويطلب هذه المنح. فكبار العلماء وعمالقة السير إلى الله عز وجل قد أدركوا ليلة قدرهم في زيارة من هذه الزيارات. إن الشاب ينظر إلى الفتاة فيتكهرب ويتأثر ويعشقها من نظرة واحدة، فهل المعصوم أقل من هذا؟ تكفي نظرة واحد لتغيير المسار كله.

كيف نتشبه بالإمام الرضا (عليه السلام)؟

لو تمثل كل واحد منا لقب الرضا وأبيه الكاظم في نفسه، فكان راضيا بقضاء الله عز وجل وكاظما لغيظه مع الخلق وعافيا عن الناس، لن يعاني من أي مشكلة روحية. إن أكثر ما نعانيه من تبرمنا من قضاء الله وقدره، وقد سمعت من خطيب قصة ينقلها عن أحد الأنبياء وهي: أن رجلا فقد ولدا له، فعاش حالة التبرم والسخط وعدم الرضا، فقال له ذلك النبي: إن الحمام ليؤخذ ولدها ويُّبح ويُؤكل فلا تتبرم ولا تسخط، بل تستمر في حياتها وتبيض مرة أخرى في العش نفسه؛ فلا تكن أقل من الحمام في التسليم بقضاء الله وقدره.

هذا فيما يتعلق بالخالق. أما ما يتعلق بالخلق فينبغي التأسي بالإمام موسى بن جعفر (ع) وبالرضا (ع) أيضا فهو مصدر الحلم؛ فخير مثال على ذلك عفوه عن الجلودي. كان الجلودي هذا ممن هجم على دار الرضا (ع) وفي دار عيال موسى بن جعفر (ع) وبناته، فأراد أن يسلبهم، فلم يسمح له الإمام (ع) وقال له: (أَنَا أَسْلُبُهُنَّ لَكَ وَأَحْلِفُ أَنِّي لاَ أَدَعُ عَلَيْهِنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَخَذْتُهُ)[٦].

ولكن دارت الأيام وجيء بالجلودي إلى المأمون وطلب الإمام (ع) أن يعفو عنه، فقال الجلودي وهو يظن أن الإمام (ع) يطلب من المأمون قتله: (أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَبِخِدْمَتِي لِلرَّشِيدِ أَنْ لاَ تَقْبَلَ قَوْلَ هَذَا فِيَّ فَقَالَ اَلْمَأْمُونُ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ قَدِ اِسْتَعْفَى وَنَحْنُ نُبِرُّ قَسَمَهُ ثُمَّ قَالَ لاَ وَاَللَّهِ لاَ أَقْبَلُ فِيكَ قَوْلَهُ أَلْحِقُوهُ بِصَاحِبَيْهِ فَقُدِّمَ وَضُرِبَ عُنُقُهُ)[٧]. إنني أخاطب الإمام (ع) أحيانا بين الجد والمزاح فأقول له: مولاي، لست الجلودي. لقد رق قلبه الشريف على هذا المجرم الذ هجم على بيت النبوة، فلم لا يرق قلبه على زائريه؟ أ يرجع زائره بالخيبة مصروفا؟ أ يرجع خائفا فزعا؟

من كلمات الرضا (عليه السلام)

لقد روي عن الإمام الرضا (ع) أنه قال: (مَنْ سَأَلَ اَللَّهَ اَلتَّوْفِيقَ ولَمْ يَجْتَهِدْ فَقَدِ اِسْتَهَزَأَ بِنَفْسِهِ)[٨]. وهذه الرواية زعم من يرى أن مجرد الدعاء والطلب والتوسل يُغني عن السعي والجهد. لا يُمكن للرجل أن يكتفي بأدعية الرزق عن الطلب والسعي ويتكاسل متكئا على هذه الأدعية. يأتينا شاب يبحث عن المقامات العليا وعن السير والسلوك وما شابه ذلك ولا يريد أن يخطو من أجل ذلك خطوة واحدة. إن المجاهدة والسعي أمر مطلوب في كل شيء حتى في طلب العلم. إنه ليأتيني الرجل بقلم يطلب مني أن أقرأ عليه لكي ينجح ولده بالامتحان إن كتب به…!

هل يكفي هذا الدعاء ويعوض كسل ولده طيلة أيام السنة الدراسية؟ وقد يصل الأمر ببعض هؤلاء عندما يصابون بالخيبة من عدم أخذ ما يريدون بالدعاء والتوسل إلى ضعف في الاعتقاد والحال أن المطلوب أن يعقلها ثم يتوكل. والإمام (ع) لم يتحدث عن العمل وإنما عن الاجتهاد وهو استفراغ الوسع وبذل ما يُمكن من الجهد والوسع.

[١] مفاتيح الجنان.
[٢] بحار الأنوار  ج٦٨ ص٣٢٧.
[٣] مستدرك الوسائل ج١٢ ص٤٢.
[٤] الكافي ح٤ ص ٤٠٣.
[٥] سلوة الحزين  ج١ ص١٣٢.
[٦] بحار الأنوار  ج٤٩ ص١٦٤.
[٧] بحار الأنوار  ج٤٩ ص١٦٤.
[٨] بحار الأنوار  ج٧٥ ص٣٥٦.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

• ما أجدرنا بقراءة الزيارة الجامعة المروية عن الرضا (ع) في مشهده المشرف وفي حرمه المطهر. وقد أوصى الإمام الرضا (ع) أن يزار بهذه الزيارة والده الإمام الموسى بن جعفر (ع) وهي زيارة عامة يُمكن أن يزار بها أي معصوم.

• إن المجاهدة والسعي أمر مطلوب في كل شيء حتى في طلب العلم. إنه ليأتيني الرجل بقلم يطلب مني أن أقرأ عليه لكي ينجح ولده بالامتحان إن كتب به…! هل يكفي هذا الدعاء ويعوض كسل ولده طيلة أيام السنة الدراسية؟

Layer-5.png