- ThePlus Audio
مشروعية التوسل بغير الله عز وجل
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم الصلاة على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين
من المواضيع الاقتصادية والتي وقع حولها الكثير من الخلاف بين فرق المسلمين، هو التعامل الصحيح مع النبي الأكرم (ص) واتخاذه شفيعاً ووسيلة لقضاء الحوائج، وهل يصح أم نطلب الحوائج من النبي (ص) مباشرة ومن آله الذين هم بالطبع استمرار لخط النبي (ص)؟
هل نعتقد أنَّ المعصومين (عليهم السلام) لهم تأثير مستقل في الوجود؟
وينبغي لنا أن نفهم هذه القواعد لنخرج منها بفائدة متكاملة، نحن نعلم أنَّه لا مؤثر في الوجود إلا الله عز وجل، وقد كان الشعار النبوي في مكة منذ بدايات الدعوة: (قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ تُفْلِحُوا)[١]، وقد نقلت هذه العبارة عن النبي المصطفى (ص) قبل أن تنقل عنه تشريعات الصلاة والصيام والحج والزكاة، وينبغي الانتباه جيداً إلى عبارة تفلحوا ولا إله إلا الله؛ إذ لو كان المراد هو التهليل اللفظي، فإنَّ اللفظ لا يؤثر في الواقع والفلاح إنما هو قضية خارجية وأمر حقيقي، والأمر الحقيقي يحتاج إلى تهليل حقيقي، وإن جاءت رواية في البين وقالت: أنَّ من قال لا إله إلا الله بنى الله له بيتاً في الجنة، فهي إنما تبين أنَّ التلفظ يكفي لأخذ الأجر، وأما الفلاح والفوز والعاقبة الحميد تحتاج إلى العمل بمضون كلمة لا إله إلا الله، وعندما أراد الإمام الرضا (ع) أن يتحدث عن كلمة التوحيد قال وهو ينقل الرواية عن رب العالمين: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ حِصْنِي فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِي)[٢].
هل يستطيع الإنسان أن يستغني عن الجميع؟
ومن الواضح أن النبي (ص) وأئمة أهل البيت (ع) هم أوائل الخلق في ترسيم هذا المفهوم التوحيدي ولا مناقشة في ذلك أبداً، ومن الواضح أنَّ الإنسان بهذه النفسية وبهذه الرؤية الكونية وبهذا الاعتقاد القلبي عندما يطلب حاجته من رسول الله (ص) ويناديه؛ إنَّما يجعل النبي (ص) وسيلة لقضاء حاجته، وما المانع في ذلك؟ بل إنَّ من مقتضى العقل، أن يقدم الوجيه في كل أمة مع الطرف الذي أضفى عليه هذه الوجاهة، وكيف يستغيث في حياته اليومية من ينكر هذه المفاهيم بكل أحد؟ ألا يستغيث المريض بالطبيب؟ ألا يستغيث الولد بأبيه وأمه؟ ألا يستغيث الإنسان وينادي يا للمسلمين عندما يتعرض إلى بلاء أو مصيبة؟ هل هذه استغاثة بغير الله عز وجل؟ إنَّ النبي (ص) – كما نقل في بعض التواريخ – كان ينادي علياً (ع) ويطلب منه أن يذب عنه ويبعد المشركين والكفار عندما كانوا يحيطون به من كل جانب؛ حتى جاء النداء من رب العالمين عن طريق جبريل (ع): (إِنَّ هَذِهِ لَهِيَ اَلْمُوَاسَاةُ)[٣].
هل يسمع النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) كلامنا؟
ونحن نلتجأ إلى البشر في حياتنا اليومية، والجميع ومن كل الأديان والمذاهب والملل؛ لا ينكرون الرجوع إلى المتمكن والمتخصص في جميع المجالات، وما المانع من أن يطلب الإنسان من أولياء الله عز وجل؟ فإن قلت: أنَّه فرق بين الحي والميت، وإنما أستغيث بأبي وأمي وبالطبيب المعالج وبمن ينقذني من الغرق إذا كان يسمع كلامي، وأما النبي (ص) فهو لا يسمع كلامي، وأقول: إنَّ القرآن الكريم قد رد ذلك في كثير من آياته ومنها الآية المعروفة حول الشهداء وأنهم يرزقون عند ربهم، والشهيد هو الذي مات في سبيل الدفاع عن الدعوة المحمدية؛ فكيف بنبي الشهداء وإمامهم؟ ومن لوازم الحياة السمع والبصر، والنبي (ص) عندما ألقى قتلى المشركين في القليب يوم بدر، أخذ يكلمهم وقال: (مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ)[٤]، فإذا كان المشرك يسمع كلام النبي (ص)، فكيف لا يسمع نبي الرحمة (ص) كلامنا؟
طلب الحاجة من الله سبحانه بالصيغ المختلفة
ولا ينبغي أن نستوحش من اختلاف صيغ التعبير عند طلب الحوائج من الله عز وجل، فقد نطلب الحاجة من الله سبحانه مباشرة، وقد نطلبها بصيغة أخرى وهي أن نطلب الحاجة من خلال توسيط أوليائه، كما نقرأ ذلك في الآية المعروفة: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ)[٥]، وإنما نطلب من الله الحاجة بجاه ذلك المعصوم، وهناك صيغة أخرى لطلب الحوائج وهي أن نخاطب المعصوم ولكن المعنى في القلب هو بأن يسأل المعصوم ربه عز وجل في قضاء حوائجنا، وأنت تقول في زيارة المعصوم: سل الله عز وجل أن يقضي لي حاجتي، وظاهر الخطاب هو للمعصوم وباطن الخطاب هو لله عز وجل، والإنسان الذي له هذا البعد الاعتقادي لا يستوحش من هذه التعابير في الواقع.
نماذج قرآنية حول مشروعية التوسل بغير الله عز وجل
والقرآن الكريم قد عرض لنا نماذج مختلفة وعينات كثيرة عن أنَّ الشيء إذا انتسب إلى الله عز وجل تنقلب ماهيته، فالقمصان في العالم كثيرة ولكن قميص يوسف (ع) هو القميص الذي يجب أن يلقى على وجه يعقوب ليرتد بصيراً، لأنه قميص يوسف (ع) المظلوم المضطهد الذي ألقي في غيابة الجب والذي جاهد نفسه، والذي قال: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ)[٦]، وهذه أمور توجب الوجاهة عند الله عز وجل.
وهناك آية في القرآن الكريم تنسب البركة إلى الخشب وهو التابوت الذي قال الله عز وجل عنه: (أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ)[٧]، وقد جعل الله السكينة في تابوت خشبي ولعله المهد الذي كان فيه موسى (ع) عندما ألقي في النيل أو غير ذلك، والمهم أنَّه منتسب إلى النبوة، وكذلك الأمر في السامري الذي ورد في القرآن الكريم بشأنه: (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)[٨]، وهي آثار الدابة التي كان يستقلها جبريل كما هو مذكور في التفاسير، وهذه الآثار عندما تنتسب إلى جهة عليا تصبح لها جهة عُلوية، وأدل دليل على ذلك الكعبة المشرفة؛ إذ هل يمكن للإنسان أن يقدس أحجار وجبال مكة؟ هذه الحجارة التي نقلت من جبال مكة إلى أرض الوادي وبنيت بها الكعبة المشرفة التي نطوف حولها لأنها انتسب إلى الرب، والجميع يعلم، أنَّ المسلمين قاطبة يقدسون الحجر الأسود بل يتنازعون على لثمه وتقبيله، وما ذلك إلا لأنه انتسب إلى الله عز وجل، والجماد الذي يكتسب الخلود ويتصف ببعض الصفات الإلهية؛ كالكعبة والتابوت والقميص والحجر عندما ينتسب إلى الله عز وجل، فهل هناك غرابة إذا اتصف أولياء الله عز وجل بالبركة والكرامة وهم بشر أحياء؟
وبالتالي نحن نعتقد أنَّ هذه الأمور أمور مقبولة، والهدف من بيانها تعليم الجاهل وتربيته تربية عقائدية صحيحة، وإذا ما علم الإنسان أنه لا مؤثر في الوجود إلا الله عز وجل، عندئذ لا يقع في الشرك لو استغاث بالنبي (ص) أو الولي.
اتخاذ الوسطاء أمر طبيعي بين البشر..!
إنَّ الإنسان قد لا يتكلم مع جهة عليا مباشرة إما حياء وإما هيبة منها، كالولد العاصي والعاق لوالديه الذي لا يتكلم مع أبيه من باب الخجل وليس من باب عدم الاحترام؛ فيوسط أحد أصدقاء أبيه للحديث معه، ولو اطلع الأب على ذلك هل سيعد ما قام به الولد عدم احترام له وعدم اعتراف به وشركاً؟ بل سيرى العكس من ذلك ويعتبر ذلك أمراً إيجابياً، وكذلك الأمر بالنسبة لمن يتجشم عناء السفر ليحضر في الروضة المطهرة التي هي من رياض الجنة كما قال النبي (ص): (مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ اَلْجَنَّةِ)[٩]، وهذه العبارة منقوشة في الروضة، ولقد أصبحت هذه الروضة من رياض الجنة لأنها واقعة بين القبر والمنبر؛ قبر رسول الله (ص) ومنبره ومعنى ذلك أنَّ للقبر والمنبر خصوصية وإلا لما أصحبحت تلك البقعة روضة من رياض الجنة، وتاريخياً كانت هذه المنطقة من الحرم النبوي الشريف لأيتام في المدينة اشترى منهم النبي (ص) هذه الأرض لتوسعة المسجد أو لبناء المسجد، وبالتالي أتت هذه الكرامة من انتساب هذه البقعة للمصطفى (ص).
خلاصة المحاضرة
- إن النبي والأئمة (ع) كانوا من رواد التوحيد والدعوة إلى الله، ونحن نعتقد أن لا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى وما المانع في أن يكون الولي وهو إنسان حي مصدر بركة وكرامة بعد أن أثبتت الآيات الشريفة الكرامة والبركة والسكينة للجمادات من قبيل التابوت الخشبي وقميص يوسف والكعبة المشرفة.