- ThePlus Audio
محطات من سيرة الإمام الرضا (عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
علة تسمية الإمام علي بن موسى (عليه السلام) بالرضا
سنتناول في حديثنا محطات من سيرة الإمام الرضا (ع) ثامن الحجج، والإمام الذي كان جده الإمام الصادق (ع) ينتظر بشوق ولادته. ومن ألقابه عالم آل محمد والرضا، وقد بين الإمام الجواد (ع) علة تسميته بالرضا دون سائر الأئمة (ع) حيث قال: (لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ اَلْمُخَالِفُونَ مِنْ أَعْدَائِهِ كَمَا رَضِيَ اَلْمُوَافِقُونَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ مِنْ بَيْنِهِمُ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ)[١].
وقد وصل إلى أعلى درجات الثبات واشتهر في أوساط الأمة حيث رأى المأمون بأن حكمه لا يثبت وسلطانه لا يدوم إلا بالاستعانة بالإمام الرضا (ع)، ولهذا أجبره على الهجرة من مدينة جده (ص) قاطعا البراري والقفار حتى يقبل الإمام (ع) ولاية العهد.
ولم يصل الإمام الرضا (ع) إلى هذه الدرجة من الشهرة والمقبولية في الأمة إلا بجهاد أجداده كالحسين (ع)، وما بنا جداه الباقر والصادق (ع) من صروح العلم والمعرفة، فهذا خليط من الدم والجهاد والعلم أفرز هذا الاسم اللامع في حياة الأمة حتى لقب كلا من الإمامين الجواد والهادي (ع) بابن الرضا (ع) لشهرته.
إجبار الإمام الرضا (عليه السلام) من قبل المأمون على قبول ولاية العهد
ولو ترك الإمام الرضا (ع) وشأنه لم يكن ليتقدم نحو هذه الخلافة الباطلة قيد أنملة؛ فالإمام (ع) لا يعترف بمن تولى زمام الأمة من دون إذن شرعي ونص من النبي الأكرم (ص). فلا يجوز الحكم والسلطان إلا للنبي (ص) ولمن نص عليهم من بعده. وقد أجبر المأمون الإمام (ع) على قبول ولاية العهد، فقد روي عن أبي الصلت الهروي أنه قال: (قَالَ لَهُ اَلْمَأْمُونُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَعْزِلَ نَفْسِي عَنِ اَلْخِلاَفَةِ وَأَجْعَلَهَا لَكَ وَأُبَايِعَكَ فَقَالَ لَهُ اَلرِّضَا إِنْ كَانَتْ هَذِهِ اَلْخِلاَفَةُ لَكَ وَجَعَلَهَا اَللَّهُ لَكَ فَلاَ يَجُوزُ لَكَ أَنْ تَخْلَعَ لِبَاساً أَلْبَسَكَهُ اَللَّهُ وَتَجْعَلَهُ لِغَيْرِكَ وَإِنْ كَانَتِ اَلْخِلاَفَةُ لَيْسَتْ لَكَ فَلاَ يَجُوزُ لَكَ تَجْعَلُ لِي مَا لَيْسَ لَكَ فَقَالَ لَهُ اَلْمَأْمُونُ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ لاَ بُدَّ لَكَ مِنْ قَبُولِ هَذَا اَلْأَمْرِ فَقَالَ لَسْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ طَائِعاً أَبَداً فَمَا زَالَ يَجْهَدُ بِهِ أَيَّاماً حَتَّى يَئِسَ مِنْ قَبُولِهِ)[٢]، فكان يريد المأمون كما أخبر بذلك الرضا (ع) أن يجس نبض الإمام ويرى هل لديه رغبة في للسلطة أم لا؟
يقول الرواي في جواب الإمام (ع) للمأمون في علة عرض ولاية العهد عليه: (تُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَقُولَ اَلنَّاسُ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى اَلرِّضَا لَمْ يَزْهَدْ فِي اَلدُّنْيَا بَلْ زَهِدَتِ اَلدُّنْيَا فِيهِ أَ لاَ تَرَوْنَ كَيْفَ قَبِلَ وِلاَيَةَ اَلْعَهْدِ طَمَعاً فِي اَلْخِلاَفَةِ فَغَضِبَ اَلْمَأْمُونُ ثُمَّ قَالَ إِنَّكَ تَتَلَقَّانِي أَبَداً بِمَا أَكْرَهُهُ وَقَدْ آمَنْتُ سَطْوَتِي فَبِاللَّهِ أُقْسِمُ لَئِنْ قَبِلْتَ وِلاَيَةَ اَلْعَهْدِ وَإِلاَّ أَجْبَرْتُكَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلْتَ وَإِلاَّ ضَرَبْتُ عُنُقَكَ)[٣].
وهذا يدل على أن الإمام الرضا (ع) قد بلغ مبلغا عظيما في نفوس الأمة حيث لم يستطع المأمون إلا إجبار الإمام (ع) على قبول ولاية العهد، ولم نعهد في سيرة الحكام من قبله كالمنصور وهارون من أجبر الأئمة كالصادق والكاظم (ع) على قبول ولاية العهد، وهذه هي ثمرة العلم والجهاد والاستقامة. ولكن محنة الإمام (ع) ومعاناته كانت كبيرة حتى تمنى الموت (ع) وأخبر أن الفرج بمماته، لأنه قد وضع في موضع لا يليق بالإمامة والأمة، إذ ما قيمة الدنيا بحذافيرها في نظر الإمام (ع) حتى يجعل ولي عهد لطاغية مثل المأمون العباسي؟
من الدروس البليغة التي نستفيدها من حياة الإمام الرضا (ع)؛ رضاه بالقضاء والقدر، فقد خرج (ع) من مدينة جده تاركا ولده الجواد (ع) وأهل بيته وتركة موسى بن جعفر (ع)، وقبر أمه الزهراء (س) وقبر جده النبي (ص) وآبائه، لكي يذهب إلى بلاد نائية كأرض طوس التي كانت في أقصى المشرق الإسلامي.
اختلاف الناس في التعامل مع القضاء والقدر
والناس بالنسبة إلى قضاء الله عز وجل على درجات مختلفة؛ فتارة يوافق القضاء والقدر المزاج، فيرزق الرجل زوجة صالحة أو أموالا طائلة فيرضى به وهو أوفق لمزاجه وأيسر لامتحانه، وتارة لا يأتي القضاء والقدر بما يحب من خسارة مالية كبرى أو من فقد عزيز أو من ذل ووهن يصبه، فيسخط قضاء الله عز وجل وقدره، وهذا الإنسان كافر بالله عز وجل إن كان يعي ما يقول. فقد لا يرضى البعض بقضاء الله عز وجل إلا أنهم لا يظهرون ذلك رغم ما يعيشون من غليان باطني، وإذا استفزه أحدهم يقول: يا فلان لا تستفزني لعلني أكفر بالله – والعياذ بالله – وهذا إنسان مسكين فهو وإن لم يكفر إلا أنه على حافة الكفر وإن كان بعيدا عن المفر الاعتقادي واللساني.
وهناك من لا يسخط عند نزول البلاء وحلول القضاء، ولكنه لا يرضى كذلك فهو في حالة وسطى بين الرضا والسخط، وهم مسلم أمره لربه كما يسلم المريض أمره للجراح الذي يخضعه لشفرة الجراحة راغما وقد تودي العملية بحياته في كل لحظة إلا أنه مسلم له.
وهناك قسم من الناس وصلوا إلى درجة تحولوا فيها إلى أسعد البشر في الحياة، لأنهم لا يرون في الوجود إلا جميلا، كالسيدة زينب (س) صاحبة هذه الكلمة. والذي رأته السيدة زينب (س) لم تره أم في التاريخ إلا أنها الزهراء (س)، فهي عندما وقفت أمام الطاغية وقالت: ما رأيت إلا جميلا، لم يكن ذلك شعرا أو نثرا أو خيالا أو تظاهرا وإنما كانت بحق ترى قتل الحسين (ع) الذي شاء الله له ذلك وشاء لهن السبي جميلا.
ولو اعتقد المؤمن بهاتين الكلمتين وجعلهما نصب عينيه، لما احتاج إلى طبيب نفسي ولا إلى مهدئات ومخدرات، الكلمة الأولى مقتبسة من كتاب الله عز وجل وهو قوله: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[٤]، وكلمة الأخرى من غير القرآن وهي: ما كتبه الله لنا فيه صلاحنا. والنتيجة المنطقية بعد حذف الوسط تكون: قل لن يصيبنا إلا ما فيه صلاحنا. والمؤمن معتقد أن الله سبحانه لا يكتب له إلا ما فيه الخير والصلاح، وإذا كان الأمر كذلك فلا يسخط على قضاء الله وقدره ويسلم أمره لله سبحانه. بل يرتقي إلى درجة يتمنى ما فيه صلاحه وإن كان مريرا. وقد نقل عن أحد العلماء: أن ابنه توفي في الغدير فسمع صراخ النساء داخل البيت فقال: هذه عطية الله وهديته في يوم الغدير فيوم الغدير يوم العطايا والهدايا. وما أعظم هذه النظرة وهذا المنطق في التعامل مع الوجود..!
والذي وصل إلى مرحلة يرضى بالقضاء خيره وشره ومره وحلوه، فقد بلغ بلوغين؛ بلوغ فكري وبلوغ قلبي. أما بلوغه الفكري فهو يعتقد أن الله عز وجل وهو الرب الودود لا يمكن أن يكتب لعبده المؤمن إلا ما فيه الخير والصلاح. وأما بلوغه القلبي، فهو لا يرى لنفسه وجودا وكيانا في قبال الله عز وجل، وهذا ما نستشفه من سيرة الرضا (ع).
رأفة الإمام الرضا (عليه السلام) بالجلودي المجرم
يشتكي بعض المؤمنين من ظلم الزوجة وتشتكي المؤمنات ظلم الزوج ويشتكي رب العمل ظلم عامله والعامل ظلم رب العمل وهكذا. وهنا لا بد من الرجوع إلى السيرة الرضوية وقصة من قصصه التي تبين سعة صدره وعفوه المقتبس من عفو الله ورأفته التي سمي لأجلها الإمام الرئوف حتى نتأسى بها جميعا.
تتحدث هذه القصة عن شخص باسم الجلودي كان قد هجم على دور أبي طالب في المدينة ومنهم أبي الحسن الرضا (ع) ليسلب النساء من آل النبوة، تقول الرواية: (كَانَ اَلْجَلُودِيُّ فِي خِلاَفَةِ اَلرَّشِيدِ لَمَّا خَرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِالْمَدِينَةِ بَعَثَهُ اَلرَّشِيدُ وَأَمَرَهُ إِنْ ظَفِرَ بِهِ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ وَأَنْ يُغِيرَ عَلَى دُورِ آلِ أَبِي طَالِبٍ وَأَنْ يَسْلُبَ نِسَاءَهُمْ وَلاَ يَدَعَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إِلاَّ ثَوْباً وَاحِداً فَفَعَلَ اَلْجَلُودِيُّ ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ مَضَى أَبُو اَلْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَصَارَ اَلْجَلُودِيُّ إِلَى بَابِ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَانْهَجَمَ عَلَى دَارِهِ مَعَ خَيْلِهِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ جَعَلَ اَلنِّسَاءَ كُلَّهُنَّ فِي بَيْتٍ وَوَقَفَ عَلَى بَابِ اَلْبَيْتِ فَقَالَ اَلْجَلُودِيُّ لِأَبِي اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ أَدْخُلَ اَلْبَيْتَ فَأَسْلُبَهُنَّ كَمَا أَمَرَنِي أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَا أَسْلُبُهُنَّ لَكَ وَأَحْلِفُ أَنِّي لاَ أَدَعُ عَلَيْهِنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَخَذْتُهُ فَلَمْ يَزَلْ يَطْلُبُ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُ لَهُ حَتَّى سَكَنَ فَدَخَلَ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَمْ يَدَعْ عَلَيْهِنَّ شَيْئاً حَتَّى أَقْرَاطَهُنَّ وَخَلاَخِيلَهُنَّ وَإِزَارَهُنَّ إِلاَّ أَخَذَهُ مِنْهُنَّ وَجَمِيعَ مَا كَانَ فِي اَلدَّارِ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ). وما أقساها من حادثة على قلب الرضا (ع) وهو بقية الباقين ووريث النبوة أن يسلب بيده بنات النبوة.
ثم مرت الأيام واستقر الإمام في طوس ونودي باسمه بولاية العهد وضربت باسمه النقود وإذا بهذا المجرم يدخل على المأمون بجرمية اقترفها والسلطة غاضبة عليه، تقول الرواية: (فَلَمَّا كَانَ فِي هَذَا اَلْيَوْمِ وَأُدْخِلَ اَلْجَلُودِيُّ عَلَى اَلْمَأْمُونِ قَالَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ هَبْ لِي هَذَا اَلشَّيْخَ فَقَالَ اَلْمَأْمُونُ يَا سَيِّدِي هَذَا اَلَّذِي فَعَلَ بِبَنَاتِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مَا فَعَلَ مِنْ سَلْبِهِنَّ فَنَظَرَ اَلْجَلُودِيُّ إِلَى اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَهُوَ يُكَلِّمُ اَلْمَأْمُونَ وَيَسْأَلُهُ عَنْ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ وَيَهَبَهُ لَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ يُعِينُ عَلَيْهِ لِمَا كَانَ اَلْجَلُودِيُّ فَعَلَهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَبِخِدْمَتِي لِلرَّشِيدِ أَنْ لاَ تَقْبَلَ قَوْلَ هَذَا فِيَّ فَقَالَ اَلْمَأْمُونُ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ قَدِ اِسْتَعْفَى وَنَحْنُ نُبِرُّ قَسَمَهُ ثُمَّ قَالَ لاَ وَاَللَّهِ لاَ أَقْبَلُ فِيكَ قَوْلَهُ أَلْحِقُوهُ بِصَاحِبَيْهِ فَقُدِّمَ وَضُرِبَ عُنُقُهُ)[٥]. ولا عجب من تصرف الرضا (ع) وعفوه عن الجلودي وهو ابن أمير المؤمنين (ع) الذين كان يوصي خيرا بقاتله ابن ملجم.
ونحن لا نسرد هذه القصص لنرفع من مستوى الأمل بالشفاعة يوم القيامة وإنما لنستفيد منها عمليا ونتأسى بالرضا (ع) في العفو عمن يستثير غضبنا وصلة من قطعنا، والإحسان إلى من أساء إلينا، وهذه سنن النبي (ص) والمعصومين (ع) جميعا.
تواضع الإمام الرضا (عليه السلام)
ومن القصص التي تبين تواضع الإمام (ع) ما رواه ابن شهرآشوب في كتابه المناقب حيث قال: (دَخَلَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ اَلْحَمَّامَ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ اَلنَّاسِ دَلِّكْنِي فَجَعَلَ يُدَلِّكُهُ فَعَرَّفُوهُ فَجَعَلَ اَلرَّجُلُ يَسْتَعْذِرُ مِنْهُ وَهُوَ يُطَيِّبُ قَلْبَهُ وَ يُدَلِّكُهُ)[٦]. لقد استمر الإمام (ع) في تدليكه بعد أن عرف الرجل أنه الإمام تواضعا منه (ع). والحال أنك ترى بعض المؤمنين عندما تريد الحديث معه لا تدري من أي باب تدخل عليه خوفا من غضبه وانفعاله. ولقد كان النبي (ص) متواضعا رحيما فعن ابن مسعود قال: (أَتَى اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ رَجُلٌ يُكَلِّمُهُ فَأُرْعِدَ فَقَالَ هَوِّنْ عَلَيْكَ فَلَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا اِبْنُ اِمْرَأَةٍ كَانَتْ تَأْكُلُ اَلْقَدَّ)[٧]. فقد أخذت الرجل هيبة النبوة فأخذ يرتعد والنبي (ص) يسكن من روعه.
البزنطي وافتخاره بإكرام الرضا (عليه السلام) له
وقصة أخرى ينقلها لنا البزنطي وهو من خواص أصحاب الرضا (ع)، يقول: (بَعَثَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَيَّ بِحِمَارٍ فَرَكِبْتُهُ وَأَتَيْتُهُ وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ بِاللَّيْلِ إِلَى أَنْ مَضَى مِنْهُ مَا شَاءَ اَللَّهُ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْهَضَ قَالَ لاَ أَرَاكَ أَنْ تَقْدِرَ عَلَى اَلرُّجُوعِ إِلَى اَلْمَدِينَةِ قُلْتُ أَجَلْ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ فَبِتْ عِنْدَنَا اَللَّيْلَةَ وَاُغْدُ عَلَى بَرَكَةِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلْتُ أَفْعَلُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ يَا جَارِيَةُ اُفْرُشِي لَهُ فِرَاشِي وَاِطْرَحِي عَلَيْهِ مِلْحَفَتِيَ اَلَّتِي أَنَامُ فِيهَا وَضَعِي تَحْتَ رَأْسِهِ مَخَادِّي قَالَ قُلْتُ فِي نَفْسِي مَنْ أَصَابَ مَا أَصَبْتُ فِي لَيْلَتِي هَذِهِ لَقَدْ جَعَلَ اَللَّهُ لِي مِنَ اَلْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُ وَأَعْطَانِي مِنَ اَلْفَخْرِ مَا لَمْ يُعْطِهِ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِنَا بَعَثَ إِلَيَّ بِحِمَارِهِ فَرَكِبْتُهُ وَفَرَشَ لِي فِرَاشَهُ وَبِتُّ فِي مِلْحَفَتِهِ وَوُضِعَتْ لِي مَخَادُّهُ مَا أَصَابَ مِثْلَ هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ وَهُوَ قَاعِدٌ مَعِي وَأَنَا أُحَدِّثُ فِي نَفْسِي فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا أَحْمَدُ إِنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَتَى زَيْدَ بْنَ صُوحَانَ فِي مَرَضِهِ يَعُودُهُ فَافْتَخَرَ عَلَى اَلنَّاسِ بِذَلِكَ فَلاَ تَذْهَبَنَّ نَفْسُكَ إِلَى اَلْفَخْرِ وَتَذَلَّلْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاِعْتَمَدَ عَلَى يَدِهِ فَقَامَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)[٨].
من الدروس التي نستفيدها من سيرة الرضا (ع)، الالتزام بالشريعة وأحكامها والثبات في السير إلى الله عز وجل في السفر والحضر. فهناك بعض المؤمنين إذا ما ابتعد عن أجواء العبادة والمسجد والجماعة ينتكس وكأنه معفي عن كل شيء في السفر، ولكن الرضا (ع) يترك مدينة جده (ص) متجها إلى طوس ولكنه يبقى محافظا على أذكاره وأوراده وعبادته بأحسن ما يكون، وكذلك كان المسلمون في صدر الإسلام حينما أمرهم النبي (ص) وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب الهجرة إلى الحبشة فقد التزموا بالأحكام وعبدوا الله سبحانه كما كان يعبده المسلمون وهم حول النبي (ص) في المدينة، وقد ذهب أمير المؤمنين (ص) إلى اليمن بأمر من النبي (ص) وأسلم على يديه العشرات من أهلها، وهكذا دأب المؤمن لا يتغير برنامجه السلوكي بتغير الزمان والمكان وإنما يتخذ إلى ربه سبيلا في كل مكان وزمان أمكنه ذلك.
خلاصة المحاضرة
- لقد بين لنا الجواد ع علة تسمية الرضا ع بذلك: (لِأَنَّهُ رَضيَ بهِ اَلْمُخَالِفُونَ مِنْ أَعْدَائهِ كَمَا رَضيَ اَلْمُوَافِقُونَ مِن أَوْلِيَائِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ مِنْ بَيْنِهِمُ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ).
- لقد وصل الرضا (ع) إلى أعلى درجات الثبات واشتهر في العالم الإسلامي حيث رأى المأمون بأن حكمه لا يثبت وسلطانه لا يدوم إلا بالاستعانة بالإمام الرضا (ع)، ولهذا أجبره على الهجرة من مدينة جده (ص) قاطعا البراري والقفار حتى يقبل الإمام (ع) ولاية العهد.