إن مناسبة عيد الغدير تكسب تلك الأهمية الخاصة، لارتباطها بحياة المؤمنين طوال السنة؛ لأنها تثبت أصلا من أصول الدين.. بينما بقية الأعياد، فهي مرتبطة بفروع الدين.. ومن هنا نرى التأكيد الكثير على مثل هذا اليوم العظيم، فهو عيد الله الأكبر!..
إن هناك محطات ملفتة في عيد الغدير، هذه المحطات تستحق التأمل.. فالبعض يحتفل بالمناسبة، ولا يدخل في عمق المناسبة، وما فيها من دروس وعبر:
أولاً: النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ادخر هذا الموقف لحجة الوداع، آخر حجة للنبي الأكرم (ص): (قد دُعيت ويوشك أن أجيب، وقد حان مني خفوق من بين أظهركم، وإني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا من بعدي: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض.. ثم نادى بأعلى صوته: ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟.. قالوا: اللهم!.. بلى، فقال لهم على النسق من غير فصل، وقد أخذ بضبعي أمير المؤمنين (ع) فرفعها حتى بان بياض إبطيهما: “فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهم!.. وال من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله”).
يفهم من هذا الموقف أن القضية هي في منتهى الأهمية، فالقضية ليست دعوة إلى محبة علي، وإنما هي لجعله وصيا من بعد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).. لأن مبدأ الوصاية مبدأ فطري: فالناس عامة عندما يسافر أحدهم، يستخلف شخصاً معيناً على أهله.. وكذلك هو مبدأ أنبيائي: فموسى (عليه السلام) عندما غاب أربعين يوما، خلف هارون على قومه.. والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، كذلك اتبع هذه السنة الفطرية والأنبيائية.
ثانياً: إن من الأمور الملفتة، ربط الأعياد بالعبادات.. فيوم الغدير هو يوم الولاية، ولكن المستحبات في ذلك اليوم، هي: الصلاة بين يدي الله -عز وجل-، والسجود لله شكرا على هذه النعمة!..
وعليه، فإن القضية قضية ولاية، ولكن حتى يوم الولاية إنما هو دعوة للتوحيد.. فمن أعمال ما بعد زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) أن يصلي الزائر ركعتين، ويقول بعدها: (اَللّـهُمَّ!.. إِنّي صَلَّيْتُ وَرَكَعْتُ وَسَجَدْتُ لَكَ وَحْدَكَ لا شَريكَ لَكَ، لأنَّ الصَّلاةَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لا تَكُونُ إلاّ لَكَ لأنَّكَ أنْتَ اللهُ لا اِلـهَ إلاّ أَنْتَ.. اَللّـهُمَّ!.. صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَاَبْلِغْهُمْ عَنّي اَفْضَلَ التَّحِيَّةِ وَالسَّلامِ، وَارْدُدُ عَلَيَّ مِنْهُمُ التَّحِيَّةَ وَالسَّلامَ.. اَللّـهُمَّ!.. وَهاتانِ الرَّكْعَتانِ هَدِيَّةٌ مِنّي إلى مَوْلايَ وَسَيِّدي وَإمامي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ عَلَيْهِمَا السَّلامُ.. اَللّـهُمَّ!.. صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَتَقَبَّلْ ذلِكَ مِنّي، وَاجْزِني عَلى ذلِكَ أفْضَلَ أمَلي وَرَجائي فيكَ وَفِي وَلِيِّكَ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ).. فالزائر وهو بجوار قبر المعصوم، يصلي إلى جهة القبلة، ويكون هدفه ومقصده رب العالمين.. وبالتالي، فإن هناك ارتباطا وثيقا بين مبدأ الولاية، وبين مبدأ التوحيد.
وقبول هذه الولاية لها لوازم، {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ}.. عندما قلنا: بلى، عندئذ وجب علينا أن نلتزم بالشريعة.. أيضا الذي قبل الولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام، عليه لوازم.. عن الباقر (عليه السلام): (إنّ أعظم الناس حسرةً يوم القيامة، مَنْ وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره)؛ أي أن الإمامي الذي يدعي بأنه على خط أئمة أهل البيت (عليهم السلام)؛ وفي مقام العمل لا يسلك سلوكهم؛ هو أشد الناس حسرة يوم القيامة!..
فإذن، إن قبول الولاية لها ضريبة، وضريبتها كما قال صاحب الولاية، حيث عرف (عليه السلام) عجز الأمة عن مجاراته في زهده، فوجّههم لما هو أدنى من ذلك قائلاً: (أما إنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني: بورع، واجتهاد، وعفّة، وسداد).
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.